عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

الفيض الإلهي والمراتب الإنسانية

الفيض الإلهي والمراتب الإنسانية :
السؤال الآخر هو هل ان تعليم الاسماء خاص بالناس الأسوة والنموذجيين ، أم يتعلق بأي إنسان ؟ ولأن ( أسماء ) جمع محلى بألف ولام يتضمن جميع الحقائق والمعارف ، إذا استطاع شخص الوقوف صحيحاً على الميثاق الذي عقده ، ويكون ملتزماً على أساس الإلهام الذي تلقاه ، ويكون ثابتاً على اساس الفطرة التي فطر عليها ، و يكون معصوماً تماماً على أثر المارقبة والمحاسبة ، مثل هذا الشخص يصل إلى جميع الاسماء ، وإذا لم يحصل على أي من الأمور المذكورة في أية مرحلة يكون مصداق الآية الكريمة التي تقول :
( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) (1) .
مثل هذا الشخص لا يحقق أية استفادة ، وإذا كان في حد حياة حيوانية ، يحصل على فائدة حيوانية ، عند ذلك يكون بين هؤلاء الذين يحملون فائدة حيوانية وبين أولئك الذين هم في أوج الإنسانية مراتب وكل منهم يتعلم بدوره إسماً من الأسماء الحسنى ، حتى تصل إلى العترة الطاهرة عليهم السلام الذين يعلمون الاسماء ، وهم مظهر تام للأسماء الحسنى من باب ( إتحاد العالم والمعلوم ) ، لذا روي عن الإمام الصادق عليه السلام في ذيل الآية الكريمة :
( ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها ) (2) .
قوله :
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 74 .
(2) سورة الأعراف ، الآية : 180 .


(118)


« نحن والله الاسماء الحسنى » (1) .

اتحاد العاقل والمعقول أو العالم والعلم :
ورد في الكتب الفلسفية ان العالم والمعلوم أو العاقل والمعقول متحدان ، ومحور الوحدة أو الاتحاد ليس خارج حدود الروح . بيان مسألة هو ان هناك ستة أمور مطروحة في مسألة ( إتحاد العاقل والمعقول ) ، أربعة منها خارج محور البحث ، وأمران فقط يقعان في محوره فمثلاً إذا أدرك شخص حيقة شيء خارج ، يسمى الشجر ، وكان متخصصاً بالاشجار ، وعرف كيف تنمو الشجرة ، وأين تزرع ، وما هي آفتها ، وكيف تعالج ، وكيف تثمر ، ولماذا لا تثمر ، مثل هذا الشخص يصبح مهندساً زراعياً .
ان الشجرة التي في الخارج لها ماهية باسم ( الجنس النامي ) ولها وجود غرست بذلك الوجود في بستان وأصبحت ( الشجرة موجودة ) . الماهية الخارجية ، والوجود الخارجي للشجر ليس داخلاً رأساً في مسألة اتحاد العاقل والمعقول . من ناحية أخرى ، الإنسان المدرك والعالم بهذه الشجرة الخارجية ، له ماهية باسم حيوان ناطق ، وله وجود وهو وجود إنساني ، هنا أيضاً ماهية الإنسان غير داخلة في مسألة اتحاد العاقل والمعقول ، لكن وجوده داخل في البحث . من ناحية أخرى والآخر وجود تلك الماهية لدى العالم ، هذا الوجود ، هو العلم الذي يعتبر المهندس بواسطته عالماً بماهية الشجرة ، هنا أيضاً تلك الماهية أو المفهوم الذي في الذهن هو خارج رأساً من محل البحث ، فبين هذه الأمور الستة ( وجود الإنسان وماهية ، وجود الخارجي وماهيتها ، وجود الشجرة الذهني
____________
(1) أصول الكافي ، ج 1 ص 144 ، الباب 23 .


(119)


وماهية الموجود في الذهن ) تخرج ماهية الشجرة والوجود الخارجي للشجرة من البحث رأساً ، وماهية الإنسان لم تكن داخلة في البحث أيضاً ، وماهية أو مفهوم الشجرة الذهني أيضاً خارج من البحث . بناء على ذلك يظل من تلك الأمور الستة وجود الإنسان مع العلم وهذا العلم هو غير الوجود الذهني لذا فالبحث هو عن اتحاد العالم لا اتحاد العالم مع الوجود الذهني .
الفرق بين الوجود الذهني والعلم هو بعهدة الحكمة المتعالية ، لذا يطرح بحث الوجود الذهني منفصلاً عن بحث العلم في الكتب الفلسفية ، إذا نضج الإنسان يرتبط مع العلم لامع المعلوم . وهذا العلم علم بذاته ، معلوم بذاته ، عالم بذاته ، وعندما ترتبط النفس بالعلم تصبح عالمة ، وهذا الارتباط في أوائل الأمر هو بنحو الحال ، وبعد ان يصبح ملكة ويصبح هذا الشخص صاحب رأي ومجتهداً يصبح العالم عين العلم والعلم عين العالم .

مظاهر الاسماء الحسنى :
عند ذلك تبين المسالة التي ذكرها الإمام السادس ( نحن والله الاسماء الحسنى ) هكذا : انهم علم وقدرة وحكمة ومظاهر عينية للاسماء الحسنى . لأن العلم هو وجود خارجي والوجود الخارجي غير الوجود الذهني ، لذا كل شخص يسير في هذا الطريق يحمل سهماً من الاسماء الإلهية بمقدارة .
والملائكة لهم أيضاً دردات متنوعة ، والملائكة الأرضيين هم غير الملائكة السماويين ، والملائكة السماويين أيضاً ليس لهم مراتب متساوية ، ويمكن ان يصل الإنسان إلى محل يكون الملائكة في خدمته. إن الملائكة تستقبل الإنسان عند الموت وتستقبله عند الدخول إلى الجنة البرزخية أو الجنة الكبرى ويقولون :


( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) (1) .
هو من هذا القبيل . الملائكة ليسوا كلهم في مستوى ( حملة العرش ) ، بل بعض الملائكة هم خدّام الإنسان ويكون الإنسان سبباً في ظهور ذلك النوع من الملائكة ، وان هذا يتعلق قطعاً بكيفية حمل الأمانة بواسطة الإنسان وإلى أية درجة يستطيع معرفة هذا الحمل وإيصاله إلى الهدف .

درجات الإنسان من لغة القرآن :
من هذا الإنسان ؟ نقرأ في القرآن أن الإنسان أرقى من مجموعة النظام الدنيوي ويستطيع ان يعمل ما لا تستطيعه السماوات والأرض والجبال ، أحياناً نقرأ في القرآن ان الجبل أفضل وأرقى من الإنسان ، والسماء والأرض أفضل منه ، إذ فهم الإنسان ثقل الأمانة وحملها ، يعبر هذا النظام الدنيوي وإذا ظل بمستوى الظلوم الجهول يصبح مصداق :
( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ) (2) .
الله تعالى يقول للإنسان الذي يفكر في حدود البدن فقط :
( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ) (3) .
وفي آية أخرى يقول :
( إنك لم تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً ) (4) .
القرآن يقول : إن الإنسان عبر ويعبر السماوات . فإذا لم يستطع ان يوصل هذا الحمل إلى المقصد ، يقول له القرآن : ( لخلق السموات والأرض


(121)


أكبر من خلق الناس ) ويقول :
( أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسوّاها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ) (1) الإنسان يقع بين هذا النفي والإثبات ، أما يصبح أحقر من الحجر أو يذهب أبعد من جميع السماوات .

آلية البدن في جميع النشآت :
يلزم خلال هذا البحث الانتباه إلى أنه رغم ان روح الإنسان تشكل حقيقته . ولكن الإنسان يرافق البدن في كل نشأة ، ففي الدنيا له بدن ، وفي البرزخ ايضاً . وفي القيامة أيضاً ، الكلام ليس في ان الإنسان يكون بلا بدن في نشأة من النشآت ، المقصود هو أن البدن ليس هو حقيقة الإنسان ولا هو جزء من حقيقته . بل هو أداة صرفة ، الآن حيث لدينا في الدنيا جسم وروح ، تقوم الروح بجميع الأعمال ، وتتحمل الروح جميع الآلام والمتاعب أو اللذة والنشاط ، عندما تتعرض اليد إلى ضربة فإن القوة اللامسة هي التي تشعر لا جرم اليد ، كما ان قوة اللمس هذه وهي جزء من شؤون الورح إذا خدّرت وقطعت اليد قطعة قطعة لا تشعر بالألم ، الروح هي التي تشعر ، عندما نأكل ، رغم ان الفك يتحرك والأسنان تلوك ولكن الذائقة تلتذ والذائقة هي من شؤون الروح ، عندما نشرب ماء رغم ان التجرع هو عمل فضاء الفم ولكن الارتواء والشعور برفع العطش يتعلق بالروح . في الألم هكذا وفي النشاط كذلك . فالآن حيث لدينا ابدان ، فان جميع الأعمال تتولاها الأرواح والأبدان أدوات ليست أكثر ، تنقلها الأرواح من مكان إلى مكان (2) .
في جهنم المسألة على هذا المنوال أيضاً . الله تعالى يقول :
____________
(1) سورة النازعات ، الآيات : 27 ـ 29 .
(2) ديوان حكيم الأسرار ، الحاج ملا هادي السبزواري .


(122)


( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ) (1) .
لأن قوة اللمس عموماً منتشرة في جميع جرم البدن خاصة في الجلد ، وقوة اللمس هذه هي بعهدة هذا الجلد ، لذا تتبدل جلودهم لكي يشعروا بالألم أكثر ، لا أن الجلد يتألم ، بل هم يتألمون بجلد جديد ( ليذوقوا العذاب ) بناء على هذا فانه كما أن للإنسان بدناص في الدنيا كذلك له بدن في النشأة الأخرى ولكن كما أن البدن هو فرع في الدينا ، ففي النشأة الأخرى أيضاً يكون البدن فرعاً .

النساء الأسوة في القرآن (1) .
اهتمام القرآن بشخصية المرأة :
القسم الآخر للبحث هو ان نوع الكمالات التي يذكرها القرآن الكريم للمرأة هي من أجل انه كلما شعر القرآن بخطر يؤكد ذلك أكثر فأكثر ، فمثلاً حين ظهور القرآن حيث كان التوحيد في خطر وكان الشرك منتشراً ، نزلت آيات كثيرة من أجل تثبيت التوحيد والقضاء على الشرك ، ولهذا لما كانت حرمة المرأة غير محفوظة أيام نزول القرآن ، لذا أكد على مسألة حرمة المرأة أكثر من حد التوقع ، وذكر لها سهماً في جميع الشؤون وصرح بالتساوي وأمثال ذلك .
وقد ذكر القرآن قصصاً ، وبعد ان يشخص معيار القيمة في الشؤون المتنوعة ، يلاحظ نوع تلك المسائل القيمية ويذكرها ضمن قصص المرأة وضمن قصص الرجل أيضاً .
____________
(1) سورة النساء ، الآية : 56 .


(123)


القوى الثلاث للنفس :
في الإنسان تكمن ثلاث قوى ، قوة جاذبة ، وقوة دافعة ، وقوة تفكر ، والقرآن الكريم يصور في ثلاثة أقسام جنود العقل والجهل الذين يعودون كلهم إلى الروح وعددهم مائة وخمسون عدداً ( ذكر العدد بعنوان مثال وتمثيل لا تعيين ) خمسة وسبعون عدداً جنود العقل وخمسة وسبعون عدداً جنود الجهل . بعضهم يتعلق بالعلم والفكر وبعض آخر يتعلق بالجاذبة التي يعبر عنها بالشهوة وبعض آخر يتعلق بالدافعة باسم الغضب .
ان ما نراه في انفسنا ونتذكره عن الآخرين هو ان جميع أعمال الإنسان تتلخص في هذه الاقسام الثلاثة وإذا كانت الكتب الأخلاقية تؤكد على هذه المعايير الثلاثة فهو من أجل أن الأخلاق هي لتربية النفس وقوى النفس وان ما كشف حتى الآن هي هذه القوى الثلاث وكل عمل يتعلق بقوته الخاصة .
الإنسان له فكر وقوة تفكر ، له جاذبة وقوة تجذب ، له دافعة وقوة تدفع . كل أعمال الإنسان تعود إلى هذه الشؤون الثلاثة و ( العدالة الكبرى ) هي تعديل هذه القوى الثلاثة .
بعد أن يذكر القرآن الكريم كل هذه الفضائل يأتي لكل واحدة منها بمثال ، سواء في قسم العلم ، أو في قسم الشهوة أو في قسم الغضب .

الأسوات العلمية :
أما في الأقسام العلمية : فإذا كان الكلام عن تعليم الاسماء فانه يحول ذلك إلى الإنسانية ، حين يطرح قضية آدم عليه السلام ويقول :
( فتلقى آدم من ربه كلمات ) (1) .
ورد في تبيين وتفسير ( كلمات ) أن المقصود هي أنوار العترة
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 37 .


(124)


الطاهرة ، وهي مقامات علمية تلقاها آدم عليه السلام . وحصل سبب نجاته ، وكما ان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يضيء هناك ، كذلك فاطمة الزهراء عليها السلام تضيء هناك ، وأن فاطمة الزهراء عليهم السلام أصبحت معروفة ومشهورة لا من أجل ان المرأة تلخصت في فاطمة الزهراء فقط ، بل بسبب أنها أرقى من الأخريات . كما أن المعصومين الآخرين ليسوا معروفين مثل أمير المؤمنين وفي العرف حين يريدون ذكر مثل يضربون مثلاً بالإمام علي ، فكما ان أمير المؤمنين عليه السلام أصبح معروفاً وقدوة بين المعصومين ، كذلك اشتهرت فاطمة الزهراء عليها السلام بين النساء ، وإلا فهناك نساء كثيرات كن يتمتعن بالعصمة وبالكمال المتعارف وفوق المتعارف ، ولكن علة ان فاطمة الزهراء عرفت بين النساء هي نفس العلة التي أدت إلى معروفية الإمام علي بين الأئمة عليهم السلام خلاصة الكلام ، ان المراد من لفظ كلمات في الآية الشريفة (
فتلقى آدم من ربّه كلمات ) هي الاسماء الإلهية ، وأبرز مصداق الاسماء الإلهية هم العترة الطاهرة حيث تسطع من بينهم فاطمة الزهراء عليها السلام .
وفي مقام بيان قوة الجذب وتعريف ملكة العفاف يأتي بتمثيل عن الرجل وعن المرأة أيضاً . والآن يجب ان نرى هل أن الرجل قال في هذه الساحة كلاماً أكثر عفة ، أم أن المرأة ذكرت بياناً أكثر عفة في هذا المقام ؟

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السيد أبو الحسن جلوة الزواري
الاسرة والغزو الثقافي
هل يمكن أن نكون سعداء في حياتنا؟
الإمام الصادق عليه السلام والتفسير العرفاني
تكوين الأسرة المسلمة
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
كلامه عليه السلام في النساء – الثاني
الغناء والرقص زمن الدولة الاموية
قصة مريم في القرآن
فصل (انقسام حقيقة الإنسان و حالاته بالاعتبار)

 
user comment