عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

البلاغات من أساليب الأداء للحديث الشريف في التراث الإسلامي

البلاغات من أساليب الأداء للحديث الشريف في التراث الإسلامي
السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ
بسم الله الرّحمن الرّحيم لقد تحدّثنا حول (صيغ التحمّل والأداء للحديث الشريف) في بحثين مطوّلين نشرا في فترات سابقة: أحدهما استوعب سائر الألفاظ 1 ، والآخر اختصّ بما دار حول لفظ «عن» من الأبحاث؛ لغةً واصطلاحاً 2 . و ذكرنا في البحث الثاني أنّ لكلمة « عن » في الأسانيد حالات عديدة فصّلنا الكلام عنها ، وبقيتْ حالة أُخرى لاستعمال «عن» هي الرابعة ، لم يذكرها علماء الحديث مع أنّها متداولة ، وهي المستعملة مع قول الراوي: «بلغني عن فلان» أو «عن فلان» 3 . وقد وقع هذا في تراث العامّة بكثرة ، وورد في تراثنا قليلاً جدّاً ، وموارده على



1) مجلة علوم الحديث ، العدد (1) ص84 ـ 182.
2) نفس المصدر ، العدد (3) ص55 ـ 174.
3) نفس المصدر ، العدد (3) ص83 ـ 85.

قلّتها عندنا ظاهرة في الانقطاع. مثل ما أُسْنِدَ إلى ابن سيّابة ، قال: بَلَغَنا عن أبي جعفرعليه السّلام 1 . والراوي لم يلق أبا جعفر عليه السّلام كما يظهر من كتب الرجال. وما نُقل عن نصر بن قابوس في قوله لأبي الحسن الماضي ـ وهو الإمام الكاظم عليه السّلام ـ: بَلَغَني عن أبيك 2 . ويقصد بقوله: «أبيك» جدّه الإمام الحُسين عليه السّلام ، فليلاحظ. ويمكن أن يُفهم عدم إرادة الاتّصال ـ في هذين الموردين ـ من أنّ الراويَيْن هنا بصدد الاحتجاج والاستدلال ، لا النقل والرواية. نعم ، ورد في بعض أحاديث الإمام الباقر أبي جعفرعليه السّلام قوله: «بَلَغَني أنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم قال» 3 ،أو: «بَلَغَني أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم كان يقول» 4 . وهو حديث مؤنّن ، وليس بمعنعن ، وهو يفيد تحقيق بلوغ المرويّ إلى الراوي الذي هو الإمام عليه السّلام . مع أنّ البحث عن روايات الأئمّة عليهم السّلام يختلف ، لِما ثبت في حقّهم مِن كون مايروونه كلّه متّصلاً بالرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم وإن كان بظاهر الإرسال ، لِما ثبت عنهم من القاعدة العامّة في أنّ حديثهم حديث آبائهم عن جدّهم صلّى الله علي هم أجمعين ، وقد أثبتناه في موضع آخر 5 . كما وردت كلمة «بلغ» متعدّية بالباء في قول الراوي «بلغ به أبا عبدالله عليه السّلام » 6



1) المحاسن ـ للبرقي ـ 1/296.
2) المؤمن ـ للأهوازي ـ: 47.
3) المحاسن 1/60.
4) المحاسن 2/461.
5) راجع بحث «أسند عنه» المنشور في مجلّة «تراثنا» العدد الثالث ، السنة الأُولى.
6) المحاسن 2/622.

 و «بلغ به زرارة» 1 . ولا ريب أنّ المقصود ـ هنا ـ معناها اللغوي بمعنى «رفع» ونحوه. وأكثر ما استعمله من العامّة هو مالك بن أنس ـ صاحب «الموطّأ» ـ حتّى اشتهرت موارده بـ : «بلاغات مالك». ويقال في التعبير عنه عند الأداء: «قال في ما بلغه» أو «رواه بلاغاً». والفعل «بَلَغَ» بمعنى وَصَلَ ، وفاعله الحديث البالغ إلى الراوي ، والمجرور بـ «عن» هو المبلَّغ عنه ، وأمّا المبلِّغ فهو غير مذكور في ظاهر اللفظ ، فيكون الحرف« عن» بمعنى «التجاوز» على ما هو الأصل فيه ، والمعنى: أنّ الحديث تجاوزفلاناً وبَلَغني ، وا لواسطة في النقل عنه إلى الراوي غير مذكورة. هذا ما استظهره المحدّثون من البلاغ ، وحملوا عليه بلاغات مالك بالخصوص. والدليل على هذا الاستظهار أُمور:
1 ـ قال المارديني:
ما ذكره أبو عبيدة بلاغ لم يُذكر مَنْ بلّغه ليُنظر في أمره 2 .
2 ـ تعبيرهم عن المرسَل وغير المتّصل بـ «البلاغ»:
قال البيهقي في حديثٍ رواه أبو بكر ابن حزم: لم يسمعه من ابن مسعودالأنصاري ، وإنّما هو بلاغ بلغه ، وقد روي ذلك في حديث آخر مرسَل 3 . وقال ـ أيضاً ـ في حديثٍ لابن سيرين وقتادة عن ابن عبّاس: هذا بلاغ بلغهما ، فإنّهما لم يلقيا ابن عبّاس 4 . ونقله المارديني عن البيهقي في الخلافيّات ، في حقّ ابن سيرين عن ابن عبّاس.
3 ـ حكمهم على ما أورده مالك بلاغاً ، بالإرسال ـ تارةً ـ وبالانقطاع ـ



1) المحاسن 2/465.
2) الجوهر النقي 8/31.
3) السنن الكبرى 1/362.
4) السنن الكبرى 1/266 والجوهر النقي 1/266.

أُخرى ـ وبالإعضال ـ ثالثة ـ :
1 ـ فقد نفوا أن يكون «الموطّـأ» من كتب الصحاح ـ كما ادّعاه بعضهم 1 ـ استناداً إلى ما فيه من «المراسيل» التي هي بلاغاته 2 . 2 ـ جزم الشافعي ـ إمام المذهب ـ في رواية رواها مالك بلاغاً ، بأنّ طرقه ليس فيها شي ء موصول 3 . وقال ابن الصلاح في بلاغ له: فهذا منقطع؛ لأنّ الزهري لم يسمع من ابن عبّـاس 4 . وقال الأندلسي: هذا الحديث عند مالك بلاغ لم يُسنده 5 . 3 ـ وحكموا على بعض بلاغاته بالإعضال 6 . 4 ـ محاولة بعضهم أنّ يجد للبلاغات طرقاً أُخرى يثبت بها الاتّصال ، كماسيأتي ، فإنّ هذا يدلّ على عدم اتّصال البلاغ في نفسه. ومن هنا فإنّ البلاغ ـ في نفسه ـ إنّما هو من نسق المرسَل أو المنقطع أوالمعضل ، وكلّ واحد من هذه يُعدّ قسيماً «للصحيح» عند العامّة ، وهو يشترط فيه الاتّصال ، وكلّ واحد منها أسوأ حالاً من الآخر 7 . وهذا هو الأصل والقدر المتيقّن الذي يمكن أن يقال في حقّ البلاغات. ولقد تجرّأ ابن حزم على الإفصاح عن هذه الحقيقة في بعض الموارد ، فقال في



1) الموطّأ لمالك ، المقدّمة (ص هـ) ولاحظ مقدّمة ينابيع المودّة ـ للقندوزي ـ.
2) الباعث الحثيث: 31 ـ 32 ، علوم الحديث ـ لصبحي الصالح ـ: 304.
3) لاحظ: فتح العزيز 9/150 ـ 151 والنووي في المجموع 13/52.
4) علوم الحديث: 43.
5) معجم ما استعجم 4/1190.
6) علوم الحديث ـ لابن الصلاح ـ: 60 ـ 61.
7) علوم الحديث ـ لصبحي الصالح ـ: 172 ـ 173 ، ولاحظ: منهج النقد: 251. 

(بلاغ) نقله عن «الموطّـأ»: هذا «بلاغ» لا يصحّ 1 . وقال في مورد آخر: هو عن ابن عمر «بلاغ» كاذب 2 . كما استضعف البيهقي وغيره بعض ما روي بالبلاغ 3 . وللدهلوي كتاب «المصفّى» باللغة الفارسية ، شرح فيه «الموطّـأ» فجرّد فيه الأحاديث ، وحذف أقوال مالك وبعض بلاغاته 4 . وممّا يدلّ على أنّ البلاغ في نفسه مؤدٍّ إلى التوقّف ، هو ما ذكره ابن حجر في ترجمة (محمّد بن الحسن بن محمّـد رضي الدين الأسعد) بقوله: كان بعض أُصوله (بلاغات) فيها نظر 5 . والتفريق بين هذا الرجل ، وبين رجل مثل مالك ، لمجرّد التشخُّص من التجوّه المذموم قطعاً. وقد بُذِلتْ محاولات يائسة ، للخروج من الحكم على بلاغات مالك بالانقطاع ، أو الضعف: منها: محاولة إيصال الأحاديث المرويّة بالبلاغ من طرق أُخـرى: فقد أجهد ابن عبدالبرّ نفسه في «التمهيد» فوصل بلاغات مالك جميعاً خـلا أربعة أحاديث لم يصل أسانيدها 6 . وصنّف كتاباً في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل ، قال: ما فيه



1) المحلّى 3/88.
2) المحلّى 8/444.
3) السنن الكبرى 4/222 والجوهر النقي 4/223.
4) فهرس الفهارس: 1121.
5) لسان الميزان 5/127 رقم 428.
6) الموطّأ ـ المقدّمة ـ 1/دال ، وقد ذكر الأحاديث تلك ،وممّا لم يوجد لها أصل ما ذكره ابن حجر في لسان الميزان 3/31 رقم 106 ترجمة سعيد المهري و ج 4/336 رقم 953 ترجمة عمر ابن نعيم.

من قوله: (بلغني) ومن قوله: (عن الثقة عنده ) مما لم يسنده: أحد وستون حديثاً؛ كلّها مسندة من غير طريق مالك إلّا أربعة ، لا تُعرف 1 . لكنّ ابن الصلاح وصل الأربعة الباقية في جزء خاصّ 2 . وألّف العلّامة المحدّث أحمد بن محمّـد بن الصدّيق الغماري كتاب «البيان والتفصيل لوصل ما في الموطّأ من البلاغات والمراسيل» 3 . أقول: حاول بعض المتعصّبين للموطّأ ولمالك إثبات أنّ البلاغات كلّها متّصلة هادفاً إلى التسوية بينه وبين البخاري في الالتزام بالصحّة؛ فقال - بعدأن نقل عن ابن الصلاح أنّه وصل الأحاديث الأربعة التي لم يذكر لها سند - ما نص ّه: فظهر أنّه لا فرق بين الموطأ والبخاري ، وصحّ أنّ مالكاً أوّل من صنّف الصحيح كما ذكره ابن عبد البرّ وابن العربيّ القاضي والسيوطي ومغلطاي وابن ليون وغيرهم ، فافهم ! 4 وقال آخر: والعجب من ابن الصلاح! كيف يطّلع على اتصال جميع أحاديث الموطّأ ، حتى وصل الأربعة التى اعترف ابن عبد البرّ بعدم الوقوف على طرق اتّصالها ، ومع هذا؛ لم يزلْ مقدّماً للصحيحين عليه في الصحّة!! مع أنّ الموطّأ هو أصلهما ، وقد انتهجا منهجه في سائر صنيعه ، وأخرجا أحاديثه من طريقه ، وغاية أمرهما أنّ ما فيهما من الأحاديث أزيد ممّا فيه 5 . قال الناقل لكلّ هذا وهو المحقّق للموطأ: عرضتُ هذا على القاضي الفاضل الأستاذ أحمد محمّد شاكر فأملى عليّ ما يأتي: ولكنّه لم يذكر الأسانيد التي قال



1) الموطّأ ـ المقدّمة ـ 1/هـ ،
2) منهج النقد: 251 ، ولاحظ: الموطّأ 1/هاء ، وانظر: فهرس الفهارس: 523 ، وقـد بالغ فيه حيث قال:« وتوهّـم بعض العلمـاء أنّ قـول الحـافظ أبي عمر ابن عبـد البرّ يدلّ على عدم صحّتها ،وليس كذلك! إذ الانفراد لا يقتضي عدم ا لصحّة ، لا سيّما من مثل مالك»؟!
3) فتح الملك العلي ـ المطبوع مع «عليّ بن أبي طالب عليه السّلام إمام العارفين» ـ: 119 رقم 32.
4) الموطّأ ـ المقدّمة ـ 1/هـ ،
5) الموطّأ ـ المقدّمة ـ 1/دال

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

دعاء في آخر ليلة من شعبان
أسند عنه
الجنة لمن زارها
لـمـــاذا كــــتـم جـمـــاعـــــة مــن ...
غزة
من وصايا الإمام الباقر (عليه السلام)
منزلة القرآن الكريم في خطب أمير المؤمنين في نهج ...
آراء المستشرقين ومواقفهم من القرآن
فضلِ السَّخاء و الجود
من هم الذين يحبهم الله؟

 
user comment