عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

تتمّة فيها فوائد مهمّة-2

النوع الثالث :

ما يتضمّن اُصول العقائد من إثبات الخالق الأزلي وتوحيده ، أعني نفي الشريك عنه ، وصفاته الثبوتية والسلبية ، وما إلى ذلك من تقديسه وتنزيهه ، وأسمائه الحسنى وصفاته العليا , وتعالي قدرته وعظمته ، ثمَّ النبوّة والإمامة والمعاد , وما يتّصل به من البرزخ والنشر والحشر , ونشر الصحف والحساب , والميزان والصراط , إلى جميع ما ينظم في هذا السلك .

إلى أن ينتهي إلى مخلوقاته (جلّ شأنه) من السماء والعالم , والنجوم والكواكب , والأفلاك والأملاك , والعرش والكرسي , إلى أن ينتهي إلى الكائنات الجوية من الشهب والنيازك , والسحاب والمطر , والرعد والبرق , والصواعق والزلازل ، والأرض وما تحمله وما يحملها ، والمعادن والأحجار الكريمة ، والبحار العظيمة وخواصها وما فيها ، والأنهار ومجاريها ، والرياح ومهابها وانواعها ، والجن والوحوش وأنواع الحيوان بحرياً أو برياً أو سمائياً ، إلى أمثال ذلك ممّا لا يمكن حصره ولا يحصر عدّه ؛ فإنّ الأخبار عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السّلام) قد تعرّضت لجميع ذلك ، وقد ورد فيها من طرق الفريقين الشيء الكثير .

وفي الحقِّ أنّ هذا من خصائص دين الإسلام ودلائل عظمته , وسعة معارفه وعلومه ؛ فإنّك لا تجد هذه السعة الواردة في أحاديث المسلمين في دين من الأديان مهما كان ، ولكن الضابطة في هذا النوع من الأخبار أنّ ما يتعلّق منه بالعقائد واُصول الدين من التوحيد والنبوّة ؛ فإن كان ممّا يطابق البراهين القطعية والأدلّة العقلية والضرورية يعمل به ، ولا حاجة إلى البحث عن صحة سنده وعدم صحته , وهذا مقام ما يقال : إنّ بعض الأحاديث متونها تصحّح أسانيدها .

وإن كان ممّا لم يشهد له البرهان , ولم تؤيّده الضرورة ، ولكنه في حيز الإمكان ينظر ؛ فإن كان الخبر صحيح السند صحّ الالتزام به على ظاهره , وإلاّ فإن أمكن صرفه عن ظاهره وتأويله بالحمل على المعاني المعقولة تعيّن تأويله , وإن لم يمكن تأويله وكان مضمونه منافياً للوجدان , صادماً للضرورة , فمع صحة سنده لا يجوز العمل به ؛ لخلل في متنه ، بل يردّ علمه إلى أهله ، وإن كان غير صحيح السند يضرب به الجدار , ووجب إسقاطه من جمهرة الأخبار .

إذا تمهدت هذه المقدمة فنقول في الأخبار الواردة في الأرض والحوت والثور , وكذا ما ورد في الرعد والبرق ونحوها ؛ من أنّ البرق مخارق الملائكة ، والرعد زجرها للسحاب كما يزجر الراعي إبله أو غنمه ، وأمثال ذلك مما هو بظاهره خلاف القطع والوجدان ؛ فإنّ الأرض تحملها مياه البحار المحيطة بها , وقد سبروها وساروا حولها فلم يجدوا حوتاً ولا ثوراً ، وعرفوا حقيقة البرق والرعد , والصواعق والزلازل بأسباب طبيعية قد تكون محسوسة وملموسة , وتكاد تضع إصبعك عليها .

فمثل هذه الأخبار على تلك القاعدة إن أمكن حملها على معانٍ معقولة , وجعلها إشارة إلى جهات مقبولة , ورموزاً إلى الأسباب الروحية المسخّرة لهذه ، دقيقة القوى الطبيعية فنعم المطلوب , وإلاّ فالصحيح السند يردّ علمه إلى أهله ، والضعيف يضرب به الجدار ولا يُعمل ولا يلتزم بهذا ولا ذاك .

وهنا دقيقة لا بدّ من التنبيه عليها والإشارة إليها , وهي : أنّ من الجلي عند المسلمين عموماً , بل وعند غيرهم أنّ الوضع والجعل والدس في الأخبار قد كثر وشاع ، وامتزج المجعولات في الأخبار الصحيحة ، بحيث يمكن أن يقال : إنّ الموضوعات قد غلبت على الصحاح الصادرة من اُمناء الوحي وأئمة الدين (عليهم السّلام) .

ويظهر أنّ هذه المفسدة والفتق الكبير في الإسلام قد حدث في عصر النبوّة حتّى صار النبي (صلّى الله عليه وآله) يحذّر منه وينادي غير مرّة : (( مَن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار ))(58) , وإنّه (( قد كثرت عليَّ الكذّابة وستكثر ))(59) .

ومع كلِّ تلك المحاولات والتهويلات لم تنجع في الصد عن كثرته فضلاً عن إبادته ، وقد حدث في عصره (صلّى الله عليه وآله) وما يليه الشيء الكثير من الإسرائيليات وأقاصيص عن الاُمم الغابرة ، ونسبة المعاصي والكبائر إلى الأنبياء والمرسلين والمعصومين (عليهم السّلام) .

واشتهر بهذه الموضوعات أشخاص مشهورون في ذلك العصر ؛ مثل عبد الله بن سلام , وكعب الأحبار , ووهب بن منبه وأمثالهم ، ثمَّ تتابعت القرون على هذه السخيمة ، وانتشرت هذه الخصلة الذميمة ؛ ففي كلِّ قرن أشخاص معرفون بالجعل ، وقد يعترفون به أخيراً ، وأشهرهم بذلك زنادقة المسلمين المشهورين مثل حمّاد الراوية وزملائه ، ومثل ابن أبي العوجاء وأمثالهم(60) .

ذكر العالم الثبت العلاّمة الحبر الجليل الفلكي الرياضي الشهير (أبو ريحان) البيروني في كتابه الممتع , العديم النظير (الآثار الباقية) , طبع أوربا , قال ما نصه في / 67 ـ 68 : وقد قرأت فيما قرأت من الأخبار أنّ أبا جعفر محمّد بن سليمان عامل الكوفة من جهة المنصور حبس عبد الكريم بن أبي العوجاء ، وهو خال معن بن زائدة , وكان من المانويَّة ، فكثر شفعاؤه بمدينة الإسلام(61) , وألحّوا على المنصور حتّى كتب إلى محمّد بالكفِّ عنه .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حب علي (ع) و بغضه
أربعينية الإمام الحسين عليه السلام
مقتل الحسين عند رهبان اليهود والنصارى وفي كتبهم ...
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
زيارة أم البنين عليها السلام
ما حدث في مولد الرسول الأعظم (ص)
في خصائص صفاته واخلاقه وعباداته يوم عاشوراء
الإمام الصادق (عليه السلام) يشهر سيف العلم!
قرّاء القرآن و كيفية قراءته
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم

 
user comment