عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

أقول : إنّ في طيات هذه الشبهة أمرين أود التنبيه عليهما وهما

أقول : إنّ في طيات هذه الشبهة أمرين أود التنبيه عليهما وهما :
الاَول : إنّ هذه الشبهة ، ليست شبهة في الواقع ، بل مكيدة خبيثة ، رام مروّجها أن يحول دون التمسك بأقوال أهل البيت عليهم السلام ، والاَخذ بالقياس والاستحسان ونحوهما .
الثاني : دلالة هذه المكيدة على غباء أصحابها ؛ لاَنّها بمثابة الطلب من الشيعة ترك العمل بأخبار العامّة ؛ لاَن خبر التقية في أدق وصف له إنّما هو خبر عامّي فرضته السياسة الجائرة على لسان أهل البيت عليهم السلام ، ولا ينبغي لعامي فَهِم عاقل أن يتقدم بمثل هذا الطلب إلى الشيعة ؛ لاَنّه سالب بانتفاء موضوعه .
3 ـ التقية في القضاء :
إنّ حكم القضاة بخلاف ما أنزل الله تعالى في كتابه العزيز ، له صور متعددة ، منها : أن يكون حكم القاضي موجباً لقتل مسلم بريء ، فهنا
____________
1) آثار هذه الشبهة محمد عبدالستار التونسوي في كتابه بطلان عقائد الشيعة : 87 نشر المكتبة الامدادية ، مكة المكرمة ، طبعة دار العلوم ، القاهرة | 1983 م .


( 103 )

لايجوز الحكم بحال والتقية فيه حرام بلا كلام .
ومنها : أن يدفع القاضي بحكمه المخالف للحق ضرراً عن نفسه فيوقعه ظلماً بالآخرين ، وهذا الحكم باطل أيضاً ولا تجوز التقية فيه ؛ لعدم جواز دفع الضرر عن النفس بالحاقه بالغير .
وبالجملة ، فإنّ الافتاء والقضاء المخالف لما أنزل الله عزَّ وجل خطير جداً ، وقد وصف سبحانه من يحكم بغير ما أنزل الله ، تارة بالكافرين ، وأُخرى بالظالمين ، وثالثة بالفاسقين (1).
4 ـ التقية المؤدية إلى فساد الدين أو المجتمع :
لا ينبغي الشك في حرمة استخدام التقية المؤدية إلى فساد الدين أو المجتمع ، كما لو كانت سبباً في هدم الاِسلام ، أو النيل من مفاهيمه وأحكامه المقدسة ، أو محو بعض آثاره .
لقد نادى فقهاء وأعلام التشيع بهذا عالياً ، وكانوا النموذج الاَمثل للتضحية والفداء واعلان الحق في المواقف الحرجة ، ولا نقول هذا جزافاً فنظرة واحدة إلى كتاب شهداء الفضيلة تكفي دليلاً على ما نقول ، ومن الاَمثلة المعاصرة على ذلك هو ما نجده في نداءات وتصريحات الاِمام الخميني رضي الله عنه حينما رأى خطورة حكم الشاه على أُصول الاِسلام وكرامته . ومن تلك التصريحات :
قوله : «إنّ التقية حرام ، واظهار الحقائق واجب مهما كانت النتيجة ، ولا ينبغي على فقهاء الاِسلام استعمال التقية في المواقف التي تجب فيها
____________
1) راجع سورة المائدة : 5 | الآيات 44 و 50 و 52 .


( 104 )

التقية على الآخرين ، إنّ التقية تتعلق بالفروع ، لكن حينما تكون كرامة الاِسلام في خطر ، وأصول الدين في خطر ، فلا مجال للتقية والمداراة ، إنّ السكوت هذه الاَيام تأييد لبطانة الجبار ، ومساعدة لاعداء الاِسلام» (1).
وقوله أيضاً : «من العار أن نسكت على هذه الاوضاع ، ونبدي جبناً أمام الظالمين المارقين ، الذين يريدون النيل من كرامة الاِنسان والقرآن وشريعة الاِسلام الخالدة ، انهضوا للثورة والجهاد والاصلاح ، فنحن لا نريد الحياة في ظل المجرمين» (2).
وهكذا نجد الاِمام الخميني رضي الله عنه كان في منتهى الصراحة في رفض استخدام التقية مع الشاه وأعوانه ، منذ أن اكتشف أن الشاه صنيعة الاستعمار .
ومن بيانات الاِمام الخالدة في هذا المجال ، هو البيان الذي أصدره على أثر قرار رئيس وزراء الشاه أسد علم سنة 1961 م بشأن تعديل قانون المجالس المحلية ، وأهم ما في ذلك التعديل المثير ، أنّه ألغى القسم على القرآن الكريم عند الترشيح لتلك المجالس ، على أن يحلّ محلّه أي كتاب سماوي آخر معترف به .
ومما جاء في ذلك البيان : «إنني بحكم مسؤوليتي الشرعية أعلن الخطر المحدق بشعب إيران والمسلمين في العالم ، إنّ القرآن الكريم والاِسلام معرضان للسقوط في قبضة الصهيونية التي ظهرت في إيران في
____________
1) دروس في الجهاد والرفض: 55 ـ 58 نقلاً عن كتاب ايران من الداخل| فهمي هويدي : 46 ـ 47.
2) تحرير الوسيلة | الاِمام الخميني ، مسألة 2792 .


( 105 )

صورة طائفة البهائية» (1).
أقول : ماذا يقول المشنّعون على الشيعة بالتقية بشأن ما يسمى بعملية السلام مع الصهيونية التي راح ضحيتها آلاف الشهداء من المسلمين ؟
بل وماذا يقولون بحق من افتى بجواز المصالحة معهم ممن يتصدون حالياً إلى ادارة الدعوة والارشاد في بعض البلاد الاِسلامية ؟
5 ـ التقية في غير ضرورة :
ومن موارد حرمة التقية عند الشيعة ، ان تكون من غير ضرورة ، ولاحاجة ملحة إليها .
وأما في بعض أقسام التقية التي أُخذ الخوف في موضوعها كالتقية الخوفية أو الاكراهية ، فإنّه اذا انتفى الخوف فلا تجوز التقية حينئذ .
6 ـ التقية في شرب الخمر وبعض الموارد الاُخر :
تقدمت بعض النصوص المصرحة بحرمة التقية في مثل هذه الموارد ، وقد قيدها الفقهاء بما إذا لم يبلغ الخطر النفس ، أما اذا خيف القتل عند الاكراه عليها ، فالتقية جائزة فيها .
7 ـ التقية الاكراهية عند عدم تحقق الاكراه :
ونعني بها التقية الاكراهية التي يكون الاكراه فيها فاقداً لبعض أركانه ومقوماته التي سبق بحثها في الفصل الاَول ، إذ اتفق الفقهاء على ان للاكراه أربعة أركان ، وأنه لايكون الاكراه ملجئاً للتقية إلاّ مع توفرها جميعاً،
____________
1) إيران من الداخل | فهمي هويدي : 36 .


( 106 )

وأما لو فقد بعضها أو واحداً منها فسيكون لغواً لا تجوز معه التقية ، فلو أكرَه انسانٌ آخرَ على ارتكاب محرم وكان ذلك الاِنسان عاجزاً عن تنفيذ تهديده ووعيده ، وعلم أو ظن المكره بهذا فلا تجوز له التقية ، وكذلك لو كان الاِتيان بالمكرَه عليه غير منجٍ من الضرر المتوعد به ، ومثله لو كان المكرَه به تافهاً وحقيراً والفعل المطلوب جسيماً وخطيراً .
فالشرط إذن في صحة التقية الاكراهية هو اجتماع أركان الاكراه الاَربعة وتحققها جميعاً ، وأما لو فقد واحد منها أو أكثر فلا تصح التقية الاكراهية إذ لا اكراه حينئذ .
8 ـ التقية التي يتجاوز فيها مقدار أو جنس ما يُكره عليه :
من الثابت ان التقية في دين الاِسلام تجوز في كل ضرورة إلاّ ما خرج عن ذلك بدليل معتبر كما مرَّ في أدلة التقية ومشروعيتها ، ولما كانت الضرورات تقدر بقدرها فلا ضرورة بحق الزيادة إذن .
فمن اضطرته التقية ـ مثلاً ـ على ارتكاب شيء محرم فعليه أن يقتصر على مقدار وجنس ما يراد ارتكابه من ذلك الشيء المحرم من غير زيادة . فلو أكرَه السلطان الجائر مسلماً على أكل قطعة واحدة من اللحم المحرم شرعاً فليس له أن يأكل عشرين قطعة من ذلك اللحم نفسه ، ولا أن يقتصر على تلك القطعة ويشرب معها خمراً بحجة إرضاء السلطان الجائر تحت ستار التقية ، إذ لا تقية هنا بحق الزيادة ؛ لعدم وجود الاكراه عليها .
9 ـ التقية عند امكان التخلص من الضرر :
ومن موارد حرمة التقية ـ عند بعضهم ـ أن يكون المُكرَه عليها قادراً على التخلص منها ، بحيث يجد في نفسه القدرة الكافية على استخدام


( 107 )

احدى وسائل التخلص من التقية ، وبما لا يترتب عليه ضرر ولا حرج ، كما في استخدام التورية مثلاً ، ومع ذلك يلجأ إلى التقية ، فهنا لا تجوز له لانها ستكون من غير ضرورة ، وقد مرّ حكم التقية من غير ضرورة أيضاً .
وبالجملة فإنّ الميزان الدقيق في معرفة موارد الحرمة الاُخرى ، هو أن تكون المصلحة المترتبة على ترك التقية لا يرضى الشارع المقدس بتفويتها في التقية ، وكذلك فيما لو استقل العقل بوجوب حفظها في جميع الاحوال .
القسم الخامس : التقية المكروهة :
وقد مثل بعضهم لها بإتيان ما هو مستحب عند المخالفين مع عدم خوف الضرر لا عاجلاً ولا آجلاً ، مع كون ذلك الشيء المستحب مكروهاً في الواقع ، وإلاّ لو كان حراماً فالتقية باتيانه لموافقتهم حرام ، وأما مع احتمال وقوع الضرر بالمخالفة فيكون الاتيان بما وافقهم تقية مستحباً (1).
وخلاصة هذه الاقسام ، أنه يراعى في معرفتها نوع المصلحة المترتبة على فعل التقية وعدمها .
فإنّ كانت المصلحة مما يجب حفظها فالتقية فيها واجبة .
وان كانت المصلحة مساوية لمصلحة ترك التقية فتكون التقية جائزة .
وإن كان أحد الطرفين راجحاً فحكم التقية تابع له .
ومن كل ما تقدم يُعلَم أن التقية ليست من عقائد الشيعة الاِمامية ، كما يزعم بعض الجهلاء من خصوم الشيعة ؛ لاَنّها من فروع الاحكام عندهم ، بدليل ما فصلناه من أقسامها عندهم باعتبار حكمها الشرعي .
____________
1) القواعد الفقهية | البجنوردي 5 : 47 ، من قاعدة التقية .


( 108 )

نعم ، أصبح للتقية صلة بالعقيدة الشيعية زيادة على صلتها الواضحة بفروع الاحكام ؛ إذ صار القول بها عند خصوم الشيعة دليلاً على ضعف المذهب الشيعي ومبانيه، ومن هنا دخل الحديث عنها في دائرة الاعتقاد .
ثانياً : أقسام التقية بلحاظ أركانها :
إنّ أقسام التقية بهذا الملحظ تستدعي بيان أركان التقية ، لتتضح العلاقة بينهما ، فنقول :
أركان التقية :
إنّ أركان التقية ومقوماتها هي أركان الاِكراه ومقوماته التي سبق البحث عنها مع فرق التسمية ، وما يشترط في أحدهما يشترط في الآخر ، إذ لاتختلف فيما بينها إلاّ من جهة بعض أقسام التقية الآتية ، التي لا يكون الدافع إلى استخدامها هو التحرز من ضرر الغير ، وإنّما لاَجل تحقيق بعض المصالح التي تصب في خدمة الدين أو المجتمع ، كالعمل بالتقية لاَجل تحقيق الوحدة الاِسلامية ولمّ شمل المسلمين بعد فرقتهم وتناحرهم ، وهذا يعني فقدان الاِكراه في مثل تلك التقية .
وعليه ، فالاركان والمقومات التي سنذكرها للتقية بمفهومها العام ، هي نفسها في الاَقسام الاُخر للتقية التي لم يؤخذ الخوف في موضوعها ، ولكنها تختلف عما هنا في تفسيرها .
فالمُتّقي ـ مثلاً ـ الذي هو الركن الاَوّل من أركان التقية ، ونظيره في الاكراه (المُكرَه) ، لا يرتفع في غير التقية الاكراهية ، وإنّما يأخذ تعريفاً وتفسيراً آخر . فبدلاً من أن يكون في التقية الاكراهية : الشخص الذي يعمل بالتقية كرهاً لدفع ضرر معلوم أو مظنون أو محتمل ، سيكون في


( 109 )

بعض أقسام التقية : الشخص الذي يستخدم التقية بلا إكراه ، ولكن لتحقيق غايات مرغوبة شرعاً ولا سبيل إلى الوصول إليها إلاّ بالتقية . وهكذا الحال في بقية الاَركان الاُخر ، ومجموعها ـ مع ما ذكرناه ـ أربعة ، وهي :
الركن الاَول : المُتَّقي ، وقد مرَّ آنفاً .
الركن الثاني : المُتَّقى منه : وهو من يتولى اجبار المتقي على التقية ، ولايشترط به أن يكون كافراً ؛ إذ لا فرق بحكم العقل في ضرورة تجنب الضرر من أيّة جهة كانت كافرة أو مسلمة ، وقد مرّ أن العقل يحكم بلزوم حفظ النفس من الهلكة سواء كانت على أيدي بعض المسلمين أو الكفار ، ونظير هذا الركن في الاِكراه (المُكرِه) .
الركن الثالث : ما يتقى عليه : وهو كل ما حكم الشارع ، أو استقل العقل بضرورة حفظه من الضرر ، لما في ذلك من مصلحة تعود إلى نفس المتقي، أو عرضه ، أو ماله ، أو دينه ، أو اخوانه المؤمنين ، ونظيره في الاِكراه (المُكرَه به) ، فكلاهما ناظران إلى نوع الضرر .
الركن الرابع : ما يُتّقى به : وهو نوع العمل المحرم المراد انجازه كالافطار في شهر رمضان ، أو الكلام الباطل المطلوب تلفظه ، كما في تلفظ كلمة الكفر والقلب مطمئن بالايمان ، ونظيره في الاكراه (المُكرَه عليه) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشعائر بنظرة رسالية دموع زين العابدين وحزن زينب
في رحاب العدالة العلويّة (1)
مختصر من حياة الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين ...
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
كيف تعامل أهل البيت (عليهم السلام) مع الناس
روى البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام) قول الله ...
ولاية علي شرط الايمان
تجدد النبوة والنبوة الخاتمة (2)
من أدعية أهل البيت (عليه السلام)
فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين

 
user comment