عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

المرأة بنظر القرآن

المرأة بنظر القرآن

القرآن هادي الإنسان :
مسألة ان المرأة تتمتع بأية مكانة عظيمة في القرآن ، تقوم على أي موقع للإنسان في القرآن . لأن القرآن لم يأت فقط لهداية ( الرجل ) ، بل جاء لهداية ( الإنسان ) . لذا عندما يشرح هدف الرسالة ، ويبين غرض نزول الوحي يقول :
( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىّ للناس ) (1) .
ان كلمة ناس المطروحة في القرآن بعنوان ( هداية الإنسان ) لا تلحظ صنفاً خاصاً أو مجموعة خاصة ، بل تشمل المرأة والرجل بشكل متساوٍ .
في القرآن الكريم هناك تعبير ( ناس ) تارة وتعبير ( إنسان ) تارة أخرى قال تعالى :
( الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علّمه البيان ) (2) .
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 185 .
(2) سورة الرحمن ، الآيات : 1 ـ 4 .


( 54 )


في الآية الأولى ، كلام عن تعليم القرآن ، ثم كلام عن خلق الإنسان ، ثم كلام عن تعليم البيان. ومع ان النظم الطبيعي هو ان الإنسان يخلق أولاً ، ثم يتعلم البيان ، ثم يفهم القرآن . ( الرحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان ) الرحمن ، هو المعلم ، ورحمته واسعة .
( ورحمتي وسعت كل شيء ) (1) .
أي ان استاذاً عاماً يدرس . إذا قيل : إنّ مهندساً يدرس ، فذلك يعني أنه يدرس هندسة ، طبيب يدرس ، فيعني أنه يدرس الطب ، وإذا قيل أن أديباً يدرس ، فيعني أن دراسته أدبية ، وإذا قيل أن الرحمن يدرس ، فيعني انه يدرس الرحمة التي لا نهاية لها ، وإذا بيّن معنى الرحمة ومصاديقها في القرآن يتضح ما هو الدرس الذي يعطيه مدرس الرحمة للناس ، وكيف أن النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو رحمة للعالمين . أنه نفسه درس معلم . هو الرحمن ، إذا لم يستعن أحد برحمة الله ، فهو ليس بإنسان ، وإذا لم يكن الشخص إنساناً فهو بهيمة ، وإذا أصبح بهيمة ، فكلامه مبهم ، وإذا كان كلامه مبهماً . فقوله ليس بياناً .
بناء على هذا فان هذه الدرجات الأربع هي في طول بعضها البعض ، فالله معلم بعنوان ووصف الرحمانية في البداية ، وعندما يتربى التلميذ في مدرسة الرحمة هذه ، يصبح إنساناً ، وعندما يصبح انساناً ، فكلامه واضح وقوله بيان . لذا فهذه الأمور الأربعة تنظم ( بعضها قبل بعض وبعضها بعد بعض ) .
الخلاصة ان الله تعالى . حين ذكر أن القرآن ( هدى للناس ) و ( الرحمن * علم القرآن ) ، وتلاميذ هم الناس ، عند ذلك ليس الكلام عن
____________
(1) سورة الأعراف ، الآية : 156 .


( 55 )


الامرأة والرجل ، أما التعابير مثل (
فمن تبعني فانه مني ) (1) وأمثالها ، التي وردت في القرآن ، فالكلام هو أن كل من يتبع الوحي يأخذ عوناً ، بناء على هذا فالكلام أيضاً ليس عن المرأة والرجل . كان هذا نموذجاً يقوم على أن القرآن هو ( هدى للناس ) وهو برنامج تدريسي للناس ، وليس المراد من ( الناس ) صنفاً خاصاً .

القرآن معلم أرواح الناس :
ان القرآن هو لتعليم وتزكية الروح الإنسانية ، والروح من ناحية إنها موجود مجرد ، فهي لا مذكر ولا مؤنث ، ففي القرآن كلام عن تزكية الروح وليس كلاماً عن المرأة والرجل حتى يقال انهما متساويان .
ان العالم الغربي يقول : ان الإنسان نوعان أو صنفان ، امرأة ورجل ، ولكنهما متساويان في المسائل التعليمية والتربوية ، أي أن المرأة تساوي الرجل ، والرجل هو نظير المرأة ، وهذا بنحو سالبة بانتفاء المحمول ، أي أن هناك امرأة وهناك رجل ، ولكنهما لا يختلفان ، ولكن عندما يقول الإسلام : ان الهدف من نزول الوحي هو التعليم والتربية ، وتزكية النفوس وتهذيب القلوب ، ولا فرق بين المرأة والرجل ، فهذا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع وليس بانتفاء المحمول ، أي أن محور التعليم والتربية هو أرواح الناس ، والروح لا هي مذكر ولا مؤنث ، وليس في الأمر امرأة ورجل أصلاً ، لا أنه هناك امرأة ورجل ولكنهما متساويان ـ حتى تصبح قضية موجبة ـ أو ان بينهما فرقاً ـ حتى تصبح قضية سالبة ـ لأن صدقها هو بانتفاء المحمول لا بانتفاء الموضوع ، ان ما يقال : ان الفرق بين الموجبة والسالبة هو في أن السالبة صادقة بانتفاء الموضوع أحياناً ، يصدق هنا .
____________
(1) سورة إبراهيم ، الآية : 36 .


( 56 )


الخلاصة هي أولاً : ان الأنوثة والذكورة تتعلق بالجسم ، لا بالروح ، وثانياً : ان التعليم والتربية والتهذيب والتزكية هي للنفس . ثالثاً : أن النفس هي غير البدن ، والبدن هو غير النفس ، وفي صف درس القرآن تجلى الروح أساساً ، لا البدن ، والروح أيضاً ، ليست امرأة ولا رجل ، فرق كثير بين الموجبة المحصلة أو السالبة التي موضوعها موجود ، ولكن محمولها منتفٍ ، وبين السالبة التي صدقها ، بانتفاء الموضوع . ان قول الله :
( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها ) (1) .
هل الروح هي مذكر أم مؤنث ؟ أو قوله تعالى :
( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) (2) .
إن الروح من ناحية أنها موجود مجرد ، ليس لها هيكل ليكون أما هكذا أو هكذا . أو قوله تعالى : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ) (3) .
أيها الإنسان إنك سالك إلى الله ، هل البدن يسافر ، حتى تقول : إن هؤلاء السالكين على صنفين : بعضهم نساء وبعضهم رجال ؟ إن الروح هي التي تسافر ، والروح ليست مؤنثاً ولا مذكراً . إن هذه من المعارف الرفيعة التي يمكن ان تقال :
( ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون ) (4) .
أي هي من المعارف التي جاء بها الأنبياء فقط في القرآن الكريم يقول
____________
(1) سورة الشمس ، الآيتين : 7 ـ 8 .
(2) سورة الحجر ، الآية : 29 .
(3) سورة الانشقاق ، الآية : 6 .
(4) سورة البقرة ، الآية : 151 .


( 57 )


تعالى : ان بعض الأشياء نعلمكم إياها ليس بعنوان تأسيس ، بل بعنوان إمضاء وتأييد ، ولكن هناك مجموعة مسائل ومعارف نأتي بها وهي ليست فقط بعيدة عن متناول البشرية في الماضي القريب أو البعيد ، بل إن البشرية لا تستطيع الوصول إليها في المستقبل القريب أو البعيد أيضاً (
ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) وليس ( ما لا تعلمون ) . القرآن يعلم البشر شيئاً لا يقدر البشر أن يفهمه من عنده ، وهذه الآية هي طرية كل يوم ، انها تحدثنا كل يوم وتقول : إن لديّ بياناً جديداً وطرياً ليس في متناول البشر ، وهذا التعبير الرفيع قاله تعالى في شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً :
( وعلمك ما لم تكن تعلم ) (1) .
فهذه ليست ( علّمك ما لم تعلم ) أو ( ما لا تعلم ) . مع كل ما لدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نبوغ وقابلية خاصة ، فان الله تعالى يقول انه علم النبي شيئاً لم يكن بمقدوره أن يعلمه ، مسأله الغيب ، ومسألة البرزخ ، ومسألة القيامة ، ومواقف القيامة ، ومسألة الجنة ، ومسألة جهنم ، والاسماء الحسنى الإلهية ، ومئات المسائل الغيبية الأخرى ، هذه ليست في متناول شخص ، بناء على هذا فإن الكلام يبقى جديداً كل يوم ( ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) .
____________
(1) سورة النساء ، الآية : 113 .

 

حقيقة الإنسان ليست مذكراً ولا مؤنثاً

في كل بحث يجب عدم الالتزام بأن الجواب هو بنحو الايجاب حتماً ؛ لأن من الممكن ان تكون ثمرة بحث ما سلبية فقط ، فمثلاً أحياناً يدخل الإنسان في بحث حقوق المرأة على أمل أن تكون النتيجة هي تساوي هذين الصنفين أو تفاضلهما ، ولكن يتضح في ما بعد أن ثمرة ذلك سلبية ، يجب عدم التوقع أبداً أن ثمرة الأستنباط تكون أحد أمرين إما التساوي أو التفاضل ، بل قد تكون نتيجة البحث هي أن المرأة والرجل غير متساويين ولا متمايزين ؛ لأنه ليس هناك موضوع للتساوي أو الاختلاف ، بعبارة أخرى قد يبحث الإنسان أحياناً في هل أن ألف وباء متساويان مثلاً أم متمايزان ، هنا يعلن في النتيجة أحد الأمرين ويقول : إن ألف وباء وهما أمران وكلاهما مساوٍ للآخر ، أو انهما متمايزان مثلاً .
في هذا المحور الخاص ، القضية هي منفصلة حقيقية ـ لا تخرج عن حالين ـ ولكن الإنسان يبحث أحياناً للحصول على التساوي أو الاختلاف ولكن حين يدقق يرى أن لا ألف في الموضوع ولا باء ، عند ذلك يجب أن يقول : ان الموضوع ليس لبحث التساوي أو الاختلاف ؛ لأن التساوي


( 60 )


والاختلاف هما عدم وملكة ـ وليسا سلباً وإيجاباً حتى يكون رفع كليهما مستلزماً لرفع النقيضين ـ أي أن موضوعاً خاصاً عندما يوجد في الخارج ، ثم ننسبه إلى موضوع آخر لا يخرج من حالين ، إما هو مساوٍ له أو غير مساوٍ ولكن إذا لم يكن هناك تعدد وكثرة لا يكون أيضاً تساوٍ أو اختلاف ؛ لأنه يلزم في إثبات أحد الأمرين المذكورين أن يكون شيئان موجودين حتى يكونا إما متساويين أو مختلفين .
ان القرآن الكريم حين يطرح مسألة المرأة والرجل يقول : انه لا ينظر لهذين الأثنين من جهة الذكورة والأنوثة ، بل من جهة الإنسانية ، وروح الإنسان هي تشكل حقيقته لا بدنه . إنسانية الإنسان تحققها روحه لا جسمه ، ولا مجموع الجسم والروح .

أصالة الروح وفرعية البدن :
لو كان للجسم دور في إنسانية الإنسان ـ بصفة تمام الذات أو جزء الذات ـ لكان هناك كلام عن المذكر والمؤنث ، وكان يجب البحث هل أن هذين الصنفين متساويان أم متفاوتان ؟ ولكن إذا كانت حقيقة كل شخص تشكلها روحه ـ وجسمه ليس أكثر من أداة ، وهذه الأداة هي أحياناً مذكر وأحياناً مؤنث ـ والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً ، فان البحث عن تساوي المرأة والرجل أو تفاوت هذين الصنفين في المسائل المتعلقة بحقيقة الإنسان ينتهي ، أي يكون سالبة بانتفاء الموضوع ، وليس بانتفاء المحمول ، ولأن التساوي والتفاوت هما عدم وملكة ، وليسا سلباً وإيجاباً ، لم يرد حينئذٍ كلام عن التساوي ولا كلام عن التفاوت .
ان القرآن الكريم اعتبر أن حقيقة كل إنسان روحه ، والبدن أداتها ، وهذا لا يتنافى مع أن يكون للإنسان بدن في نشأة الدنيا والبرزخ والقيامة ،


( 61 )


وكما أن لديه بدناً في الدنيا ، والبدن هو فرع ـ وليس اصلاً ولا جزءاً من الأصل ـ كذلك أيضاً في البرزخ والقيامة . حيث ان الله تعالى ينسب البدن الذي هو فرع إلى الطبيعة والتراب والطين ويسند الروح التي هي أصل ، إليه ويقول :
( قل الروح من أمر ربي ) (1) .
إن روح الإنسان منزهة عن الذكورة والأنوثة .
عندما كان منكر والمعاد يقولون : ان الإنسان يفنى بالموت وليست هناك حياة بعد الموت :
( وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد ) (2) .
قال تعالى :
( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) (3) .
ملك الموت مأمور بالتوفي ، ولو فقد من الإنسان شيء في الموت فانه لا يكون استيفاء وتوفياً ، فجميع حقيقة الإنسان هي روحه التي تقبض وان تحلل البدن . البدن طبعاً يرافق الإنسان في جميع المراحل اللاحقة ، ويكون في كل مرحلة مناسباً لتلك المرحلة .
إذا أردنا ان نرى هل ان هذين الصنفين المرأة والرجل متساويان أم متمايزان ، أم ان ليس هناك صنفان أساساً ، فان طريق تحقيقة هو ان نرى ما هو أساس القيمة والفضيلة ؟ ومن هو الذي يصبح ثميناً وفاضلاً ؟ هناك فصل يتولى بيان المسائل القيمية ، وفصل آخر يتولى بيان أصحاب القيم
____________
(1) سورة الاسراء ، الآية : 85 .
(2) سورة السجدة ، الآية : 10 .
(3) سورة السجدة ، الآية : 11 .


( 62 )


والفضيلة .
عدم تأثير الذكورة والأنوثة في القيم وأصحاب القيم :
الفصل الذي يحدد القيمة وضدها تمثله الآيات التي تعتبر العلم قيمة ، والجهل ضد القيمة ، الايمان قيمة ، والكفر ضد القيمة ، الذلة والعزة ، السعادة والشقاوة ، الفضيلة والرذيلة ، الحق والباطل ، الصدق والكذب ، التقوى والفجور ، الاطاعة والعصيان ، الانقياد والتمرد ، الغيبة وعدم الغيبة ، الأمانة والخيانة ، تعتبرها عنوان مسائل قيمية أو ضد القيم ، وهذه الأوصاف ليست مذكرة ولا مؤنثة ، والفصل الذي يتولى بيان موصوف هذه القيم ، يقول ان موصوف هذه الأوصاف ليس بدناً أبداً ، أي أن البدن ليس مسلماً أو كافراً ، عالماً أو جاهلاً ، تقياً أو فاجراً ، صادقاً أو كاذباً ، محقاً أو مبطلاً ، فاضلاً أو رذيلاً .
ان العقل النظري الذي وصفه هو الفكر والعلم ، ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، والقلب الذي عمله الكشف والشهود ، ليس مذكراُ ولا مؤنثاً ، والروح التي وصفها الفجور والتقوى ، ليست مؤنثة ولا مذكرة ، كما ان الفجور والتقوى ليسا مذكرين ولا مؤنثين .
إذا كانت المسائل التي تعود إلى العلم ـ سواء العلم الحصولي أو العلم الحضوري ـ ليس فيها ذكورة وأنوثة فإن العالم الذي يتصف بالعلم الحصولي أو الشهودي ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، إذ لم يكن هناك في المسائل العلمية كلام على الذكورة والأنوثة لا من حيث الصفة ولا من حيث الموصوف ، لا يمكن بحث أن المرأة والرجل متساويان في المسائل العلمية أو متمايزان ؟
وكذلك في المسائل الأخلاقية التي تعود إلى ( العقل العملي ) مثل


( 63 )


الإرادة ، الاخلاص الايمان ، التصديق ، التهذيب الصبر ، التوكل ... والمسائل التي من هذا القبيل ، ليست مذكرة ، ولا مؤنثة والعقل العملي الموصوف بهذه المسائل الاخلاقية هو أيضاً لا مذكر ولا مؤنث ، أي ان الصبر إذا لم يكن فيه ذكورة أو أنوثة ، فالصابر ليس مذكراً ولا مؤنثاً . يجب عدم التفكير . بأننا نقول صابر صابرة . عالم وعالمة التأنيث اللفظي يجب عدم إدخاله في المسائل التحليلية ، لأن العالم أو المؤمن ، أي صاحب قيمة هي الروح ، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً ، وإذا طرح شخص الذكورة والأنوثة في هذه الابحاث ابتلي بالمغالطة ـ من باب أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ـ سواء كان بصورة تأييد وإبرام أو بنحو تخريب ونقض .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الوهابية ومجزرة الحرم الشريف
السيد أبو الحسن جلوة الزواري
الاسرة والغزو الثقافي
هل يمكن أن نكون سعداء في حياتنا؟
الإمام الصادق عليه السلام والتفسير العرفاني
تكوين الأسرة المسلمة
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
كلامه عليه السلام في النساء – الثاني
الغناء والرقص زمن الدولة الاموية
قصة مريم في القرآن

 
user comment