عربي
Tuesday 19th of March 2024
0
نفر 0

المُناظرة الثاني والخمسون /مناظرة السيد محمد جواد المهري مع الأستاذ عمر الشريف في مسألة إيمان أبي طالب عليه السلام

 

أبو طالب كان قد آمن بالرسول منذ البداية وإلاّ لم يكن ليدافع عنه إلى هذا الحد، بيد ان الرسول ما كان مباحاً له وفقاً لاِمر الله باتخاذه نصيراً له، ولا حتّى أن يلقي اليه بالمحبّة.
أمّا أشعار أبي طالب في مدح الرسول صراحة واعترافه بنبوّته فكثيرة ، وهي منقولة في كتب السنّة، ويمكنك مراجعة كتاب « أبو طالب مؤمن قريش » من تأليف الشيخ عبد
الله الخنيزي ، واكتب شيئاً من تلك الاَشعار وخذها إلى أستاذك، ويكفي أبا طالب انّه كان يذبّ عن الرسول علانية في جميع المواقف والمراحل منذ بداية الدعوة حين جمع الرسول أقرباءه ( وانذر عشيرتك الاَقربين ) (6) وحتّى آخر حياته، وكان يقف بوجه كفّار قريش ويحامي عن الرسول بكل ما اُوتي من قوّة، فإن لم يكن قد آمن برسالة الرسول فما كان الدافع من وراء حمايته له بهذه الصورة؟ ألم يكن أبو لهب عم الرسول وكان يحاربه؟ ومنذ الاِجتماع الاَول الذي جمع فيه الرسول أقاربه ودعاهم ـ بعد تناول الطعام ـ إلى الاِسلام نهض أبو لهب مستنكراً دعوته فصاح به أبو طالب غاضباً: « أسكت يا أعور ما أنت وهذا ، ثم قال : لا يقومنّ أحد، قال : فجلسوا ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله : قم يا سيدي فتكلم بما تحب، وبلغ رسالة ربك، فانك الصادق المصدق » (7) .
أي كافر هذا الذي يدافع عن الاِسلام بكل ما أوتي من قوّة وينبري للذود عن ابن أخيه بيده ولسانه ويحميه من قرابته الكافر ، حتّى يبلغ رسالة ربّه بسهولة، وناصره في شعبه ، هو وكل أتباعه يوم كانت كل قريش تحاربه؟! فإن كان شخص كهذا كافراً فأنا أيضاً كافر.
شكرت أبي وذهبت لمطالعة كتاب « أبو طالب مؤمن قريش » ووجدت أن المؤلف قد بذل جهداً شاقاً ودافع عن أبي طالب حق الدفاع، ولكن العلاّمة الاَميني كان قد سبَقه إلى البحث في سيرة ومواقف أبي طالب على امتداد سبعين صفحة من المجلد السابع من كتابه « الغدير »، وهو بحث شيّق وثمين.
وعلى كل حال لا بأس بذكر عدّة أبيات شعرية اُخرى له لغرض إكمال هذه المقالة إلى حد ما، ولكي لا تبقى لدى القارىء أدنى شبهة وليبلغ كل ذي حقّ حقّه.
نقل الحاكم في « المستدرك » أن أبا طالب بعث أبياتاً من الشعر للنجاشي حاكم الحبشة يدعوه فيها إلى الاِحسان إلى مهاجري الحبشة، وجاء فيها:

ليعلم خـيـار الناس أن محمدا

*

وزير لموسى والمسيح بن مريم

أتانا بالهدى مـثـل ما أتيا به

*

فكل بأمر الله يهدي ويعصم (8)

وجاء في أبيات أخرى يخاطب بها رسول الله صلى الله عليه وآله :

والله لن يـصـلـوا إليك بجمعهم

*

حتّى أوسـد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

*

وابشر بذاك وقرَّ منك عيونا

ودعوتني وعـلـمت أنك ناصحي

*

ولـقد دعوت وكنت ثَمَ أمينا

ولقد عـلـمـت بـأنّ دين محمد

*

من خير أديان البريّة دينا (9)

وله أيضاً قصيدة لامية طويلة في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله يقرّ في عدّة أبيات منها بنبوّته ورسالته، نقل منها ابن هشام أربعة وتسعين بيتاً (10) ، وابن كثير اثنين وتسعين بيتاً (11) ، وصيغت هذه القصيدة على غرار المعلقات السبعة ، وهي في غاية البلاغة والفصاحة ونظمها في وقت هبّت فيه قريش كلّها لمحاربة الرسول صلى الله عليه وآله ، وكانوا يطردون عنه المسلمين بقوّة الحراب.
وقد أشاد القسطلاني بفصاحة وبلاغة هذه القصيدة وذكر أنها تضم مائة وعشرة أبيات (12) ، ولو لم يكن منهجنا الاِختصار لنقلنا هذه القصيدة هنا ، ولكن تكفي الاَشارة إليها ليرتدع أصحاب الآراء المنحرفة الباطلة عن انتهاك قدسية هذه الشخصية الجليلة، ولكي لا يتّهموا هذا المؤمن ـ الطاهر السريرة وأول المدافعين عن الاِسلام ـ بالكفر، وأن يتوبوا إلى
الله من سوء القول فيه.
كان أبو طالب سبّاقاً في ميدان الجهاد والاستقامة في عهد الجاهلية الاَسود وفي ظلمات أبناء قريش.
كان أبو طالب كوكباً زاهراً يقتبس نوره الساطع من الشمس المحمدية المتألّقة، وكان صوته المدوي في البطحاء صدى لصيحة النبي في نداء « لا إله إلاّ
الله محمد رسول الله ».
كان أبو طالب شخصية انطلقت عقيدة الاِسلام التحررية تحت ظل بريق سيفه البتار ، وصدى أشعاره المثيرة ودفاعه المتواصل، فأضاء ظلمة مكّة بنوره الباهر.
كان أبو طالب تابعاً مطيعاً لمحمد صلى
الله عليه وآله ، وكان حبّه لصاحب الرسالة يسري في أعماق روحه وجسده ، وظل يسير في طريق المحبّة حتّى اللحظة التي بلغ فيها مرحلة اليقين ، ورفعته يد الغيب الالهية إلى أعلى عليين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله باكياً في رثائه:« يا عم ربيت صغيراً وكفلت يتيما ونصرت كبيراً فجزاك الله عني خيراً » (13) .
قال اليعقوبي في تاريخه:« ولما قيل لرسول
الله إن أبا طالب قد مات عظم ذلك في قلبه واشتد له جزعه ، ثم دخل فمسح جبينه الاَيمن أربع مرات وجبينه الاَيسر ثلاث مرات » (14) ثم دعا له بالخير، وعظم موت أبي طالب على ابن أخيه حتى سمى ذلك العام عام الحزن، فهل يبكي الرسول هكذا على موت كافر ـ والعياذ بالله ـ ؟
وهل يعطف رسول
الله صلى الله عليه وآله على كافر ، ويبدي له المحبّة أكثر من سائر المؤمنين ، ويجزع على فقده مع ما أمر به من الغلظة مع الكفّار والرأفة بالمؤمنين؟
أعيدوا كتابة التأريخ وامحوا هذه البقع المخزية من صفحاته، كفى انسياقاً وراء الاَسلاف الاَراذل الذين دفعهم بغض وصي رسول
الله إلى اتهام أبيه الجليل بتهمة الاِلحاد ، فيما تاريخ الاِسلام حافل بنداءاته الاِسلامية، وكان ناصراً مخلصاً للرسول سلام الله وصلواته عليه وعلى محبّيه، واللعن الدائم على أعدائه إلاّ من انساقوا في هذا الطريق جهلاً ، وإذا أدركوا الحق اتّبعوه ، وعوّضوا عما سلف منهم بالتوبة والاِنابة إلى سبيل الهداية وإلى الصراط المستقيم. (15)


____________

 

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النبي صلى الله عليه وآله لا ينسى ما يوحى إليه
سِمات الأنبياء :الكَفاءة في القيادة
في قول النبي لأهل بيته: (أنا حرب لمن حاربكم) ...
أبو طالب عمّ الرسول المُصطفى‏ صلى الله عليه ...
صفات اللّه الجمالية و الجلالية
حقيقة الوحي في النُبوّة ونظريات حول الوحي
المُناظرة الثالثة والاربعون /مناظرة الطالب مع ...
المهدي المنتظر في كلمات محي الدين بن عربي/ ق2
ما معنى الخط و النقطة و ما معنى "أنا النقطة تحت ...
شبهات وحلول حول عصمة الانبياء

 
user comment