عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

المُناظرة الخامسة والاربعون /مناظرة الامام الرضا عليه السلام مع المأمون العباسي في عصمة الانبياء عليهم السلام -2

قال المأمون : بارك الله فيك يا بن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل : ( ولَمّا جاء موسى لميقاتِنا وكَلَّمَه رَبُّه قالَ رَبِّ أَرني أَنظرُ إِليكَ قال لَن تَراني ) (31) كيف يجوز أن يكون كلم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أنَّ الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟
فقال الرضا عليه السلام : إنَّ كليم
الله موسى بن عمران عليه السلام علم أنّ الله تعالى أعز أن يرى بالاَبصار ، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجياً رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا ( لَن نُؤمن لَكَ ) حتى نستمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمأة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربهم فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه ، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لاَنّ الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : ( لَن نُؤمن لَكَ ) بأن هذا الذي سمعناه كلام الله ( حتّى نرى الله جهرة ) فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله
عز وجل عليهم صاعقة ، فأخذتهم بظلمهم فماتوا.
فقال موسى : يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنك ذهبت به فقتلتهم لاَنّك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة
الله عز وجل إيّاك، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لاَجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته ، فقال موسى : يا قوم إن الله تعالى لا يُرى بالاَبصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى : يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم، فأوصى الله تعالى إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى عليه السلام : ( رَبِّ أَرني أَنظرُ إِليكَ قال لَن تَراني ولكِن اُنظُر إلى الجبلِ فإِن استَقَرَ مَكانَه ) وهو يهوي ( فَسوفَ تراني فَلمّا تَجَلّى رَبُّه للجبلِ ) بآية من آياته ( جَعَلَه دَكّاً وخرَّ مُوسى صَعِقاً فَلمّا أَفاقَ قال سُبحانكَ تُبتُ إِلَيكَ
) (32) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وأنا أوّل المؤمنين منهم بأنك لا تُرى .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول
الله عز وجل : ( وَلَقَد هَمَّت بهِ وهَمَّ بها لَولا أن رأى بُرهان رَبّهِ
) (33) .
فقال الرضا عليه السلام : لقد همَّت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ لها كما همَّت به، لكنه كان معصوماً والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه ، وقد حدّثني أبي عن أبيه الصادق عليه السلام أنّه قال : همَّت بأن تفعل وهمَّ بأن لا يفعل .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول
الله عز وجل : ( وَذَا النُّون إذ ذهبَ مُغاضباً فَظَنَّ أن لن نقدِرَ عليه
) (34) .
فقال الرضا عليه السلام : ذاك يونس بن متى عليه السلام ذهب مغاضباً لقومه ، فظن بمعنى استيقن أن لن نقدر عليه ، أي لن نضيق عليه رزقه ، ومنه قوله عزّ وجلّ : (
وأمَّا إذا مَا ابتلاهُ فَقَدَرَ عليهِ رِزقهُ ) (35) أي ضيق وقتر ( فَنَادَى في الظُّلماتِ) أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت : ( أن لا إله إلاَّ أنت سُبحَانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظالِمين ) (36) بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرّغتني لها في بطن الحوت ، فاستجاب الله له وقال عزّ وجلّ : ( فَلَولا أَنَّه كانَ مِن المُسبِّحين، للبِثَ في بَطنهِ إلى يوم يُبعَثُونَ
) (37) .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول
الله عز وجل : ( حتى إذا استيأس الرُّسُل وَظَنُّوا أنَّهُم قَد كُذِبوا جَاءهُم نَصرُنا
) (38) .
فقال الرضا عليه السلام : يقول
الله
عز وجل : حتى إذا استيأس الرُّسُل من قومهم، وَظَنَّ قومهم ، أنَّ الرسل قَد كُذِبوا جَاء الرسل نَصرُنا .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول
الله عز وجل : ( لِيغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وما تَأخّر
) (39) .
قال الرضا عليه السلام : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنباً من رسول
الله صلى الله عليه وآله لاَنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً ، فلمّا جاءهم صلى الله عليه وآله بالدعوة إلى كلمة الاِخلاص كَبُر ذلك عليهم وعظم وقالوا : ( أجعلَ الآلِهةَ إِلهاً واحِداً إنَّ هذا لشيءٌ عُجاب ، وانطَلَقَ المَلأ مِنهم أن امشُوا واصبِرُوا على آلِهتِكُم إنَّ هَذا لَشيءٌ يُرادُ ، ما سَمِعنا بِهذا في المِلَّةِ الآخِرةِ إن هذا إلاّ اختِلاق ) (40) فلمّا فتح الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله مكة قال له : يا محمد ( إنَّا فَتَحنَا لَكَ ) ـ مكة ـ ( فَتحَاً مُبيناً ، لِيغفر لَكَ اللهُ ما تَقَدَّم مِن ذَنبِكَ وما تَأخّر ) (41) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله
فيما تقدم وما تأخر ، لاَن مشركي مكة أسلم بعضهم ، وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقى منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول
الله عز وجل : ( عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أذِنتَ لَهُم
) (42) ؟
فقال الرضا عليه السلام : هذا ما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب
الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أُمّته ، وكذلك قوله تعالى : ( لئِن أشركتَ ليَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِن الخاسرين ) (43) وقوله عز وجل : ( وَلولا أن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تركَنُ إليهم شَيئاً قَليلاً
) (44) .
قال : صدقت يا بن رسول
الله صلى الله عليه وآله فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وإذ تَقولُ لِلَّذي أنعَم اللهُ عَليهِ وأنعَمت عَليهِ أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ اللهَ وتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبدِيهِ وَتَخشى النّاس واللهُ أحقُّ أن تخشاه
) (45) .
قال الرضا عليه السلام : إن رسول
الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل فقال لها : سبحان الذي خلقكِ، وإنّما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله فقال الله عز وجل : ( أَفأَصفاكُم رَبُّكُم بالبَنينَ واتَّخَذَ مِنَ المَلائكَةِ إِناثاً إِنَّكُم لَتَقُولون قَولاً عَظِيماً ) (46) فقال النبي صلى الله عليه وآله لما رآها تغتسل : سبحان الذي خلقك أن يتخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال ، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله لها : سبحان الذي خلقك ، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنَّ امرأتي في خلقها سوء وإنّي أُريد طلاقها ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ( أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ الله ) (47) وقد كان الله عز وجل عرَّفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد ، وخشى الناس أن يقولوا : إن محمداً يقول لمولاه : إن امرأتك ستكون لي زوجة يعيبونه بذلك ، فأنزل الله عز وجل : ( وإذ تَقُولُ لِلَّذي أنعَمَ اللهُ عَليهِ )يعني بالاِسلام وأنعمت عليه يعني بالعتق ( أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ اللهَ وتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبدِيهِ وَتَخشى النّاس واللهُ أحقُّ أن تخشاه ) (48) ثمّ إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه ، فزوّجها الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وآله وأنزل بذلك قرآناً فقال عز وجل : ( فَلَمّا قَضَى زَيدٌ مِنها وَطراً زَوَّجناكَها لكي لا يَكُونَ عَلى المؤمِنينَ حَرجٌ في أزواجِ أدعيائِهم إذا قضوا مِنهُنَّ وَطراً وكانَ أمرُ اللهِ مفعُولاً ) (49) ثمّ علم الله عز وجل أن المنافقين سيعيبونه بتزوجها فأنزل الله تعالى: ( ما كانَ عَلى النَّبي مِن حرجٍ فيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ
) (50) .
فقال المأمون : لقد شفيت صدري يا بن رسول
الله ، وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليَّ ، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الاِسلام خيراً (51) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق
محكمة الآخرة
ائمة أهل البيت (عليهم السلام) اعلم من جميع ...
أصل الكون
العقـائــد الإسـلاميــة في القــرآن الكريــم
تجسم الأعمال
أسطورة العبوسة
بقاء الروح دليل على البعث
المسيح.. في كربلاء
التجسيم عند ابن تيمية وأتباعه ق (7)

 
user comment