عقيدة الوهابيّة فيهما :
السؤال : هل بإمكانكم إخباري في أيّ كتاب قالت الوهابيّة : بأنّ الله له أرجل ، وأيدي ، ووجه وأعين ... ؟
الجواب : بإمكانك التقصّي عن عقيدة الوهابيّة في التجسيم من خلال فتاوى علمائهم، أو بالسؤال منهم عن تفسير قوله تعالى { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }(2)، أو قوله تعالى { هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } (3) إلى غير ذلك ، وأُنظر ماذا تجاب من قبلهم ؟ عندها تستطيع الحكم أنت بنفسك على ما يعتقدونه من صفات الربّ جلّ جلاله .
ولعلّنا سنزوّدك ما يمكن ذكره في هذا المقام المختصر ببعض أقوال شيخهم ابن تيمية في رسالته الواسطية ، كقوله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( ولا تزال جهنّم يلقى فيها ، وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رجله ،
____________
1- الفهرست : 258 .
2- يونس : 3 .
3- الإسراء : 1 .
|
الصفحة 65 |
|
فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قط قط ) (1) .
وما ذكره محمّد بن عبد الوهّاب في كتابه التوحيد (2) ، عن ابن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : يا محمّد ، إنّا نجد أنّ الله يجعل السماوات على إصبع من أصابعه ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتّى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ، ثمّ قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) : { وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } (3) .
قال ابن بطوطة في رحلته : ( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقيّ الدين بن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء ...
قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ الله ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر !
فعارضه فقيه مالكي ، يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه ، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً ، حتّى سقطت عمامته ، وظهر على رأسه شاشية حرير ، فأنكروا عليه لباسها ، واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم ، قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك ... ) (4) .
وقد أفتى ابن باز في فتاويه : ( التأويل في الصفات منكر ولا يجوز ، بل يجب إمرار الصفات كما جاءت على ظاهرها اللائق بالله جلّ وعلا ، بغير
____________
1- العقيدة الواسطية : 34 .
2- كتاب التوحيد : 157 .
3- الزمر : 67 .
4- رحلة ابن بطّوطة : 95 .
|
الصفحة 66 |
|
تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ) (1) .
وقال أيضاً : ( الصحيح الذي عليه المحقّقون ، أنّه ليس في القرآن مجاز على الحدّ الذي يعرفه أصحاب فنّ البلاغة ، وكلّ ما فيه فهو حقيقة في محلّه ) (2) .
ومن المعلوم أنّ عدم تأويل بعض الصفات ، وعدم القول بمجازيّتها ، يستلزم الاعتقاد بوجود الأعضاء والجوارح في ذات الله عزّ وجلّ ، سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً .
هذا بعض ما أمكننا إرشادك إليه من أقوالهم ، وجملةً من فتاويهم ، وعليك أن تتحقّق عن الباقي بنفسك .
( السيّد عبّاس . البحرين . ... )
السؤال : أُريد المصدر الذي يقول : أنّ الله في ليلة الجمعة ينزل إلى دار الدنيا .
الجواب : قد أخرج الشيخان من طريق ابن شهاب ، عن أبي عبد الله الأغر ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ( ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث آخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فأغفر له ) (3) .
وحديث آخر في ذكر النزول يوم عرفة : عن أسماء قالت : قال رسول الله
____________
1- فتاوى ابن باز 1 / 297 .
2- المصدر السابق 1 / 360 .
3- صحيح البخاريّ 2 / 47 و 7 / 149 و 8 / 197 ، صحيح مسلم 2 / 175 ، سنن ابن ماجة 1 / 435 ، سنن أبي داود 1 / 296 و 2 / 420 .
|
الصفحة 67 |
|
(صلى الله عليه وآله) : ( رأيت ربّي عزّ وجلّ على جمل أحمر ، عليه إزار ، وهو يقول : قد سمحت ، قد غفرت إلاّ المظالم ، فإذا كانت ليلة المزدلفة لم يصعد إلى السماء ، حتّى إذا وقفوا عند المشعر قال : حتّى المظالم ، ثمّ يصعد إلى السماء ، وينصرف الناس إلى منى ) (1) .
تعالى ربّنا عن النزول والصعود ، والمجيء والذهاب ، والحركة والانتقال ، وسائر العوارض والحوادث ، وقد صار هذا الحديث سبباً لذهاب الحشوية إلى التجسيم ، والسلفيّة إلى التشبيه ، وكان من الحنابلة بسببه أنواع من البدع والأضاليل ، ولاسيّما ابن تيمية .
فالعقل السليم الحرّ يقطع ببطلان التجسيم ، وبطلان قول ابن تيمية ، وبطلان ما فهموه من الأحاديث في هذا الشأن .
( السيّد جواد . البحرين . ... )
السؤال : إنّ الله تعالى هو الكمال المحض ، فهل تجسيمه يعتبر كمالاً أو نقصاً ؟
الجواب : إنّ صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين : ثبوتية وسلبيّة ، أو جمالية وجلالية .
فكلّ ما ينسب إليه إثباتاً للواقع في ذاته ، أو فعله فهو ثبوتي ، مثل العلم والقدرة والحياة ؛ وكلّ ما كان يعتبر نقصاً وذمّاً ، فسلبه عنه واجب ولازم .
والتجسيم يعتبر نقصاً ، فلابدّ من سلبه من ذاته ، بخلاف الموارد المذكورة ـ كالعلم والقدرة والحياة ـ فهي بما هي كمال في أعلى مراتبه ، فنسبتها إلى الباري عزّ وجلّ نسبة واضحة ومبرهنة .
____________
1- تاريخ مدينة دمشق 45 / 8 .
|
الصفحة 68 |
|
( توفيق إبراهيم خليل . البحرين . 30 سنة )
السؤال : نحن الشيعة نفسّر القرآن على الباطن في كلّ الآيات ، أمّا إخواننا السنّة يفسّرون القرآن على الظاهر ، وعندما يفسّرون بعض الآيات تعتبر كفراً، كآية : { يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... } (1) .
فأرجو من سماحتكم إعطاء الموضوع شيء من التفصيل ، وذلك للاستفادة .
الجواب : لاشكّ أنّ في القرآن مطلق ومقيّد ، وعام وخاصّ ، وباطن وظاهر ، وغير ذلك .
فالآيات التي ظاهرها خلاف العقل ، أو النقل ـ من الكتاب والسنّة ـ لا يؤخذ بظاهرها ، خصوصاً إذا كان الظاهر يحمل على عدّة معاني في اللغة العربية .
فالآية ـ { يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } ـ لا تأخذ على ظاهرها ، لأنّها تستلزم التجسيم على الله تعالى وهو باطل ، لأنّه يخالف العقل ، فالعقل يقبّح كون المولى عزّ وجلّ له يد ، لاستلزام الجسمية والمحدودية ، والمحدودية تدلّ على النقص والحاجة ، والله تعالى منزّه من ذلك .
ولأنّه يخالف النقل ، فمن الكتاب ، يخالف قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } (2) ، فالقول بأنّ لله تعالى يداً ، يستلزم التمثيل .
ومن السنّة ، فيخالف ما ورد من الروايات الصحيحة المذكورة في كتب الفريقين ، التي تنفي التجسيم عنه تعالى .
ثمّ أنّ كلمة ( اليد ) في اللغة العربية ، استعملت في عدّة معاني ، منها :
____________
1- الفتح : 10 .
2- الشورى : 11 .
|
الصفحة 69 |
|
بمعنى القدرة والقوّة والسلطة و ... .
وعليه ، فيمكن أن يكون معناها في هذه الآية القدرة ، أي قدرة الله فوق قدرتهم ، وهذا المعنى لا يخالف العقل والنقل والعرف ، ولا يستلزم منه النقص على الله تعالى ، وهو الكمال المطلق .
( عبد النبيّ . البحرين . 24 سنة . طالب جامعة )
السؤال : بدايةً أشكر لكم جهودكم في خدمة الإسلام والمسلمين ، وعلى نشركم للمذهب الحقّ ، وعلى التصدّي للدفاع عنه .
أُريد أن أسال عن هشام بن الحكم صاحب الإمام الصادق (عليه السلام) ، هل كان يدين بمذهب أخر قبل أن يلتقيّ بالإمام ؟ وهل صحيح بأنّ له كتاباً ينسب فيه التجسيم لله عزّ وجلّ ؟
الرجاء إخبارنا باسم الكتاب وقصّته ، إن كان ذلك صحيحاً ، ختاماً أهديكم خالص شكري وامتناني .
الجواب : نقدّر جهودكم ، ونتمنّى لكم التوفيق والسداد .
أمّا الإجابة على الأسئلة ، فهي كما يلي : إنّ هناك رواية وردت في رجال الكشّيّ بصورة مرسلة وغير مسندة ، تشير إلى أنّ هشام كان ينتمي إلى مذهب الجهمية قبل أن يلتقيّ بالإمام الصادق (عليه السلام) (1) . ولكن بما أنّ الرواية المذكورة ضعيفة سنداً ، لا يمكن القول بمضمونها ، والاعتماد على مفادها ، ولعلّها صدرت من بعض حسّاده .
وأمّا الروايات الدالّة على اعتقاده بالتجسيم ، فجميعها ضعيفة السند أوّلاً ، ومتعارضة مع ما ورد في أنّه لم يكن قائلاً بالتجسيم ثانياً .
ويحتمل قويّاً : أن يكون القول المنسوب إليه ـ أي التجسيم ـ من سوء فهم
____________
1- اختيار معرفة الرجال 2 / 527 .
|
الصفحة 70 |
|
الناقلين ، فهو كان يقصد بالجسمية معنى آخر غير المعنى المتداول عند الناس ؛ ويؤيّده ما ورد عن أبي الحسن الأشعريّ قال : وحكي عنه أنّه قال : هو جسم لا كالأجسام ، ومعنى ذلك أنّه شيء موجود (1) ، فترى أنّه يريد معنى آخر من الجسمية ، وإن كان قد أخطأ في هذا الإطلاق والاستعمال .
( أحمد البحرانيّ . البحرين . 16 سنة . طالب )