عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

المُناظرة الثانية والثلاثون/مناظرة ابن أبي الحديد المعتزلي (1) مع علي بن الفارقي وبعضهم في أمر فدك

المُناظرة الثانية والثلاثون 

مناظرة ابن أبي الحديد المعتزلي (1) مع علي بن الفارقي وبعضهم في أمر فدك
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في أمر فدك: وسألت علي بن الفارقيّ مدرّس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة عليها السلام صادقة ؟
قال: نعم .
قلت: فَلِم لم يدفع إليها أبو بكر فَدَك وهي عنده صادقة ؟
فتبسّم، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحُرْمته وقلّة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرّد دعواها لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيءٍ؛ لاَنّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود .
وهذا كلام صحيح؛ وإن كان أخرجه مخرج الدُّعابة والهزل (2) .
وقال لي عَلَويّ من الحِلّة (3) يُعرَف بعلي بن مهنأ، ذكيّ ذو فضائل: ما تظنّ قصدَ أبي بكر وعمر بمنع فاطمة عليها السلام فَدَك ؟
قلت: ما قصدا ؟
قال: أرادا ألاّ يُظهرا لعليّ عليه السلام ـ وقد اغتصباه الخلافة ـ رقّة وليناً وخذلاناً، ولا يرى عندهما خوراً، فأتْبعا القرْح بالقرْح .
وقلت لمتكلّم من متكلّمي الاِمامية يُعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل (4) : وهل كانت فدك إلا نخلاً يسيراً وعقاراً ليس بذلك الخطير!
فقال لي: ليس الاَمر كذلك، بل كانت جليلة جدّاً، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل، وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عليها السلام عنها إلاّ ألاَّ يتقوّى عليٌّ عليه السلام بحاصِلِها وغَلّتها على المنازعة في الخلافة، ولهذ أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعليّ عليهما السلام وسائر بني هاشم وبني المطلب حقّهم في الخمس، فإن الفقير الذي لا مال له تضعف همّته ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب المُلك والرياسة (5) .


____________

(1) هو : عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد عز الدين المدائني، ولد بالمدائن سنة 586 هـ ونشأ بها وتلقى عن شيوخها، ودرس المذاهب الكلامية فيها، ثمّ مال إلى مذهب الاعتزال منها، وعلى أساسه جادل وناظر، وكان متضلعاً في فنون الاَدب، عارفاً بأخبار العرب، وله عدّة مصنفات أشهرها شرح نهج البلاغة، توفّي سنة 655 هـ ، وقيل 656 هـ ، راجع ترجمته في: مقدمة شرح نهج البلاغة تحقيق محمد أبو الفضل، وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج5 ص 391 ـ 392 ، البداية والنهاية: ج13 ص 199.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 284 .
(3) الحلة : مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد، كانت تسمّى الجامعين، وكان أوّل من عمّرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دُبيس بن علي بن مزيد الاَسدي، وذلك في محرّم سنة (495 هـ )، وكانت أجمة تأوي إليها السباع، فنزل بها بأهله وعساكره وبنى بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة ، وتأنق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأ ، وقد قصدها التجار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدّة حياة سيف الدولة، وفي الحلّة مسجد الاِمام الصادق عليه السلام وفيها أيضاً مسجد ردّ الشمس ومسجد جمجمة. سفينة البحار: ج1 ص 299 ، مراصد الاطلاع: ج1 ص419 .
(4) النِّيل: بُليدة في سواد الكوفة، قرب حلّة بني مزيد يخترقُها نَهْرٌ يتخلّج من الفرات العظمى، حفره الحجاج بن يوسف وسمَّاه نيل مصر، وهو عمود عمل قُوسان يَصُبُّ فاضله إلى دجْلة تحت النعمانية، مراصد الاطلاع: ج3 ص 1413.
(5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص 236 ـ 237 .

المُناظرة الثالثة والثلاثون 

مناظرة ابن أبي الحديد المعتزلي مع النقيب أبي جعفر البصري العلوي في أمر فدك
قال ابن أبي الحديد : قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي رحمه
الله ، هذا الخبر (1) فقال : أترى أبا بكر وعمر لم يشهدا هذا المشهد ! أما كان يقتضي التكريم والاِحسان أن يُطيّبَ قلب فاطمة عليها السلام بفدك ، ويُستوهبَ لها من المسلمين ، أتقصرُ منزلتُها عند رسول الله صلى الله عليه وآله عن منزلة زينب أختها، وهي سيدة نساء العالمين ! هذا إذا لم يثبت لها حقّ، لا بالنحلة ولا بالاِرث؟
فقلت له : فدك بموجب الخبر الذي رواه أبو بكر قد صار حقّاً من حقوق المسلمين ، فلم يَجُز له أن يأخذه منهم .
فقال : وفداء أبي العاص بن الربيع قد صار حقّاً من حقوق المسلمين ، وقد أخذه رسول
الله صلى الله عليه وآله منهم .
فقلت : رسول
الله صلى الله عليه وآله صاحب الشريعة ، والحُكم حكمه ، وليس أبو بكر كذلك .
فقال: ما قلت: هلا أخذه أبو بكر من المسلمين قهراً فدفعه إلى فاطمة عليها السلام ، وإنّما قلت : هلاّ استنزل المسلمين عنه واستوهبه منهم لها ، كما استوهب رسول
الله صلى الله عليه وآله المسلمين فداء أبي العاص !
أتراه لو قال : هذه بنت نبيّكم قد حضرت تطلب هذه النَّخلات ، أفتطيبون عنها نفساً ، أكانوا منعوها ذلك ؟
فقلت له : قد قال قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبّار بن أحمد نحو هذا ، قال : إنّهما لم يأتيا بحسنٍ في شرع التكرّم ، وإن كان ما أتياه حسناً في الدين! (2)
قال ابن أبي الحديد : وهذا الخبر أيضاً قرأته (3) على النقيب أبي جعفر رحمه الله.
فقال : إذا كان رسول
الله صلى الله عليه وآله أباح دم هبّار بن الاَسود لاَنّه روّع زينب فألقتْ ذا بطنها ، فظهر الحال أنه لو كان حياً لاَباح دم من رَوّع فاطمة عليها السلام حتى ألقت ذا بطنها.
فقلت : أروي عنك ما يقوله قومٌ أنّ فاطمة عليها السلام رُوّعت فألقت المحسن .
فقال : لا تروه عنّي ، ولا تروِ عنّي بطلانه ، فإنّي متوقف في هذا الموضع لتعارض الاَخبار عندي فيه . (4)


____________

 

 

 

المُناظرة الرابعة والثلاثون 

مناظرة نظام العلماء التبريزي (1) مع بعض المدنيين في علة دفن الزهراء عليها السلام ليلاً
قال نظام العلماء التبريزي في كتابه الشهاب الثاقب : إنّي تحدثت مع رجل من إخواننا السنة في المدينة المنورة ، فسألته قائلاً : لما دُفنت الزهراء عليها السلام ليلاً ، ولم يعملوا لها تشييعاً عظيماً ، وهي ابنة رسول
الله صلى الله عليه وآله ؟
فقال لي المدني : لقد صار للزهراء عليها السلام يوم وفاتها تشييع عظيم !
قال : فقلت له : أسألك عن نافع (2) ـ وهو ـ من القرّاء ، كم حضر تشييعه يوم وفاته .
قال : لا أدري ؟ ولكن ما يزيد على خمسمائة إنسان .
قال : فقلت له : وهل معروف موضع قبره أم لا ؟
قال : نعم ، مدفون في البقيع ، وقبره معلوم .
فقلت له : فإذا كانت الزهراء عليها السلام قد صار لها تشييع عظيم ، وحضرها الآلاف من أهل المدينة ، فكيف لم يعلموا موضع قبرها ومحل دفنها ؟
قال : لا أدري ، بل أنت قل لي ما السبب ؟
قال نظام العلماء : فقلت له : إن سببَهُ ، لاَنّها هي أوصت بدفنها ليلاً ، وعدم إخبار الناس بوفاتها .
قال المدني : وما سبب ذلك ؟
قلت : لاَنّ الرجلين كانا قد ظلماها بعد أبيها وأغضباها ، فسخطت عليهما ، فأوصت بعدم إخبارهما بوفاتها ، لئلاّ يحضرا تشييعها ودفنها والصلاة عليها (3) ولا يمكن منع الرجلين وحدهما من حضورهما ، فأوصت بدفنها ليلاً ، وإخفاء قبرها ، احتجاجاً على موقفهما منها بعد أبيها صلى
الله عليه وآله . (4)


____________

(1) هو : المولى محمود بن محمد (نظام العلماء) التبريزي ـ عليه الرحمة ـ المتوفّى سنة 1271 هـ تقريباً ، كان جامعاً للمعقول والمنقول ، وكان معلماً للسلطان ناصر الدين شاه ، ومن آثاره : كتاب الأخلاق ، المطبوع سنة 1264 هـ ، الشهاب الثاقب في ردّ النواصب ، وقد طبع باللغة الفارسية، كما أوقفت مكتبته بعد موته في سنة 1272 هـ ، راجع : الذريعة لآغا بزرك الطهراني : ج 1 ص381 و ج 14 ص 253 .
(2) هو : نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني ، أحد القراء السبعة ، أصله من أصبهان ، أخذ القراءة عرضاً عن جماعة من تابعي أهل المدينة ، توفي سنة 169 هـ ، راجع : طبقات القراء : ج 2 ص 330 ، تهذيب التهذيب : ج 10 ص 407 رقم : 732 .
(3) وهذا متفق عليه عند كبار المحدثين ، بلا نكير يُذكر ، وما ينكر ذلك إلاّ متعنت وإليك جملة مما ذكرها أكابرهم في أنّ فاطمة عليها السلام هجرت الخليفة الاَول فلم تكلمه حتى ماتت ، وأوصت أن تدفن ليلاً .
أ ـ صحيح البخاري : ج 5 ص 177 ، قال في ذلك : فوجدت فاطمة عليها السلام على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلمه حتى توفّيت ، وعاشت بعد النبي صلى
الله عليه وآله ستّة أشهر ، فلمّا توفيت دفنها علي عليه السلام ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر .
ب ـ السنن الكبرى للبيهقي : ج 4 ص 29 (ب الوالي أحق بالصلاة على الميت من الولي من كتاب الجنائز) قال : والصحيح عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة ، في قصة الميراث أن فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وآله عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ستّة أشهر فلما توفيت دفنها علي بن أبي طالب عليه السلام ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها علي عليه السلام .
وذكر ذلك أيضاً في ج 6 ص 300 عن عائشة في حديث مطالبة فاطمة عليها السلام ميراثها من رسول
الله صلى الله عليه وآله ـ إلى أن قالت ـ : فغضبت فاطمة عليها السلام وهجرته فلم تكلمه حتى ماتت فدفنها عليّ عليه السلام ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ...الخ .
جـ ـ تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج 2 ص 448 ، عن عائشة فهجرته فاطمة ولم تكلمه في ذلك حتى ماتت ، ودفنها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر .
د ـ شرح النهج لابن أبي الحديد : ج 16 ص 280 ، فقد ذكر جملة من تلك الاَحاديث والتي منها ، ما جاء عن القاضي في كتابه : أن علياً عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام دفنوها ليلاً، وغيبوا قبرها .
هـ ـ التنبيه والاَشراف للمسعودي : ص 250 قال : وتولى غسلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ودفنها ليلاً بالبقيع وقيل غيره ، ولم يُؤذن بها أبو بكر ، وكانت مهاجرة له منذ طالبته بإرثها من أبيها صلى
الله عليه وآله من فدك وغيرها وما كان بينهما من النزاع في ذلك إلى أن ماتت .
وأما من طرق الاِمامية فكثيرة جداً ، فمنها على سبيل المثال :
أ ـ روى الاَصبغ بن نباتة ، قال سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن علة دفنه فاطمة عليها السلام بنت رسول
الله عليه السلام ليلاً فقال عليه السلام : إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها ، وحرام على من يتولاهم أن يصلّي على أحد من ولدها . (الاَمالي للصدوق : ص523 ح 9 ، بحار الاَنوار : ج 43 ص 209 ح 37 .
ب ـ جاء عن عبد
الله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث ـ قالت فاطمة عليها السلام لاَمير المؤمنين عليه السلام : سألتك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنا مت ألا يشـهداني ولا يصليـا عليّ . قـال : فلـك ذلك . عن الاختصاص للمفيد : ص 183 .
جـ ـ جاء عن ابن البطائني عن أبيه قال : سألت أبا عبد
الله عليه السلام : لاَي علّة دفنت فاطمةعليها السلام بالليل ولم تدفن بالنهار ؟ قال عليه السلام : لاَنّها أوصت أن لا يصلّي عليها الرجلان الاَعرابيان. عن علل الشرائع للصدوق : ج 1 ص 185 ح 1 ، عنه بحار الاَنوار : ج 43 ص 306 ح34.
(4) هدي الملة إلى أن فدك نحلة ، للشيخ باقر المقدسي : ص 178 ـ 179 .



0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخروج من القبر
سياحة في الغرب أو مسير الأرواح بعد الموت 1
فكرنا السياسي إسلامي أم سلطوي ؟
علماء السنة يجيزون لعن يزيد بن معاوية
الإمامة عند الشيعة
مفهوم الحقيقي للبقاء والفناء ها إلا الرأس
الامامة والامام في كتاب الله والحديث النبوي
معنى فطرة الله
الأرزاق و الأسعار
هویة التشیع العرقیة

 
user comment