عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

من سمات أهل البيت (عليهم السلام) : 3 - استجابة دعائهم (عليهم السلام)

من سمات أهل البيت (عليهم السلام) : 3 - استجابة دعائهم (عليهم السلام)

الابتهال إلى اللّه وطلب الخير منه أو طلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب أمر مرغوب، يقوم به الاِنسان تارة بنفسه، وأُخرى يتوصل إليه بدعاءالغير.

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب و الوصول إليه سبحانه، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه: (أُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (1) وليس كلّدعاء مستجاباً و صاعداً إليه سبحانه، فانّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الاِنسان العادي.

نعم هناك أُناس مطهرون من الذنوب يكون دعاوَهم صاعداً إلى اللّه سبحانه و مستجاباً قطعاً ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و طلب الاستغفار منه، قال سبحانه:(وَلَو انّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أنفسهُمْ جاءُوكَ فاستغْفروا اللّه وَاسْتَغْفر لَهُمُ الرَّسُول لَوَجدوا اللّه تَوّاباً رَحيماً ).(2)
وقال سبحانه: (وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُول اللّه لَوّوا رُوَوسهُمْ


1 . غافر: 60 .
2 . آل عمران: 65.

[ 104 ]

وَرأيتهم يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ). (1)

ولذلك طلب أبناء يعقوب أباهم أن يستغفر في حقّهم (قالُوا يا أَبانا استَغْفِر لَنا ذُنُوبنا إنّاكُنّا خاطِئين ).(2)
ويظهر ممّا جرى بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و وفد نجران من المحاجَّة والمباهلة ان ّأهل البيت إذ أمَّنوا لدعاء النبي ص يُستجاب دعاءه، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة، فحاجَّهم الرسول ص ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة:(إِنَّ مَثل عيسى عِنْدَاللّه كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُون ). (3)

فقد قارعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية، حيث كانوا نصارى نجران يحتجون ببنوة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب: «بأنّ مثل المسيح كمثل آدم، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن إبناً للّه سبحانه» وأولى منه أن لا يكون المسيح إبناً له.

ولمّا أُفحموا في المحاجة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة، وهي وإن كانت دائرة بين الرسول ص و رجال النصارى، لكن عمَّت الدعوة للاَبناء والنساء، ليكون أولى على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ وذلك لما أودع اللّه سبحانه في قلب الاِنسان من محبة الاَولاد والشفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الاَهوال و الاِخطار دونهم، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الاَبناء على النساء، وقال: (فَمَنْ حاجّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكََ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءُكُمْ وَنساءَناو نساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنُفسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَة اللّه


1 . المنافقون: 5.
2 . يوسف: 97.
3 . آل عمران: 59.

[ 105 ]

عَلى الكاذِبين ) .

وحيث إنّه سبحانه أتى بلفظ الاَبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده بل أبناوَه ونساوَه، ولذلك عدَّدتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الاَُمة ونسائهم و أبنائهم .

ثمّ إنّ المفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشاف، قال: لما دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتى نرجع و ننظر، فلّما تخالوا .

قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: واللّه لقد عرفتم يامعشر النصارى ان ّمحمّداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللّه ما باهل قوم نبياً قط، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ ، فإن أبيتم إلا اِلف دينكم والاِقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه، وعليّ خلفها،وهو يقول: «إذا أنا دعوت فأمَّنوا».

فقال أُسقف نجران: يا معشر النصارى! إنّي لاَرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يُزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا، ولا يبقى على وجه الاَرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك على دينك، ونثبت على ديننا. قال: «فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم».

[ 106 ]

فأبوا، قال: «فانّي أُناجزكم»، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردُّنا عن ديننا، على أن نوَدي إليك كلّ عام ألفي حلّة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.

وقال: «والذي نفسي بيده انّ الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولا ضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على روَوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا».

وعن عائشة : انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة ،ثمّ علي، ثمّ قال: (إنّما يريداللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) .(1)

الشاهد على استجابة دعائهم أمران:
أ: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أنا دعوت فأمّنوا، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صاعداً بفضل دعائهم.

ب: قول أُسقف نجران: «انّي لاَرى وجوهاً لوشاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها» والضمير يرجع إلى الوجوه، أي لازاله بدعائهم أو لاَزاله بالقسم على اللّهبهم، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في «العمدة» حيث قال: المباهلة بهم تصدق دعوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على اللّه بهم.(2)


1 . الزمخشري: الكشاف: 1|326ـ 327، ط عام 1367هـ.
2 . العمدة: 243.

[ 107 ]

وقد تركت مباهلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين، يشهد بها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ،عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسبَّ أباتراب؟

فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلن أسبَّه، لاَن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه، خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي؟
و سمعته يوم خيبر، يقول: لاَُعطينّ الراية رجلاً يحب اللّه ورسوله،ويحبّه اللّه ورسوله .

قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح اللّه على يديه.

ولما نزلت هذه الآية : (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللّهم هوَلاء أهل بيتي.(1)


1 . صحيح مسلم: 7|120، باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

[ 108 ]

 

من سمات أهل البيت (عليهم السلام) : 4 - ابتغاء مرضاة اللّه تعالى

الاِنسان الكامل هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلاّلابتغاء مرضاة اللّه تبارك و تعالى، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلى مكان تفنى فيه كلّالدوافع والحوافز إلاّ داع واحد و هو طلب رضى اللّه تبارك و تعالى، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الاِنساني، وربَّما يبلغ الاِنسان في ظل الرضا درجة لا يتمنّى وقوع مالم يقع، أو عدم ما وقع، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته:

وبهجة بما قضى اللّه رضا *** وذو الرضا بما قضى ما اعترضا
اعظم باب اللّه، الرضا وُعي(1) *** وخازن الجنة رضواناً دُعي
فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى *** وذا ن سيّان لصاحب الرضا
عن عارف عمّر سبعين سنة *** إن لم يقل رأساً لاَشيا كائنة
يا ليت لم تقع ولا لما ارتفع *** مماّ هو المرغوب ليته وقع(2)

 


1 . إشارة إلى ما روي انّ الرضا باب اللّه الاَعظم.
2 . شرح منظومة السبزواري:352.

[ 109 ]

وممَّن يمثل ذلك المقام في الاَُمّة الاِسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين علي أمير الموَمنين (عليه السلام) فهو في عامة مواقفه في جهاده و نضاله، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنّمه على منصَّة الخلافة بإصرار من الاَُمّة، فهو في كلّهذه الاَحوال والمواقف، لا همّ له إلاّ طلب رضوانه تعالى.

و قد صرح الاِمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة، فقال: «أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لاَلقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولاَلفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ».(1)

وقد تجلت هذه الخصلة في علي (عليه السلام) حين مبيته في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

روى المحدّثون : أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمكة لقضاء ديونه و ردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقال ص له: يا علي اتَّشح ببردي الحضرمي الاَخضر، ثمّ نم على فراشي، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء اللّه عزّوجلّ، ففعل ذلك (عليه السلام) فأوحى اللّه عز ّوجلّ إلى جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يوَثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمّد ص فنام على فراشه يفديه بنفسه ويوَثره بالحياة ، اهبطا إلى الاَرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه.


1 . نهج البلاغة:الخطبة 3.

[ 110 ]

فقال جبرئيل: بخ بخ مَن مثلك يابن أبي طالب ؟ يباهي اللّه بك الملائكة، فأنزل اللّه تعالى على رسوله ص و هو متوجِّه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) : (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَمَرْضاتِ اللّه ). (1)

وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ علي (عليه السلام) .

وقال ابن عباس : أنشدني أمير الموَمنين شعراً قاله في تلك الليلة:

وقيت بنفسي من وطىَ الحصا *** وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر
وبتَّ أراعي منهم ما يسوءني *** وقد صَّبرت نفسي على القتل والاَسر
وبات رسول اللّه في الغار آمناً *** ومازال في حفظ الاِله وفي الستر(2)


وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسان بن ثابت في شعره عند مدح علي (عليه السلام) :

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا *** و أسرّها في نفسه إسرارا
من كان بات على فراش محمّد *** ومحمد اسرى يوَم الغارا
من كان في القرآن سمّي *** في تسع آيات تلين غزارا(3)

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

كرامات الإمام الحسن ( عليه السلام )
هكذا عرفت الإمام الحسين (عليه السّلام)
أهل البيت الأسمى والأفضل
ابو جعفر الثاني الامام الجواد (عليه السلام)‏
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
مراحل بلوغ العبودية الكاملة
الولاء لأهل البيت عليهم السلام
الاستدلال بآية المباهلة على تفضيل الإمام علي ع ...
إصدار كتاب جديد لتراث الإمام السجاد عليه السلام
مناجاة الامام الصادق عليه السلام

 
user comment