عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

الشيعة وآية التطهير :

الشيعة وآية التطهير :

استدلت الشيعة عن بكرة أبيها بآية التطهير على عصمة العترة الطاهرة، وأفاض المفسرون منهم القول حول الآية وأتوا ببيانات شافية في وجه دلالتها على عصمتهم.

وهناك جماعة من العلماء قاموا بتأليف رسائل مفردة حول دلالتها وشأن نزولها، نشير إلى ما وقفنا عليه في ما يلي:

1. «السحاب المطير في تفسير آية التطهير » ، للسيد السعيد القاضي نور اللّه المرعشي الشهيد عام 1019 هـ .


1 . الاِتحاف بحب الاَشرف: 106 ـ 109.
2 . الاَنعام: 90.

[ 74 ]

2. «تطهير التطهير » ، تأليف الفاضل الهندي ( المتوفّـى عام 1035هـ ) .

3. «شرح تطهير التطهير » ، تأليف السيد عبد الباقي الحسيني كتبه شرحاً لكتاب الفاضل الهندي.

4. «إذهاب الرجس عن حظيرة القدس»، للعلاّمة الشيخ عبد الكريم بن محمد طاهر القمي.

5. «الصور المنطبعة»، له أيضاً في هذا المجال.

6. «أقطاب الدوائر »، للعلاّمة عبد الحسين بن مصطفى أحد علمائنا في القرن الثاني عشر فرغ منه عام 1138 هـ ، وطبع عام 1403 هـ .

7. «تفسير آية التطهير»، تأليف الشيخ إسماعيل بن زين العابدين التبريزي الملقّب بمصباح ( المتوفّـى عام 1300 هـ) .

8. التنوير في ترجمة رسالة «آية التطهير» باللغة الاَوردية، تأليف السيد عباس الموسوي، طبع في الهند عام 1341 هـ ، وهو ترجمة لرسالة السيد القاضي نور اللّه .

9. «جلاء الضمير في حل مشكلات آية التطهير » ، للشيخ محمد البحراني، طبع في بُمباي عام 1325 هـ .

10. رسالة قيمة في تفسير آية التطهير، للعلاّمة المحقق الشيخ لطف اللّه الصافي، طبعت عام 1403 هـ من منشورات دار القرآن الكريم في قم المقدسة، وله رسالة أُخرى في العصمة طبعت معها، حيّاه اللّه وبيّاه.

11. «آية التطهير » في جزءين، للسيد الجليل علي الاَبطحي، وقد استقصى الكلام فيها حول المأثورات الواردة فيها في الجزء الاَوّل، ودلالتها على العصمة في الجزء الثاني.

[ 75 ]

12. «آية التطهير » ، للشيخ محمد مهدي الآصفي وهي دراسة حول مداليل الآية الكريمة (إنّما يريد اللّه ... ) واختصاصها بأهل البيت (عليهم السلام) نشرتها موَسسة دار القرآن الكريم في قم المقدسة سنة 1411 هـ .

13. «آية التطهير ، روَية مبتكرة»، لآية اللّه الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، طبع في إيران 1970 م بالفارسية. و 1987م بالعربيَّة.

14. «آية التطهير في الخمسة أهل الكساء»، للسيد محيي الدين الموسوي الغريفي، طبع في النجف الاَشرف ـ 1377 هـ | 1958 م.

15. أخيرها ـ لا آخرها ـ ما قدمناه لكم في هذه الصحائف لكاتب هذه السطور ، عفا اللّه عنه، ورزقه شفاعة محمد وأهل بيته يوم لا ينفع مال ولا بنون.

[ 76 ]

 

[ 77 ]

 الفصل الثاني : سمات أهل البيت (عليهم السلام)

قد تعرَّفت على من هم أهل البيت من خلال التعريف بالحدِّ التامّ الذي عرَّف به رسول اللّه ص أهل بيته، أهل بيت النبوّة و الرّسالة، وكأنَّ التعريف السابق كان بمنزلة التعريف بالحدّ أي التعريف بالذات.

و يمكن أن نتعرف عليهم من خلال التعريف على سماتهم وخصوصيّاتهم الّتي تشبه التعريف بالرّسم والتعريف بالعرضي.

و سماتهم و خصوصيّاتهم كثيرة مبثوثة في ثنايا الآيات و الاَحاديث النبويَّة، و لكن نقتصر في المقام على ما ورد من السمات في الذكرالحكيم.

[ 78 ]

 

[ 79 ]

 

من سمات أهل البيت (عليهم السلام) : 1 - العصمة

لقد تعرفت على ما هو المراد من أهل البيت في الآية المباركة على وجه لم يدع لقائل كلمة، ولا لمجادل شبهة، في أنّ المقصود منه هو العترة الطاهرة قرناء الكتاب في كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

فحان البحث للتطرق إلى سماتهم وخصوصياتهم، وهي على قسمين:

1. ما يستفاد من الآية الشريفة.

2. ما يستفاد من سائر الآيات.

أمّا الاَوّل، فالآية ـ بعد الاِمعان فيها ـ تدلّ على عصمتهم وطهارتهم من الذنوب، ويعلم ذلك من خلال دراسة أمرين:

1. ما هو المراد من الرجس؟

2. هل الارادة في الآية المباركة إرادة تكوينية أو تشريعية؟

1. ما هو المراد من الرجس؟ :

المراد من الرجس: هو القذارة الاَعم من المادية والمعنوية، وقد اتفق على ذلك أئمّة اللغة.

قال ابن فارس: الرجس: أصل يدل على اختلاط، ومن هذا الباب:

[ 80 ]

الرجس: القذر لاَنّه لطخ وخلط . (1)

وقال ابن منظور : الرجس: القذر، وكل قذر رجس، وفي الحديث: أعوذ بك من الرجس النجس. وقد يعبر به عن الحرام والفعل القبيح والعذاب واللعن والكفر . قال الزجّاج: الرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل ... فبالغ اللّه في ذم أشياء وسمّـاها رجساً، وقال ابن الكلبي: رجس من عمل الشيطان أي مأثم.(2)
وقد استعملت هذه اللفظة في الذكر الحكيم ثمانية مرات: ووصف به الخمر والميسر والاَنصاب والاَزلام والكافر غير الموَمن باللّه والميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير والاَوثان وقول الزور ... إلى غير ذلك من الموارد التي وصفت به في الذكر الحكيم.

ونكتفي بنقل بعض الآيات قال سبحانه : (إِنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاَنْصَابُ وَالاَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ). (3)

وقال سبحانه : (إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ). (4)

وقال سبحانه : (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُوَْمِنُونَ ) (5) ، إلى غير ذلك من الآيات.

والمتفحص في كلمات أئمّة أهل اللغة، والآيات الواردة فيها تلك اللفظة،


1 . معجم مقاييس اللغة: 2|490.

2 . لسان العرب: 6|94 ـ 95، مادة «رجس».

3 . المائدة: 90.

4 . الاَنعام: 145.

5 . الاَنعام: 125.

[ 81 ]

يصل إلى أنّها موضوعة بمعنى القذارة التي تستنفر منها النفوس، سواءً أكانت مادية، كما وردت في الآيات، أم معنوية كما هو الحال في الكافر وعابد الوثن ووثنه.

فلو وصف به العمل القبيح عرفاً أو شرعاً، فلاَجل انّ العمل القبيح يوصف بالقذارة التي تستنفرها الطباع السليمة، وعلى هذا فالمراد من الرجس في الآية هي الاَعمال القبيحة عرفاً أو شرعاً، ويدل عليه قوله سبحانه بعد تلك اللفظة: (ويطَّهركُم تَطْهيراً ) ، فليس المراد من هذا التطهير إلاّ تطهيرهم من الرجس المعنوي الذي لا تقبله النفوس السليمة.

وقد ورد نظير قوله: (ويطهركم تطهيراً ) في حق السيدة مريم «عليها السلام» ، قال سبحانه : (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِين ) . (1)

نعم: انّ لتطهير النفوس وطهارتها مراتب ودرجات، ولا تكون جميعها مستلزمة للعصمة، وانّما الملازم لها هو الدرجة العليا، قال سبحانه : (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِِّرِينَ ). (2)

قال العلاّمة الطباطبائي: الرجس ـ بالكسر والسكون ـ صفة من الرجاسة وهي القذارة، والقذارة هيئة في النفس توجب التجنّب والتنفّر منها، وهي تكون تارة بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير ، قال تعالى : (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) وبحسب باطنه، أُخرى، وهي الرجاسة والقذارة المعنوية كالشرك والكفر وأثر العمل السيّء، قال تعالى: (وأمّا الّذِينَ فِي ُقُلوِبِهمَ َمٌرضَ َفزَاْدُتْهمِ رجساً إلى رِجْسِهِمْ ومَاتُوا وَهُمْ كافِرون ) (3)، وقال: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً


1 . آل عمران: 42.

2 . التوبة: 108.

3 . التوبة: 125.

[ 82 ]

حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُوَْمِنُونَ ) .(1)

وأيّاً ما كان فهو إدراك نفساني وأثر شعوري يحدث من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّء وإذهاب الرجس عبارة عن إزالة كل هيئة خبيثة في النفس تضاد حق الاعتقاد والعمل، وعند ذلك يكون إذهاب الرجس معادلاً للعصمة الاِلهية التي هي صورة علمية نفسانية، تحفظ الاِنسان من رجس باطني الاعتقاد وسيّء العمل. (2)

المنفي مطلق الرجس :

إذا كان المراد من الرجس في الآية الكريمة هو الاَفعال القبيحة عرفاً أو شرعاً والمعاصي صغيرها وكبيرها، فيجب أن يقال: إنّ المنفي في الآية هو عموم الرجس، وذلك لاَنّ المنفي هو جنس الرجس لا نوعه ولا صنفه، ونفي الجنس يلازم نفي الطبيعة بعامة مراتبها، ولاَجل ذلك لم يكتف سبحانه بقوله: (ليذهب عنكم الرجس ) بل أكّده بقوله: (ويطهّركم تطهيراً ) ، فلو كان المراد نفي قسم خاص من الرجس ـ أعني: الشرك، أو الاَوسع منه كالمعاصي الكبيرة ـ لما كان لهذه العناية وجه.

والحاصل: انّ المفهوم من قول القائل لا خير في الحياة، أو لا رجل في الدار، هو المفهوم من قوله: ليذهب عنكم الرجس، والتفكيك بين المقامين غير مقبول. هذا هو الاَمر الاَوّل وإليك الكلام في الاَمر الثاني :


1 . الاَنعام: 125.
2 . الميزان: 16|330.

[83>( 83 ]

 2. هل الاِرادة في الآية تكوينية أم تشريعية؟ :

إنّ انقسام إرادته سبحانه إلى تكوينية وتشريعية من الانقسامات الواضحة التي لا تحتاج إلى بسط في القول، ومجمل القول فيها هو انّه إذا تعلّقت إرادته سبحانه على إيجاد شيء وتكوينه في صحيفة الوجود، فهي الاِرادة التكوينية ولا تتخلّف تلك الاِرادة عن مراده، وربّما يعبّـر عنها بالاَمر التكويني قال سبحانه : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون ) . (1)

ففي هذا المجال يكون متعلّق الاِرادة تكوّن الشيء وتحقّقه وتجسّده، واللّه سبحانه لاَجل سعة قدرته ونفوذ إرادته لا تنفك إرادته عن مراده ولا أمره التكويني عن متعلّقه.

وأمّا إذا تعلّقت إرادته سبحانه بتشريع الاَحكام وتقنينها في المجتمع حتى يقوم المكلّف مختاراً بواجبه، فهي إرادة تشريعية، ففي هذا المجال يكون متعلّق الاِرادة تحقيقاً هو التشريع والتقنين، وأمّا قيام المكلّف فهو من غايات التكليف، ولاَجل ذلك ربّما تترتب عليه الغاية، وربّما تنفك عنه، ولا يوجب الانفكاك خللاً في إرادته سبحانه ، لاَنّه ما أراد إلاّ التشريع وقد تحقق، كما انّه ما أراد قيام المكلّف بواجبه إلاّ مختاراً، فقيامه بواجبه أو عدم قيامه من شعب اختياره، هذا هو إجمال القول في الاِرادتين، وللتفصيل محل آخر .

والقرائن التي ستمر عليك تدل على أنّ الاِرادة في الآية تكوينية لا تشريعية بمعنى انّ إرادته التكوينية التي تعلّقت بتكوين الاَشياء وإبداعها في عالم الوجود، تعلّقت أيضاً بإذهاب الرجس عن أهل البيت، وتطهيرهم من كل رجس وقذر، ومن كل عمل يستنفر منه، وإليك تلك القرائن:


1 . يس: 82.

[ 84 ]

1. انّ الظاهر من الآية هو تعلّق إرادة خاصة بإذهاب الرجس عن أهل البيت، والخصوصية إنّما تتحقّق لو كانت الاِرادة تكوينية، إذ لو كانت تشريعية لما اختصت بطائفة دون طائفة، لاَنّ الهدف الاَسمى من بعث الاَنبياء هو إبلاغ تشريعاته ودساتيره إلى الناس عامة لا لا َُناس معيّنين، ولاَجل ذلك ترى أنّه سبحانه عندما شرّع للمسلمين الوضوء والغسل بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) علّله بقوله: (وَلَكِنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(1) خاطب سبحانه الموَمنين عامة بالوضوء والغسل وعلّل تشريعه العام بتطهيرهم وإتمام نعمته عليهم وهذا بخلاف الآية التي نحن بصددها، فإنّـها خصّصت إرادة تطهيره بجمع خاص تجمعهم كلمة «أهل البيت» وخصّهم بالخطاب وقال: «عنكم أهل البيت» أي لا غيركم.

وبالجملة فتخصيص تعلّق الاِرادة بجمع خاص على الوجه الوارد في الآية، يمنع من تفسير الاِرادة بالاِرادة التشريعية التي عمّت الا َُمّة جميعاً.

نعم لا يتوهم من ذلك انّ أهل البيت خارجون عن إطار التشريع، بل التشريع في كل المجالات يعمّهم كما يعم غيرهم، ولكن هنا إرادة تكوينية مختصة بهم.

2. انّ العناية البارزة في الآية المباركة أقوى شاهد على أنّ المقصود بالاِرادة، الاِرادة التكوينية لا التشريعية، لوضوح أنّ تعلّق الاِرادة التشريعية بأهل البيت لا يحتاج إلى العناية في الآية، وإليك بيان تلك العناية:


1 . المائدة: 6.

[ 85 ]

أ. ابتدأ سبحانه كلامه بلفظ الحصر، ولا معنى له إذا كانت الاِرادة تشريعية، لاَنّها غير محصورة بأُناس مخصوصين.

ب. عيّـن تعالى متعلّق إرادته بصورة الاختصاص، فقال: (أهل البيت ) أي أخصّكم أهل البيت.

ج. قد بيّـن متعلّق إرادته بالتأكيد، وقال بعد قوله: (ليذهب عنكم الرجس ... ويطهركم ) .

د. قد أكّده أيضاً بالاِتيان بمصدره بعد الفعل، وقال: (ويطهّركم تطهيراً ) ليكون أوفى في التأكيد.

هـ . انّه سبحانه أتى بالمصدر نكرة، ليدل على الاِكبار والاِعجاب، أي تطهيراً عظيماً معجباً.

و . انّ الآية في مقام المدح والثناء، فلو كانت الاِرادة إرادة تشريعية لما ناسب الثناء والمدح.

وعلى الجملة: العناية البارزة في الآية تدل بوضوح على أنّ الاِرادة هناك غير الاِرادة العامة المتعلّقة لكل إنسان حاضر أو باد، ولاَجل ذلك فإنّ المحقّقين من المفسرين يفسرون الاِرادة في المقام بالاِرادة التكوينية ويجيبون عن كل سوَال يطرح عنها.

قال الشيخ الطبرسي: إنّ لفظة (إنّما ) محقّقة لما أُثبت بعدها، نافية لما لم يثبت، فإنّ قول القائل: إنّما لك عندي درهم، وإنّما في الدار زيد، يقتضي انّه ليس عنده سوى الدرهم وليس في الدار سوى زيد، وعلى هذا فلا تخلو الاِرادة في الآية أن تكون هي الاِرادة المحضة التشريعية ، أو الاِرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس؛ ولا يجوز الوجه الاَوّل، لاَنّ اللّه تعالى قد أراد من كل مكلّف هذه الاِرادة المطلقة، فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق، ولاَنّ هذا

[ 86 ]

القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة ولا مدح في الاِرادة المجرّدة، فثبت الوجه الثاني، وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيين بالآية من جميع القبائح . (1)

وقال السيد ابن معصوم المدني في تقريب دلالة الآية على عصمة المعنيّين بالآية: إنّ لفظة (إنّما ) محقّقة لما أُثبت بعدها، نافية لما لم يثبت، فإنّ قول القائل إنّما لك عندي درهم، وإنّما في الدار زيد، يقتضي انّه ليس له عنده سوى درهم وليس في الدار سوى زيد، إذا تقرر هذا فلا تخلو الاِرادة في الآية أن تكون هي الاِرادة المطلقة أو الاِرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس، فلا يجوز الوجه الاَوّل، لاَنّ اللّه تعالى قد أراد من كل مكلّف هذه الاِرادة المطلقة، فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق. وهذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك ولا شبهة ولا مدح في الاِرادة المجرّدة، فثبت الوجه الثاني، وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيّين بالآية من جميع القبائح، لاَنّ اللام في الرجس للجنس، ونفي الماهية نفي لكل جزئياتها، وقد علمنا أنّ من عدا ما ذكرناه من أهل البيت حين نزول الآية غير مقطوع على عصمته، فثبت أنّ الآية مختصة بهم، لبطلان تعلّقها بغيرهم. وما اعتمدوا عليه من أنّ صدر الآية وما بعدها في الاَزواج، فجوابه انّ من عرف عادة العرب العرباء في كلامهم واسلوب البلغاء والفصحاء في خطابهم لا يذهب عليه انّ هذا من باب الاستطراد، وهو خروج المتكلم من غرضه الاَوّل إلى غرض آخر ثم عوده إلى غرضه الاَوّل، واتفقت كلمة أهل البيان على أنّ ذلك من محاسن البديع في الكلام نثراً ونظماً والقرآن المجيد وخطب البلغاء وأشعارهم مملوءة من ذلك. (2)


1 . مجمع البيان: 4|357 تفسير سورة الاَحزاب ؛ وقريب منه ما أفاده الشيخ الطوسي في تبيانه: 8|340.
2 . رياض السالكين: 497، الروضة السابعة والاَربعون، وقد نقلنا عن الطبرسي ما يقرب منه.
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المقصود من (أهل البيت) في آية التطهير
كرامات الإمام الحسن ( عليه السلام )
هكذا عرفت الإمام الحسين (عليه السّلام)
أهل البيت الأسمى والأفضل
ابو جعفر الثاني الامام الجواد (عليه السلام)‏
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
مراحل بلوغ العبودية الكاملة
الولاء لأهل البيت عليهم السلام
الاستدلال بآية المباهلة على تفضيل الإمام علي ع ...
إصدار كتاب جديد لتراث الإمام السجاد عليه السلام

 
user comment