عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

كيف تصلان إلى بر الأمان الإلهي

* فاطمة الصدر
إن أهمية الأسرة ودورها في المجتمع البشري يتضحان من خلال الإمعان في هذين البعدين. والأسرة وحدة اجتماعية اعتبر القرآن تشكيلها استهدافاً لتأمين السلامة النفسية لثلاثة أجيال هي الزوجان والآباء والأبناء وأقرباؤهم، واستعداداً للمواجهات الاجتماعية. ففي سورة الفرقان، تشير الآية 74 وهي (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) إلى أهمية الأسرة كونها القدوة لتكوين المجتمع المثالي للإنسان. كما تعتبر الآية العلاقات العائلية السليمة النيرة مثالاً للمتقين ومبتغاهم.
والقرآن يعرف الأسرة أنها مدرسة الحب والمودة. ففي الآية 21 من سورة الروم (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). وهنا نلاحظ نقاط هامة عن الأسرة وهي:
1 ـ أزواج من أنفسكم: فأحد الجوانب الهامة في الأسرة هو العلاقة بين الزوج والزوجة. وكما نوهنا من قبل فإن الإنسان موجود اجتماعي لا ينمو ولا يتفتح ولا يرقى إلى الكمال البشري إلا من خلال الارتباط بالآخرين، والمعاناة الناجمة عن هذه العلاقة، والمسار نحو الكمال لا يتناهى.
وفي كل مرحلة من مراحل العمر والنمو ثمة حاجات داخلية خاصة تتجلى في حال ارتباط الإنسان بالآخر ويبين أثر انعكاس صورة الحاجة النفسية على وجه المراد والمطلوب، وعندئذ يمكن كذلك معرفة النفس. وما العلاقة بين الزوج والزوجة إلا علاقة حميمة لا يشوبها أي غرض. ففي الأسرة تظهر نقاط الضعف والقوة النفسية للإنسان دون أدنى تحف وتخوف أو أية اعتبارات اجتماعية أخرى، وحيث تتوفر بالطبع إمكانية معالجتها. إذ يمكن بالتحلي بالصبر والتؤدة والوفاء والثقة المتبادلة معرفة السلبيات ودراستها والتخلص منها في سبيل تزكية النفس وتصفيتها.
فالإسلام يرى إن شوائب الداخل هي أسوأ بكثير من قبح الخارج. والبيئة التي تتسم بإمكانية إبراز السلبيات النفسية دون الرهبة من العقاب تتميز كذلك بتوفير إمكانية التخلص من تلك المنغصات. وبقوة المحبة يمكن المبادرة إلى أصعب الأفعال.
2 ـ وجعل بينكم مودة: والنقطة المهمة الثانية في الأسرة هي المودة بين الزوجين فبالتعامل الودي بينهما وتعاضدهما في مسار معرفة النفس وبارئها، يظفر الإنسان بالطمأنينة ويصل وادي الأمان الإلهي. ومن هنا وردت عبارة (لتسكنوا إليها) في الآية الشريفة.
3 ـ لتسكنوا: السكنى هو التوصل إلى مقام السكينة، يدل بصورة رمزية على أن يحظى المرء بمكانته وموقعه في الوجود. ومن وجهة نظر القرآن، فإن من شأن الأسرة التمهيد لذلك سواء بالنسبة للزوجين أو بالنسبة للمثال الذي يحتذي حذوه الأبناء.
4 ـ الرحمة: إن تآلف الزوجين وتآزرهما بقوة المحبة والود على طريق الكمال يجلب الرحمة للأسرة وللآخرين، فالعلاقة السليمة هي الكفيلة بتوفير الأرضية المناسبة للارتباط المسؤول والمثابر. وهو ما يقتدي به الناشئة ويتخذونه مثالاً في علاقاتهم بالمجتمع في المستقبل.
إن المقصود من إقرار التنسيق والتوازن بين الزوجين لا يعني توافق الطرفين مع بعضهما البعض بقدر ما يعني بذل المجهود من أجل الاستكمال المتبادل، والقبول في الوقت نفسه بالفوارق الطبيعية والذاتية. فكما هناك فوارق فيسيولوجية بين الرجل والمرأة، ثمة اختلافات نفسية كبيرة بينهما.
ولكن فيما يتعلق بالنفسيات والخصائص، فإن اختلاف الأفراد من هذه الناحية غير واضح مثل الاختلافات الفيسيولوجية، ولا علاقة له بالأنوثة والرجولة. والبيئة والأسرة والثقافة هي العوامل المؤثرة في شخصية الإنسان. وتظهر هذه الفوارق في سلوك المرأة والرجل وتصرفاتهما. وهنا بالضبط تتحدد رسالة الأسرة الرئيسية، أي التفاهم والود المتبادل بهدف التأمل مع اختلاف الميول على اعتبارها عناصر متنوعة تشكل بمجموعها وحدة واحدة. ويتطلب ذلك لاصدق والثقة والتواضع والتقوى والتنزه عن محورية الذات. وهو ما يحدو بالأبناء إلى اتخاذه مثلاً أعلى في علاقاتهم مع الآخرين في المجتمع، بحيث يرون الفوارق الفردية والاجتماعية والثقافية لدى الآخرين عاملاً من عوامل التكامل. وهذا النوع من التعامل يمهد للتفاهم بين الشعوب والتوفيق بين المعتقدات المختلفة، ومن شأنه كذلك إحلال السلام.
ورغم الدلالات الواضحة في القرآن بشأن المساواة بين الرجل والمرأة، إن على مستوى الأسرة أو على صعيد المجتمع، فإن النساء في بعض البلدان الإسلامية ما زلن للأسف عرضة للظلم.
ولا يعني هذا ألبتة إن حالة المرأة في الدول الأوربية تتلاءم وموقعها الانساني، بل إنها تتعرض كذلك للظلم بصورة أخرى. وأحد أسباب ذلك هو البنية والمعتقدات الاجتماعية السائدة. والثاني هو أن المرأة لم تبادر بنفسها طوال التاريخ إلى مراجعة النصوص وفهمها وتفسيرها وبالتالي تقرير حقها، بل غالباً ما عهدت بذلك إلى الرجل أضف إلى ذلك وفي سياق البحث عن أسباب تخلف المرأة في المجتمعات الإسلامية الخلط بين البعدين الوجوديين للإنسان في تفهم حقوقها، أي: 1 ـ البعد الجنسي: المرأة، الرجل، و 2 ـ البعد المعنوي والإلهي. فالمرأة والرجل يختلفان فيسيولوجياً، لكنهما من الناحية النفسية والمعنوية من أبناء البشر، و (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). والرؤية الإسلامية هي إن الإنسان ماض في طريق الكمال ما دام قد تحلل من الرغبات والارتباطات المادية وبلغ النضج المعنوي. ومن المنطلق القرآني فإن إمكانية هذا النضج متاحة لكلا الجنسين وعليه فإن الارتكاز إلى مبدأ الجنس في حقوق الأسرة، والتي لا تتوقف فيها قيمة الترابط والتوحد عند حدود العلاقة الفيسيولوجية يؤدي فيما يؤدي إلى تخلف المرأة. واستناداً إلى حالة اللامساواة بين الرجل والمرأة في بعض الأسر الإسلامية، فقد زعم نفر من النقاد في الغرب والشرق مغرضين إن الحقوق الإنسانية للمرأة في الإسلام أقل من حقوق الرجل ورداً على هؤلاء ينبغي القول أن استقراءنا وتفهمنا للإسلام والقرآن يختلف عن ذلك، فنحن ننظر إلى القرآن ككل يرتبط بعضه ببعض بشكل وثيق ومتوائم. وقد ورد في القرآن ذاته إن فيه المحكمات والمتشابهات، ويتعين فهم وتفسير بعض الأجزاء منه بأجزاء أخرى. ولتنظيم حقوق الأسرة بصورة عادلة نستدل على النحو الآتي:
1 ـ يتساوى الرجل والمرأة في القرآن من حيث الخلق. جاء في الآية الأولى من سورة النساء: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ... ).
2 ـ تتكافأ فر بلوغ الرجل والمرأة مراحل التطور البشري. وفي ذلك تقول الآية 13 من سورة الحجرات: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
3 ـ تساوي الأجر والجزاء. الآية 35 من سورة الأزاب.
إن القرآن يدعو الناس كثيراً إلى التدبر والتفكر والتأمل في الشؤون الإنسانية والطبيعية، ويحثم على الفهم وسماع آيات الله والاعتبار بها. وقد أردف القرآن الإيمان بالعمل الصالح دائماً. فهل يمكن تجاهل عنصري الزمان والمكان في العمل الصالح المناسب؟
قبل بزوغ فجر الإسلام لم يكن للمرأة أدنى حق. فقد كانوا يئدون البنات، وكان بمستطاع الرجل الزواج من أي عدد من النساء شاء. وكانت تعاليم الإسلام في سبيل إقرار حقوق المرأة آنذاك حديثة ومتطورة جداً، ذلك إن نهج الدين الإسلامي جاء لتحول الإنسان والرقي به. وكان السبيل الأمثل هو التغيير خطوة فخطوة، إذ لم يكن من الأجدر والأجدى التحول بين عشية وضحاها وقلب التقاليد والعادات الاجتماعية بالمرة.
أما اليوم، وبأخذ موضوعات القرآن بعين الاعتبار، أي التأكيد على مساواة القيمة الوجودية الشاملة للمرأة والرجل، ودعوة الناس إلى التفكر والتأمل في آيات الله البينات، واستخلاص العبر والنتائج الحكيمة منها، فيمكن القول أن حقوق المرأة والرجل في الأسرة متساوية، وإن المعيار في إدارة أي منهما لشؤون الأسرة هو التقوى والجدارة.
وهنا لابد من إبداء ملاحظة أخرى وهي إن الرجل والمرأة إذا ما لم يتمكنا من التوصل إلى التفاهم والوحدة المتوخاة وأبعدتهم المشاحنات الناجمة عن نوعية علاقتهم عن بعضهم البعض، فإن الإسلام يجيز لهما الطلاق رغم اعتباره أبغض الحلال، ويضع هذا الحل أمامهما.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشيخ هادي السبزواري
مبادئ المعرفة ومعرفة الوجود والإنسان لدى الإمام ...
أعمال الليلة الاولى من شهر رمضان المبارك
خصائص الأسرة المسلمة
مؤتمر مبلغي المجمع العالمي لأهل البيت (ع) في ...
الحُضور في مواضع التهم
إصدار كتاب "ضوابط الاصول" في 6 مجلدات
الجزع على الميت
ابن حجر و التوسّل
من هم المخلدون في النار؟

 
user comment