عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

دم الإمام الشهيد

وهناك أحاديث دالّة على أنَّ دمَ الحسين ارتفع إلى السماء ولم يرجع منه قطرة واحدة .

ـ منها : … ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح فلما امتلأت ، رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة(20) .

ـ منها في خصوص الطفل الرضيع : قال المفيد : دعا ابنه عبدالله ، قالوا : فجعل يقبّله وهو يقول : (( ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمد المصطفى خصمهم )) ، والصبي في حجره ، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين ، فتلقّى الحسين دمه حتى امتلأت كفّه ، ثمّ رمى به إلى السماء(21) .

ـ قال الباقر (عليه السلام) : (( فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض ))(22) .

 

دور عاشـوراء في توجيه جيش الحجَّة

وللحسين (عليه السلام) دور رئيس في ذلك الجيش الإلهي ، الذي سوف يحقّق انتصارات كبيرة ، فهناك ظواهر حسينيَّة في الثورة المهدوية في مختلف النواحي ، أهمُّها الجانب الإعلامي والروحي ؛ فإنَّ شعار جيش الحجَّة هو : ( يا لثارات الحسين ) .

هذا ما تدلُّ عليه عشرات من الأحاديث الشريفة ، مضافاً إلى الدعم القرآني كما سيأتي ، نكتفي بالحديثين التاليين :

1ـ في الحديث المعروف عن الريان بن شبيب ، عن الإمام الرضا (عليه السلام) : (( … ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قُتل ، فهم عند قبره شعثٌ غبرٌ إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره ، وشعارهم يا لثارات الحسين ))(23) .

فالذي يدفعهم إلى تعزيز جيش الحجَّة ونصرته ، إنَّما هو طلب ثأر الحسين ؛ لأنَّه هو ثأر الله وابن ثأره ، والوتر الموتور ، كما ورد في كثير من الزيارات (السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ، والوتر الموتور)(24) .

2ـ وفي حديث آخر عن أبي عبدالله (عليه السلام) في وصف أصحاب الحجَّة (عجل الله تعالى فرجه) ، إلى أن قال : (( … فيهم رجال لا ينامون الليل ، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ، ليوثٌ بالنهار ، هم أطوع له من الأمَة لسيِّدها ، كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديل ، وهم من خشية الله مشفقون ، يدعون بالشهادة ، ويتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله ، شعارهم يا لثارات الحسين ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر ، يمشون إلى المولى إرسالاً ، بهم ينصر الله إمامَ الحقّ ))(25) .

ولا يخفى ما في قوله (عليه السلام) لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل ، فهذه كانت صفة أصحاب الإمام الحسين في ليلة عاشوراء .

قال تعالى في وصف أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله) : ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ )(26) .

ففي الحديث المرتبط بالإمام الحسين (عليه السلام) : (( يسير الرعب أمامها شهراً ، ويخلف أبناء سعد السقاء بالكوفة ، طالبين بدماء آبائهم ، وهم أبناء الفسقة ، حتى يهجم عليهم خيلُ الحسين (عليه السلام) ، يستبقان كأنّهما فرسا رهان ، شعث غبر ، أصحاب بواكي وقوارح ))(27) .

ومن هنا صار الحسين قتيل العبرة ، فهذا البكاء له دور حيوي في تلك النهضة المباركة .

 

يوم خروج القائم (عليه السلام)

هذا الأمر أيضاً له دلالة على أنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الثورتين من ناحية الزمان ، ففي الحديث :

ـ عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : (( يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء ، اليوم الذي قُتل فيه الحسين (عليه السلام) ))(28) .

ـ والحديث التالي يفسّره : عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (( إنّ القائم (صلوات الله عليه) ينادى باسمه ليلة ثلاث وعشرين ، ويقوم يوم عاشورا ، يوم قُتل فيه الحسين بن علي (عليه السلام) ))(29) .

فلا منافاة بين النداء باسمه وخروجه في اختلاف زمانهما ، فربّما يكون النداء باسمه في يوم الجمعة .

 

يقتل ذراري قتلة الحسين

وقد أفرد العلاّمة المجلسي (ره) باباً مستقلاً تحت عنوان (العلّة التي من أجلها أخّر الله العذاب عن قتلته (صلوات الله عليه) ، والعلّة التي من أجلها يُقتل أولاد قتلته (عليه السلام) ، وإن الله ينتقم له في زمن القائم (عليه السلام)  ، فإِنَّ هناك أحاديث كثيرة تؤكِّد على ذلك .

ونحن قد ذكرنا سابقاً بعض ما يدلّ على هذا الأمر ، حيث تطرّقنا إلى آية الإسراف في القتل ، وتتميماً للفائدة نشير إلى الأحاديث الأخرى :

ـ عن الهروي قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : يابن رسول الله ، ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال : (( إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها؟ )) ، فقال (عليه السلام) : (( هو كذلك )) . فقلت : وقول الله (عزّ وجلّ) ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ما معناه؟ قال : (( صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ، ويفتخرون بها ، ومَنْ رضي شيئاً كان كمَنْ أتاه ، ولو أنّ رجلاً قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب ، لكان الراضي عند الله (عزّ وجلّ) شريك القاتل ، وإنّما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم ))(30) .

 

الشجرة الملعونة في القرآن

ـ وقد وردت آيات في هذا المجال ، أوضحها قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً )(31) .

ـ وفي الحديث قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّي رأيت اثني عشر رجلاً من أئمّة الضلال يصعدون منبري وينزلون ، يردون أمّتي على أدبارهم القهقرى ))(32) . يعني بذلك اثنين من بني أميَّة ، وسبعة من أولاد الحكم ، وخمسة من بني أبي العاص .

ـ قال العلاّمة المجلسي (رضوان الله عليه) : ولا خلاف بين أحد أنّه تبارك وتعالى أراد بها بنى أمية ، وممّا ورد من ذلك في السُنّة ، ورواه ثُقاة الأمّة ، قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيه ، وقد رآه مقبلاً على حمار ، ومعاوية يقوده ، ويزيد يسوقه : (( لعن الله الراكب ، والقائد ، والسائق ))(33) .

ـ قال القرطبي في تفسير الآية المباركة : قال سهل : إنّما هذه الرؤيا هي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يرى بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة ، فاغتم لذلك ، وما استجمع ضاحكاً من يومئذ حتى مات (صلّى الله عليه وآله) ، وقال ابن عباس : هذه الشجرة بنو أميّة .

وذكر الرازي في تفسيره هذا القول فراجع .

 

فما يزيدهم إلاّ طغياناً

ـ قال الفيض الكاشاني (ره) : وفي قوله سبحانه ( فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً ) لطافة لا تخفى(34) .

وهذه مبالغة في الطغيان ، فما ارتكبه في الطفّ من الجرائم جعله حقيقةً الطغيان المبين .

ومن هنا ورد في الزيارة ( ولعن الله بني أميَّة قاطبة )(35) ، وفي زيارة أخرى ( ولعن الله بني أميَّة قاطبة إلى يوم القيامة )(36) .

قال في محيط اللغة : قاطبة : يطلق على كلِّ جيل من الناس .

 

المبرِّر لقتل الذراري

أقول : وأمّا المبرِّر لقتل ذرية قاتلي الحسين (عليه السلام) هو نفس المبرّر لقتل أيِّ قاتلٍ آخر ؛ لأنَّ فلسفة القتل تكمن في أمرٍ واحدٍ ، وهو : الروح الخبيثة الملوَّثة ، التي يتّصف بها القاتل بسبب جرأته على أمر القتل ، وهذا لا يختصّ بمَنْ باشر القتل فقط ، بل يشمل حتَّى المحرِّض له ، والراضي به ؛ ومن هنا صارت للنيّة الحسنة شأن كبير من خلاله يقيَّم العمل الصالح ، وكذلك بالنسبة للنيَّة السيِّئة فهي السبب الذي يوجب خبثَ العمل .

وعليه فالمفروض أن يُقتل كلّ مَنْ هو راضٍ بأمر القتل ، كما ذكر ذلك الإمام (عليه السلام) في الحديث السابق حيث قال : (( ولو أنّ رجلاً قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب ، لكان الراضي عند الله (عزّ وجلّ) شريك القاتل )) ، إلا أنَّ الوضع الحالي لا يسمح لتطبيق هذا الحكم ، حيث لا سلطة ظاهرية للمعصوم علينا ، وكذلك في عصر المعصومين (عليهم السلام) ، حيث لم يكونوا مبسوطي الأيدي يفعلون ما يشاؤون .

هذا ما أدَّى إلى الركون إلى الظاهر ، والاعتماد على الشهود والبيّنات ، وإجراء الحدود في نطاق خاصٍّ ، وهو في خصوص المباشرين لأمر القتل فحسب . وأمّا الحجَّة (عليه السلام) فأمره يختلف تماماً ، وهو كما قلنا يتعامل مع القضايا تعاملاً خِضرِياً في قبال موسى (عليه السلام) ، ولكن بشكل أوسع ، وإطار أشمل .

 

خروج لا استثناء

قلنا : إنَّ اللعن شامل لجميع مَنْ ينتسب إلى بني أميَّة صغيراً كان أم كبيراً من غير استثناء أصلاً ، وهذا شأن كلِّ أمرٍ حاسم له أهميَّة بحيث تغطِّي على كافة الأضرار الهامشيَّة ، وهذا لا ينافي خروج البعض من بني أميَّة عن هذه القاعدة ، كما ورد في سعد الخير :

عن أبي حمزة قال : دخل سعد بن عبد الملك ، وكان أبو جعفر (عليه السلام) يسمّيه سعد الخير ، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان ، على أبي جعفر (عليه السلام) فبينا ينشج كما تنشج النساء ، قال : فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : (( ما يبكيك يا سعد؟ )) قال : وكيف لا أبكي ، وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن ؟ فقال له : (( لست منهم ، أنت أموي منّا أهل البيت ، أما سمعت قول الله (عزّ وجلّ) يحكى عن إبراهيم (عليه السلام) فمَنْ تبعني فإنّه منّي ؟))(37) .

وهذا الأسلوب من الخروج هو المستخدم في كثير من الأحاديث ، وقد تحدَّث الفقهاء عنه في علم الأصول تفصيلاً تحت عنوان (الحكومة والورود) ، ومن نماذج هذا النوع من الخروج قوله : (( لا شك لكثير الشك )) ، فهذا الحديث يخرج هذا النمط من الشك ، أعني مَنْ يشك كثيراً ، عن القاعدة العامَّة للشكّ الوارد في سائر الأحاديث ، كبطلان الصلاة عند الشك في صلاة الصبح ، وعليه فلا تبطل صلاة كثير الشك حتى لو كانت ثنائية ، وكذلك قوله : (( لا ربا بين الوالد وولده )) ، الذي يخرج هذا النوع من الربا ـ رغم كونه رباً فعلاً ـ عن القانون العام الوارد في القرآن الكريم ، وهو : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )(38) ، فهذا خروج لا استثناء فتأمَّل تعرف .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هدم قبور البقيع ..............القصة الكاملة
الحرب العالمية في عصر الظهور
الإمام الحسن العسكري (ع) والتمهيد لولادة وغيبة ...
إنّ الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة ...
الإمام موسى الكاظم عليه السلام والثورات العلوية
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
الصلاة من أهم العبادات
علة الإبطاء في الإجابة و النهي عن الفتور في ...
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام
كلام محمد بن علي الباقر ع

 
user comment