عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

العلاقة بين الأحسائيين وأهل البيت (عليهم السّلام) تاريخيّاً

جذور التشيّع :

إنّ العلاقة الحسينيّة والارتباط بأهل البيت (عليهم السّلام) لا يتولّد من فراغ ، وإنّما يكون نتيجة تراكم من التعاطف والتفاعل مع قضيّة الإمام الحسين (ع) وإيماناً بالأهداف التي سار عليها ، ومن هنا يقودنا البحث إلى العلاقة قبل وبعد واقعة كربلاء الفاجعة ، وكيف كان التفاعل معها ؟ وما هي الصلة الحميمة التي ربطت هذه المنطقة بالقاعدة الدينيّة في المدينة والكوفة ؟

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن : كيف بدأ التشيع في المنطقة ؟

للإجابة على هذا السؤال هناك أقوال عديدة إلاّ أنّنا نقتصر على رأيين ؛ لقربهم من الصحّة :

الرأي الأول : وهو الذي ذهب إليه الشيخ محمّد حسين المظفّر في كتابه ( تاريخ الشيعة ) حيث يقول : إنّ التشيّع في البحرين بدأ على يد آخر ولاة الرسول (ص) على البحرين ، وهو أبان بن العاص الاُموي الذي عُرف بشدّة ولاءه لأمير المؤمنين فكان أول مَن وضع بذور التشيّع في البحرين ، فكانت بذلك شيعيّة منذ أيّام الإسلام الأولى ، أي قبل سنة 11 للهجرة .

الرأي الثاني : وهو الرأي الذي نميل إليه ويتبنّاه المؤرّخ الحاج جواد بن حسين الرمضان ، وخلاصته : إنّ التشيّع نشأ في هذه المنطقة قبل هذه التاريخ بعدّة سنوات ، فقد كان متزامناً مع دخول الإسلام في المنطقة في السنة السادسة للهجرة على يد الوفادة الثانية التي قدمت إلى المدينة بعد عام من إسلام البحرين بزعامة الجارود العبدي والتي قال عنها رسول الله (ص) : (( ليأتين رَكباً من قِبل أهل المشرق ، لم يُكرهوا على الإسلام )) . وفي رواية أخرى : (( سيطلع عليكم من هنا ركب هم خير أهل المشرق )) . وعندما قدِموا رحّب بهم وقال : (( مرحباً بالقَوم لا خزايا ولا ندامى ـ ودعا لهم قائلاً ـ : اللهمّ أغفر لعبد القيس . وقال : يامعشر الأنصار ، أكرموا إخوانكم ؛ فإنّهم اشبه النّاس بكم في الإسلام . أسلموا طائعين غير مكروهين ولا موتورين )) .

هذه الوفادة كان من ضمن برامجها عند قدومها المدينة سؤال الرسول (ص) عن قَسَم لقس بن ساعدة الإيادي الخطيب المعروف في سوق عكاظ والتي كان يقول فيه : اللهمّ أنّي أقسم عليك بالمحمّدين الثلاثة ، والعليين الأربعة . هذا القَسَم كان محلّ تساؤل عندهم . فأحالهم الرسول (ص) على سلمان الفارسي الذي بيّن الرموز التي أشار إليها قس ، والرواية طويلة موجودة في كتاب البحار .

ومن هنا تكوّنت العلاقة بين هذه القبيلة الهجريّة وبين بيت الرسالة ، فكان تعلّقهم بأمير المؤمنين جليّاً حتّى أنّه يقول صاحب ( تاريخ هجر ) عبد الرحمن بن عثمان الملا : تسلّم علي (كرّم الله وجهه) خلافة المسلمين بعد مقتل عثمان بن عفّان (رضي الله عنه) في ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين هجريّة - 655 م ، وقد اشتعلت في أيّامه عدّة فتن من بَينها وقعة الجمل التي انحاز فيها إلى جانبه جمع من أهل البحرين وقوامهم أربعة آلاف ، بقيادة عمرو بن المرجوم أحد أعضاء الوفادة الأولى للرسول ، كما دأب بنو عبد القيس على مؤازرة الخليفة علي بن أبي طالب في مختلف حروبه حتّى اعتزل القتال في سنة أربعين هجريّة(1) .

ففي واقعة الجمل سدّوا فراغاً كبيراً في صفوف الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، حيث كانوا على ثلاثة رؤساء ؛ جذيمة ابن بكر على ابن الجارود ، العمور على عبد الله بن السواد ، وأهل هجر على ابن الأشج ، وسار الجميع حتّى نزلوا ( الزاوية ) ومنها إلى البصرة ، وكانوا في عشرين ألفاً(2) .

عبد القيس وواقعة كربلاء

عندما عزم الإمام الحسين (ع) الخروج ومواجهة الظلم ، وتقديم نفسه قرباناً لتثبيت دعائم الرسالة المحمديّة ، رغم قلّة النّاصر وخذلان العدد ، فإنّه هبّ لنصرته ثلّة مؤمنه رأت في الشهادة والقتل بين يدَي الإمام الحسين (ع) فخر لا يجاريه فخر ، وشرف لا يقارعه شرف . وقبيلة عبد القيس كانت أحد رموز الولاء لأهل البيت (عليه السّلام) ، فقد ناصرت أمير المؤمنين (ع) في معاركه في الجمل ، وصفين ، فكان منها القواد كحكيم بن جبلة العبدي ، وصعصعة بن صوحان العبدي الذين يعدّون من أشاوس رجالات الإمام وثقاته .

والإمام الحسين (ع) في شهادته الخالدة كان لنخبة من هذه القبيلة الشرف للشهادة بين يدَيه ، كان من أبرزهم :

1- يزيد بن ثبيط العبدي : ذكره الشيخ الطوسي في فهرسته فقال : يزيد بن ثبيط البصري من أصحاب الحسين (ع) . وقال العسقلاني في الإصابة : يزيد بن ثبيط العبدي من الشيعة ، ومن أصحاب أبي الأسود الدؤلي ، وكان شريفاً في قومه .
أمّا في تاريخ الطبري فتحدّث عن كيفيّة خروجه فقال : حدّثني أبو مخنف عن أبي مخارق الراسبي قال : اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس ، يقال لها مارية ابنة سعد أو منقذ ، وكانت تتشيّع وكان دارها مألفاً للشيعة يجتمعون فيه ويتحدّثون ، وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين (ع) ومكاتبة أهل العراق له . فكتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظرة ويأخذ بالطريق . فأجمع يزيد بن ثبيط إلى الحسين (ع) وكان له عشرة بنين ، فدعاهم إلى الخروج معه وقال : أيّكم يخرج معي متقدّماً فانتدب معه اثنان ، عبد الله وعبيد الله ، فقال لأصحابه في بيت المرأة : إنّي قد أزمعت على الخروج وأنا خارج ، فمَن يخرج معي ؟ فقالوا له إنّا نخاف عليك أصحاب ابن زياد . فقال : إنّي والله إن لو قد استوت أخفافها بالجدد لهان عليَّ طلب من طلبني ثمّ خرج هو وابناه وصَحِبه عامر بن مسلم العبدي ، ومولاه سالم مولى عامر بن مسلم العبدي ، وسيف بن مالك العبدي ، والأدهم بن اُميّة العبدي .. وقوى في الطريق حتّى انتهى إلى الحسين (ع) فدخل بالأبطح في مكّة فاستراح في رحله ثمّ خرج إلى الحسين (ع) . وبلغ الحسين مجيئه ، فجعل يطلبه حتّى جاء إلى رحله ، فجلس الحسين في رحله ينتظره وأقبل يزيد لمَا لم يجد الحسين (ع) في منزله ، وسمع أنّه ذهب إليه راجعاً على أثره فلمّا رأى الحسين (ع) في رحله قال : بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ، السّلام عليك يابن رسول الله . ثمّ سلّم عليه وجلس إليه وأخبره بالذي جاء له . فدعى له الحسين (ع) بخير ، ثمّ ضمّ رحله إلى رحل الحسين (ع) ، وما زال معه حتّى قُتل بين يدَيه في الطف مبارزة ، وقُتل ابناه عبد الله وعبيد الله في الحملة الاُولى مع مَن قُتل رضوان الله عليهم(3) .
وقد ورد في زيارة الناحية للإمام الحجّة بن الحسن العسكري : (( السّلام على يزيد بن ثبيط القيسي ))(4) .
وكان ممّن رثاه فيما بعد السيّد أبو العباس الحميَري فقال فيه(5) :

يـافروة قـومي iiفـاندبي      خـير الـبرية في iiالقبور
وابـكي الـشهيد iiبـعبرة      من  فيض دمع ذي iiدرور
قـتلوا الإمـام من iiالأئمّة      فـي الـحرم من iiالشهور
وابـكي  يـزيداً iiمـجدلاً      وابـنيه  فـي حر iiهجير
مـزمـلـين  iiدمـائـهم      تجري على لبب الصخور
يـالهف نـفسي لـم iiتفز      مـعهم بـجنات iiوحـور

2و3 - عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيط العبدي : قال ابن شهراشوب في المناقب : ومن المقتولين في الحملة الأولى يوم الطف ، عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيط القيسي البصري ، وورد في زيارة الناحية : (( السّلام على عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيط القيسي ))(6) .

4- الأدهم بن اُميّة العبدي البصري : قال في (الإصابة) : هو الأدهم بن اُميّة بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث بن بكر بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد العبدي ، وأبوه اُميّة صَحِب النَّبي ، ثمّ سكن البصرة وأعقب بها . قال البخاري : له صحبة وحديث واحد . وروى أبو داود والنّسائي والحاكم من طريق جابر ، قال : كان رسول الله (ص) إذا أكل سمّى ، فإذا صار آخر لقمة قال : (( بسم الله على أوّله وآخره )) . وكان ممّن خرج مع يزيد بن ثبيط العبدي من البصرة ملتحقاً بركب الحسين (رضوان الله عليه) ، قُتل في الحملة الاُولى مع مَن قُتل من أصحاب الحسين(ع)(7) .

5- عامر بن مسلم العبدي : قال النجاشي في رجاله : هو عامر بن مسلم بن حسّان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام بن عمرو بن طريف ، عمرو بن ثمامة بن ذهل بن جدعان بن سعد بن فطرة السعدي البصري من أصحاب الحسين بن علي (ع) قُتل معه بالطف . ورد في زيارة الناحية : (( السّلام على عامر بن مسلم ))(8) .

6- سالم مولى عامر بن مسلم العبدي : كان من الثقاة التابعين مولى عامر بن مسلم ومن شيعة البصرة ، كان ممَّن خرج مع يزيد بن ثبيط العبدي مع مولاه عامر بن مسلم العبدي ، وقُتل مع مَن قُتل في الحملة الاُولى . وقد ورد في زيارة الناحية : (( السّلام على سالم مولى عامر بن مسلم ))(9) .

7- سيف بن مالك العبدي البصري : كان سيف بن مالك العبدي من أصحاب الحسين بن علي (ع) قُتل معه في كربلاء ، وكان ممَّن خرج في رفقة يزيد بن ثبيط العبدي من مجلس مارية العبديّة .
قال صاحب الحدائق : فلمّا كان يوم العاشر تقدّم بَين يدَي الحسين (ع) فقاتل حتّى قُتل مبارزةً بعد صلاة الظهر (رضوان الله عليه) . وقال ابن شهرآشوب : قُتل في الحملة الاُولى مع مَن قُتل قبل الظهر(10) .

وقد سجّل لنا التاريخ نخبة من الشخصيّات التي تُحسب على هذه المنطقة الهَجَريَّة ضمن أصحاب الأئمّة ، فكان من أبرزهم ؛ رشيد الهَجَري أحد أبرز أصحاب الإمام علي (ع) ، صعصعة بن صوحان العبدي ، حكيم بن جبلة العبدي ، الوليد بن عروة الهَجَري الشيباني من أصحاب الإمامَين الباقر والصادق (عليهما السّلام) ، أبو لبيد الهجري من أصحاب الإمام الصادق (ع) ، خينمة بن عدي الهجري من أصحاب الإمام الصادق (ع) ، محمّد بن المشمعل الهجري الكوفي من أصحاب الإمام الصادق (ع) ، يحي بن بلال العبدي الشاعر من أصحاب الإمام الصادق (ع) ، والذي كان يكتب الشعر في أهل البيت (عليهم السّلام) وكانت قضيّة الحسين (ع) أحد أهمّ سمات التشيّع والولاء لأهل البيت (عليهم السّلام) ، سفيان بن مصعب العبدي الشاعر : والذي كان من شعراء أهل البيت (عليهم السّلام) والقضيّة الحسينيّة لا تعدو همومه ، قال عنه الإمام الصادق (ع) : (( يامعشر الشيعة علّموا أولادكم شعر العبدي ؛ فإنّه على دين الله )) .
ومن هنا نكتشف إنّ العلاقة بين أبناء الأحساء وأهل البيت (ع) هي علاقة اقتناع وتفاعل وجزء من هذا التفاعل هو القضية الحسينية التي هي من أهم عناوين الانتماء لمذهب أهل البيت (عليهم السّلام) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علاج الامراض النفسیة بذکر الله
هدم قبور البقيع ..............القصة الكاملة
الحرب العالمية في عصر الظهور
الإمام الحسن العسكري (ع) والتمهيد لولادة وغيبة ...
إنّ الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة ...
الإمام موسى الكاظم عليه السلام والثورات العلوية
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
الصلاة من أهم العبادات
علة الإبطاء في الإجابة و النهي عن الفتور في ...
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment