عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

الغيرة من الجنس الآخر .. هل هي لا شعورية؟

* ميلاني كلاين
أحد أشكال الغيرة الأكثر أهمية، الشكل الذي لا نشعر به عادة إلا شعوراً قليلاً هو الغيرة التي نستشعرها جميعنا إلى حد من الحدود إزاء أشخاص من الجنس الآخر. ولا تصبح هذه الغيرة شعورية إلا لدى النساء اللواتي يعتقدن بأن الرجال يتمتعون ببعض المزايا التي يرغبن فيها، ولدى الرجال الذين تكون حياتهم الغلمية جنسية مثلية بصورة شعورية. وفي الحالات الأخرى، لن يتعرف أحد من الناحية العملية على الغيرة أبداً. وهي، مع ذلك، موجودة إلى درجة معينة لدى كل فرد منا، وقد يحدث أن تكون قوية جداً من الناحية اللا شعورية دون أن يشتبه بها، لهذا السبب، ذلك الشخص الذي يعانيها. وهذه الغيرة ناجمة، على نحو واضح، عن عاطفة العوز والرغبة في أن نملك أكثر مما لدينا.
وغيرة النساء من الرجال ذات علاقة بـ «الاستطاعة» التي يبرهنون عليها في الحياة بكل أشكالها، ومثال ذلك قوتهم الجسمية وقدراتهم الفكرية. فهؤلاء النساء، اللواتي يغرن من الرجال غيرة حادة، يبحثن بحثاً مستمراً عن البرهان على أن بوسعهن إنجاز ما يفعله الرجال ويجنين منه إشباعاً. وذلك يعني أن لديهن كل ما لدى الرجال: عضواً أو وظيفة، وأن لديهن الدماغ أو المهارة اللذين يستخدمهما الرجال لإنجاز بعض الأعمال. وأعتقد أن موضع الغيرة لدى النساء من الرجال هو روح المبادرة والمشروع على وجه الخصوص، روح تنبني جداً على ثقة بالنفس. ولدى الرجال، بصورة عامة، اطمئنان أكثر مما لدى النساء.
ولا نفهم غالباً، حتى الآن، إلى أي حد يحسد الصبيان البنات، والنساء على وجه الخصوص (أمهم)، ويميل الصبيان والبنات، على حد سواء، إلى الاعتقاد بأن أجسامهم لا يمكنها أن تنتج إلا البراز والبول ولا شيء أكثر. فالوظائف المذكرة والوظائف المؤنثة يمكنها عادة، إذا عملت معاً، أن تتجلى بصورة لا شعورية في معظم الفاعليات العادية للجنسين. والرغبة التي يستشعرها الرجال في الوظائف الأنثوية تتجلى صراحة لدى الرسامين والكتاب، الذين يشعرون بأنهم ينجبون أعمالهم الأدبية والفنية مثلهم مثل امرأة في حالة المخاض، في نهاية حمل طويل. والواقع أن الفنانين، أياً كانت وسيلتهم في التعبير، يعملون كثيراً وهم يستخدمون الجانب الأنثوي من شخصيتهم. والأمر يجري على هذا النحو لأن الأعمال الفنية تتكون وتوجد، بصورة أساسية، داخل نفس مبدعها ولا تكاد تكون منوطة بالظروف الخارجية. والصانع الذي يسوغ أشياء خارجية، أشياء ذات علاقة ضعيفة باستيهامه، يعبر، على العكس، تعبيراً نموذجياً عن وظيفة أكثر اتصافاً بأنها مذكرة.
ولا تصبح السيادة على هذا الحسد متعذرة ولا يتخذ الحسد مظهراً مرضياً إلا في الحالة التي ترتبط خلالها، في الذهن، تلك الرغبة في الأشياء الجيدة والرغبة في امتلاك أكثر مما لدينا بصفات الجنس الآخر ومزاياه ـ بالنظر إلى أن أي بديل آخر غير مقبول ـ ارتباطاً حصرياً. ولا تنمو لدى بعض الأشخاص غيرة عنيفة من الجنس الآخر إلا عندما، على وجه التقريب، يصيبهم اليأس ويتخلون عن الأمل في أن يحصلوا على إشباع وأمن بواسطة وظائف واستعدادات تنتمي إلى جنسهم الخاص. وللغيرة، هنا أيضاً، قيمة سيكولوجية لا شعورية، ذلك أنها، بالنسبة لها، ضرب من الاحتجاج، وتوقف لقلقها، ومن. وما دامت تعاني هذه العاطفة، فلن يكون لها طفل أو لن تعرض نفسها على الإطلاق لهذه المخاطر المرعبة.
وليست غيرة الرجال من النساء أكثر ندرة ولا أقل عمقاً من غيرة النساء من الرجال، ولكن الاعتراف بها وفهمها أقل بكثير. وأعتقد أن ذلك ليس ناجماً فحسب عن الآراء المسبقة للرجال في هذا المجال الشائك، ولكنه ناجم أيضاً عن طبيعة الأمور. ففيما يتعلق بالصبي الصغير، الغيور من ثديي أمه وحليبها، فإن له عضواً خاصاً يعارضهما به، إنّه عضو الذكر. ولكن أخواته الصغيرات ليس لهن أعضاء ذكر ولا أثداء، على الرغم من أن الإشباع والتفوق اللذين يستمدهما من واقع ملكيته عضو ذكر يمكنهما أن يُستخدما لإخفاء رغبته في جسم بوسعه صناعة الأطفال وتغذيتهم وللتعويض عن هذه الرغبة. ولن يكف الرجال، مدى الحياة كله، عن استخدام هذا التعويض سلاحاً يحميهم من الغيرة من النساء، وبوسعنا أن نجد فيه عنصراً هاماً من عناصر الدلالة السيكولوجية الكبيرة لعضو الذكر. والسبب الرئيس الذي من أجله تظلّ غيرة الرجال من النساء خفية بهذا القدر هو أن هذه الغيرة ذات علاقة لعى وجه الدقة بـ داخل الأجسام النسائية وبالوظائف والسيرورات العجيبة التي تتكون، على نحو سحري على ما يبدو، داخل النساء (أمهاتهم) لصناعة الأطفال والحليب. وكما أن النساء يحسدن الرجال على روح المبادرة لديهم، يبدو أيضاً أن الرجال يحسدون النساء بالمقابل على قابليتهن للتجربة السلبية، وعلى وجه الخصوص قدرتهن على التحمل والألم. فالعذاب يخفف الإثمية، ولهذا السبب فإن الألم الذي يجلب الحياة إلى العالم يشتهيه الرجل بصورة لا شعورية اشتهاء مزدوجاً ...
والرجال لا يمكنهم أن يصبحوا واعين بسهولة ما يكون موضوع غيرتهم لأنهم لا يعلمون جيداً جداً ما هو الموضوع موضع التساؤل بالفعل. قيل دائماً عن المرأة إنها كانت لغزاً بالنسبة للرجل، وكثير من النساء يعانون عاطفة خوف خرافية بعض الشيء من امرأة حبلى. فما يفرضونه أو ما يتخيلونه فيما يخص التجارب الأنثوية عنصر، بالطبع، من عناصر حياتهم الاستيهامية التي تنفصل في العادة انفصالاً قوياً جداً عن حياتهم اليومية الواعية. وهم يؤثرون بصورة طبيعية، في هذه الحياة اليومية، أن لا يُظهروا سوى الجانب المذكر منهم بالنظر إلى أنهم يعرفونه في الوقت الذي ى ستخدمونه خلاله. وإذا استبعدنا الآراء المسبقة، فإنه يبدو أن علينا أن نستخدم تقنية خاصة لاكتشاف اللاشعور المذكر قبل أن يكون بوسعنا أن نفوز بدرب يوصلنا إلى منابع هذه الغيرة وفهمها، غيرة الرجال من النساء التي تظل خفية في حياة الخيال والاستيهام.
ونصادف لدى الرجال، في عمل التحليل النفسي، استيهامات وضروباً من الحصر تلقي ضوءاً قوياً على بعض الأعراف والطقوس البدائية للشعوب غير المتمدنة. يضاف إلى هذا أننا نتبين أيضاً، عندما تكون الغيرة قوية جداً، أن الإثمية لدينا وانطباعنا بأننا لا نساوي شيئاً يكونان قويين أيضاً وماثلين في البنية العميقة للغيرة ويحددانها جزئياً .. والخشية التي يعانيها رجل من القوة في نزعة التدمير وهمجية التملك اللتين بيديهما لامرأته وأطفاله (إنه يبديهما في الأصل لأمه ولأطفالها الآخرين)، تعزز غيرته من خصوبة امرأته ومن قدرتها، التي يمكن البرهان عليها بصورة أكثر مباشرة، على الخلق وإنجاب الأطفال.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات


 
user comment