عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الله ومنطق العلوم التجربية

الله ومنطق العلوم التجربية

لا شك في أن الأوضاع الاجتماعية والعوامل التأريخية والتربوية ونوعية مشاغل الإِنسان لا يمكن أن تخلو من آثار في الاتّجاهات الفطرية ، والحالات الروحية والعاطفية ، وإن كانت هذه الأوضاع المختلفة لا توجب جبراً أو ضرورة في اتّجاهات الإِنسان إلا أنها توجد جواً مساعداً له دوره الهام في نوعية اتّجاهه ونظرته إلى الكون والحياة ، بل إنها أحياناً تتجلّى بصورة موانع جادة أمام حرية االإِنسان وقدرته على الاختيار والانتخاب .

إن القوى الذماغية في الإِنسان كلما عملت في فرع خاص أصبحت أقوى وأكثر تمرّساً في ذلك الفرع ، وفقدت سائر المسائل أصالتها في فكره ، وأصبحت بالنسبة إلى موضوعه المتخصص هو فيه ، كموضوعات فرعية غير أصلية ، وأصبح هو يحكم على أى شيء من نظرته الخاصة ، إن من أشدّ عوامل تضليل الفكر حصرة في منطق العلوم التجريبية وعدم درك حدود حجيّة هذا المنطق ، فبما أن الاختصاصيين في العلوم التجريبية يعملون بكل طاقاتهم الفكرية في العلوم الحسية تصبح أفكارهم أجنبية غريبة عن المسائل غير المحسوسة ، وتصل هذه الغربة والبعد عن غير المحسوسات والاعتماد المفرط بنتائج العلوم التجريبية إلى درجة ، أن تصبح التجربة هي المبنىوالأساس الفكري لنظرتهم إلى الكونوالحياةوالأيديولوجية،ويرون أنهاهي

الوسيلة الوحيدة للمعرفة والمقياس الصحيح المقبول لها ، ويطلبون حل كل المسائل منها ، إن الغرض من العلوم التجريبية ـ المتكفلة ببيان العلاقات الطبيعية بين الحوادث والوقائع ـ هو أن تربط بين نفس الوقائع والأحداث لا بينها وبين الخالق ، والإِنسان حينما يمارس العلوم التجريبية لا يريد أن يلاحظ وجود الخالق فيها ، ولا ينبغي أن نتوقع أن ندرك بمقاييس المحسوسات ، حقائق ماوراءها ، وأن نشاهد الخالق في المختبرات ، إن العلوم لا تستطيع أن تجري تجربة المختبر على وجود الله ثم الحكم له أو عليه من هذا السبيل والقول : إنه ما لم نشاهد شيئاً ولم نتمكن من معرفته في المختبر وبالحسابات الرياضية فلا حقيقة له ! .

لا يمكن أن نجري تجربة نصمم على أثرها على الإِذعان بوجود موجود غير مادّي أو بعدم وجوده ، إذ ما يمكن أن نثبته بالتجربة يمكن نفيه بها ، إن العلم والميتافيزيقيا لا تثبت بالتجربة ولا تنفى بها ، وإن آلاف التجارب لا تكفي لإِثبات نظرية : أن كل شيء مادّي ، بل إن وسائل هذه المختبرات بأشكالها المعقدة والمتطورة ، لم تتمكن من التطرق إلى العالم المظلم الواسع للعناصر غير المعروفة ، ولم تستطع أن تفهم جميع الواقعيات المكتومة في بطون الذرّات اللانهائية ، بل لم تطلع بعد على حقيقة المادة نفسها .

إن أسلوب التجربة ، وإن كان مفيداً جداً لتطور معرفة الإِنسان بنظام الخلقة الدقيق ، بل يمكن أن نجعل أسلوب التجربة أساساً جديداً واضحاً للإِيمان بالرّب الخالق عن طريق ملاحظة نظام الخلقة ، إذ إن لاكتشاف المسائل التجريبية نظاماً محكماً ودقيقاً وعلاقات منظمة بدقة ، تحكي عن خالق قادر ، إلاّ أن هدف علماء الطبيعة من التحقيق في أسرار العالم والمسائل الطبيعية ، ليس هو التوصل إلى معرفة خالقها ، والعلوم بأيدي هؤلاء المحققين تتكفل دائماً بالعمل على كشف أسرار الوجود فقط ، من دون أن يخرج هؤلاء في ظل العلوم عن حدود معرفتهم المحدودة الضيقة ذات

العبد الواحد ، ودون ان يصلوا عن طريق العلاقات المنظمة لظواهر الطبيعة إلى مرحلة ثانية من المعرفة يشكل مرحلتها الأولى : تجميع كل ما يمكن الوقوف عليه من طريق الإِحساس والتجارب ، ثم المرحلة الثانية التالية : تفسيرها والاستنتاج منها فكراً وعقلاً ، يجمعون بالتجارب نتائجها أولاً ، ويدرسون ثانياً بالفكر والعقل معطياتها ، نقول هذا إذ لا يمكن تفسير مجموعة نتائج العلوم المختلفة وارتباطاتها ، وعلاقاتها فيما بينها بصورة مقنعة بدون الاعتراف بوجود الربّ الحكيم .

إلاّ أن أسلوب العمل العلمي والفكري أصبح هو دراسة القواعد والتحقيقات بغض النظر عن الله تعالى ، وهكذا يصبح أسلوب الفكر الفارغ عن الله هو أساس الأعمال العلمية ، ويصبح إنسان هذا الأسلوب غريباً أجنبياً عما سوى تلك المسائل العلمية التجريبية ! .

وبما أن حياة الناس العلميّة أصبحت مرتبطة بالعلوم هذه بصورة غير قابلة للتفكيك ، وأصبحت صادرات العلوم التجريبية محيطة بجميع جوانب الحياة المادية ، وحوصر الإنسان في إطارها الرصين بحيث يعسر العثور على الوسائل الطبيعية بين وسائل الحياة المعيشية اليوم ; كان من الطبيعي أن تجر هذه الحالة إلى زيادة اعتماد الافراد بالنسبة إلى هذه العلوم ، وتؤثّر هذه العولم حتى في أسلوب سيرتهم في الحياة ، وتوجد نوعاً من الترديد والتشكيك في وجود الخالق والغيبيات ، وحينما سكب المنطق العلمي جميع الأفكار والأيديولوجيات في صياغته الخاصة تلوّنت نظرة الناس إلى الكون والحياة أيضاً بلون هذا المنطق ، إلى درجة أن اعتقدوا أنه لا يمكن الإذعان بواقع إلاّ على أساس المعرفة العلمية فقط ، وأن لا سبيل إلى معرفة أي شيء لا يتطرّق إليه الإحساس والتجربة ، ولا سبيل إلى إثبات وجوده أيضاً ! .

يقول ( بول كلارنس ) الغيزيائي المعروف :

« كنت في بداية دراساتي العلمية مغرماً بالأساليب العلمية إلى درجة أني كنت متيقناً بأن العلم سيكشف يوماً كل شيء ، وكل أسرار ظواهر الطبيعية حتى أصل الحياة ومظاهرها من الفكر الإنساني وغيره ، إلاّ أني كلما طالعت ودرست أكثر فأكثر ولاحظت بنظرة عابرة كل شيء من الذرة إلى المجرّة، ومن الميكروب حتى الإنسان، علمت أن المجهولات هي أكثر بكثير. إن العلم يتوفق إلى أن يشرح جزئيات الذرّة أو أن يبيّن خواص الموجودات الطبيعية ، إلاّ أنه لا يقدر على تعريف الروح والعقل البشري ، إن العلماء يعلمون أنهم يتمكنون من مطالعة وبيان كيفية وكمية كل شيء ، إلاّ أنهم لا يقدرون على بيان علّة وجود الأشياء ، وعلة اشتمالها على خصائصها ، إن العلوم والعقول البشرية ، تستطيع أن تكتشف وتقول لنا : من أين جاءت هذه الذرّات والمجرّات والروح ، والإنسان مع ما أوتي من طاقات ، واستعدادات معجبة ، إن العلوم بإمكانها أن تبين فرضية الانفجار الكوني ، وأن هذه الذرّات والنجوم والمجرّات إنما ولدت ووجدت نتيجة انفجار في المادّة الأولى ، إلاّ أنهم لا يقولون ما هي المادّة الأولى ومن أين أتت ومن الذي فجرّها ؟ وللإجابة عن هذا السؤال يعترف كل عاقل بوجود الخالق »(1).

إن العالم التجريبي الغريب عن أسلوب تفكير الإلهيين إنما يقبل كل ما وافق المنطق العلمي في هذه الحياة ، ويراه مما ينبغي ويكون ، ويرى من حقه أن ينكر اعتبار كل ما لا يلائم أسلوبه العلمي ، إن الأسلوب هنا هو الاعتماد على التجربة وجعلها دليلاً ، فهو يقيس صحة كل استدلال بما يعتمد هو عليه من التجربة فحسب .

إن العالم التجريبي الذي أصبح فكره الديني مغفولاً عنه ولا سيما الاحكاموالمسائل الدينية الفرعية المسبوكة في صياغة الأوامر والنواهي، وهو لا يجد في أبحاثه العلمية أصولاً تفسّر له هذه الأحكام والمسائل بينما هو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 إثبات وجود الخالق : ص 66 ( بالفارسية ) .

 

منشدّ بأسلوبه العلمي المتخذ ، وحساس بالنسبة إليه بسبب اعتياده على لسان العلم والقوانين الرياضية ، إن هذا العالم يرى الأحكام العامة الساذجة والطبيعية غير المتكلفة في الدين فارغة من المحتوى وفاقدة للقيمة العلمية .

إن هذا التفكير غلط ، إن هذه العلوم مع ما لها من قوانين معقدة ودقيقة للغاية ، والتي لمعرفتها يجب على طالبها أن يتعمق من مباحثها الصعبة والعميقة ، مع ذلك نجد علماءها حينما يدخلون الحياة العلمية يخرجون من قوالب هذه العلوم وينفصلون عن اللسان العلمي الخاص بهم ، وإلاّ فعليهم أن يحصروا أنفسهم في المراكز العلمية والصناعية والمكتبات وسائر المختبرات التحقيقية .

بإمكان جميع الناس أن يستفيدوا من الوسائل العلمية كالتليفون والراديو ، وهكذا سائر الوسائل العلمية هي مما يمكن أن تتمتع بها العامة بأقل دلالة من الاختصاصيين فيها ، والاختصاصي والخبير لا يعطي المعلومات الفنية والميكانيكية لمن يشرون الوسائل العلمية ، بل إنما يلخص نتائج الأتعاب المضنية للمخترعين في جملات قليلة لبيان كيفية استفادة الناس منها .

وعلى هذا فليس من الإنصاف بل بعيد عن منطق العلوم أيضاً أن نسكب الأحكام الدينية التي لم تأتنا في صياغة قوانين علمية بل ساذجة عامة ، في قوالب من أحكامنا السابقة لأوانها وتصوراتنا وسوابقنا الفكرية غير الصحيحة ثم نعدها فاقدة للأهمية والقيمة العلمية ، ونغفل بذلك عن دورها المصيري وآثارها العميقة في حياتنا اليومية ، إن الأحكام العلمية إنما تكون بليغة فيما إذا كانت بلسان العامة ، وكانت مورداً لإحساس الناس في حياتهم الفردية والاجتماعية .

على أنه لو كان على الأحكام الدينية أن تكون في حدود معرفتنا وتمييزنا وذوقنا ، لما كنا بحاجة إلى النبوّة والأديان ، بل كنا نصنعها ونصوغها بأيدينا .

إن الإنسان يغضّ النظر عمّا يعجز عنه أمام ما يقدر عليه ، وعلماء الطبيعية ومتعلموها اليوم قد اغتروا بمعلوماتهم نتيجة ما حصلوا عليه من تقدم في صعيد العلوم التجريبية حتى أنهم يتصورون أنفسهم أنهم قد سخروا عالم الحقائق وتملكوها ، بينما ليس من المستطاع لأحد في أي زمان أن يدعي الاحاطة بجميع أسرار العالم وكشف أستار عالم الطبيعة أبداً .

يجب النظر إلى الواقعيات بنظرة أوسع ، وأن ندرك أن علومنا إنما هي قطرة لا شيء أمام محيط الأسرار الخفية ، وأن وراء كل اكتشاف علمي يتبدى لنا كثيراً من المجهولات ، وأن البشر قد سخّر كل إمكاناته في سبيل الحصول على معرفة أكثر وأكمل لعالم المادّة هذه ، وكان ما حصل عليه من كل ذلك السعي الحثيث الظفر بعدد من الرموز من الأسرار الكثيرة لهذا العالم ، وخطوات يسيرة في هذا السبيل ، وأن جبالاً من المجهولات ( إن صح التعبير ) تحيط بالمعلومات البشرية .

يقول البروفيسور ( رووايه ) : « إن جميع الاكتشافات التي كانت غير ممكنة التصوّر وخارقة للعادة بالنظر إلى الفكر البشري ، إنما حصلت في مدة قصيرة مرّت على اتّساع نطاق التكنولوجيا لا تصل إلى مائتي سنة على الأكثر ، لا تعدّ هذه المائتا سنة بالنسبة إلى أعمار الأجسام والموجودات حتى لحظة واحدة ، فكيف يمكن للإنسان أن يدّعي أنه في هذه المدة القليلة من عمر الاختراعات البشرية قد توصّل إلى أسرار الطبيعة أو أنه سخّرها ؟ ! أليس من الأصح للحكم بشأن الاكتشافات البشرية المتزايدة ، أن نصبر أكثر من هذا ولا أقل من مرور ألف عام على عمر التقدّم في التكنولوجيا ؟ والتي لا تعدّ هذه الألف سنة بالنسبة إلى الكائنات حتى لحظة واحدة »(1) .

وإن كلمة ( آينشتاين ) تأكيد على قلة البضاعة العلمية البشرية أمام أسـرار العالم الانـهائية ، إنـه يقول : « إن التصوير العلمي للعالم تصوير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ألفا عالم في البحث عن الخالق العظيم : ص 232 . ( بالفارسية ) .

 

ناقص وليس صورة حقيقية للعالم ، إذ إن الوصول إلى هكذا صورة حقيقية غير ميسّر عملاً بالنظر إلى ضعف أجهزة الإدراك لدى الإنسان ، وأما الاكتفاء بهذه الصورة الناقصة للعالم فلا ترتبط بالعالم وإنما ترتبط بأنفسنا »(1) .

وعلى هذا فيجب إعادة النظر والتقييم بصورة واقعية لمدى فاعلية المعرفة العلمية الحسية ، وأن نحلل ذلك بعيدين عن كل سوابقنا الذهنية التي هي موانع في سبيل الوصول إلى الحقيقة .

لا شك أن العلوم التجريبية لا تستطيع أن تخبرنا إلاّ عن ظواهر المظاهر الطبيعية ، وإن المادة والظواهر المادّية هي التي تدخل في حدود التحقيقات والمطالعات العلمية ، ويمكن ملاحظتها في المختبرات وأن أسلوب العلوم اليوم للوصول إلى أهدافها هو المشاهدة والتجربة ، وبما أن عمل العلوم التجريبية هو ملاحظة العالم الخارجي ، فإذا أردنا أن نثق بصحة قضية أو حكم علمي أو نطمئن إلى عدم صحته كان علينا أن نطبقه على العالم الخارجي فنجرّبها ، فإذا طابقت القضية العلمية العالم الخارجي قبلناها وإلا فلا ، فمع الالتفات إلى موضوع وأسلوب العلوم التجريبية علينا أن نتساءل : هل أن الحقائق الميتافيزيقية قابلة للتجربة الحسية أم لا ؟ ولأيّ نوع من التحقيق التجريبي يحق أن يتدخل في شؤون الإيمان والعقيدة ؟ وما هي العلاقة بين الله والعلوم التجريبية ؟

إن العلوم التجريبية مصباح ينير شطراً من المجهولات حوله ، فلماذا لا يستطيع أن يرفع كل ظلام ؟ أجل ، إن المعرفة بحاجة إلى الإحاطة والشمول ، بحيث يستطيع نظام تلك المعرفة أن يحيط بجميع أجزاء المتعرف عليه وأن يحيط به ، فينتج نظرة شاملة ، وإن سجن المعرفة البشرية في حصار العلوم المحدودة الحسية لا يؤدّي إلى النظرة العامة الشاملة ، بل إنما هو توقف في معطيات التجربة وجهل بأعماق الوجود .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 مقالات آينشتاين العلمية : ص 22 ( بالفارسية ) .

 

إن إيماننا أو عدم الإيمان بالله لا يدخل في مباحث العلوم التجريبية ، إذ لو كان موضوع البحث فيها المادّة فلو فرض عليها أمر غير مادّي لم يحق لها أن تبدي نظراً بشأنه إثباتاً أو نفياً ، إذ إن الدين يعتقد أن الله ليس بجسم مادّي وأنه لا يدرك بالحواس الظاهرة ، ولا يحيط به زمان ولا مكان ، بل هو موجود لا يرتبط وجوده بالأوضاع والأحوال وهو غني عنها عالم بها ، وهو في أعلى مراتب الكمال كل الكمال وأسمى من كل تصوّر يتصوره الإنسان ، وأن عدم دركما لكنه ذاته وحقيقتها إنما هو لقصور فينا وفي قوانا وطاقاتنا وإمكاناتنا واستعداداتنا .

ولهذا لو طالعنا جميع كتب العلوم التجريبية لما وجدنا مورداً يبحث فيه عن تجربة تتعلق بوجود الله ، وحكماً له أو عليه بالإثبات أو النفي ، إذ أننا حتى لو فرضنا أن الحواس الظاهرة هي الوسيلة الوحيدة لاكتشاف الواقعيات مع ذلك لم نتمكن من نفي شيء عن خارج عالمنا المحسوس ، فإن هكذا دعوى هي غير تجريبية ولا تستند إلى أي دليل حسيّ تجريبي .

لو فرضنا أنه لم يكن لاتباع المدرسة الإلهية أي دليل لإثبات دعواهم، مع ذلك كان إظهار النظر بالحكم بالعدم على كل ما هو وراء المحسوسات اختياراً غير علمي بل مبنياً على الخيال والوهم ، إن هكذا إنكار بلا أساس ليس من شأن العلم ولا الفلسفة ، بل إنه ينافي منطق التجربة .

يقول ( جورج بوليستر ) في كتابه(1) : « إن من غير الممكن تصوّر شيء لا يشغل الزمان والمكان ويكون مصوناً عن التحول والتغيير » ! .

إن هذه الكلمات تبدي نوعاً من التفكير ، لا يدري ماذا يريد وعن ماذا يفتش ، إذ لو كان يعلم أنه عماذا يفتش لكان يدرك كيف يجب أن يفتش عنه  ، إن (  بوليستر  ) الـذي كانت الطبيعة والمحسوسات ميدان عمله الوحيد  ، من الطبيعي أن يتلقى بالاستحالة ما كان خارجاً عن عملياته العلمية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أصول مقدمات الفلسفة ( بالفارسية ) .

 

بعيداً عنها غير ممكن الإثبات بالتجربة الحسيّة ، وأن يرى الاعتقاد به منافياً للأسلوب الفكري العلمي ، بينما الحق الوحيد الذي يمكن الاعتراف به لعالم طبيعي ، ولا سيما مع النظر إلى كثرة المجهولات البشرية بشأن هذه الكرة الأرضية والمادة الملموسة غير الحية التي هي مورد مزاولته دائماً . ومع العلم بأن عالم المادة بجميع رموزها وأسرارها لا تتلخص في هذه الكرة التي نعيش عليها ، الحق الوحيد هو أن يقول : إن ما وراء الطبيعة خارج عن حدود وسائلي العلمية فأنا ساكت عنه ، لا أن ينكره ، إذ كيف يبيح لنفسه أن يدعي دعوى يلازمها معرفة عامة بجميع نظام الوجود ، بينما لا يصل علمه بالنظام العالم إلاّ إلى حدّ الصفر .

فأي دليل يمكن أن نثبت بمساعدته أن الوجود يساوي المادة فقط ، وأن عالم الوجود يتلخص في الماديات فحسب ؟ وأي عالم للميتافيزيقا استطاع لحد الآن أن يبني إنكاره على أساس علمي ودليل منطقي ؟ وأن يجد برهاناً على عدم وجود شيء خارج حدود الحسّ والتجربة غير العدم المحض ؟ .

إن العلم وإن كان لا يتمكن من نفي كل مجهول بمحض عدم وجود وسيلة للتوصل إليه ، بل إنما يبقى بانتظار اكتشافه يوماً ما ، مع ذلك نرى أن الماديين لا يتكلمون حول وجود الله حتّى بالشك والترديد ، بل يعلن هؤلاء حكمهم العاجل الخاطئ بنفي الخالق بصورة قطعية وصريحة ! .

إن هؤلاء يضعون مقاييس لأشياء خاصة ثم لا يقبلون باستعمال ذلك المقياس الخاص بشيء في مورد شيء آخر ، فمثلاً لا يجوزون استعمال مقياس السطح في خصوص معرفة الحجم ، لكنهم حينا يصلون إلى تقدير عالم المعنى والروح يريدون أن يقيسوا الله والروح والوحي بنفس الوسائل الماديّة ، وحينما يعجزون عن معرفة هذه الأمور بتلك المقاييس ينكرونها بلا هوادة ! .

وإذا أراد الإنسان المحصور في حدود المنطق التجريبي أن لا يقبل من

عالم الوجود إلاّ ما أثبتت له التجارب المحسوسة وينكر ما رواءها فليعلم أن هذا طريق اختياره هو وليس نتيجة تحقيقات أو اختيارات للعلوم التجريبية ، وأن هذه الثقافة غير الحقيقية إنما هي نوع من أنواع الطغيان الفكري والخروج على الطبيعة والفطرة ، أما الإلهيون فيرون أن الله الذي يريد العالم الطبيعي إثباته بوسائله العلمية وأسبابه الطبيعية فليس هو بالله الخالق ، وأن العلوم الماديّة عاجزة عن درك توفيق للوصول إلى الهدف .

يقول الدكتور ( ايوى ) العالم الفيزيولوجي الشهير : « إن المنطق يثبت وجود الله ولكنه يعجز عن نفيه ، ولعل أناساً ينكرون وجوده كما كان سابقاً إلاّ أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بدليل معقول لإثبات دعواهم ، وإذا كان هناك دليل عقلي على الإنكار أو الترديد في وجود شيء كان له أن ينكر أو يشكك ، أمّا أنا فلم أجد حتى اليوم في مطالعاتي أحداً له برهان صحيح على إنكار أمّا أنا فلم أجد حتى اليوم في مطالعاتي أحداً له برهان صحيح على إنكار وجود الخالق ، بل إني عثرت على دلائل معقولة لا تحصى لإثبات(1)الله » .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 إثبات وجود الخالق : ص 266 ( بالفارسية ) .

 

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

البداء والإرادة المُناظرة الخامسة -3
الحثّ على الجهاد
الکفارات في الاسلام
التقية في الاسلام
رسـالة الحـقوق
اثر التقوى في الحياة الزوجية
آل البيت عند الشيعة
رزية يوم الخميس ق (1)
ما جاء في المنع عن التوقيت والتسمية لصاحب الامر ...
من هو النبي المرسل؟ ومن هم الأنبياء؟ وما هي ...

 
user comment