جوامع الكلم:
ومنح الله الامام الحسين أعنة الحكمة ، وفصل الخطاب فكانت تتدفق
( 1 ) الاستدراج من الله للعبد أن يفعل شيئا بالنسبة إلى العبد حتى لا يوفق أن يتوب ويرجع إلى خالقه.
( 2 ) الميامين جمع ميمون : ذو اليمين والبركة.
( 3 ) زاد المعاد للمجلسي ، البلد الامين للكفعمي ، بلاغة الامام الحسين ، الاقبال لابن طاووس وفيه زيادة على هذا الدعاء . ( * )
[181]
على لسانه سيول من الموعظة والآداب ، والامثال السائرة ، وفيما يلي بعض حكمه القصار.
1 - قال عليه السلام : " العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يثق بمن يحاف غدره ، ولا يرجو من لا يوثق برجائه . . . " ( 1 ).
2 - قال ( ع ) لابنه علي بن الحسين : " أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله عزوجل . . . " ( 2 ).
3 - قال ( ع ) : ما أخذ الله طاقة أحد الا وضع عنه طاعته ، ولا أخذ قدرته الا وضع عنه كلفته . . . " ( 3 ).
4 - قال ( ع ) : " إياك وما تعتذر منه ، فان المؤمن لا يسئ ، ولا يعتذر ، والمنافق كل يوم يسئ ويعتذر . . . " ( 4 ).
5 - قال ( ع ) : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فان الكذب ريبة ، والصدق طمأنينة . . . ( 5 ).
6 - قال ( ع ) : " اللهم لا تستدرجني بالاحسان ، ولا تؤدبني بالبلاء . . . " ( 6 ).
7 - قال ( ع ) : " خمس من لم تكن فيه ، لم يكن فيه كثير مستمتع العقل ، والدين والادب ، والحياء ، وحسن الخلق . . " ( 7 )
( 1 ) ريحانة الرسول ( ص 55 ) ( 2 ) و ( 3 ) و ( 4 ) تحف العقول ( ص 46 ).
( 5 ) أنساب الاشراف ج 1 ق 1.
( 6 ) كشف الغمة 2 / 243.
( 7 ) ريحانة الرسول ( ص 55 ) . ( * ) ( 2 ) و ( 3 ) و ( 4 ) تحف العقول ( ص 246 - 248 ).
( 5 ) ريحانة الرسول ( ص 55 ).
( 6 ) البحار ، تحف العقول ( ص 245 ).
( 7 ) تحف العقول ( ص 245 ) . ( * )
[182]
15 - سأله رجل عن تفسير قوله تعالى : " وأما بنعمة ربك فحدث " ( 1 ) قال ( ع ) : " أمره أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه " ( 2 ).
16 - قال ( ع ) : " موت في عز خير من حياة في ذل " ( 3 ).
17 - قال ( ع ) : " البكاء من خشية الله نجاة من النار " ( 4 ).
18 - قال ( ع ) : " من أحجم عن الرأي ، وأعيت له الحيل كان الرفق مفتاحه " ( 5 ).
19 - قال ( ع ) : " من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم " ( 6 ).
20 - قال ( ع ) : " اذا كان يوم القيامة نادى مناد ، أيها الناس من كان له على الله أجر فليقم ، فلا يقوم إلا أهل المعروف . " ( 7 ).
21 - قال ( ع ) : " ما من أعمال هذه الامة هذه الامة من صباح إلا ويعرض على الله عزوجل " ( 8 ).
إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض ما أثر عنه من روائع الحكم ، والمواعظ والاداب ، ولم نحلل مضامينها إيثارا للايجاز ، وابتعادا عن الاطالة.
( سورة الضحى : آية 11.
( 2 ) تحف العقول ( ص 246 ).
( 3 ) البحار.
( 4 ) نزهة الناظر في تنبيه الخاطر.
( 5 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 323 .
( 6 ) و ( 7 ) و ( 8 ) البحار . ( * )
[183]
[184]
في حلبات الشعر:
وعرضت مصادر التاريخ والادب العربي إلى بعض ما نظمه الامام الحسين ( ع ) من الشعر وما استشهد به في بعض المناسبات ، وإن كان بعضها - فيما نحسب - لا يخلو من الانتحال ، وهذه بعضها:
1 - دخل اعرابي مسجد الرسول الاعظم ( ص ) فوقف على الحسين ابن علي وحوله حلقة مجتمعة من الناس فسأل عنه ، فقيل له إنه الحسن ابن علي ، فقال : إياه أردت بلغتي أنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم ، واني قطعت بوادي ، وقفارا ، وأودية ، وجبالا ، وجئت لاطارحة الكلام وأسأله عن عويص العربية .
فقال له أحد جلساء الامام : ان كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب ، وأومأ إلى الحسين .
فبادر اليه ، ووقف فسلم عليه فرد الامام عليه السلام ، فقال له:
- ما حاجتك ؟
- جئتك من الهرقل والجعلل والاينم ، والهمهم.
فتبسم الامام الحسين ، وقال له : يا اعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله الا العالمون .
فقال الاعرابي : وأقول : أكثر من هذا ، فهل أنت مجيبي على قدر كلامي ؟
فقال له الحسين: - قل ما شئت فاني مجيبك.
- إني بدوي ، وأكثر مقالي الشعر ، وهو ديوان العرب.
- قل ما شئت فاني مجيبك.
[185]
وأنشأ الاعرابي يقول:
هفا قلبي إلى اللهو *** وقد ودع شرخيه
وقد كان أنيقا عصر تجراري ذيليه
عيالات ولذات *** فيا سقيا لعصريه
فلما عمم الشيب *** من الرأس نطاقيه
وأمسى قد عناني منه تجديد خضابيه
تسليت عن اللهو *** وألقيت قناعيه
وفي الدهر أعاجيب *** لمن يلبس حاليه
فلو يعمل ذو رأي *** أصيل فيه رأييه
لالفى عبرة منه *** له في كر عصريهه
فأجابه الامام الحسين ( ع ) ارتجالا :
فما رسم شجاني قد *** محت آيات رسميه
سفور درجت ذيلين * في بوغاء قاعيه ( 1 )
هتوف حرجف تترى * على تلبيد ثوبيه ( 2 )
وولاج من المزن * دنا نوء سماكيه
أتى مثغنجر الورق * بجود من خلاليه
وقد أحمد برقاه * فلا ذم لبرقيه
وقد جلل رعداه * فلا ذم لرعديه
ثجيج الرعد ثجاج * اذا أرخى نطاقيه
( 1 ) سفور : مأخوذ من سفرت الريح التراب أو الورق أزالتهما وذهبت بهما كل مذهب ، درجت من نعوت الريح ، البوغاء التراب.
( 2 ) الهتوف : الريح ذات الصوت ، والحرجف : الريح الباردة.
التلبيد : التداخل . ( * )
[186]
فاضحى دارسا قفرا * لبينونة أهليه
فلما سمع الاعرابى ذلك بهر وانطلق يقول : ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاما وأذرب لسانا ، ولا أفصح منه نطقا .
فقال له الامام الحسن ( ع ) يا اعرابي:
غلام كرم الرحمن بالتطهير جديه *** كساه القمر القمقام من نور سنائيه
وقد أرصنت من شعري وقومت عروضيه
فلما سمع الاعرابي قول الامام الحسن ( ع ) انبرى يقول : بارك الله عليكما ، مثلكما تجلهما الرجال فجزاكما الله خيرا وانصرف ( 1 ).
ودلت هذه البادرة على مدى ما يتمتع به الامام ( ع ) من قوة العارضة في الشعر ، ومقدرته الفائقة في الارتجال والابداع ، إلا أن بعض فصول هذه القصة - فيما نحسب - لا يخلو من الانتحال ، وهو مجئ الاعرابي من بلد نائي قد تحمل عناء السفر وشدته من أجل اختبار الامام ومعرفة مقدراته الادبية .
2 - نسبت له هذه الابيات الحكمية:
اذا ما عضك الدهر *** فلا تجنح إلى الخلق
ولا تسأل سوى الله *** تعالى قاسم الرزق
فلو عشت وطوفت *** من الغرب إلى الشرق
لما صادفت من يقد *** ر أن يسعد أو يشقى ( 2 )
وحث هذا الشعر على القناعة واباء النفس ، وعدم الخنوع للغير ، وأهاب بالانسان أن يسأل أحدا إلا ربه الذي بيده مجريات الاحداث.
( 1 ) مطالب السؤل في مناقب آل الرسول.
( 2 ) كشف الغمة 2 / 246 الفصول المهمة . ( * )
[187]
3 - قال ( ع ) :
اغن عن المخلوق بالخالق *** تغن عن الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله *** فليس غير الله من رازق
من ظن أن الناس يغنونه *** فليس بالرحمن بالواثق
أو ظن أن المال من كسبه *** زلت به النعلان من حالق ( 1 )
وفي هذههه الابيات دعوة إلى الالتجاء إلى الله خالق الكون وواهب الحياة ، والاستغناء عمن سواه فان من ركن لغيره فقد خاب سعيه وحاد عن الصواب.
4 - زار الامام الحسين ( ع ) مقابر الشهداء بالبقيع فانبرى يقول:
ناديت سكان القبور فاسكتوا *** فأجابني عن صمتهم ترب الحشا
قالت : أتدري ما صنعت بساكني *** مزقت لحمهم وخرقت الكسا
وحشوت أعينهم ترابا بعدما *** كانت تأذى باليسير من القذا
أما العظام فانني مزقتها *** حتى تباينت المفاصل والشوى
قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا *** فتركتها مما يطول بها البلى ( 2 )
وحفلت هذه الابيات بالدعوة إلى الاعتبار والعظة بمصير الانسان وأنه حينما يودع في بطن الارض لم يلبث أن يتلاشى وتذهب نضارته ويعود بعد قليل كتلة من التراب المهين.