رواياته عن امه فاطمة ( ع ) :
وروى ( ع ) عن أمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( ع ) من الاحاديث ما يلي:
1 - روى محمد بن علي بن الحسين قال : خرجت مع جدي الحسين ابن علي إلى أرضه فادركنا النعمان بن بشير على بغلة له فنزل عنها وقال للحسين : اركب أبا عبد الله ، فأبى فلم يزل يقسم عليه ، حتى قال : أما انك قد كلفتني ما اكره ، ولكن احدثك حديثا حدثتنيه امي فاطمة ان رسول الله ( ص ) قال : " الرجل أحق بصدر وفراشه ، والصلاة في بيته الا إماما الجمع من الناس ، فاركب أنت على صدر الدابة ، وسارت تدف ، فقال النعمان : صدقت فاطمة . . . " .
2 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قالت : قال رسول الله ( ص ) : " لا يلو من إلا نفسه من بات وفي يده غمره . . ( 1 ) . . . " ( 2 ).
( 1 ) الغمر : - بالتحريك - الدسم والزهومة من اللحم.
( 2 ) الذرية الطاهرة ، مسند الفردوس ج 41 . ( * )
[144]
رواياته عن أبيه:
وروى الامام الحسين عن أبيه الامام أمير المؤمنين ( ع ) الشئ الكثير سواء أكان مما يتعلق بالسيرة النبوية أم في الاحكام الشرعية وهذه بعضها:
1 - روى ( ع ) عن أبيه ( ع ) :أن رسول الله ( ص ) بعث سرية فأسروا رجلا من بني سليم يقال له الاصيد من سلمة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله رق لحاله ، وعرض عليه السلام فأسلم فبلغ ذلك أباه وكان شيخا فكتب اليه رسالة فيها هذه الابيات:
من راكب نحو المدينة سالما *** حتى يبلغ ما أقول الا صيدا
ان البنين شرارهم أمثالهم *** من عق والده وبر الابعدا
أتركت دين أبيك والشم العلى *** أودوا وتابعت الغداة محمدا
وعرض الاصيد رسالة أبيه على النبي ( ص ) واستأذنه في جوابه فأذن له فكتب اليه:
إن الذي سمك السماء بقدرة *** حتى علا في ملكه فتوحدا
بعث الذي لا مثلهه فيما مضى *** يدعو لرحمته النبي محمدا
فدعا العباد لدينه فتتابعوا *** طوعا وكرها مقبلين على الهدى
وتخوفوا النار التي من أجلها *** كان الشقي الخاسر المتلددا
واعلم بانك ميت ومحاسب *** فالى من هذي الضلالة والردى
ولما قرأ سلمة رسالة ابنه وفد على النبي ( ص ) وأسلم ( 1 ) .
2 - قال ( ع ) سألت أبي عن سيرة رسول الله ( ص ) في جلسائه
( 1 ) أسد الغابة 1 / 100 . ( * )
[145]
فقال : كان رسول الله دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مشاح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه ، ولا يخيب فيه فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والاكبار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيبه ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، ه واذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، فاذا سكت تكلموا ، لا يتنازعون عنده الحديث ومن تكلم عنده أنصتوا اليه ، حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته حتى ان كأن اصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : اذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه ، ولا يقبل الثناء الا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجور ( 1 ) فيقطعه بنهي أو قيام . . . " ( 2 ).
وقد امتاز النبي ( ص ) على عامة النبيين بهذه الاخلاق العالية التي الفت ما بين قلوب المسلمين ، ووحدت ما بين مشاعرهم وعواطفهم ، وجعلتهم في عصورهم الاولى سادة الامم والادلاء على مرضاة الله وطاعته .
3 - روى ( ع ) عن أبيه قال : قال رسول الله ( ص ) : " من قتل دون ماله فهو شهيد " ( 3 ).
4 - روى عليه السلام عن أبيه قال : قال رسول الله ( ص ):
" عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء ، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار " ( 4 ).
( 1 ) يجور : أي يميل عن الحق.
( 2 ) الحسين 1 / 137 - 138.
( 3 ) مسند أحمد بن حنبل.
( 4 ) الاربعين ( ص 111 ) لبهاء الدين العاملي . ( * )
[146]
5 - قال ( ع ) : سمعت أبي يقول : " الايمان معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالاركان . . . " ( 1 ).
6 - روى ( ع ) عن ابيه انه قال : " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم أشراركم ، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم . . . " ( 2 ).
7 - روى عن ابيه انه قال : " إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة : أخفى رضاه في طاعته ، فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه ، وأنت لا تعلم وأخفى سخطه فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق سخطه معصيته وأنت لا تعلم ، وأخفى اجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق اجابته وانت لا تعلم ، وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيدالله فربما يكون وليه وانت لا تعلم . " ( 3 )
8 - روى ( ع ) عن ابيه انه قال : قال رسول الله ( ص ) : " خير دور الانصار بنو النجار ، ثم بنو عبدالاشهل ، ثم بنو الحرث ، ثم بنو ساعدة ، وفي كل دور الانصار خير . . . " ( 4 ).
9 - روى ( ع ) عن ابيه انه قال : قال رسول الله ( ص ) : " خير الدعاء الاستغفار ، وخير العبادة قول لا إله إلا الله . . . " ( 5 ).
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رواياته عن جده وأبويه.
( 1 ) الحسين 1 / 140.
( 2 ) مسند الامام زيد ( ص 185 ).
( 3 ) الخصال ( ص 191 ).
( 4 ) مسند الفردوس من مصورات مكتبة الامام الحكيم تأليف شهردار ابن شيرويه الشافعي المتوفى سنة ( 558 ه ).
( 5 ) مسند الفردوس 37 / 27 . ( * )
[147]
من تراثه الرائع:
للامام ( ع ) تراث رائع خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية والمسائل الكلامية التي منيت بالغموض والتعقيد ، فأوضحها وبين وجهة الاسلام فيها ، كما خاض في كثير من كلماته أصول الاخلاق وقواعد الآداب ، واسس الاصلاح الاجتماعي والفردي ، ونعرض فيما يلي لبعض ما اثر عنه:
القدر:
من أهل المسائل الكلامية وأعمقها مسألة القدر فقد اثير حولها الكلام منذ فجر التاريخ الاسلامي ، وقد تصدى أئمة أهل البيت ( ع ) لبيانها ودفع الشبهات عنها ، وقد سأل الحسن بن الحسن البصري الامام الحسين عنها ، فأجابه ( ع ) برسالة هذا نصها:
" اتبع ما شرحت لك في القدر مما افضى الينا اهل البيت ، فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره كفر ، ومن حمل المعاصي على الله عزوجل فقد افترى على الله افتراء عظيما ، وان الله لا يطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد في الهلكة ، لكنه المالك لما ملكهم ، والقادر لما عليه أقدرهم ، فإن ائتمروا به فعل فليس هو حملهم عليها قسرا ، ولا كلفهم جبرا ، بل بتمكينه إياهم بعد اعذاره وانذاره لهم
[148]
واحتجاجه عليهم طوقهم ومكنهم وجعل لهم السبيل إلى ما اخذ ما إليه دعاهم ، وترك ما عنه نهاهم عنه ، جعلهم مستطيعين لاخذ ما امرهم به من شئ غير آخذ به ، ولترك ما نهاهم عنه من شئ غير تاركيه ، والحمد لله الذي جعل عباده أقوياء لما امرهم به ينالون بتلك القوة ، وما نهاهم عنه ، وجعل العذر لمن لم يجعل له السبيل حمدا متقبلا ، فأنا على ذلك اذهب ، وبه اقول انا واصحابي ايضا عليه وله الحمد . . . " ( 1 ).
وقد عرض هذا الكلام الشريف إلى بحوث كلامية مهمة . والتعرض لها يستدعي الاطالة والخروج عن الموضوع.
الصمد:
كتب اليه جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى : " الله الصمد " فكتب ( ع ) لهم بعد البسملة:
" أما بعد : فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول الله ( ص ) يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ، وان الله سبحانه قد فسر الصمد فقال ( الله أحد الله الصمد ) ثم فسره فقال : " لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ( لم يلد ) لم يخرج منه شئ كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شئ لطيف كالنفس ، ولا يتشعب من البدوات كالسنة والنوم ، والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء ، والرغبة والسأمة والجوع والشبع ، تعالى عن أن يخرج منه شئ ، وان يتولد منه شئ كثيف أو لطيف " ولم يولد ":
( 1 ) فقه الرضا ( ص 55 ) بحار الانوار 5 / 123 . ( * )
[149]
لم يتولد منه شئ ، ولم يخرج منه شئ كما تخرج الاشياء الكثيفة من عناصرهم والدابة من الدابة ، والنبات من الارض ، والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ، ولا كما يخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن ، والشم من الانف ، والذوق من الفم ، والكلام من اللسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو اللهه الصمد الذي لا شئ ، ولا في شئ ، ولا على شئ ، مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ، ويبقى ما خلق للبناء بعلمه ، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا احد . . " ( 1 ).
التوحيد:
وعرض الامام الحسين ( ع ) في كثير من كلامه إلى توحيد الله فبين حقيقته وجوهره ، وفند شبه الملحدين وأوهامهم ، ونعرض فيما يلي لبعض ما اثر عنه:
1 - قال ( ع ) : " ايها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبهون الله بأنفسهم يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو الله ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، لا تدركه الابصار ، وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ، استخلص الوحدانية والجبروت ، وامضى المشيئة والارادة والقدرة والعلم بما هو كائن ، لا منازع له في شئ من امره ، ولا كفو له يعادله ، ولا ضد له ينازعه ولا سمي له يشابهه ، ولا مثل له يشاركه ، لا تتداوله الامور ولا تجري عليه الاحوال ، ولا ينزل عليه
( 1 ) معادن الحكمة في مكاتيب الائمة 2 / 48 - 49 . ( * )
[150]
الاحداث ، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته ، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته ، لانه ليس له في الاشياء عديل ، ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق ، ايقانا بالغيب لانه لا يوصف بشئ من صفات المخلوقين ، وهو الواحد الصمد ، ماتصور في الاوهام فهو خلافه ، ليس برب من طرح تحت البلاغ ، ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء ، هو في الاشياء كائن ، لا كينونة محظور بها عليه ، ومن الاشياء بائن لا بينونة غائب عنها ، ليس بقادر من قارنه ضد أو ساواه ند ، ليس عن الدهر قدمه ، ولا بالناحية اممه ، احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار ، وعمن في السماء احتجابه كمن في الارض ، قر به كرامته ، وبعده اهانته ، لا يحله في ، ولا توقته إذ ، ولا تؤامره إن علو من غير توقل ، ومجيئه من غير تنقل ، يوجد المفقود ، ويفقد الموجود ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت ، يصيب الفكر منه الايمان به موجودا ووجود الايمان لا وجود صفة ، به توصف الصفات لا بها يوصف ، وبه تعرف المعارف لابها يعرف ، فذلك الله لا سمي له ، سبحانه ليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير . . . " ( 1 ).
وحذر الامام من تشبيه الخالق العظيم بعباده او بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم ، ويطاردها الفناء.
ان الانسان مهما اوتي من طاقات فهي محدودة كما وكيفا ، ويستحيل ان يصل إلى ادارك حقيقة المبدع العظيم الذي خلق هذه الاكوان وخلق هذه المجرات التي تذهل العقول تصورها ، وما بنيت عليه من الانظمة الدقيقة المذهلة . . . إن الانسان قد عجز عن معرفة نفسه التي انطوت على هذه
( 1 ) تحف العقول ( ص 244 ) . ( * )
[151]
الاجهزة العميقة كجهاز البصر والسمع والاحساس وغيرها فكيف يصل إلى ادراك خالقه ؟ !
وعلى اي حال فقد اوضحت هذه اللوحة الرائعة كثيرا من شؤون التوحيد ، ودللت على كيفيته ، وهي من أثمن ما اثر من ائمة اهل البيت عليهم السلام في هذا المجال.
2 - يقول المؤرخون : ان حبر الامة عبد الله بن عباس كان يحدث الناس في مسجد رسول الله ( ص ) ; فقام اليه نافع الازرق فقال له : تفتي الناس في النملة والقملة , صف لي إلهك الذي تعبد .
فاطرق اعظاما لقوله ، وكان الامام الحسين ( ع ) جالسا فانبرى قائلا:
- إلي يابن الازرق ؟
- لست اياك.
فثار ابن عباس ، وقال له:
" إنه من بيت النبوة ، وهم ورثة العلم . . . ".
فاقبل نافع نحو الحسين فقال ( ع ) له:
" يا نافع من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلا ناكبا عن المنهاج ، ظاعنا بالاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل اصف لك إلهي ، بما وصف به نفسه ، واعرفه بما عرف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس قريب غير ملتصق بعيد غير منتقص يوحد ولا يبغض معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المتعال . . . " ( 1 ).
فحار الازرق ، ولم يطق جوابا ، فقد ملكت الحيرة أهابه ، وسد عليه الامام كل نافذة ينفذ منها ، وبهر جميع من سمعوا مقالة الامام ، وراحوا
( 1 ) الكواكب الدرية 1 / 58 . ( * )
[152]
يرددون كلام ابن عباس ان الحسين من بيت النبوة وهم ورثة العلم.