الرجوع اليه في الفتيا:
كان الامام الحسين ( ع ) من مراجع الفتيا في العالم الاسلامي ، وقد رجع اليه أكابر الصحابة في مسائل الدين ، وكان ممن سأله عبد الله بن الزبير فقد استفتاه قائلا:
" يا أبا عبد الله ما تقول في فكاك الاسير على من هو ؟ ".
فأجابه ( ع ) : " على القوم الذين أعانهم أو قاتل معهم . . . ".
وسأله ثانيا " يا أبا عبد الله متى يجب عطاء الصبي ؟ ".
فاجابه ( ع ) : إذا استهل وجب له عطاؤه ورزقه ".
وسأله ثالثا عن الشرب قائما ؟ فدعا ( ع ) بلقحة - أي ناقة - له فحلبت فشرب قائما ، وناوله ( 1 ) .
قال ابن القيم الجوزي : " إن الباقي من الصحابة من رجال الفتيا هم أبوالدرداء وأبوعبيدة الجراح ، والحسن والحسين " ( 2 ) .
لقد كان المسلمون يرجعون اليه في مسائل الحلال والحرام ويأخذون من أحكام الاسلام وآداب الشريعة كما كانوا يرجعون إلى أبيه.
مجلسه:
كان مجلسه مجلس علم ووقار قد ازدان بأهل العلم من الصحابة ، وهم يأخذون عنه ما يلقيه عليهم من الادب والحكمة ، ويسجلون ما يروون عنه من أحاديث جده ( ص ) ويقول المؤرخون : إن الناس كانوا يجتمعون اليه
( 1 ) الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة 2 / 283.
( 2 ) الاعلام.
[137]
ويحتفون به ، وكأن على رؤوسهم الطير يسمعون منه العلم الواسع والحديث الصادق ( 1 ).
وكان مجلسه في جامع جده رسول الله ( ص ) وله حلقة خاصة به ، وسأل رجل من قريش معاوية أين يجد الحسين ؟ فقال له : " اذا دخلت مسجد رسول الله ( ص ) فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله " ( 2 ) .
ويقول العلائلي:
" كان مجلسه مهوى الافئدة ، ومتراوح الاملاك يشعر الجالس بين يديه أنه ليس في حضرة انسان من عمل الدنيا ، وصنيعة الدنيا ، تمتد اسبابها برهبته وجلاله وروعته ، بل في حضرة طفاح بالسكينة كأن الملائكة تروح فيها ، وتغدوا . . . " ( 3 ).
لقد جذبت شخصية الامام ، وسمو مكانته الروحية قلوب المسلمين ومشاعرهم فراحوا يتهافتون على مجلسه ، ويستمعون لاحاديثه ، وهم في منتهى الاجلال ، والخضوع.
من روى عنه:
كان الامام ( ع ) من أعلام النهضة الفكرية والعلمية في عصره ، وقد ساهم مساهمة ايجابية في نشر العلوم الاسلامية ، واشاعة المعارف والآداب بين الناس ، وقد انتهل من نمير علومه حشد كبير من الصحابة وابنائهم وهم : ولده الامام زين العابدين ، وبنته فاطمة ( 4 ) وسكينة وحفيده
( 1 ) الحقائق في الجوامع والفوارق ( ص 105 ).
( 2 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 222.
( 3 ) أشعة من حياة الحسين ( 93 ).
( 4 ) الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الاول ( ص 55 ).
[138]
الامام أبوجعفر الباقر ( ع ) والشعبي ، وعكرمة ، وكرز التميمي ، وسنان ابن أبي سنان الدوئلي ، و عبد الله بن عمر ، وابن عثمان والفرزدق ( 1 ) وابن أخيه زيد بن الحسن ( 2 ) وطلحة العقيلي وعبيد بن حنين ( 3 ) وأبو هريرة ، وعبيدالله بن أبي يزيد ، والمطلب بن عبيدالله بن خنطب ، وأبوحازم الاشجعي ، وشعيب بن خالد ، ويوسف الصباغ ، وأبوهشام ( 4 ) وغيرهم وقد الف احمد بن محمد بن سعيد الهمداني كتابا في أسماء من روى عن الحسن والحسين ( 5 ).
لقد اتخذ الامام الجامع النبوي مدرسة له فكان به يلقي محاضراته في علم الفقه والتفسير ، ورواية الحديث ، وقواعد الاخلاق وآداب السلوك وكان المسلمون يفدون عليه من كل فج للانتهال من نمير علومه المستمدة من علوم النبي ( ص ) ومعارفه.
رواياته عن جده:
وروى الامام الحسين ( ع ) مجموعة كبيرة من الاحاديث عن جده الرسول ( ص ) وقد ذكر الزهري في كتاب ( المغازي ) أن البخاري روى عن الحسين أحاديث كثيرة ، وفيها باب تحريض النبي ( ص ) على قيام الليل ، كما روى عنه الترمذي في كتاب ( الشمائل النبوية ) أحاديث
( 1 ) تهذيب التهذيب 2 / 345.
( 2 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 311.
( 3 ) سير اعلام النبلاء 3 / 188.
( 4 ) تاريخ ابن عساكر 13 / 50 . ( * ) ( 5 ) النجاشي ( ص 73 ) . ( * )
[139]
كثيرة ، وقد نقلها عنه سفيان بن وكيع ( 1 ) ونلمع إلى بعض رواياته عن جده:
1 - قال ( ع ) : قال رسول الله ( ص ) : " من حسن اسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه " ( 2 ).
2 - قال ( ع ) : قال رسول الله ( ص ) : " من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ( 3 ).
3 - قال ( ع ) : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : " ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة ( أو قال تصيبه مصيبة ) وان قدم عهدههها فيحدث لها استراجاعا إلا أحدث الله عنه ذلك ، وأعطاه ثواب ما وعده عليها يوم أصيب بها " ( 4 ).
4 - قال ( ع ) : سمعت النبي ( ص ) يقول : " إن الله يحب معالي الامور ويكره سفاسفها " ( 5 ).
5 - قال ( ع ) : سمعت النبي ( ص ) يقول : " من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ومن يخلص نيته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنيه ، ومن يتعزز على الله يذله " ( 6 ).
6 - قال ( ع ) : كان رسول الله ( ص ) اذا استقى قال : " اللهم اسقنا سقيا واسعة وادعة عامة نافعة غير ضارة تعم بها حاضرنا وبادينا ، وتزيد بها في رزقنا ، وشكرنا ، اللهم اجعله رزق ايمان وعطاء ايمان ، ان عطاءك لم
( 1 ) الثائر الاول في الاسلام ( ص 10 ).
( 2 ) و ( 3 ) مسند الامام احمد بن حنبل 1 / 201.
( 4 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 312 ، أسد الغابة 2 / 19 ، الاصابة 1 / 222.
( 5 ) و ( 6 ) تاريخ اليعقوبي 2 / 219 . ( * )
[140]
يكن محظورا ، اللهم انزل علينا في ارضنا سكنها ( 1 ) وانبت فيها زينتها ومرعاها " ( 2 ).
7 - قال ( ع ) : حدثني أبي عن النبي ( ص ) أنه قال : " المغبون لا محمود ولا مأجور " ( 3 ).
8 - روى ( ع ) عن أبيه قال : قال رسول الله ( ص ) : " رأس العقل بعد الايمان بالله عزوجل التحبيب إلى الناس " ( 4 ).
9 - روى عن أبيه قال : قال رسول الله ( ص ) : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت " ( 5 ).
مسنده:
الف هذا المسند أبوبشير محمد بن أحمد الدولابي المتوفى سنة ( 320 ه ) وقد أدرجه في غضون كتابه " الذرية الطاهرة " ( 6 ) ، وهذه بعض بنوده:
( 1 ) سكنها : بفتح السين والكاف ، غياث أهلها الذين تسكن أنفسهم اليه.
( 2 ) عيون الاخبار 2 / 273.
( 3 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 312.
( 4 ) الخصال ( ص 17 ).
( 5 ) الخصال ( ص 23 ).
( 6 ) من مخطوطات المكتبة الاحمدية بجامع الزيتونة في تونس توجد منه نسخة مصورة في مكتبة الامام أمير المؤمنين استنسخها العلامة السيد عزيز الطباطبائي اليزدي . ( * )
[141]
1 - روى علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله ( ص ) قال:
" من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه . . ".
2 - قال الحسين ( ع ) : وجدت في قائم سيف رسول الله ( ص ) صحيفة مربوطة وهي : " أشد الناس على الله عذابا القاتل غير قاتله ، والضارب غير ضاربه . ومن جحد نعمة مواليه فقد برئ مما أنزل الله عزوجل .
3 - روى الحسين ( ع ) قال : قال رسول الله ( ص ) : " إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ".
4 - روى الحسين عن أبيه عن جده قال ( ص ) : " يكون بعدي ثلاث فرق ، مرجئة ، وحرورية ، وقدرية ، فان مرضوا فلا تعودوهم ، وان ماتوا فلا تشهدوهم ، وان دعوا فلا تجيبوهم ".
5 - روى ( ع ) عن جده ( ص ) أنه قال : " ما من عبد أو أمه يضمن بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا أنفق أضعافها في سخط الله ، وما من عبد يدع معونة أخيه المسلم ، والسعي في حاجته ، قضيت تلك الحاجة ، أو لم تقض إلا ابتلي بمعونة من يأثم فيه ، ولا يؤجر عليه ، وما من عبد ولا أمة يدع الحج وهو يجد السبيل اليه لحاجة من حوائج الدنيا إلا نظر إلى المحلقين قبل أن يقضي الله تلك الحاجة.
6 - روى يحيى بن سعيد قال : كنت عند علي بن الحسين فجاءه نفر من الكوفيين فقال علي بن الحسين : يا أهل العراق ، أحبونا حب الاسلام فاني سمعت أبي يقول : قال رسول الله ( ص ):
" يا أيها الناس ، لا ترفعوني فوق حقي فان الله عزوجل قد اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ".
7 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها و عبد الله بن عباس : أن رسول الله ( ص ) كان يقول:
[142]
" لا تديموا النظر إلى المجذومين ، من كلمهم منكم فليكن بينه وبينكم قيد رمح . . . ".
8 - روت فاطمة بنت الحسين ( ع ) عن أبيها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " ان الله يحب معالي الاخلاق وأشرافها ، ويكره سفاسفها . . . ".
9 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها أن رسول الله ( ص ) قال:
" لا تديموا النظر إلى المجذومين ".
10 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال : كان رأس رسول الله صلى الله عليه وآله في حجر علي ، وكان يوحى اليه ، فلما سرى عنه - أي الوحي - قال : يا علي صليت العصر ؟ قال : لا ، قال : اللهم انك تعلم أنه كان في حاجتك وحاجة رسولك فردها عليه فردها عليه ، فصلى وغابت الشمس.
11 - روت فاطمة عن أبيها أن النبي ( ص ) قال : " للسائل حق وان جاء على فرس ".
12 - روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال : قال رسول الله ( ص ):
" من اصيب بمصيبة فذكرها وان تقادم عهدها فأحدث لها استرجاعا احدث الله له ثواب ما وعده حين اصيب بها . . . ".
13 - روت فاطمة بنت الحسين ( ع ) عن أبيها ، قال : قال رسول الله ( ص ) : " لما اخذ الله ميثاق العباد جعل في ( الحجر ) فمن الوفاء بالبيعة استلام الحجر ".
14 - روى عبد الله بن سليمان بن نافع مولى بني هاشم ، عن الحسين ابن علي قال : قال رسول الله ( ص ) : " يا بني هاشم أطيبوا الكلام ، واطعموا الطعام ".
[143]
15 - روى أبوسعيد الميثمي قال : سمعت الحسين بن علي يقول:
قال رسول الله ( ص ) : " من لبس ثوب شهرة كساه الله ثوب نار . . . ".
هذه بعض بنود مسند الامام الحسين ( ع ) وهي حافلة بآداب السلوك وتهذيب الاخلاق التي لا غني للناس عنها.