عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

وثيقة حقوق الإنسان

وثيقة حقوق الإنسان

إذا أردنا أن نتحدّث عنها في مقر الأمم المتحدة، فإنّها تعني أن جميع الأمم اجتمعت ونظرت في نظرية حقوق الإنسان، وأقرت هذه الوثيقة على أساس أنها وثيقة تمثل حقوق الإنسان، نجد فيها نقصاً كبيراً جداً، إذا أردنا أن نقارنها بالنظرية الإسلامية وفهم الإسلام لقضية الحقوق.

مثلاً في قضية حقوق الإنسان فقط يقرّون لهذا الإنسان _ فيما يتعلّق بنفسه _ يقرّون له أنّه ليس له الحق أن يقتل نفسه، يعني قضية الانتحار، هذا أيضاً ليس من حقّه، وأمّا فيما بقي فالإنسان من حقّه أن يتصرّف في نفسه كيفما يشاء، وبالتالي يصبح هذا الإنسان في قضية الحقوق إنساناً قد صودرت بشأنه الكثير من حقوقه تجاه تصرّفه وسلوكه، لأن الإنسان في حركته يخضع أحياناً لانفعالات، ويخضع أحياناً لحالة من الجهل والسفه والغفلة، ويخضع أحياناً لحالات من الضغوط الخارجية التي تمارس ضدّ هذا الإنسان، كل هذه الأمور وثيقة حقوق الإنسان لا تأخذها بنظر الاعتبار، يقول هذا الإنسان له الحق أن يتصرّف إذا اقتضت شهواته وأن يصنع ما يشاء، من  حقّه أن يصنع ما يريد، إذا اقتضى غضبه أن يصنع ما يشاء، فمن حقّه أن يصنع ذلك، وإذا أكره في طريقة ما أيضاً هذا الإكراه يأخذ مجراه القانوني في حياة هذا الإنسان.

إلى غير ذلك من القضايا التي إذا أردنا أن ندقق فيها نجد أنها مصادرة حقيقية لحقوق الإنسان.

أما الإسلام هنا، فقد طرح مفهوم حرمة أن يظلم الإنسان نفسه، فكما أنّ الإنسان يحرم عليه أن يظلم أخاه الإنسان وأن يظلم الإنسان الآخر، والإنسان الآخر له حق في الحياة، فكذلك هذا الإنسان أيضاً يحرم عليه أن يظلم نفسه، فليس يحرم عليه فقط أن يقتل نفسه بل يحرم عليه أن يلحق الضرر بنفسه في الدنيا، وأن يلحق الضرر بنفسه في الآخرة، يعني إذا ارتكب عملاً محرماً مثلاً فهذا العمل يؤدي إلى أن يعاقب عليه في الآخرة، هنا _ في الدنيا _ لا يترتب شيء على هذا العمل لكن في الآخرة يعاقب.

القرآن الكريم يعبّر عن هذا بأنّه ظلم للنفس، بمعنى أنّه تجاوز على هذه النفس، وهكذا في مختلف مجالات الإنسان.

 

قضيّة المال

وثيقة حقوق الإنسان تعطي الحق لهذا الإنسان في أن يتصرّف بأمواله كيفما يشاء، حتى لو كان هذا التصرّف تصرّفاً سفهياً، حتى لو كان هذا التصرّف تصرفاً إسرافياً، أي يسرف في المال ولا ينفق هذا المال في محلّه، حتى لو كان هذا المال تصرّف به تصرّفاً ضررياً بمعنى أن يلحق الضرر بالآخرين، أيضاً لا يوجد هناك ما يمنع هذا الإنسان، يعتبرون هذا أمراً طبيعياً.

أما الإسلام في قضية الحقوق هنا يقول للمال حق، هذا المال أيضاً له حق، والممارسة غير الطبيعية في المال ظلم وتجاوز على العدل الإلهي في هذا المال، لأن هذا المال حقيقة خلقها الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان من أجل أن يتصرّف بها تصرّفاً تكاملياً، يؤدّي به إلى التكامل في مسيرته الحياتيّة، وإذا تصرّف في هذا المال تصرّفاً تسافلياً يؤدي إلى الإضرار في هذه الحياة والإضرار في هذا المجتمع فسيكون ظلماً وتجاوزاً على العدل من هذا الباب.

ثم طوّر الإسلام أيضاً العلاقة في قضية الظلم والعدل، قضية العلاقة بالله سبحانه وتعالى، الله هذا منعم النعم، هذا المتفضّل على الإنسان، خالق هذا الإنسان، معطي هذا الإنسان، كلّ هذا الوجود، كل هذه النعم، كل هذا الفضل، علاقة هذا الإنسان بالله سبحانه وتعالى أيضاً علاقة يجب أن تخضع للعدل ويكون فيها حقوق لله سبحانه وتعالى، ولذلك عبّر القرآن الكريم عن الشرك بالله سبحانه وتعالى أنه ظلم، بل عبّر عنه بأنه ظلم عظيم، يعني أن هذا ليس فقط ظلماً وإنما هو درجة عالية من الظلم في مقابل العدل.

فقضيّة العدل في النظريّة الإسلامية عندما نتناولها في البحث، يمكن استيضاحها من خلال مراجعة سريعة إلى «رسالة الحقوق» التي رويت عن الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه، فعندما يتحدّث فيها عن الحقوق وعلاقات الحقوق تجد أن هناك آفاقاً ومجالات للحقوق لم يتمكن هذا الإنسان في القرن العشرين _ وقد اجتمعت كل أمم هذا الإنسان من أجل أن يفكروا في هذه الحقوق _لم يتمكنوا أن يصلوا إلى هذه الآفاق في قضية العدل وفي فهمهم لقضية الظلم.

فالعلاقة بين الإنسان وأبيه تخضع لحقوق ولموازنة ولقضية عدل وظلم _ نعوذ بالله _ إذا تجاوز هذه العلاقة، العلاقة بين المؤمن والمؤمن تخضع إلى هذه الموازنة، العلاقة بين الزوج وزوجته تخضع إلى هذه الموازنة، العلاقة بين العامل وربّ العمل تخضع إلى هذه الموازنة.

وهكذا نجد أن قضية العدل وقضية الموازنة والميزان وقضية الظلم ضدّ العدل قضية قائمة وسارية في فهم هذا الكون، كل الكون.

النظرية الإسلامية هي النظرية الوحيدة التي يمكن أن تنسجم مع قضية الإمام الحجة، أي أننا عندما نفهم دائرة العدل، وسعة دائرة الميزان، واستيعابها لكل مناحي الحياة في حركة هذا الإنسان عندئذٍ يمكن أن نفهم أنّه كيف يأتي ذلك الإنسان الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، لأن قضية العدل والظلم ليست هي مجرّد قضايا حقوق الإنسان وعلاقات الإنسان بعضهم مع البعض الآخر، وإنما لها هذا المجال الواسع في حركة الإنسان.

 

والنقطة الأخرى: الانتظار

وهي التي يتميّز بها شيعة أهل البيت سلام الله عليهم، ويتميز بها أتباعهم ويفتخرون بذلك، وهذا التميز هو الذي أعطاهم فرصة أن يكونوا هم الممهدون لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، وهو الهدف الذي وضع أمام مسيرة البشرية وحركة البشرية، وهو أن تملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي أصبح هدفاً وعنواناً وشعاراً ولافتة _ كما نعبّر _ أمام مسيرة أتباع أهل البيت سلام الله عليهم.

   و«المنتظرون» صفة رئيسية يجب أن يتصف بها أتباع أهل البيت سلام الله عليهم، وهذا واجب من الواجبات الشرعية التي نغفل عنها أحياناً، بمعنى أنّ بعض الناس يعرف أنه من واجباته الصلاة والصوم والزكاة والحج والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الواجبات التي فرضها الله سبحانه وتعالى، لكن يغفل أن يكون هناك واجب آخر هو من أفضل الواجبات، وهذا الواجب هو أن يكون في حالة الانتظار لتحقق هذا الهدف الكبير المتمثّل بالإمام المهدي عجل الله فرجه.

نحن نغفل أحياناً أن نكون من أولئك المنتظرين، بالرغم من أننا نؤمن بهذا عندما يلفت نظرنا أحد ما، فصحيح أننا نرى أنفسنا هكذا لكن أحياناً نغفل عن أن نكون في هذه الحالة.

 

معنى الانتظار

معناه أن يكون هذا الإنسان منتظراً لتحقق الهدف، أي يكون منتظراً لفرج الإمام المهدي عجل الله فرجه، وقد ذكرت أن فرج الإمام المهدي سلام الله عليه لا يعني فقط أن يكون بلا منزل فيكون في منزل، أو يكون مشرداً فيرجع إلى بلده، طبعاً هذا أيضاً منه لكن لا يعني هذا المعنى، أحياناً بعض الناس يقول: ننتظر عسى أن يكون لنا فرج ونرجع إلى بلادنا، ننتظر حتى تكون عندنا منازل، حتى تكون عندي زوجة، إذا لم يكن لديه زوجة ويشعر بمشكلة من هذه الناحية.. وهكذا.

توجد مشاكل للناس كثيرة جدّاً في حياتهم وفي حركتهم فيتصوّرون أن الفرج يعني تحقق هذه الأمور. صحيح عندما تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً، لابد أن هذه الأمور تتحقق بظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، لكن القضية ليست هي هذه فقط، وإنما قضية الفرج تعني تحقق هذا الهدف الكبير، فالهدف الكبير قد يمنع الإنسان من أن يظلم نفسه، وهو ظالم لنفسه لكن غير ملتفت إلى نفسه، هذا الفرج يعني أن يمنعك من ظلم نفسك، يمنع هذا الغني من أن يسرف في المال، هذا الغني يدعو بالفرج لكن لا يعرف أن هذا الفرج يعني إلغاء هذا الظلم وتحقيق هذا النوع من العدل، وهكذا في مختلف مجالات حياتنا، الكثير منّا الآن في مجالسنا وفي مجتمعاتنا نرى بعض الناس خصوصاً هذه الليلة ليلة مباركة، ليلة توبة، ليلة لجوء إلى الله سبحانه وتعالى، ليلة استغفار، ليلة استفادة من هذه الأوقات الشريفة بالإنابة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى والعزم والندم على كل ما صدر منّا من ذنوب وآثام، نعوذ بالله من الذنوب والآثام، لكن بعض الناس، أنا لا أتكلم عن الناس الحاضرين أتكلم عن بعض الناس طبعاً الله أعلم بهؤلاء الناس، لا أريد أن أتّهم أحداً بل أتهم نفسي قبل أن أتهم أحداً من الناس، فالقضية أن بعض الناس تكون عنده هذه الحالة فيرتكب من هذه الآثام.

قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه، هو أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فيحقق العدل، بمعنى أن يمنع هذا الذي يشيع الفاحشة، الإمام المهدي عجل الله فرجه يهدف أن لا تكون هذه الإشاعة للفاحشة، أن لا يكون هذا الافتراء، أن لا يكون هذا الكذب، أن لا تكون هذه الغيبة، أن لا تكون هذه الفتنة، أن لا تكون هذه العداوات، أن لا تكون هذه الاختلافات.

إذاً قضية الانتظار تعني كل هذا المعنى، لكن تحقيق العدل المطلق يعني هذا الشيء.

فهذا الواجب الشرعي الذي يعبّر عن حالة الانتظار يعني انتظار تحقيق العدل، والانتظار لتحقيق العدل يحتاج إلى حركة يقوم بها الإنسان من أجل أن يحقق هذا العدل، لأنّ تحقيق العدل _ كما ذكرت في بداية حديثي _ ليس قضية منفصلة عن حركة المجتمع وحركة هذا الكون وحركة هذا الوجود، إنما هي حركة تكاملية، أي أنّ قضية العدل قضية تبدأ من نقطة وتتكامل من خلال المسيرة، حتى تصل إلى نهاياتها، فاذا لم يكن هذا الإنسان متحركاً في عملية الانتظار، فيصبح خارج العملية التكامليةّ، خارج هذه المسيرة، لا يكون جزءً من المسيرة.

قضية الانتظار التي هي واجب من الواجبات الشرعية التي يجب أن يتصف بها الإنسان المؤمن لافتتها وعنوانها وشعارها ومضمونها هو أن يسعى كل واحدٍ منّا إلى أن يحقق العدل الإلهي الذي يتكامل _ طبعاً هذا الحق والعدل _ في خروج الإمام المهدي عجل الله فرجه، وهذا المضمون يمتاز به شيعة أهل البيت عن غيرهم ويفتخرون به على غيرهم، ويفتخرون بهذا الامتياز _ يعني شيعة أهل البيت _ إنّما تجدون فيهم هذه الروح من التضحية، وهذه الروح من الفداء، وهذا الاستعداد للصمود، وللثبات ولمواصلة المسيرة وللصبر في هذا الطريق، الصبر الذي تجزع وتتزحزح منه الجبال أحياناً، الصبر الذي يبدو في رجال المسيرة، وفي قادة المسيرة، وفي مجاهدي هذه المسيرة، صبر عجيب في حياتهم إنما كان هذا الصبر لأنه أمامهم هذا العنوان، أمامهم هذا الشعار، أمامهم هذه الحقيقة الإلهية التي وضعها الله سبحانه وتعالى أمام أعينهم.

وقضية الإمام المهدي عجل الله فرجه يجب أن ننظر إليها من هذا المنظار والسبب، يعني إذا أردنا أن نرجع إلى التفسيرات الطبيعية، أنا قلت أنّ قضية الأدلة والبراهين قائمة وهي شيء عظيم، ولا بد من البحث لكن ليس بحثه هنا.

أُنظر إلى القضايا الطبيعية، القضية الطبيعية التي تفسّر لنا ظاهرة غريبة جداً في تأريخنا وفي تأريخ المسلمين _ وأنا أشرت أحياناً إلى هذه الظاهرة _ ظاهرة غريبة تفكروا في تفسيرها، ما هو تفسير هذه الظاهرة أن تبدأ هذه المسيرة، مسيرة أتباع أهل البيت، شيعة أهل البيت المتمسّكين بولاية أهل البيت، يبدأون وهم قلّة قليلة في تأريخ الإسلام بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، يقول بعض المؤرخين أنهم أربعة أو سبعة عشر مثلاً، أو ثلاثين، أنا لا أريد أن أحدّد عدداً، لكن لا شك أنهم كانوا قلّة مطلقة بل أقل الأقل، يعني قلّة قليلة بكل معنى الكلمة مع غض النظر عن الأعداد، لأن هذه القضايا تأريخية ليس الحديث فيها جيداً، هؤلاء كانت هذه بدايتهم.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

بعض الاعمال في عصر الانتظار
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
تطابق الحقيقة التاريخية والحقيقة الوجودية في ...
مناظرة الشيخ المفيد مع بعضهم في الدليل على وجود ...
دولة الإمام المهدي (عج) ورسالات الأنبياء
عالمية حكومة الإمام المهدي عليه السلام
الامام الهادي عليه السلام وقضاة عصره
کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
لمحة إجمالية في أدلة انقطاع النيابة الخاصة في ...
الملامح الشخصية للامام المهدي عليه السلام

 
user comment