عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

الزواج في ظل وضع إقتصادي خانق .. من يملك ثمنه

* أحمد ديركي
..نظرة ، فموعد فلقاء .. والله أعلم ما بعد اللقاء . العناصر الثلاثة الأساسية لبداية أي علاقة بين شاب وفتاة . فهذا "المذكر" يفعل ما بوسعة لإغراء المؤنث للحصول على الثلاثية المنشودة ،من جهتها فهي تغريه كما يغريها للحصول على لقاء لترشده بعدها إلى منزل ذويها كي "يطلب يدها" بالشكل التقليدي المتعارف عليه إن كانا لم يتصرفا بالشكل المتعارف عليه تقليديا أو دينيا . إلا أن الغاية القصوى عليها أن تكون محصورة في ذلك الإطار .
من هنا يبدأ الشاب ،الذي لا يفوت فرصة للتبجح بعلاقاته المتعددة مع الجنس الآخر، عندما يقرر الإستقرار بجر والديه في مهمة البحث عن عذراء" لم يقبل فمها غير أمها".. هذه العذرية الضرورية للمحافظة على إسمه ونقاوة نسله وإلا كان الأطفال مهجنين وهذا أمر لا يجوز . أما هي فتقبل بهذا العريس المستقبلي ما دام بإستطاعته تأمين مستلزمات الحياة الضرورية التي يطلبها أهلها من أهل العريس أومن العريس نفسه . هذه المتطلبات " البسيطة" والتي هي من مستلزمات الحياة الاساسية هي البيت المستقل ، وما يتضمنه من أثاث وكماليات آخرى . وطبعا من المفضل أن يتم تسجيل البيت وما يتضمنه بإسم العروس حفاظا على حقوقها عدا المقدم والمؤخر والخطبة وما يتخللها من مصاريف لترك إنطباعا جيدا يليها حفل الزفاف وتحديد مكانه وعدد المدعوين والطعام والفستان والتفاصيل الأخرى .. ليصل إلى المحطة الأخيرة المتمثلة بشهر العسل والتي عادة تكون في بلد آخر أو في منطقة آخرى . وبعد فترة تحمل العروس وتنجب الطفل الأول .. وهكذا تتكون الأسرة السعيدة التي أنجبت البنين والبنات حتى يقوم هذا الجيل _ الجيل الاول _ بتكوين أسرته .. وهكذا داوليك .
هذه هي وببساطة قصة زفاف . أمر غاية في البساطة نظريا لكنه يحمل في طياته العديد والعديد من الغرائز البشرية المعقدة والطقوس والعادات وأعباء مادية لا حصر لها .
لماذا نتزوج ؟
بعيدا عن المفهوم العاطفي أو النفسي للزواج وهو البحث عن الإستقرار أو الحاجة إلى شريك يحمي و يدعم ، فإن الزواج قائم على فكرة أساسية - غير رومنسية على الإطلاق - وهي الحفاظ على النسل ومنعه من الإنقراض .وتاريخيا ، عرف الإنسان أنواع عدة من الزواج .. والزواج هنا بمعنى العلاقات الجنسية . فكان الزواج الجماعي ، وما تبعه من تعدد الأزواج - أي إمرأة واحدة تتزوج أكثر من رجل - و تعدد الزوجات -أي أن يكون للرجل أكثر من إمرأة إضافة إلى الشكل المتدوال بكثرة وهو أحادية الزوج أو الزوجة .
فما هو الزواج ؟ .. لا يوجد تعريف واحد للزواج ، فلكل شعب تعريفه الخاص المختلف عن الآخر وإن كانت جميعها تجمع على كونه " علاقة جنسية بين جنسين مختلفين " . أما عربيا فالزاوج عقد يجب توافر عدد من الاركان لإكتماله ، وهذه الأركان هي الزوجان الخاليان من الموانع والإيجاب والقبول وطبعا هناك شروط ، أولا تعيين الزوجيين ثانيا رضاهما ، ثالثا الولي ورابعا الشهادة .
وإن كانت عادات الزواج تختلف من منطقة إلى أخرى في عالمنا العربي ، لكنها تخضع جميعها للعادات القبلية كوننا ما زلنا مجتمعات قبيلية . فالرجل هو صاحب القرار في هذه العلاقة ، وهو المسؤول عن التحضيرات ودفع التكاليف . صحيح أن زوجة المستقبل قد تشاركه الأعباء المالية في هذه المرحلة ، لكنها في الوقت عينه تملك حق الرفض خلافا للإلزام الذي يعاني الذكر منه .من هنا فإن العامل المادي هو الأساس لأي زواج .. فمن من الشباب في الوضع الحالي يمكنه الخوض في هذه الغامرة التي يعلم مسبقا عدم قدرته على تحمل مصاريفها .
أحب .. ولا أملك ثمنه
واقع لا يمكن الهروب منه ، الدول العربية كافة تعاني من مشكلة اقتصادية جعلت معظم الشباب إما عاطلون عن العمل أو عاملين وإنما غير قادرين على إعالة أنفسهم . فيجد هذا الشاب نفسه في معضلة لم يتسبب بها وإنما عليه بحلها . فهو قد تخرج من الجامعة أو لم يتخرج لا فرق ، الأساس هنا هو محاولة الحصول على وظيفة . وفي حال تمكن من الإستقرار في وظيفة ما فإن ما ينتجه يكاد لا يكفيه لإعالة نفسه .. فكيف بإعالة شخص آخر وليس عائلة في حال قرر الزواج والإنتظار قليلا أو كثيرا لبدء تأسيس عائلة .
وضع مستفحل في كل المجتمعات العربية من دون إستثناء ، وعلى الرغم من مساهمة العروس بالنفقات ومتابعة عملها بعد الزواج إلا أن هذه المساهمة تكاد تكون أشبه بشخصين إجتمعا ،كل ينتج ما يكفي لإعالة نفسه لا أكثر . الصرخات تتعالى والجهات المسؤولة ، على حد قولها ، تحاول المساعدة قدر المستطاع . فكانت القروض وإعتماد سياسة التقسيط ، والمشاريع السكنية التي تمكن الفرد من تسديد ثمنها على المدى الطويل .. أي ديون بفوائد عالية . صورة مضحكة ، شقة للعروسين ، من المرجح أن تصبح ملكهما بعد سنة أو سنتين أو عشر سنوات حين يتم تسديد ثمنها ، غسالة و تلفزيون ومكيف وأثاث منزل بالتقسيط أيضا، سيارة بالتقسيط ..
فلنقم بعملية حسابية بسيطة .. ثلاث سنوات لإمتلاك الشقة ، وسنتين للإنتهاء من ثمن " أثاث المنزل .. وربما سنتين لتسديد ثمن السيارة- وهذا الحد الأدنى المخفف جدا لسنوات التقسيط - إذن سبع سنوات من أجل التخلص من الديون . سبع سنوات من المنطقي ألا يتم الإنجاب خلالها ، لكن من يتبع هذا المنطق .فلنضف إلى هذه الديون مصاريف الحمل من طبابة وأدوية وتجهيزات للطفل وفواتير المستشفى وأقساط المدرسة .. أي أضعاف أضعاف الديون الأولى .ولا ننسى الضرائب والفواتير التي يتوجب على المواطن دفعها إلى دولته لا لسبب محدد وإنما لشكرها على نطام التقسيط والقروض والتسهيلات التي أمنت له من خلالها حياة كاملة من الكدح والجهد .. وسعادة زاخرة بالفواتير والديون التي لا يملك العمر الكاف لتسديدها فيتركها كجزء من تركته لأولاده . وإن كنت تظن أن المشاكل المادية هي الوحيدة في الزواج فأنت مخطئ تماما .
عقد الجسد .. والأهل
إن الزواج كما عرفه ميردوك في كتابه " البناء الإجتماعي" هو " مجموعة من العادات تحدد صور العلاقات بين شخصين بالغين مباح بينهما الإتصال الجنسي ، ويدخلان هذان الشخصان في نطاق الاسرة . ولا تتكون الأسرة بدونهما". أي على كل شخصين الخضوع لعادات المجتمع كي يكون الإتصال الجسدي بينهما مباح.
وبعيدا عن النظريات والتعريفات فالزواج بحدد ذاته قائم على التفاهم والإنسجام والإحترام .. وأحيانا الحب الذي قد يستمر أو قد يبدأ بعد الزواج ، وأي خلل في أي من هذه العناصر سيؤدي إلى مشاكل حتمية قد تؤدي الى الطلاق أو قد تؤدي إلى الإستمرار في علاقة فاشلة . ولا ننسى طبعا الأعباء المادية والضغوطات التي تفرضها على هذه العلاقة .
وبالعودة إلى مفهوم الزواج، فإن العقبة الأولى هي عقدة الجسد، فعلى العروس أن تكون عذراء .. وما الفستان الأبيض سوى تكريس لمفهوم العذرية والنقاوة والطاهرة . وإن كان البعض لا يهتم لعذرية الفتاة أو عدمها إلا أن الأغلبية لا تزال تعول على هذه النقطة أهمية قصوى . وبعد أن يختار الذكر الأنثى التي تناسبه وتوافق معتقداته .. يبدأ الصراع . فالفتاة تميل عادة إلى تطبيق " نظريات " أمها .. فهي الأكثر وعيا ودراية بمصلحتها . فتقدم الأم النصائح وتقوم الفتاة بإتباعها والعاقبة الوخيمة تقع على " العريس" .. فبدل إرضاء أنثى واحدة عليه بالعمل المكثف لكسب ود الأم تليها الإبنة والبقية الباقية من العائلة .الأمر الذي ينطبق على الأنثى أيضا ، فعليها الخضوع لأمتحانات مكثفة من قبل أهل العريس الذين سيستمروا -حتى حين تنجب العروس عدد من الأولاد - أن إبنهما كان بإمكانه الزواج بفتاة أفضل من " هذه" .
من هنا يحاول العروسين قدر المستطاع الرحيل بعيدا عن العائلتين -ذويها وذويه - . في حال عدم تمكنه من ذلك فتكون الكارثة .. فالمنزل الزوجي سيكون إما عند والديه ، وهو الأكثر إعتمادا ، أو عند والديها. وفي الحالة الأولى الانتقادات والتعليقات ستطالها بشكل مكثف .. وفي الثانية سيكون التذكير بفشله " المادي " أمر مفروض طوال الوقت.
الحقوق الزوجية والأسرة
الحقوق الزوجية ثلاثة أنواع .. أولا :الحقوق المشتركة وهي الإستمتاع الجنسي والمعاشرة بالمعروف ،ثانيا حقوق الزوجة على زوجها أي الرفق بها واللين معها والإحسان إليها وإكرامها والتغاضي عن أخطائها وما لا يستحسن من طباعها وتقديم المهر إليها إضافة إلى النفقات المادية ، والتي باتت الزوجة تتكفل بنفقاتها في معظم الأحيان .وثالثا حقوق الزوج على زوجته وأهمها الطاعة لأنه عماد الأسرة " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " ( النساء 34) . كما عليها رعاية شؤون المنزل والمحافظة على ماله ومراعاة أسراره . هذه هي الحقوق بشكل عام ، يحاول كل طرف جاهدا مراعاة الآخر من أجل الحفاظ على هذه العلاقة التي سعوا جاهدين من أجل إتمامها .وبعد الإستقرار الأولي تبدأ عملية تكوين الأسرة. والأسرة هي إمتداد للجذور .. فإن كانت هذه الجذور قد إجتمعت على أسس متينة مادية وعاطفية ونفسية فمن المرجح أن " الأسرة" المزمع تكوينها سترث هذه الراحة . وإن كانت الجذور قد إجتمعت على التقسيط والضغوطات النفسية وعلاقات من المستحيل أن تنجو من هموم مادية وما يتبعها بالضرورة من تعقيدات ومشاكل فإن الجذور ستشبع الأصل لا محال .
الزواج هو الغاية وهو نتيجة محتومة للبعض تطبيقه مرهون بوضع مادي بحت حتى نجاحه أو فشله مرهون به .. فالطلاق " لعدم التوافق" بات ترفا لمن قفز فوق حاجز التقسيط وإرتاح باله .. فذهب إلى المشاكل العاطفية أما القلة القليلة التي لا تجد في الزواج ما يغريها فهي إن فوتت على نفسها إحتمال سعادة أو ترسيخ نسل .. لكنها في المقابل إستغنت عن سلسلة من المشاكل التي لا نهاية لها .

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

طرق الكسب المشروع
الرجل والمرأة في المجتمع
ليالي القدر ليالي التقدير والإبرام والإمضاء
تفسير آية الوضوء
النظر إلى الحبيب يخفف الألم
الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
ما يحتاجه الطفل بعد الولادة
الظواهري: البغدادي كذّاب؛ خالف اوامرنا بعدم ...
لماذا تتغير المرأة بعد الزواج ؟
ثمان وثمانون وصية في التربية

 
user comment