ممّا لا يقبل النقاش والترديد لدي كل عارفٍ بمنطق أهل البيت(ع)وشريف أحايثهم، ولا سيما الائمة الذّين تلوا الحسين(ع) ووقعة كربلاء،وهو وجود مجاميع كثيرة ومتواترة من الروايات، تنص علي ضرورةاءحياء الشعائر الحسينية الهادفة والبنّاءة. وهي في واقعها وبمفهومهاتنبيء عن حقٍ من حقوق أهل البيت: ولا سيما الحسين بابي هووامّي، يستوجب علي شيعتهم تأدية حقّهم هذا.
ذلك بعد ما اعتبر الائمة: كما في الحديث الذي ابتدأنا به مقالنا،ميّزوا شيعتهم عن الا´خرين لكونهم منذ نشأتهم الاولي وبدء خلقتهم التيفُطِروا عليها، كانوا مع أهل البيت ومن أهل البيت طينة وعقيدة ومسلكاً.
فهكذا تأكيدات متواترة وصريحة منهم: في ضرورة اءحياءالشعائر الحسينية والاعتزاز بها، قد تجعل البعض يتصوّر، سواء من محبّيأهل البيت(ع) او من مبغضيهم أنّها حاجة ملحّة لهم يطلبونها من شيعتهم.
اي انّ هناك نقصاً أو خللاً في ثوراتهم او ذواتهم او مكانتهمالاجتماعية، لا بّدُ من اصلاحها وتكميلها وتشييدها علي يد شيعتهمومحبيّهم.
والصحيح عكس ذلك تماماً. اي انّ المؤمن اءذا اراد ان يكون شيعياًوموالياً تابعاً لسادته وائمته بمعني الكلمة، فلا بدّ ان يسير بسيرتهمويستن بسنتّهم كما حدّد ذلك امامنا زين العابدين(ع) في زيارة شهرشعبان بقوله: اللاّزِمُ لَهُمْ لاحق، لا المتقدم ولا المتأخر.
اءذن هم سلام الله عليهم باعتبارهم نوراً يستضاء بهم ومرآة ينظراليهم، نحن الذّين نحتاجهم لاءصلاح انفسنا ودنيانا، ولكي نقتبس منهمالصحيح فنتبعه ونتجنب الباطل فنحرزه. سواء في هذا الاقتباس أوالاجتناب، للتكاليف التي تكون الزاميتها شديدة كما يصطلح عليهاالاصوليون وهي الواجبات والمحرّمات، أو التي يكون طلبها اخف وهيالمستحبات ومنها اءحياء الشعائر الحسينيّه(ع) .
وامّا الفوائد الكامنة في اءحياء هذه الشعائر، فهي واءن عدّها بعضالكتّاب اءلي اكثر من عشرين فائدة، لكننا نكفّ عن ذكرها وتفصيلها فيهذا المقال لنتعرّض اءلي اصل بحثنا وهو الاءشارة اءلي اساليب المشروعةمن الشعائر الحسينية المتداولة في البلاد الشيعية. اءذ انّ هذه الشعائروالمراسيم علي قسمين:
قسم يختص بايّام احزانهم وعزائهم وهو الذي نستعرضه بصورةاجمالية ليتبيّن سبب تأكيداتهم: في ضرورة اءحياء أمرهم.
وقسم يختص بايّام فرح وسرور أهل البيت، والذي نترك بحثهلمجال آخر.
أهل البيت: والشعائر الهادفة
لتوضيح الفكرة اكثر يلزم بنا ان نشير اءلي انّ اساليب اءحياء أفراح اهلالبيت: واحزانهم، ولا سيّما الشعائر الحسنية العاشورائية منها، واءنكانت هي نابعة من صميم الحب والعشق التي يبديها الشيعة تجاه مولاهمالحسين(ع)، راحت تتخذّ وبمرور الازمنة طابعاً يتغاير وما هو المفروضعلي المؤمن الشيعي الداعي اءلي الحسين واهدافة المتعالية؛ واءن كانت هيضئيلة بالقياس اءلي جميع الشعائر وحجمها وثقلها؛ حيث نحس بالوجدانحصول تعارض بين مقولة الاءمام الصادق(ع)، والتي افتتحنا بها مقالنا وهويبدي فيها كنه استئناسه بشيعته، ويعلّق أقصي آماله عليهم حين يقول:شيعتنا منّا، وبين ما يقوم به هؤلاء القلائل المحسوبون علي خط أهلالبيت: من تقاليد وتصرّفات، لا يتفاعل بل لا يستطيع ان يتفاعل منخلالها المؤمن الشيعي مع الحسين(ع) ونهضته.
ذلك كلّه بسبب الزيادات الوافدة علي هذه الشعائر المباركة، وعليالتشيّع كمذهب حقّاني، صارت سبباً للاستخفاف والسخرية من قبلالمخالفين والاعداء.
هذا في الوقت الذي ليس لاتباع أهل البيت(ع) حاجة ماسة لاءثباتحقّانيتهم ومظلوميتهم من خلال هذه الزيادات المشينة للمذهب، بعد ماتوجهم الباري بفضائل ومكارم تغنيهم عنها.
وامّا بالنسبة لهذه الشعائر واساليبها المشروعة والمجازة والمعقولةالتي ورد بشأنها نص من قبل الشارع المقدّس، فلو راجعنا كتب الحديثوالزيارات والسير، وتمعنّا فيما نقل عن ائمتنا وكيفية تعاملهم مع الثورةالحسينية، وكذا ماسنّه علماؤنا الاعلام وصنّفوه في هذا الحقل،لاستطعناان نقسم وظيفة المؤمن الشيعي تجاه ولي نعمته الحسين(ع)، واحداثمحرّم وصفر اءلي صنفين من الشعائر والممارسات:
أوّلاً، الممارسات والشعائر الفردية التي يستطيع ان يقوم بها كل فردشيعي حتي لو كان يعيش لوحده ومن دون الاستعانة باخوته الا´خرين.
ثانياً، الممارسات والشعائر العامّة والتي يلزم فيها تشريك مساعيمجموعة من الموالين للحسين(ع) .
وغرضنا من هذا التقسيم الابتكاري هو أنّ المؤمن الشيعي اءذا كانمعذوراً من القيام بالممارسات العامّة التي لها طابع جماهيري علني، وهويعيش في اجواء اغلبية اهلها من المخالفين او الشرورين، والذي تفرضعليه التقية والاحتياط، فلا يوجد عليه هناك مانع اءذا ما قام بالممارساتالفردية أو أكثرها ونال اجرها، دون ان يتحسس بذلك الا´خرون.
الشعائر الحسينية العامة
1ـ اقامة مجالس العزاء طيلة شهري الاحزان محرم وصفر، فهذهالمجالس المباركة واءن كانت بالنظرة العابرة تتكّون من عناصر ثلاثة:المكان الذي يعقد فيه المجلس، والخطيب والراثي الذي يحيي المجلسبحديثه، والجمهور الذّين يعظم المجلس بحضورهم، لكنّها في واقع الامرتنتج منافع نذكرمنها فائدتين:
الف ـ بما ان هذه المجالس الحسينية شعيرة من شعائر الدين، فجمعالمشاركين في اءحيائها يقصدون نيل الثواب وكسب الاجر من اقدامهملها. لاسيّما وانّ النصوص الروائية لاهل البيت: تثبت حضور ارواحالائمة وخصوصاً السيدة فاطمة الزهراء في هذه المجالس. كمؤيد لذلكهو سؤال الاءمام الصادق(ع) من فضيل بن يسار حين سأله: اتَجْلُسُونَوَتَتَحدّثُونَ؟ قال: نعم، قال الاءمام(ع): اما والله اءنيّ لاحُبَّ تلْكَ المجَالِسَفَاَحْيُوا امْرنا.
ب ـ هذه المجالس واءن كانت كثيرة كما اسلفنا، ولكن اهمّها ما يجبان تكون مدرسة تربوية، تقدّم خلالها الحلول البنّاءة لما يمرّ علي عالمناالاءسلامي من مشاكل ومحن. وهذا هومضمون كلام الاءمام الصادق(ع)لفضيل: اءنَّ حَدِيثَنا يُحْي القُلُوب، بل وهناك الكثير من الوقائع تدلّ علياءحياء قلوب حتّي غير المسلمين بتأثير الشعائر الحسينية ولاسيما مجالسعزائه سلام الله عليه.
2ـ المشاركة في المسيرات العزائية الحاشدة؛ فهي وان كانت التقاليدالمرسومة فيها تختلف باختلاف البلدان الشيعيّة وتوجّهات ساكنيهاومدي تعاطفهم مع أهل البيت(ع)، لكنها جميعاً سواء التي يجيزها الفقهاءأو التي ينظرون اليها بنظرة الاحتياط يمكن تفسير فوائدها واهدافها اءليتفسيرين:
الف ـ اءنّها استجابة علنية لصرخات الحسين(ع) واستغاثاته المتكرّرةمنذ ان خرج من مكة وحتي ان التحقق بالرفيق الاعلي. فاءقامة الشيعةوعلي مرّ العهود لهذه المسيرات العزائية يثبت ولاءهم للاءمام الحسين(ع)الذي كلّما استنصر الناس في زمانه لم يجيبوه، امّا المتأخرون عنه فأجابوهبهذه التقاليد والمراسيم الولائية والعاطفية.
يقول امامنا الصادق(ع): رَحِمَ الله شِيعَتِنا شَيعَتنا وَاللهِ هُمُ المُؤمِنُونَ.فَقَدْ وَاللهِ شَرَكُونا في المُصيبة بطُول الحُزْن والحَسْرَة.
ب ـ اءنها اءعلان استعداد صريح لاستقبال اءمام زمانهم الموعود، والذيهو من اجل تكوين حكمه الاءسلامي العادل بحاجة اءلي جند أوفياء. فهذهالمسيرات العزائية تعتبر بيعة وانقياداً رسمياً منهم لاءمام زمانهم الحي بعدان حرموا من تقديم بيعتهم للاءمام الحسين(ع) الشهيد بكربلاء.
ولذلك لا يغالي الكثير منهم حين يخاطب الحسين(ع) قائلاً: ياليتناكنا معك .
فالشيعي المشارك في هذه المراسيم لووضع هذين الهدفين، اي اءجابةصرخات الحسين(ع) الماضية والمبايعة لحكومة الاءمام المنتظرالمستقبلية نصب عينه؛ لعرف كيفية التعامل مع الاحداث السياسيةوالاجتماعية التي تمرّ عليه بين الفترتين الماضية والمستقبلية. وما اتخاذالطغاة الاساليب القمعية لاستئصال هذه الظاهرة الجماهيرية علي مرّالدهور اءلاّ مصداقاً بارزاً لخطورتها وبسالة روادها. وهو ما اكده الاءمامالخميني بعد تكوينه للحكومة الاءسلامية في اءيران بقوله مراراً: احيواعاشوراء فأن كلّ مالدينا هو من محرم وصفر.
3ـ اءطعام المؤمنين وسقيهم ولا سيّما اصحاب العزاء منهم في مثلهذه المناسبات وذلك:
أوّلاً، بسبب الجهد والعناء اللذين يبذلهما المعزّون في مثل هذهالمناسبات والايّام؛ حيث بالضرورة الوجدانية والاخلاقية يستلزم عليالا´خرين الترفيه عنهم وتسلية فؤادهم المفجوع بشتي الطرق؛ منها:اشباعهم واءرواؤهم وهم بتلك الحالة.
كما في كتاب المحاسن للبرقي لمّا رجعت نساء الحسين(ع) للمدينةاقمن حرائر الرسالة المأتم علي سيّد الشهداء. ولبسن المسوح والسواد،نائحات الليل والنهار والاءمام السجاد يعمل لهن الطعام.
وثانياً، للنصوص الواردة في فضل الاءنفاق علي الا´خرين. فما افضلمن ان ينفق الاءنسان الشيعي علي ابناء مذهبه الذّين يسعون من أجلتعظيم شعائر الله بكلّ ما اوتوا من قوة مشاعر.
افديكم آل النبي بمهجتيوابي وابذل فيكم الاموالا
ارجوكم لي في المعاد ذريعةًوبكم افوز وابلغ الا´مالا
ففي هذا المجال الدال علي حبّ الاءنسان المؤمن لسادته أئمة أهلالبيت(ع) لابأس لاستشهاد بموقف النبي6 مع صديقات زوجتهخديجة بعد رحيلها؛ فالمعروف أنّ النبّي كلّما ذبح شاة قطعها ثمّ بعثباوصالها اءلي صديقات خديجة وذلك حبّاً وكرامة منه لها.
فما اعظم من محبوبنا الحسين(ع) اءذا قدّمنا من اجله شيئاً من اموالنا،وذلك بالاءنفاق علي شيعته ومحبيه وزواره!
وهذا الامر هو الذي دفع اءمامنا الصادق(ع) بالدعاء والترّحم عليشيعته الباذلين والمنفقين قائلاً: اللّهُمّ اغْفر لي ولاِخْواني وزوّار قَبْر جدّيالحُسَين الذيِنَ انْفقوا امْوالهُم واشخصوا ابْدانهُم رغبة في بّرنا.