فارسی
پنجشنبه 06 ارديبهشت 1403 - الخميس 15 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

المقدّمة

ما من شكّ من ان ابرز الظّواهر التّاريخية ، الّتی واكبت الحياة الانسانية جمعاء هی الرّسالات الالهية الّتی جاء بها الانبياء المرسلون ، اولئك الذين منحهم الله الرّشد والكمال ، واختارهم لينقذ بهم البشرية من مختلف المهالك والاخطار .

وهؤلاء الانبياء هم اكمل الناس وامثلهم من وجهة العقل والبصيرة والايمان ، ومن وجهة العمل والاخلاق والسلوك وقد اعطاهم الله ميزة العضمة فی جميع ابعاد حياتهم الرسالية المثقلة بالمعضلات .

وقد جعل الله سبيل الانبياء هو السّبيل الاقوم ، والصراط ، المستقيم الّذی هدی إليه الناس ووصّاهم به .

ولم تستطيع البشرية ـ عبر التاريخ كلّه ـ انسان تثبت استغناها عن الانبياء كما لم تستطع ان تثبيت ذلك الی آخر يوم من حياتها اذ الانبياء هم المصابيح التی تضيئی طريق الناس ، وتنير نفوسهم وتحيی فيهم الحبّ والحياه . وهم الذّين يستجيبون لحاجاتهم المعنويّة : والتربويّة ، ويعلّمونهم الحكمة ويزكّونهم ، ويهدونهم الی طريق الحقّ والصّواب والانبياء هم الذين وهبو الناس الحياة ، وصقلوا ارواحهم ، وشحذوا مواهبهم ، وايقظوا فطرتهم ، وامروهم بالمعروف ، ونهوهم عن المنكر .

فالحياة التی لا تتّصل بمنبع النّبوة ليس لها قيمة ، والتاريخ الذی لا يستنير بهدايتهم قد ملأت بالظّلمة .

والمجتمع الذی حرمت اعماقه من الدين ، وخلا محتواه من الوحی ، فانّ الانسان الذی يعيش فيه دابة شريرة ، وحيوان مفترس ، بل هو اضلّ من ذلك .

وفی ايّه مدرسة رساليّة توجد النماذج المثاليّة من الناس ، كما يتواجدون ، فی ساحة الانبياء ، وفی مدارسهم الالهيّة . وانّی توجد معالم الفضيلة والنّور ، والاصالة والشّرف ، والمعرفة والواقعيّة والوعی والبصيرة والصّدق والفلاح ، والحكمة والانسانية المثلی : ما لم يكن مبدءه ولا منتهاه الانبياء ورسالاتهم .

فانّ الانبياء هم معين العلوم الماديّة والمعنويّة واذا ما استثنينا هولاء العمالقة ، ونحيّنا بآثارهم ودورهم ، ورسالاتهم السماوية التی بعثوا لها ـ عن حياة المجمتعات فی العالم فاننا لم نجد حضارة انسانيّة تستحقّ الذّكر والبقاء .

ويستحسن بنا ان تستشهد ـ فی هذا الصدد ـ باقوال سيّد الموحدين ، و امام العارفين  ، و قطب رحی الواصلين  : اميرالمؤمنين (عليه السلام) فی تمجيد الانبياء ، وتثمين دورهم فی اعداد البشريّة صياغتهم وتغذيتهم بالوحی والهداية :

« واصطفی سبحانه من ولده انبياء ، اخذ علی الوحی ميثاقهم وعلی تبليغ الرسالة امانتهم ، لمّا بدّل اكثر خلقه عهدالله اليهم ، فجهلوا حقّه ، واتخّذو الانداد معه ، واحتالتهم الشياطين عن معرفته ، واقتطعهم عن عبادته فبعث فيهم رسله ، و واتراليهم انبياءه ، ليستادوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسّی نعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتّبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول »(1) .

اجل . . انّ الانسان ـ كما صوّره امام العاشقين ـ حينما لا يرتبط بالله فانه يستوثق بالشيطان ، وحين لا يكون له نصيب من المعرفة الالهيّة فانه يصاب بركود العقل وجموده ، حيث يكون عمله إذ ذاك عملاً شيطانيّاً ، وسلوكه سلوكاً حيوانيّاً لا محالة .

فانّ الامام علی (عليه السلام) انّما يعلن . فی نهجه ما يرجوه ـ للبشرّيه من خير وصلاح حين يقول :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ نهج البلاغه : خطبه 1 ; بحار الانوار : 11/60، باب 1 ، حديث 70 .

« نسأل الله منازل الشهداء ، ومعايشة السعدّاء ومرافقة الانبياء »(1) .

وحقّاً انّ السعادة تمكن فی طريق الشّهادة ، فانّ الحياة الواقعيّة وحياة السعداء انّما هو فی مرافقة الانبياء واتّباعهم ، والانقياد لهم .

وقد خطب سيّدالشهداء والمظلومين ، وقدوة المبارزين ، وروح المجاهدين ، وعشق العاشقين ونورالعارفين ، ومقصد السّالكين ، الامام الحسين (عليه السلام) ليلة عاشوراء فی صفوة اصحابه المجاهدين فی سبيل الله وفی خلال خطبته تلك الّتی صدح بها وهی لم تكن الاّ قول الحقّ ، وقد خرج من فم الحسين (عليه السلام) وهو يجسّد فيها انّ كرامته علی الله ، وكرامة اهل بيته واصحابه ما هی الاّ من كرامة النبوة والرسالة ، صادعا بذلك وهو ـ يومذاك علی قمّة التاريخ ، وقُلّة الانسانية المثلی :

« اثنی علی الله احسن الثناء ، واحمده علی السرّاء والضرّاء اللّهمّ انّی احمدك علی ان اكرمتنا بالنّبوة ، وعلمتنا القرآن ، وفقّهتنا فی الدّين ، وجعلت لنا اسماعاً وابصاراً وافئدة ، فاجعلنا من الشاكرين »(2) .

وقد بعث الانبياء ليعالجوا امراض المجتمع المادّية والمعنويّة ، الفردية منها والاجتماعيّة ، من حيث الاسرة والمحيط العام وليصلحوا عقائد الامم ويصحّحوا اعمالهم ويهذّبوا اخلاقهم ونفوسهم ، ولم يالوا جهداً فی اداء رسالتهم هذه ولم يدّخروا وسعاً فی ان يضحوا من اعماقهم فی امتثال البشرية من براثن الجهل والشقاء اذ وقفوا مواقفهم الصلاة امام الاحداث الجسمية والقوی الشرّيرة المضادة لحركتهم ، فدكوا صروح الجبابرة من امثال : قارون ، وسلاطين الجور والشياطين الماردين ، وعبدة الدّنيا فی حين لم يتوقّعوا جزاء ولا شكورا حيال خدماتهم هذه ، وما بذلوا فی سبيل انقاذ البشيرية من هوّة الذلّة والمسكنة والاسر وكان الاجر الوحيد الّذی يتوقّعونه من الناس هو اتّباع سبيلهم ، والجری علی هديهم ، واحياء دين الله ، والاستقامة فی العقيدة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ نهج البلاغه : خطبه 23 ; كافی : 5/57، باب الامر بالمعروف، حديث 6 .

2 ـ ارشاد: 2 / 91 ; بحارالانوار: 44 / 392، باب 37.

( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَی رَبِّهِ سَبِيلاً )(1) .

وقد جاء فی نهج الامام علی (عليه السلام) ما يرجع الی الانبياء (عليهم السلام) قوله :

« بعث الله رسله بما خصّهم به من ، رحمته وجعلهم حجّة له علی خلقه لئلاّ تجب الحجّة لهم بترك الاعذار إليهم ، فدعاهم بلسان الصدّق إلی سبيل الحقّ »(2) .

كما صوّر للمسلمين معطيات البعثة النبوّية ، وما كان قد اصيب به الناس من الشقوة والضّلالة والانحطاط قبل ذلك ، حيث يقول :

« واشهد انّ محمّداً عبده ورسوله ، ارسله بالدّين المشهور والعلم المأثور ، والكتاب المسطور والنّور الساطع ، والضّياء اللاّمع ، والامر الصّادع ، ازاحة للشّبهات ، واحتجاجاً بالبيّنات وتحذيراً بالايات ، وتخويفاً بالمثلات ، والنّاس فی فتن انجذم فيها حبل الدّين ، وتزعزعت سواری اليقين ، واختلف النجر وتشتّت الامر وضاق المخرج ، وعمی المصدر فالهدی خامل ، والعمی شامل ، عصی الرّحمن ، ونصر الشّيطان وخذل الايمان ، فانهارت دعائمه ، وتنّكرت معالمه ، ودرست سبله ، وعفّت شركه اطاعو الشيّطان فسلكوا مسالكه ووردوا مناهله . . . »(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ الفرقان (25) : 57 .

2 ـ نهج البلاغه: خطبه 144 ; شرح نهج البلاغه : 9/84 ; بحار الانوار : 5/315، باب 15، حديث 11 .

3 ـ نهج البلاغه: خطبه 2 ; شرح نهج البلاغه : 1/135 ; بحار الانوار : 74/333، باب 14 حديث 19 .

الله والمعاد

ولم يالوا الانبياء جهداً فی تبليغ ما يرشد الناس الی الله وما يصل بهم إلی رشدهم وكمالهم ، وكان من اهمّ هذه العلل ، العوامل : تلك التوجيهات والهدايات التهذيبيّة ، والقوانين الالهية البُنّاة الّتی ظلّت تلمع فی حياة الانسان وتاريخه ، ذلك : لأنّ الانسان كما هو مهدد من جانب المخاطر الخارجيّة الّتی تحيط به فانّه مهدّد ـ كذلك ـ من جانب المخاطر النفسيّة الكامنة فيه ، ولذلك فهو بحاجة ملحّة إلی قوّة قاهرة تيكئ ، عليها فی سبيل الوصول إلی سعادته الدنيويّة والاخرويّة والی ما ينجيه ، علی ضوء ما جاء به الانبياء الكرام ، ودعوا إليه .

ولهذا : فانّ الانبياء قد ركزوا علی مسألتين اساسيّتين لصيانة البشرية عامة وهما :

الف ـ المبداء : ای وجود الله تبارك وتعالی ، وما يتّصف به من صفات . ب ـ المعاد : وما يترتّب عليه من الثّواب والعقاب علی الاعمال .

المسألة الاولی : انما تبتنی علی اساس انّ انبياء الله قد بيّنوا الرشد من الغیّ ، وميّزوا الحقّ من الباطل ، والحلال من الحرام ، وما يرجع إلی ذلك فی الشؤون الماديّة والمعنويّة وكان الضّمان لكلّ ذلك هوالاعتقاد بالله ، والاذعان بالرقابة الالهيّة وانّ العباد ما لم يجعلوا الله نصب اعينهم لا يمكنهم التعبّد بما جاء به الانبياء ، ولا اداء ما حملوا بها من واجبات ، اجل ، لا يمكن ان تتعبّدوا بكلّ ذلك ما لم يعتقدوا باله سميع بصير محيط شهيد وهو علی كلّ شیء قدير ، وهو يحيط بعلمه وقدرته لا يخلو منه مكان ، لئلاّ يجد الانسان ما يخرجه من سلطانه وحكمه ، ليتسنّی له ان يعصی الله تعالی ، أو يضرب بفروضه تلك عرض الجدار .

ذلك اله عالم بكلّ ما يرتبط بالانسان من شؤون ذاتيّة وخارجيّة لا يعزب عنه شی من ذلك ، وهو يراقب افعاله وحركاته كما يقول اميرالمؤمنين فی دعائه لكميل .

« وكلّ سيّئة امرت باثباتها الكرام الكاتبين ، الذّين وكّلتهم بحفظ ما يكون منّی، وجعلتهم شهوداً علیّ مع جوارحی، وكنت انت الرّقيب علی من ورائهم ، والشاهد لما خفی عنهم . . . »(1) .

وكان من هذا المنطق ضرورة الشّخوص الی الله ، وذكره فی كلّ لحظة من لحظات الحياه ، حيث قال الامام السادس (عليه السلام) فی جواب رجل يسأله : ( علی ما ذا بنيت امرك ) اذا جاء به باجوبة اربع ، كما احدها :

« علمت انّ الله مطّلع علی فاستحييت »(2) .

اجل كنت اجدانّه لا يخلو منه مكان ولا يعزب عنه شی ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة الاّ ويحصيها ، فصدّنی حيائی عن ان اعصی الله طرفة عين ابدا .

ولهذا . . . فقد وردت فی الاحاديث المعتبرة مسألة ذكر الله تعالی فی احسن تفاسيره : انّ ذلك امنع حصن ، واقوی ضامن لامتثال الطاعة ، وترك المعصية .

وعن أبی عبدالله (عليه السلام) حيث قال :

من أشدّ ما فرض الله علی خلقه ذكر الله كثيراً ثمّ قال : لا اعنی سبحان الله ، والحمدلله ، ولا اله الاّ الله ، والله اكبر ، وان كان منه ، ولكن ذكر الله عند ما احلّ وحرّم ، فان كان طاعة عمل بها ، وان كان معصية تركها(3) .

وعلی اساس هذا الواقع القرآنی الملموس : ادلی الزعيم القائد امل المستضعفين والمضطهدين فی العالم ، امام الامة الخمينی الكبير روحی فداه ـ فی كلمة عرفانية تربوية:

( العالم ماثل امام الله لا تعصوا الله امامه ) .

وذلك كما يقول القرآن الكريم :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ مفاتيح الجنان .

2 ـ مستدرك الوسائل : 12/172 ، باب 101 ، حديث 13806 ـ 15 ; بحار الأنوار : 75/228 ، باب 23 ، حديث 100 .

3 ـ كافی: 2/80، باب اجتناب المحارم، حديث 4 ; وسائل الشيعه : 15/252، باب 23، حديث 20428 .

( وَإِن كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ )(1) .

اذ لو وجد الانسان فی كلّ حين نفسه محضراً عندالله فسوف لا يسمح لنفسه تفوته طاعة من طاعاته ، أو يتأتّی له ان يقترف شيئاً من حرماته .

والمسألة الثانية : الّتی صدع بها الانبياء وهی تكفّل وتضمّن شؤون الانسان التربويّة وتقيده بمعرفة الحلال والحرام ، هو توجيه الانسان إلی الاذعان بالمعاد ، ذلك الذی اخبر عنه الباری تعالی فی جميع كتبه السماويّة ، وعلی الاخضّ فی القرآن الكريم ، الّذی بسط فيه هذه العقيدة ، بعد ان صدع به جميع الانبياء تباعاً ، وهم 124000 نبّی عدا الائمة المعصومين (عليهم السلام) .

ومسألة العدل القائم بالله نتلمس آثاره فی عالم الخليقة كلّها ولذلك يقتضی ان يكون من وراء هذا العالم المادّی المحدود عالماً ابديّاً يجزی فيه المحسنون علی احسانهم ، ويعاقب فيه المسيئون علی اساءتهم .

وما من شكّ : انّ انكار المعاد هو انكار لكلّ الشؤون والمعطيات الالهيّة بل المثل الانسانيّة العليا جمعاء .

فهل هناك من يرتضی للانبياء العظام من امثال ابراهيم ، وموسی وعيسی والرّسول الاكرم واميرالمؤمنين ، والائمة الميامين (عليهم السلام) ان يجزون علی عظيم سعيهم وعبادتهم ، وما تحملوه من الاذی فی سبيل انقاذ اممهم من شرك الشيطان ، وشرور النّفس الامّارة بالسّوء ، ومن الهلكة ، والترّدی، اجل هل يجد ربّهم من بعد هذا العنت والجهاد ان تطوی صفحات حياتهم ، وهم لا يجزون علی قليل من اعمالهم ، أو يجزون قليلاً علی اعمالهم الجبّارة تلك .

وهل هناك من يقنع بهذا . . ان يهلك فرعون ونمرود وشدّاد ، وهيروديس ، وقوم عاد وثمود واشباههم ، وابو لهب وابوسفيان ، ومعاوية ويزيد ، وبهلوی وهتلر ، وچنگيز وتيمور ، وآتيلا ونرون ، وما كياولی ، وكارتر ، وريگان ، وبگين و صدّام ودايان وغيرهم ، ممن عاشووا فی الملذّات وجمعوا الثروات ، وافظع من ذلك ابّهم نهبوا اموال العباد ، سفكوا دماءهم وهتكوا اعراضهم ، وقد طويت صحائف حياتهم ، ولم ينالوا جزاء ماقترفوا من ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ يس (36) : 32 .

اجل ، بما ذا توازن اعمال النّاس وتضحياتهم ، ممن نذروا انفسهم لله وهل تسع الدنيا كلها ظرفا الجزاء بعض اعمالهم ، اضف الی ذلك الشهداء الّذين سلكوا سبيل الحقّ ، والتضحية ، وكذلك الجبابرة والجناة الذين قتلوا الناس ، واستعبدوهم ، فهل يمكن ان يجزون علی سفك دم واحد من الابرياء فی هذا العالم الضيق المحدود .

المعاد فی القرآن وادلّتها

وحقاً انّه لم يبق موضع لانكار المعاد ، ويوم القيامة ، وفی القرآن الكريم دلائل جلّية محكمة فی ايمان النّاس به ، وهذه الآيات انّما هی نمازج حيّة من القرآن تجّسد لنا حقيقة المعاد وماهيّته .

وهذه الآيات دلائل متينة فی مسألة المعاد فی القرآن :

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِی رَيْب مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِن مُّضْغَة مُّخَلَقَة وَغَيْرِ مُخَلَّقَة لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِی الاَْرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَی أَجَل مُّسَمّیً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّی وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَی أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْم شَيْئاً وَتَرَی الاَْرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْج بَهِيج * ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِی الْمَوْتَی وَأَنَّهُ عَلَی كُلِّ شَیء قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ

آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن فِی الْقُبُورِ )(1) .

( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاُْولَی فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ )(2) .

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِن سُلاَلَة مِن طِين * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِی قَرَار مَّكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ )(3) .

( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )(4) .

( أَوَلَمْ يَرَ الاِْنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَة فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِی خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِی الْعِظَامَ وَهِی رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِی أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ * الَّذِی جَعَلَ لَكُم مِنَ الشَّجَرِ الاَْخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَ لَيْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضَ بِقَادِر عَلَی أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَی وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ )(5) .

( لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَن لَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَی قَادِرِينَ عَلَی أَن نُّسَوِّی بَنَانَهُ )(6) .

( قُتِلَ الاِْنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَی شَیء خَلَقَهُ * مِن نُطْفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ الحج (22) : 5 ـ 7 .

2 ـ الواقعة (56) : 62 .

3 ـ مؤمنون (23) : 12 ـ 16 .

4 ـ بقره (2) : 28 .

5 ـ يس (36) : 77 ـ 81 .

6 ـ القيامة (75) : 1 ـ 4 .

السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ )(1) .

وكثير من امثال هذه الآيات الكريمة الّتی تطرح مسالة المعاد والقيامة علی اساس متقن ومتين من الاستدلال والبداهة ، حيث لم يبق أی مجال لانكار حقيقة العدل بعد انقراض هذا العالم ونهايته .

موقف الانسان من فناء العالم وما بعده

لا ريب انّ اولئك الذين يلازمون الصراط المستقيم ولا يشاققون الله تعالی والذين يجتنبون كبائر الاثم والعصيان ، ويجعلون انفسهم عبادالله ، وهم بامره يعملون ويؤدّون ، مسؤولياتهم الفرديّة والاجتماعيّة والعائليّة وهم كما تقول هذه الآيات يرون يوم مماتهم يوم حياتهم ، ينتقلون به من عالم محدود الی عالم ابدی ويرون انفسهم يسيرون الی الحقّ واليقين ، فانّ ساعة الموت عندهم هی نهاية الهجران وغاية وصول العاشق الی معشوقه .

وقد المح القرآن الكريم الی هذه الحقيقة فی عدة آيات ، وعلی هذا الاساس نری انّ عباد الله المخلصين ، وعشّاق الفضيلة يتوقون الی لقاء هذه السّاعة الحبيبة اليهم .

« والله لابن أبی طالب آنس بالموت من الطّفل بثدی امّه »(2) .

« فزت وربّ الكعبة »(3) .

« اذاً لا نبالی بالموت »(4) .

وغير ذلك من امثال هذه الكلمات التی اثرت عن اولياءالله ، وهی تدلّ علی مسيرتهم فی لقاء الموت .

ويصرح القرآن الكريم علی هذا الصعيد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ عبس (80) : 17 ـ 22 .

2 ـ نهج البلاغه : خطبه 6 .

3 ـ شرح نهج البلاغه : 9/207 .

4 ـ مثير الأحزان : 44 ; بحار الأنوار : 44/367 ، باب 37 .

( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ )(1) .

( وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )(2) .

( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهَ فَضْلاً كَبِيراً )(3) .

( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْق عِنْدَ رَبِّهِمْ )(4) .

وامّا موقف المسیء غير التائب والمتوغّل فی غيّه وعماه ، ومن ظلّ اسير الهوی والنّفس .

الامارة بالسّوء فانّه يشعر الفناء بالموت ، ويفرمنه فرار المغزی من الذئب كما يذكر ذلك القرآن الكريم ، والاحاديث المأثورة ، وهی الّتی تصوّر شعور المؤمن وغير المؤمن بالموت .

وقد ورد فی الحديث انّه سئل عن الحسن بن علی(عليهما السلام) ما الموت الذّی جهلوه فقال :

« اعظم سرور يرد علی المؤمنين اذ نقلوا عن دار النكد الی النّعيم الابد ، واعظم ثبوراً يرد علی الكافرين اذ نقلوا عن جنتهم الی نار لا تبيد ولا تنفد(5) .

وقال الحسين (عليه السلام) :

« انّ أبی حدّثنی بذلك عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ بقره (2) : 25 .

2 ـ بقره (2) : 223 .

3 ـ أحزاب (33) : 47 .

4 ـ يونس (10) : 2 .

5 ـ معانی الاخبار : 288، باب معنی الموت، حديث 3  ; بحار الانوار : 6/154، باب 6، حديث 9 .

والموت جسر هؤلاء إلی جنّاتهم ، وجسر هؤلاء إلی جحيمهم ، ما كذبت ولا كذبت »(1) .

وقيل لعلّی بن الحسين (عليهما السلام) :

ما الموت ؟ قال : لمؤمن كنزع ثياب وسخة قملّة ، وفكّ قيود واغلال ثقيلة والاستبدال بافخر الثياب واطيبها روائح ، واوطأ المراكب ، وآنس المنازل ، وللكافر كخلع ثياب فاخرة ، والنّقل عن المنازل الانسته والاستبدال باوسخ الثياب واخشنها ، واوحش المنازل واعظم العذاب(2) .

وقيل لمحمد بن علی الباقر (عليهما السلام) :

ما الموت : قال هوالنّوم الذی ياتيكم فی كلّ ليلة الاّ انّه طويل مدّته لا ينتبه الی يوم القيامة ، فهم من رأی فی منامه من اصناف الفرح ما لا يقادر قدره ومنهم من رآی فی منامه من اصناف الاهوال ما لا يقادر قدره ، فكيف حال فرح فی النوم ووجل فيه هذا هو الموت فاستعدّوا له(3) .

وقال رجل لابی ذر (رحمه الله) : ما بالنا نكره الموت فقال : لانّكم عمرّتم الدّنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون ان تنقلوا من عمران الی خراب وقيل له كيف تری قدومنا علی الله قال:

امّا المحسن فكالغائب يقدم علی اهله ، وامّا المسیء فكالابق يقدم علی مولاه قيل فكيف تری حالنا عندالله : قال : اعرضوا اعمالكم علی الكتاب ، انّ الله عزّوجلّ يقول :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ معانی الاخبار: 288، باب معنی الموت، حديث 3 ; بحارالانوار: 44 / 297، باب 6، حديث 9 .

2 ـ معانی الاخبار: 289، باب معنی الموت، حديث 4 ; بحار الانوار : 6/155، باب 6، حديث 9 .

3 ـ معانی الاخبار 289، باب معنی الموت، حديث 5 ; بحارالانوار: 6 / 155، باب 6، حديث 9 .

( إِنَّ الاَْبْرَارَ لَفِی نَعِيم * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِی جَحِيم )(1) .

قال الرجل : فاين رحمة الله ، قال ، رحمة الله قريب من المحسنين(2) .

اجل . . انّ ذكر الموت ، والامعان فيما بعد الموت والبرزخ وعقباته واهواله ، ونفخ الصور والخروج من القبور ، واهوال المحشر والورود فيه ، والمثول بين يدی الله ، والوقوف امام المحكمة الالهيّة العادلة انّما هو افضل داع للعبودية ، وامتثال اوامر الله ، والتنكّب عن معاصيه .

ولذلك نقرأ فی كلمات الحكماء : ان التّفكير فی الموت من اهمّ العوامل التهذيبيّة المؤثرة فی وجود الانسان .

فجدير بمن الموت مصرعه ، والتراب مضجعه ، والدّود انيسه ومنكر ونكير جليسه ، والقبر مقرّه ، وبطن الارض مستقرّه ، والقيامة موعده والجنّة والنّار مورده ان لا يكون له فكر الاّ فی الموت ، ولا ذكر الاّ لاجله ولا تطّلع الاّ اليه ، ولا تعرج الاّ عليه ، ولا اهتمام إلاّ به ، ولا حوم الاّ حوله ، ولا انتظار ولا تربّص الاّ له .

وحقيق ان يعدّ نفسه من الموتی ، ويراها فی اصحاب القبور ، فان كلّ ما هوات قريب والبعيد ما ليس بآت . وقد قال (عليه السلام) :

« الكيّس من دان نفسه ، أی يحاسبها وعمل لما بعد الموت »(3) .

ولن يتيسّر الاستعداد لشی الاّ عند تجدّد ذكره علی القلب ، ولا يتجدّد ذكره الاّ عند التذكّر بالاصفاء الی المذكّرات له ، والنّظر فی المنبّهات عليه .

وقال النّبی (صلی الله عليه وآله) :

« اكثروا ذكر هادم اللّذات الموت »(1) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ انفطار (83) : 13 ـ 14 .

2 ـ كافی :2 / 458، باب محاسبة العمل، حديث 20 ; بحار الانوار : 6/137 ، باب 4، حديث 42 .

3 ـ مستدرك الوسائل : 12/155 ، باب 95 ، حديث 13762 ـ 6 ; مجموعه ورام : 1/64 باب العتاب .

وقال عطاء الخراسانی: مرّ رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) بمجلس قد استعلاه الضحك فقال : شوبوا مجلسكم بذكر مكدّر اللّذات قالوا : وما مكّدر اللّذات ، قال الموت(2) .

وسئل (صلی الله عليه وآله وسلم) : من اكيس النّاس واكرم النّاس يا رسول الله فقال :

« اكثرهم ذكراً للموت ، واشدّهم استعداداً له اولئك هم الاكياس ذهبوا بشرف الدّنيا وكرامة الآخرة »(3) .

وفی الكافی عن ابی عبيده قال : قلت لأبی جعفر (عليه السلام) : حدّثنی ما انتفع به ، فقال :

« يا أبا عبيده اكثر ذكر الموت ، فانّه لم يكثر ذكره انسان الاّ زهدّ فی الدّنيا(4) » .

وعن أبی بصير ، قال شكوت إلی أبی عبدالله (عليه السلام) الوسواس ، فقال يا ابا محمد اذكر تقطع اوصالك فی قبرك ، ورجوع احبّائك عنك اذا دفنوك فی حفرتك ، وخروج بنات الماء من منخريك ، واكل الدود لحمك ، فان ذلك يسلی عنك ما انت فيه ، قال ابوبصير فوالله ما ذكرته إلاّ سلی عنّی ما انا فيه من همّ الدّنيا(5) .

اعلم انّ الموت هائل وخطره عظيم ، وغفلة النّاس عنه لقلّة فكرهم فيه ، وذكرهم له ، و من يذكره ليس يذكره بقلب فارغ ، بل بقلب مشغول بشهوات الدنيا ، فلا ينجع ذكر الموت فی قلبه فالطّريق فيه يفرغ العبد قلبه عن كلّ شی الاّ عن ذكر الموت الّذی هو بين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ مستدرك الوسائل: 2 / 103، باب 17، حديث 1540ـ10; بحار الانوار: 79 / 167، باب 20، حديث 3.

2 ـ مجموعه ورّام: 1 / 268.

3 ـ مجموعه ورّام :1 / 219، باب ذكر الموت .

4 ـ كافی: 3 / 255، باب النوادر، حديث 18 .

5 ـ كافی: 3 / 255، باب النوادر، حديث 20 ; وسائل الشيعة: 2 / 434، باب 22، حديث 2570 .

يديه كالّذی يريد ان يسافر إلی مفازة مخطرة أو يركب البحر فانّه لا يتفكّر الاّ فيه ، فإذا باشر ذكر الموت قلبه فيوشك ان يؤثر فيه ، وعند ذلك يقلّ فرحه وسروره بالدّنيا وينكسر قلبه .

واوقع طريق فيه ان يكثر ذكر اشكاله واقرانه ، الّذين مضوا قبله فيتذكّر موتهم ومصرعهم تحت التّراب ، ويتذكّر صورهم فی مناصبهم واحوالهم وتتفكّر كيف محا التراب آلان حسن صورتهم ، وكيف تبدّدت اجزاءهم ، فی قبورهم ، وكيف ارملوا نسائهم وايتموا اولادهم وضيّعوا اموالهم ، وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم ولنقطعت آثارهم ، واوحشت ديارهم ، فمهما تذكر رجلاً رجلاً وفصّل فی قلبه حاله و كيفيّة حياته ، وتوّهم صورته ، وتذكر نشاطه ، وتردّده وامله فی العيش والبقاء ، ونسيانه للموت ، وانخذاعه بموء آتاه الاسباب ، وركونه الی القوة والشباب ، وميله إلی الضحك واللّهو ، وغفلته عمّا بين يديه من الموت الذريع ، والهلاك السريع ، وانّه كيف يتردّد ، والان قد تهدّمت رجلاه ومفاصله ، وانّه كيف كان ينطق وقد اكل الدّود لسانه وكيف كان يضحك وقد اكل التراب اسنانه وكيف كان يدبّر لنفسه ما لا يحتاج اليه الی عشر سنين فی وقت لم يكن بينه و بين الموت الاّ شهر ، وهو غافل عمّا يراد به ، حتی جاءه الموت فی وقت لم يحتسبه ، فانكشف له صورة الملك ، وقرع سمعه النداء ، امّا بالجنة أو بالنّار ، فعند ذلك ينظر فی نفسه انّه مثلهم ، وغفلته كغفلتهم ، وستكون عاقبته كعاقبتهم ! !

الثّواب والعقاب

وقد اسلفنا انّ من الضرورة ان تقوم من بعد عالمنا هذا نشأة اخری تقتضيه العدل لتجزی كلّ نفس بما كسبت من خير حسن الثّواب وبما اقترفت من شرّ سوء العقاب ، وانّ جحود ذلك العالم جحود لكل القيم ، والمثل العليا .

وانطلاقا من تلك الايات الكريمه ، وما جاء به الانبياء المرسلون ، والائمّة المعصومون ، لم يبق شكّ ولا ترديد فی معطيات الموت ، وما يستتبعه من اهوال وعقبات .

وفی القرآن الكريم آيات عظيمة يتبيّن منها اجر العاملين ، وعذاب المجرمين تملأ الانسان عبوديه وزلفی وتمنحه القدرة علی مقاومة الذّنوب كما تتضّمن الاحاديث المأثورة ما يلفت النظر إليها ، كما هو فی كتاب ( ثواب الاعمال وعقاب الاعمال )(1) نقرء فی القرآن :

( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِی وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ )(2) .

( يَوْمَ نحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَی الرَّحْمنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْـمُجْرِمِينَ إِلَی جَهَنَّمَ وِرْداً )(3) .

( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِی الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِی الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )(4) .

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطاَنُ يَدْعُوهُمْ إِلَی عَذَابِ السَّعِيرِ )(5) .

( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً )(6) .

( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُم بِالَّتِی تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَی إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولئِك لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِی الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ )(7) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ من تأليفات شيخنا العظيم الصدوق (رحمه الله) .

2 ـ هود (11) : 105 ـ 106 .

3 ـ مريم (19) : 85 ـ 86 .

4 ـ نور (24) : 19 .

5 ـ لقمان (31) : 21 .

6 ـ أحزاب (33) : 57 .

7 ـ سبأ (34) : 37 .

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً )(1) .

( وَاصْبِرْ فإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُـحْسِنِينَ )(2) .

( لكِنِ الْرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِی مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(3) .

ومن الندرة ان نستقصی سورة من سور القرآن ولم نجد فيها ما يركز علی مبداء ثواب المحسنين وعقاب المسيئين .

وحيث لا تسع هذه المقدّمة ان نرد فيها آيات اخری يتعرّض هذه الحقيقة . . . فما اجدر بالقراء من ان يتمزّجوا بالقرآن ، وان يتدبّروا آياته وان لا يغفلوا عن العمل بها . هدانا الله الی طاعته ، وعصمنا عن معصيته .

والحقيقة انّه لا يمكن التوّصل الی حقائق المعاد ، ولا استثمار الاعتقاد به الا الترابط بالقرآن المجيد ، والتّطلع الی الاحاديث الّتی تجسّد مسيرة الانسان من اوّل مراحل الموت الی ساحة المحشر ، من المحشر الی الوقوف علی ابواب الجنّة أو الجحيم .

فكان دأب الأنبياء والائمّة والأولياء فی صدد معالجتهم للمنحرفين ان يقيموا أودهم فی شخوصهم الی المبدء والمعاد ، وان يعطوا علی ابعادهم بذلك عن التّهاون فی العبوديّة ، ومن التلوّث بالذنوب .

اذ من الممكن ان يستمع احد من النّاس الی آية العمل فی قوله تعالی :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ كهف (18) : 107 ـ 108 .

2 ـ هود (11) : 115 .

3 ـ توبه (9) : 88 ـ 89 .

( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ )(1) .

ويذعن اليها ، ويستيقن بها ، ثمّ يبتلی بالضعف بالعبوديّه والمتوفی المعصية والظلم والتجاوز والخيانة .

فان الخوف من العذاب ، والامل بالثّواب فی سبيل نيل الرّحمة الالهيّة ، والفرار من غضب الله جناحان يطير بهما العبد الی الله ، ويستعين بهما فی الصعود الی مدارج الرقی والكمال .

وإذا أجد لزاماً علی ان ابسط هذه الحقيقة فی هذه المقدّمة اليسيرة فاننی ادعوا القراء الی ممارسة سطور هذا الكتاب لمعرفة حركة الانسان منذ رحيله من الدّنيا الی آخر منازل الآخرة وما يعطی من اجراء ومكافاة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ الزلزلة (99) : 7 ـ 8 .

بحث فی التفسير

نزل القرآن الكريم : علی صدر الرسول الأكرم ـ منجّماً ـ طيلة ثلاثة وعشرين عاماً ، وهو الكتاب الذی خطّط للمجتمع الإنسانی طريق الهداية والتكامل ، وتعهّده بالصيانة والأمانة ، كما شرّع له كلّ ما يتطلّبه من حاجات فردية واجتماعية سواء بسواء .

و قد نزلت آياته و سوره وفق مقتضيات الحياة ، وما تصلحها من دساتير وتوجيهات تقيم فيها العدل ، وتحقّق لها السعادة ، فإنّ هذه الآيات والمعجزات قد ناشدت خصومها محاكاة هذا الإعجاز ومعارضتها ، الأمر الذی كشف عن عجزهم واستسلامهم أمام تحدّی القرآن وقاطعيّته ، وبالتالی جلا عن عجزهم وعصبيّتهم تجاه حكومة القرآن واعجازه .

والقرآن : هو المعجزة الإلهية الخالدة التی جاء بها أعظم الرُّسل وأكرمهم ولذلك فإنّ النهوض بحقّه هو من أعظم الحقوق وأخطرها ، كما أنّ إقامة سننه وواجباته هی من أخطر الفروض والواجبات .

والقرآن : هو الكتاب الذی يصعد بالإنسانية إلی أرفع مدارج الكمال ، ويهديها إلی سواء السبيل ، وينشد لها السعادة الأبديّة ، التی تمنحها العزّة والرفعة ، وتجنّبها الذلّ والشفاء ، وهو الكتاب الذی يغدق علی الإنسانية كلّ معانی القدرة والمنعة فی مجالات حياته الماديّة والمعنويّة .

والقرآن : هو الكتاب الذی يهدف ـ فی ذاته ـ إلی التصعيد بالقوی العقلية ، والمواهب الفطرية إلی أفق الابداع والابتكار ، الأمر الذی يهدم فی روع الإنسان رواسب الخرافات والعادات الإجتماعية السيّئة ، والتقاليد الموروثة البالية ، كما يهدف إلی دعم الروح

صفحه 620

الإنسانية فی إدراكاتها وتصوّراتها السماوية المجرّدة ، وما يرتبط بها من أسرار النفس ومزاياها .

والقرآن : هو الكتاب الذی تلوح فيه المبادرات العلمية والحضارية التی تأخذ بالبشرية إلی المسير الذی يتحوّل فيها جميع إبداعاتها وإدراكاتها ، كما يأخذ إلی استجلاء الأسرار والكوامن التی كان يجهلها ، إلی جانب أسرار التوحيد المتمارجة فی هذه الخليفة ، وهكذا يأخذ بها هذا الكتاب إلی المبداء والمعاد ، وإلی سائر الآيات الإلهية فی براهينه وقصصه ، وهداياته وأنواره .

يقول الإمام الصادق (عليه السلام) :

القرآن هدی من الضلالة ، وتبيان من العمی ، واستقالة من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الإحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلی الآخرة ، وفيه كمال دينكم ، و ما عدل أحد عن القرآن إلاّ إلی النار(1) .

والقرآن هو الكتاب الذی يخوض حقائق كثيرة مختلفة تمثّل الجانب الآخر من إعجازه ، إذ يكشف الستار عن أسرار الخليقة ، كما يتمثّل فيه الجانب الآخر من إعجازه ، وهو إعجاز الاسلوب ، والنظم ، والبلاغة ، وهكذا يخوض الإخبار عن الغيب ، ومستقبل العالم ، وما وراء الطبيعة ، والعالم الأخری التی لم تصل المعرفة إليها إلاّ عن طريقه ، كما يتميّز القرآن بالتخطيط السویّ للحياة البشرية المتأرجحة بما فيه من معالجة النوازع الوجودية التی تنتابه فی عرض هذه الحياة وطولها .

وكتاب : هذا مستواه ، وهذا محتواه ، كيف يوجد فيه أدنی اختلاف وهو وحی من الله يتحدّی بآياته كلّ بليغ وكلّ مبدع ، بل وكلّ عبقری مفكِّر .

وحسبنا أن يعجز عن معارضته فی الاسلوب ـ فضلاً عن الحقائق ـ كلّ الأجيال المختلفة طيلة أربعة عشر قرناً . وحتّی الإنسان المعاصر ، الذی شهد عصر العلم والإبداع إنّما يريد أن يستدرّ من القرآن الكريم حضارته وثقافته ، وفتوحاته العلمية والاجتماعية المختلفة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ كافی: 2 / 600، كتاب فضل القرآن، حديث 8; بحار الانوار :89 ،26، باب 1، حديث 28.

والكتاب الذی بين أيدينا يجسّد لنا كلّ هذه النوااحی فی إعجاز القرآن بالمعايير والواقعية ، ولذلك فإنّی أناشد الباحثين والمحقّقين أن يتبيّنوا هذه الخطوط العلمية ، وهذه الحقائق الناصعة الأصلية بالنظرة الدقيقة ، والإدراك النافذ .

ومؤلف هذا الكتاب هو الأستاذ المحقّق الحجّة الشيخ محمّد اللنكرانی« الفاضل » أحد الشخصيات العلمية المرموقة فی الأوساط والحوزات .

وقد ارتشفت من مناهل علمه طيلة الأيّام الدراسيّة التی قضيتها فی قم ، مكّباً ـ عنده ـ علی دراسة الفقه والأصول . واذا أعتزّ أن أكون أصغر تلميذ له فلا أجد فی نفسی من الأهليّة أن أزن هذا الكتاب بميزان معرفتی أو إعجابی، إلاّ أنّ الباحثين وروّاد العلم هم الذين سوف يثمّنون هذا الكتاب ، وهم يتبيّنون فيه المنهج العلمی العميق ، والأصالة والإبداع .

وقد مضی علی إعداد هذا الكتاب فترة من الزمن دون أن ينتهل من معينة روّاد العلم والمعرفة ، وطلاّب القرآن ، وفی مناسبة كريمة أسعدنی الله أن أحظی بلثم أنامله فی مدينة « يزد » وقد جری ذكر هذا الكتاب القيّم ، فأولانی بالاطّلاع عليه وأجازنی بطبعه وإذاعته .

وممّا يبعثنی علی الفخر والاعتزاز أن أولی بهذه الخصيصة والنعمة العظمی فأسأله تعالی أن يوفّقنا ـ نحن المسلمين ـ إلی أن نسترشد معارف القرآن ، وأن نقتدی بهداه ، وأن نتّبع تعاليمه وتوجيهاته .

كما أسأله تعالی أن ينشر علينا لواء الدين ، والجامعة العلمية التی تقود العالم الإسلامی إلی عظمة القرآن ومنعته ، وإلی أتباع أهل البيت الأطهار ، والتأسّی بهم ، والأخذ بسيرتهم .

وانّنی إذا أجد لزاماً علی أن اُنوّه عن التوجيهات التی أسداها فضيلة الكتاب الإسلامی الكبير الاُستاذ السيّد مرتضی الحكمی: أجد لزاماً علی أن اُزجی له الشكر علی ما اضطلع به من مراجعة الكتاب وتنسيقه والإشراف علی إخراجه .

والله أسأل أن يوفّقنا إلی ما يحبّ ويرضی ، كما أسأله أن يقرن ذلك برضا إمامنا الغائب ـ عجّل الله تعالی فرجه ـ حامل القرآن وشريكه فی الهداية والعدل والإصلاح .




پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^