اللهم عظُم سلطانك


اللهم عظُم سلطانك
ما أوسع مملكتك يا رب!
ان المملكة الحقيقية هي مملكة الله أما الممالك الأخرى فهي ممالك اعتبارية، وسلطة الله هي السلطة المطلقة الحقيقية وهي وحدها السلطة الخالدة والسلطان الأبدي الذي لا حدود فيها للمكان والزمان.
سلطان الله يمتد الى كل عالم.. وحكمه مبسوط في جميع العوالم من غيب وشهود وهو وحده الملك علام الغيوب الجميع يحتاج اليه، خاضع في حضرته. ولـه سبحانه الحجة البالغة على من سواه ودليله ساطع وبرهانه قاطع.
العقل والنبوّات والرسالات وأولياؤه هم حججه الى يوم القيامة على من عصاه وتمرّد عليه.

وعلا مكانك


وعلى مكانك
ما أرفع شأنك يا رب!
«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ««378».
هكذا قال الله عن ذاته المقدسة، فهو الكمال المطلق المنزه عن كل شيء وهوالجمال المطلق ذو الجلال. صفاته عين ذاته وذاته عين صفاته واسماؤه الحسنى اسماؤه وصفاته العليا صفاته وقيام جميع الاشياء بقيوميته والكائنات في قبضته وكل الاشياء في سعة رحمته.
أوصافه لا تحدّه وقوّته فوق جميع القوى ولا قوّة ذاتية الاّ قوّته وعظمته أعظم من كل القدرات ولا قدرة الاّ قدرته وله السطوة تعالى شأنه.
وعلا مكانه تبارك وتعالى.

وخفي مكرك


وخفي مكرك
وهل يمكن الهروب من سطوتك يا رب؟
المكر في غير الله بمعنى الخديعة والحيلة وهي مختصة بالانسان، الذي يخادع ويحتال ولكن عندما تستخدم هذه المفردة مع الله عزوجل فيتحول معناها الى العقوبة والجزاء الالهي، الذي لا يمكن الفرار منه والنجاة فأولئك العصاة السادرون في غيّهم وضلالتهم والذين هم مستغرقون في خطاياهم، لا يهمهم الاّ التمتع بلذائذهم الهابطة ولا يتورعون عن ارتكاب أي فعل محرّم مستكبرين في الارض بغير حق؛ قد ماتت ضمائرهم وانطفئت بصيرتهم وخمد صوت العقل في وجدانهم. يحسبون انفسهم في أمان من عقوبة الله وجزائه ولكنهم في الحقيقة مستدرجون قد أمهلهم الله الذي يمهل ولا يهمل..
تتدفق عليهم النعم فيها فيما يتقلبون وبها يتمتعون فتتفاقم غفلتهم، وينسون ربّهم؛ يرتكبون المعاصي تلو المعاصي فلا هم يكفّون ولا الى ربّهم يرجعون ولا يتذكروه فيستغفرون.
يقول سيدنا جعفر بن محمد الصادق «:
««اذا اراد الله بعبد خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة ويذكّره الاستغفار وأذا اراد بعبدٍ شرّاً فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار وتمادى بها وهو قوله: «سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ «379» ««380».

وظهر أمـرك


وظهر أمرك
أوامرك هي القاهرة يا الهي!
وما أمر الله عزوجل الاّ كلمح بالبصر، فشيء ما هو في مكنون الغيب في ديار العدم؛ فجأة يسطع في رحاب الوجود، هذا أمره سبحانه ««التكويني»» يقول للشيء كن! فيكون.
وأمر آخر له تبارك وتعالى ««تشريعي»» حيث القرآن الكريم احكامه سبحانه التشريعية نزلت على قلب رسوله محمد « في كتابه العزيز القرآن الكريم وفيه بيّن الله عزوجل الحلال والحرام، الحق والباطل، طريق الجنة وطريق النار فهو حجته سبحانه على البشر الى يوم القيامة.

وغلب قهرك


وغلب قهرك
وأنت يا الهي الغالب على كل شيء
وقد تحدثنا عن ذلك في مطلع الكتاب فارجع اليه ان شئت.
ولا يمكن الفرار من حكومتك
ولا يمكن الفرار من حكومتك
وهل يوجد مكان في غير مملكتك يا رب؟!
الله عز وجل محيط بكل شيء فكل شيء تحت قدرته؛ مبدأ كل شيء واليه معاد كل شيء؛ فإلى أين يمكن الفرار من حكومة الله؟!
جاء في الأثر ان رجلاً قال لسيدنا الحسين: يا بن رسول الله أنا رجل لا صبر لي على المعصية فقال سيدنا الحسين: أفعل خمسة أشياء واذنب ما شئت:
ـ لا تأكل من رزق الله واذنب ما شئت.
ـ اخرج من مملكة الله وحكمه واذنب ما شئت.
ـ اطلب مكاناً لا يراك فيه الله واذنب ما شئت.
ـ واذا جاءك ملك الموت فادفعه عنك واذنب ما شئت.
ـ وإن ساقك ملائكة العذاب الى النار فلا تدخل فيها واذنب ما شئت، واطرق الرجل برأسه الى الأرض مفكّراً، ثم رفع رأسه وانصرف وقد عقد عزمه على التوبة والاستقامة.
أجل يمكن الفرار من الله ولكن كيف؟ لا يوجد طريق للفرار الاّ اليه.. الاّ الله وهذا أعظم ما يقوم به الانسان من أجل خلاصه والنجاة في الآخرة.
ذلك أن الفرار الى الله يعني الفرار من الأهواء النفسية، والتحرر من سيطرتها من خلال العبودية لله سبحانه ووضع رضا الله عزوجل نصب العين.
اللهم لا أجد لذنوبي غافرا، ولا لقبائحي ساترا
ولا لشيء من عملي القبيح بالحسن مبدلاً غيرك
اللهم لا أجد لذنوبي غافرا
من يغفر الخطايا ومن يستر الانسان غيرك يا الهي!

غفران الذنوب


الغافر والغفور من اسماء الله الحسنى وصفاته العليا، ومعنى هذا ان الله عزوجل يتجاوز عن الذنوب عندما يتوب العبد ويعود الى رشده.
فعلى المذنب ان ينتبه الى صفة الغفور؛ هذه الحقيقة الكبرى التي تبعث على الأمل والرجاء في عودة العاصي والمذنب وقبوله في رحمة الله الواسعة.
ان اليأس من رحمة الله.. من غفرانه من اكبر الذنوب وقد عدّها القرآن كفراً قال تعالى:
«إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ««381».
وقد بشر القرآن عباد الله برحمة الله الواسعة وغفران الذنوب جميعاً:
«قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ««382».
وهناك باقة من الآيات الكريمة المباركة تبشرنا بالرحمة والمغفرة:
«إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا««383».
«وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ««384».
«فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ
رَّحِيمٌ««385».
«وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ««386».
أجل إنّ من يتوب الى الله يتوب الله عليه فإذا تاب الانسان واجتنب الكبائر ولم يصرّ على الصغائر وقضى ما عليه من صلاة وصيام وردّ ما عليه من المظالم ووفى بحقوق الناس فان توبته هذه هي توبة حقيقية وان الله عزوجل يقبل توبته.
يقول سيدنا محمد «:
««أما علامة التائب فأربعة، النصيحة لله في عمله وترك الباطل ولزوم الحق والحرص على الخير»» «387».
ويقول سيدنا علي «: ««ما كان الله ليفتح على عبد باب الشكر ويغلق عنه باب الزيادة، ولا ليفتح على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الاجابة، ولا ليفتح لعبد باب التوبة ويغلق عنه باب المغفرة»» «388».

ستار العيوب:


من صفات الحق تبارك وتعالى انه ستّار العيوب؛ يذنب العبد ويعصيه والله يستر عليه فلا يطلع عليه أحد سواه.
ان الله يحفظ لهم كرامتهم أمام الناس ويترك لهم باب التوبة والعودة اليه مفتوحة في كل وقت.
يقول سيدنا محمد «:
««من تاب تاب الله عليه واُمرت جوارحه أن تستر عليه وبقاع الارض أن تكتم عليه وأُنسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه»» «389».
ويقول معاوية بن وهب: سمعت الامام الصادق « يقول: ««اذا تاب العبد المؤمن توبةً نصوحا أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة.
قلت: فكيف يستر عليه؟
قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب.
فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب»» «390».
تحول السيئات الى حسنات:
من صفات الله تبارك وتعالى الرحمة والمغفرة؛ يذنب العبد ويعصي ثم يتوب الى الله؛ فيتوب الله عليه ويغفر له ثم يبدّل الله سيئاته الى حسنات.
«إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا««391».
«وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّـيِّئَاتِ««392».
وحول هذا الموضوع «تبدل السيئات الى حسنات» كُتب الكثير من المسائل العلمية والفلسفية والعرفانية، مع الأشارة الى أن قسماً من الكتابات تعدّ في الحقيقة ذوقية.
فقد جاء في تفسير ««نمونه»» «393» وهو من تأليف مجموعة من المفسرين عدّه تفاسير منها:

1 ـ عندما يتوب الانسان ويؤمن بالله تشهد اعماقه تحولات جوهرية تشمل كل وجوده وهذا التحول الكبير في نفسه يبدل سيئات اعماله الى حسنات بحيث لو كان قاتلاً فانه سوف يكون مدافعاً عن حقوق المظلومين وسيواجه الظالمين.
ولو كان زانياً فانه سيصبح عفيفاً وهذا توفيق الهي يحدث للانسان في ظلال الايمان.

2 ـ التفسير الآخر هو أن الله بلطفه وكرمه وفضله وانعامه بعد أن يتوب على عبده يمحو سيئاته ويثبت له مكانها حسنات.
وقد جاء في الأثر عن أبي ذر « انه يحشر بعضهم يوم القيامة فيأمر الله أن تعرض صغائر ذنوبهم وتستر كبائرها. فيقال له أنك فعلت في اليوم الفلاني الذنب الفلاني فيقرّ بذلك ونفسه تضطرب من الكبائر التي سيسأل عنها.
ثم يأمر الله عزوجل أن تبدل سيئاته حسنات. فيقول يا رب إنّ لي ذنوب كبيرة ولا أراها.
يقول أبو ذر ان رسول الله تبسّم حتى رؤيت اسنانه ثم تلا قولـه تعالى:
«فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ««394».

3 ـ والتفسير الثالث: ان مراد القرآن الكريم من السيئات هي ليست اعماله بل الآثار السيئة التي طرأت على روحه ونفسه؛ فإذا تاب الانسان وآمن وعاد الىالله تزول عن روحه آثار السوء وهذا معنى تبديل السيئات بالحسنات«395».
لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك
لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك
لا إله سواك منزّه أنت في سماواتك وارضك.
ان جملة لا إله الاّ الله يعبر عنها بالتهليل وسبحانك تسبيح وبحمدك حمد وثناء على الله عزوجل.
فمن هلّل بها من كل قلبه وعمل بها باخلاص وخلوص نيّة وصدق وأبطل ما يعبد من دون الله يكون موحداً حقيقياً وسيتفيأ ظلال الايمان الوارفة في الدنيا والآخرة، يحبّه الله وتحبه الملائكة ويحشر مع الانبياء والصدّيقين والشهداء.
ان حقيقة التهليل لا تتجلّى في اعماق الانسان الاّ من خلال المعارف القرآنية ومعرفة الأنبياء وبخاصّة سيدنا محمد « وآل بيته الكرام «، فهم انعكاس لاسمائه الحسنى وصفاته العليا، وهذا يتطلب تزكية للنفس وتطهيراً للروح من كل أنواع الشرك والرجس؛ حيث يتألق القلب ويصبح كالمرآة؛ فيتلقى حينئذ الاشراق والنور الذي يشعّ من نور السموات والأرض.
أجل يحقق الانسان ذلك بطي المسافات في طريق الحب الالهي منشداً
ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وكل نعيم لا محالة زائل


حينئذ يتجلّى جمال المعشوق في سماء النفس الانسانية فتهتف كل خلايا الانسان: ««لا اله الا الله»» ««لا مؤثر الاّ الله»» و««لا حول ولا قوة الاّ بالله»».
وهل في رحاب الوجود غير الله رزاق وحلاّل مشكلات وغفار الذنوب والسيئات؟!
وفي هذا المقطع من الدعاء يصل الانسان الى التذلل في حضرة الله عزوجل فيعبّر عن فقره ومسكنته واقرار بذنوبه ومعاصيه ويقول انه لم يجد من يغفر الذنوب غيره ولا من يستر عليه العيوب سواه ثم يهتف من صميم وجوده: لا اله الاّ أنت سبحانك وبحمدك.

ثمن الجنة


ان من يهلل الله بالمعرفة والأخلاص لساناً وعملاً ما يعني انه ينفي كل معبود غير الله كل طاعة لغيره سبحانه ثم يعفر خده بالتراب وجبهته فانه بذلك قد أعدّ ثمن الجنّة وزحزح نفسه عن العذاب.
يقول الامام الرضا «:
««لا اله الاّ الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي»» «396».
وقال سيدنا محمد «:
««ما جزاء من انعم الله عزوجل عليه بالتوحيد الاّ الجنّة»» «397».
وعنه صلواته الله عليه وآله:
««من مات وهو يعلم أن الله حق دخل الجنّة»» «398».
وقال « أيضاً:
««قول لا اله إلاّ الله ثمن الجنّة»» «399».
وعن الامام الصادق «:
««من قال لا اله الا ّ الله مخلصاً دخل الجنّة واخلاصه ان تحجزه لا اله الاّ الله عما حرّم الله عزوجل»» «400».
وعلى أية حال فان التوحيد هو طوق النجاة الذي يخلّص الانسان من الشقاء الأبدي؛ فعندما يدرك الانسان ان الله عزوجل هو المعبود ولا معبود سواه وكل ما في الوجود هو ملك له عزوجل، ثم أقرّ بعبوديته لله سبحانه وآمن بالرسول والانبياء والكتب الالهية وأقرّ بخاتمية سيدنا محمد « وبالأئمة الاوصياء من آله؛ فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ومن تمسك بحبل الله والتزم بأحكام الاسلام والشريعة الالهية؛ فقد نجا، ذلك ان الدين عند الله الاسلام.
وفي دنيا التوحيد الحق فان كل عمل للخير هو عمل ايجابي يسجل للمرء فيه حسنات وكل عمل سلبي يصدر بسبب غفلة فبامكان المرء تداركه بالتوبة والندم وتجديد الميثاق؛ فيغفر الله له ان الله هو التوّاب الرحيم.
أما في خارج دائرة التوحيد فلا أهمية لأي عمل ايجابي ولا يغفر للمرء فيه أي عمل سلبي مهما صغر.
وحتى المذنبين من أهل التوحيد والذين يستحقون النار، بسبب ما اقترفوه؛ فان الله سينجيهم من النار ببركة التوحيد. وقد جاء في كثير من الروايات ما يؤيد ذلك.
كما ورد في الأثر ان الله عزوجل يعذب كثيراً من أهل الكبائر من فارقوا الحياة بلا توبة؛ فلما سيقوا الى النار وقذفوا في هاوية الجحيم صاحوا: لا اله الاّ الله فارتدّت عنهم السنة النار لكلمة التوحيد.
فيأتي الخطاب من الله عزوجل يا نار لا تمسّي جباههم فقد سجدوا لي، ولا تحرقي قلوبهم فقد ظمأت من أجلي.
فيمكثون ردحاً من الزمن ثم يهتفون باسم النبي « ليشفع لهم، فيشفع لهم النبي « فيخرجون من النار وعلى جباههم مكتوب:عتقاء الرحمان من النار.

التسبيح والحمد


التسبيح هو تنزيه الله عزوجل من كل عيب ونقص وهو في الحقيقة اعتراف كامل بالكمال المطلق لله سبحانه.
سئل النبي « عن تفسير سبحان الله فقال:
تنزيه الله من كل عيب«401».
ان سبحان الله تعني تعظيم جلاله وتنـزيهه من كل شرك، لأنه ليس كمثله شيء.
وقد أكد القرآن الكريم على ان كل شيء في الوجود من الذرّة الى المجرّة يسبح بحمد الله:
«وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ««402».
ولعل التسبيح في هذا المقطع من الدعاء مرتبة يصلها العبد بعد اقرار كامل قد سبق بالعصيان والخطأ وهما يمنعان الانسان من بلوغ القرب الالهي يعني سقوطه في ظلمات النأي عن المحبوب.
وهنا يأتي التسبيح والتحميد كأفضل وسيلة للنجاة من الظلمات واذن فإن النوح والبكاء والاخلاق في قول: سبحانك وبحمدك سيكون سبباً في الخلاص من الظلمات كما نجا يونس النبي « فيما مضى.
لقد كان يونس في ظلام الليل في ظلمات البحر وفي ظلمات اعماق الحوت:
«فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ««403».
وجاء في تفسير ««منهج الصادقين»» ان رسول الله « قال: ««ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء الاّ استجيب له»» «404».
وجاء عن الامام الصادق « أن أميرالمؤمنين « قال: التسبيح يملأ ميزان الاعمال بالثواب«405».
ويروي المحدّث المجلسي عن سيدنا محمد « ««كان رسول الله « اذا ورد عليه أمرٌ يسرّه قال: الحمد لله على هذه النعمة واذا ورد عليه أمر يغتمّ به قال: الحمد له على كل حال»» «406».
ظلمت نفسي وتجرأت بجهلي وسكنت الى قديم ذكرك لي ومنّك علي
ظلمت نفسي وتجرأت بجهلي
لم أنصف نفسي وكنت جاهلاً.. لم أنكر الحقيقة بل غررت بنفسي وسكنت الى لطفك القديم بي.

ظلم النفس


كل شيء في الوجود يهتف باسمك ويشير اليك يا رب.. لقد عرفتك ولكني لم آت اليك ولم التفت الى احكامك لم أضع جبهتي على التراب في حضرتك ولم أمدّ كفي نحوك.. كنت عنك يا الهي غافلاً وهذا ظلم عظيم انزله بنفسي!
النبوّات عبر التاريخ الطويل اعرفها جميعاً.. الانبياء جاءوا من أجل اسعاد البشر وانت يا الهي ارسلتهم الينا، ارسلتهم من أجل سعادة البشر.. ارسلتهم من أجل هدايتهم وانقاذهم من وساوس الشيطان واغواء ابليس. اعترف يا الهي انني لم اصغ الى صوت الرسل.. لم أتأمل في كلمات الأئمة الطاهرين..
أجل استغرقت في الثقافات الاجنبية التي تأتي من مصادر لا نعرفها لم أجعل نفسي تتشرّب ثقافة أهل البيت تركتها تتلوث بثقافات ليست انسانية صافية.. وهكذا ظلمت نفسي.
وهذا القرآن الكريم الذي انزلته علينا يا رب وفيه ما فيه من تفصيل كل شيء وبيان كل شي، هذا الكتاب الذي ينساب في تلاوته كنهر وفيه من اللاّليء كالبحر؛ هذا الكتاب الكريم وضعته وراء ظهري ولم التفت الى ما فيه من الكنوز السماوية والانسانية..
وهذا ظلم فادح انزلته بنفسي.. يا رب وقد نصبت لنا اناساً طاهرين يدلّونا الطريق ويعرّفونا سواء السبيل وهم ميراث سيدنا محمد « جعلتهم يا الهي عدلاً للقرآن يفسرونه لنا ويقرأوه لنا؛ ويبينون لنا الحق من الباطل والغث من السمين والصالح من الطالح.
وكم يا الهي تحملوا من أجلنا صنوف العذاب وظلم الطغاة ولكنهم ظلّوا يقاومون من أجلنا ويبينون لنا الأحكام.. احكامك يا الهي وربي وسيدي.. وكانوا لنا خير معلم وافضل هادٍ ونعم العون..
وهذا يا الهي كتاب ««نهج البلاغة»» الذي هو شعاع من كتابك قد سما في بلاغته وتألق في معانيه، التي هي جزء من معاني كتابك العزيز.. حتى قيل: انه دون كلامك وفوق كلام المخلوقين.
وهذه يا الهي ««الصحيفة السجادية»» زبور آل رسولك وحبيبك ونبيك الذي اصطفيته، وفيها يا رب من الكلمات النورانية والمناجاة الالهية والمعاني التي ترتفع بالانسان الى قربك وجوارك..
أجل يا رب وكتب غير ذلك الفها أولياؤك وصنّفها عبادك الصالحون من الذين عرفوا الطريق فسلكوه ودعوا الناس اليه.
لكني يا الهي ضربت صفحاً عن جميع ذلك فقد خطفت بصري مجلاّت براقة وأخذت لبّي كلمات مزوّقة أجل خدعني زخرف القول عن سماع كلامك وأخذني الضجيج بعيداً عن الاصغاء لصوتك.. وهذا يا الهي ظلم عظيم ظلمت به نفسي
الجهل هو الذي يكمن وراء الخطيئة
ولولا جهلي يا الهي لم اقترف ذنباً ولم اكتسب اثماً ولم ارتكب معصية.. مستنقع الجهل يا رب اقعدني عن المسير اليك.
انها سحب الغباء والغفلة غطت على بصيرتي فلم أر جمال وجهك، ولو اني رأيت جمالك يا الهي وسيدي لادركت قبح ما أنا أفعله بنفسي.. ولو أني يا خالقي ويا دليلي اكتشفت صراطك ما انزلقت قدمي في الهاوية الى حيث جحيم فراقك والبعد عن ظلالك.. انه الجهل يا سيدي قادني الى ما قادني من هذا المصير.

الاعتراف بالذنب


الهي انت الذي غمرتني برحمتك مذ كنت جنيناً في بطن أمي.. ما أنا يا سيدي وما شأني وقد كنت نطفة من ماء مهين فصيرتني انساناً سويّاً وجعلت لي عقلاً افكر به ويدين اعمل بهما وقدمين امشي عليهما، ومنحتني يا رب قلباً ينبض بالعاطفة النبيلة..
أجل يا سيدي جئت الى الدنيا ضعيفاً لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً فوجدت حضناً دافئاً وغذاءً شهياً لبناً سائغاً ووجدت صدراً حنوناً وعيوناً تحرسني وتفيض علي بنظرات كلها رحمة ورأفة وقلوباً تزخر بالعاطفة وكل ذلك يا سيدي مصدره منك ومنشأه من عندك جلّت ارادتك وعظمت قدرتك وتسامى مجدك..
غمرتني يا الهي بالنعم وأفضت عليّ يا واسع الكرم.
الهي فما الذي فعلته قبال احسانك وما الذي عملته جواباً على كرمك غير الاستغراق في الغفلة والجهل واقتراف الذنوب فكأني لا أعرفك وكأنك لا تراني ولا تعلم بحالي.. ولكن أبت رحمتك ألاّ أن تمهلني وحلمك الاّ أن يتسع للعصاة مثلي، وكنت يا الهي تغمرني برحمتك وتوسع علي برزقك فلعلي اصمد في غفلتي وأعود الى رشدي وأتذكر ميثاقك علي.. فيا الهي ها أنا اتوب الى نفسي وأقرّ بظلمي واعترف بجهلي.. أجل يا رب ظلمت نفسي وقد سمعت يا سيدي من أوليائك أن الأقرار نجاة والاعتراف خلاص.
يقول الامام الباقر «:
««والله ما ينجو من الذنب الاّ من أقرّ به»» «407».
وقال « أيضاً:
««لا والله ما اراد الله من الناس الاّ خصلتين أن يقرّوا لـه بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم»» «408».
وقال أميرالمؤمنين «:
««المقرّ بالذنب تائب»» «409».
وعنه « أيضاً:
««شافع الذنب اقراره وتوبته اعتذاره»» «410».

اعتراف الشاب


حكى منصور بن عمار قال: خرجت ذات ليلة من منزلي ومررت بمنزل فتناهى لي صوت مناجاة شاب يقول متضرعاً: ««الهي لم اعصك يا الهي وأنا قاصد لمخالفتك فقد غلبني هواي وخدعني الشيطان فظلمت نفسي وتعرّضت لسخطك علي»».
فاقتربت من شق في الباب وقرأت بصوت مسموع:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ««411».
فسمعت أنّه ترتفع خلفي.
فلما كان الغد مررت بذلك المنزل فرأيت عجوزاً تبكي وتقول كان ابني يبكي كل ليلة من خشية الله وفي الليلةالفائة كان يناجي ربّه فسمع صوتاً يقرأ آيات العذاب فصرخ وبكى ثم غشي عليه وفارقت روحه بدنه.
قلت: لها أنا من فعل ذلك وقد عرجت روحه الى عالم البقاء فدعيني اغسّله؟ قالت: هو ذاك فافعل، فرفعت عن وجهه قطيفة فوجدت على صدره مكتوب بخط أخضر نحن غسلنا هذا الفتى بماء التوبة«412».

عاقبة المذنب التائب


كان عبدالواحد بن زيد من زمرة الفسّاق والفجّار؛ فمرّ ذات يوم بمجلس يوسف بن الحسين وكان يعظ الناس وكان من العبّاد الزهاد فسمعه يقول والناس يصغون: ««دعاهم بلطفه كأنّه محتاج اليهم
فرمى عبدالواحد جبّة كانت عليه وأعول كالمرأة وانطلق يجري صوب المقبرة.
وفي تلك الليلة سمع يوسف بن الحسين في الرؤيا هاتفاً يقول له: أدرك الشاب التائب!
يعني بشّره بالمغفرة.. وراح يوسف يبحث عن الشاب حتى وجده بعد ثلاثة أيام في المقبرة وكان يعفر وجهه بالتراب ويناجي ويبكي، فلما وقعت عينا الشاب على يوسف: قال: أرسلوك قبل ثلاثة أيام فتأتيني الآن قال هذا ثم لفظ انفاسه وسلّم روحه الى واهب الروح.
اللهم مولاي كم من قبيح سترته؟
وكم من فادح من البلاء أقلته؟! وكم من عثار وقيته؟
وكم من مكروه دفعته؟ وكم من ثناء جميل لست أهلاً له نشرته؟
اللهم مولاي كم من قبيح سترته؟
انت يا رب سترت عيوبي. وما أكثرها
ودفعت عني المشكلات وما أجلّها
وحرستني من العثار
ودفعت عن طريقي كل مكروه
وكنت تنشر ثنائي وترفع اسمي عالياً بين الناس وأنا لا استحق ذلك أبداً.
ان لذكر كلمة مولاي في حالة دعاء وانابة ممتزجة بالانين وفي قلب الليل وقد تكاثفت الظلمات في تلك الساعات المفعمة بالسكينة من ليلة الجمعة المباركة أن لها لذّة ما بعدها لذّة ومن أجل هذا قال موسى بن عمران يناجي ربّه:
إنْ لي في كشكول الفقر ما ليس في خزانتك؛ فجاء النداء وماذا فيه يا موسى؟
قال: ربّا مثلك.
ان من اعظم النعم على الانسان ستر العيوب وعلى الانسان أن يدرك أن الذي يستر العيوب في الدنيا يستر العيوب في الآخرة. وان الله الذي حفظ للانسان كرامته أمام الناس يحفظ له سمعته أمام المؤمنين يوم القيامة.
وقد جاء في الحديث الشريف عن سيدنا محمد « قال: ««ما ستر على عبد في الدنيا الاّ ستر عليه في الآخرة»» «413».
وقد ورد في الأثر عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي«: ان جبرئيل نزل عليه بهذا الدعاء من السماء ونزل عليه ضاحكاً مستبشراً فقال: السلام عليك يا محمد « قال: وعليك السلام يا جبرئيل فقال: ان الله عزوجل بعث اليك بهدية، فقال: وما تلك الهدية يا جبرئيل؟ قال: كلمات من كنوز العرش اكرمك الله بها، قال: وما هن يا جبرئيل؟ قال: قل:
««يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لم يوآخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا عظيم العفو يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا صاحب كل نجوى ويا منتهى كل شكوى يا كريم الصفح يا عظيم المن يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها يا سيدنا يا ربنا يا مولانا يا غاية رغبتنا أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار»».
فقال رسول الله « لجبرئيل: ما ثواب هذه الكلمات؟ قال: هيهات هيهات انقطع العمل لو اجتمع ملائكة سبع سماوات وسبع ارضين على ان يصفوا ثواب ذلك الى يوم القيامة ما وصفوا من كل جزء جزئاً واحداً فاذا قال العبد ««يا من أظهر الجميل وستر القبيح»» ستره الله ورحمه في الدنيا وجمله في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في الدنيا والآخرة.
واذا قال ««يا من لم يوآخذ بالجريرة ولم يهتك الستر»» لم يحاسبه الله يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم تهتك الستور، واذا قال: ««يا عظيم العفو»» غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد البحر، واذا قال ««يا حسن التجاوز»» تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر وأهاويل الدنيا وغير ذلك من الكبائر واذا قال: ««يا واسع المغفرة»» فتح الله عزوجل له سبعين باباً من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عزوجل حتى يخرج من الدنيا، واذا قال: ««يا باسط اليدين بالرحمة»» بسط الله يده عليه بالرحمة، واذا قال ««يا صاحب كل نجوى ويا منتهى كل شكوى»» أعطاه الله من الأجر ثواب كل مصاب وكل سالم وكل مريض وكل ضرير وكل مسكين وكل فقير وكل صاحب مصيبة الى يوم القيامة، واذا قال ««يا عظيم المن»» أعطاه يوم القيامة منيته ومنية الخلائق.
وذا قال ««يا كريم الصفح»» اكرمه الله تعالى كرامة الانبياء، واذا قال: ««يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها»» اعطاه الله من الاجر بعدد من شكر نعماه واذا قال: ««يا ربنا ويا سيدنا»» قال الله تبارك وتعالى: أشهدوا ملائكتي أن قد غفرت له وأعطيته من الاجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والارضين السبع والشمس والقمر والنجوم وقطرالامطار وانواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي، واذا قال ««يا مولانا»» ملأ الله قلبه من الايمان، واذا قال ««يا غاية رغبتاه»» اعطاه الله يوم القيامة رغبته ومثل رغبة الخلايق، واذا قال ««اسألك يالله أن لا تشوه خلقي بالنار»» قال الجبار جل جلاله: استعتقني عبدي من النار اشهدوا ملائكتي ان قد أعتقته من النار واعتقت أبويه وأخوانه وأهله وولده وجيرانه، وشفعته في ألف رجل ممن وجبت لهم النار وأجرته من النار، فعلمهن يا محمد المتقين، ولا تعلمهن المنافقين فانها دعوة مستجابة لقائلهن ان شاء الله تعالى. وهو دعاء أهل البيت المعمور حوله اذا كانوا يطوفون به«414».
جدير ذكره هنا انه لا ينبغي أن نتعجب لعظم ذلك الثواب العظيم لقراءة هذا الدعاء ذلك ان الكرم والجود الالهي لا حدود له ورحمته ولطفه لا نهاية له وخزائنه عزوجل لا تنفد أبداً.
ان علياً « وهو يقول: كم من قبيح سترته؟ يذكر البلايا التي دفعها سبحانه من زلازل وطوفان وصواعق محرقة وحرائق وجفاف وقحط ومصائب ونوائب، كما يذكر نعمة الله عزوجل في صونه وحمايته من الأنزلاق في مهاوي الاثم والمعصية وما يعقب ذلك من زوال الصفات الحسنة وذبول شجرة الأخلاق الكريمة.. ويذكر آلاء الله سبحانه ولطفه واحسانه اذ وفقه لرؤية النور وحفظ قلبه من سحب الذنوب، وما من عليه من ستر العيوب، ثم جعل له اسماً يذكره الناس بخير ويشيرون اليه بالثناء والرضا والاحترام. ولم يكن كل هذا عن استحقاق لذلك وانما رحمة من الله الذي ستر عيوبه ونشر فضائله.
اللهم عظم بلائي وأفرط بي سوء حالي
وقصرت بي أعمالي وقعدت بي أغلالي
اللهم عظم بلائي وأفرط بي سوء حالي
يا رب ولقد ساءت أحوالي ولا تنهض بي يا الهي اعمالي وها أنا مكبل يا رب بأغلالي!
وفي هذا المقطع دلالات على وصول حالة الداعي الى الاحساس بعمق الفاجعة التي يعيشها؛ فهو قد اصبح أسير ذنوبه وصريع خطيئته وقد ادرك أنه لا نجاة له مما هو فيه الاّ باللجوء الى القادر الحكيم والعالم والطبيب الذي سيشفيه مما يعانيه من انشداد الى الارض ومن كل ما يثقله ويقعد به عن التسامي والسير الى المحبوب.