تسقّط عيوب الناس:


ان حفظ كرامة المسلم والمؤمن مما أكدت عليه الشريعة الإسلامية فقد جاء في الأثر:
««عرض المؤمن كرده»».
إنّ فضح عيوب الناس يدمّر الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع الواحد ويعرّض الحياة الأسرية والإجتماعية الى الانهيار.
الأنبياء والائمة والأولياء هو وحدهم المبرأون من العيوب؛ أما غير أولئك فلهم عيوبهم وقد ستروها عن أنظار الآخرين. صحيح انه يوجد من الناس من لا يتحرّج من عيبه بل أنهم لا يخجلون ويعلنون ذلك أمام الملأ دون أي شعور بالخجل أو الحياء.
ولكن أكثر الناس ممن تهمه كرامته يحرص على حفظ ماء وجهه ويسعى في التستر على عيوبه.
ولذا فان من يتسقط عيوب الناس سواء كانت عيوب بدنية أو أخلاقية ويريد فضحها أمام الناس؛ فأنه يوجه طعنة نجلاء الى كرامة الانسان وينتهك حقاً أكيداً من حقوقه الذاتية؛ وهو بذلك يستحق عذاب الله وغضبه.
عن الامام الباقر « قال: ««أقرب ما يكون العبد من الكفر أن يواخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما»» «117».
وعن الامام الصادق « قال:
««يا معشر من اسلم بلسانه ولم يخلص الايمان في قلبه، لا تذمّوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانّه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته»» «118».

مجالسة أهل المعاصي:


يتأثر المرء بجليسه قبل أن يتأثر بأمر آخر، حيث تبلغ قدرة تأثير الجليس حدّاً لا يمكن تصوره.
من أجل هذا أكّدت الآيات الكريمة والروايات على حساسية انتخاب الانسان لجليسه وصديقه ووضعت معالم تعين المرء عن ذلك.
وقد أفاض علماء الاسلام في ذلك وألفت كثير من الكتب ما يجعل هذه القضية في متناول كل الناس.
فهناك تحذيرات شديدة من مجالسة أهل الكفر والباطل وأهل الشك والفسق والفجور واقامة علاقات مع اليهود والنصارى وحتى المتهمين بالمعصية فكل هذه النماذج هي قنوات يتسلّل منها الشيطان لتخريب روح المؤمن وقلبه.
عن الامام الصادق « قال:
««لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يُعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره»» «119».
وعن أبي هاشم الجعفري قال: قال أبو الحسن «: ما لي رأيتك عند عبدالرحمن بن يعقوب؟ فقلت: انه خالي فقال: انه يقول في الله قولاً عظيماً، يصف الله ولا يوصف؛ فإما جلست معه وتركتنا، واما جلست معنا وتركته؟ فقلت: هو يقول ما شاء، أي شيء عليّ منه اذا لم أقل ما يقول؟
فقال أبو الحسن «: أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعاً، أما علمت بالذي كان من اصحاب موسى « وكان أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى؛ فمضى أبوه وهو يراغمه حتى بلغا طرفاً من البحر فغرقا جميعاً؛ فأتى موسى الخبر فقال هو في رحمة الله ولكنّ النقمة اذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب المذنب دفاع«120».
وعن أميرالمؤمنين « قال:
««من كان يؤمن بالله واليوم الىخر فلا يقوم مكان ريبة»» «121».
وعن الامام الصادق « قال:
««من قعد عن سبّاب لأولياء الله فقد عصى الله تعالى»» «122».
أجل ان التقوى والعفة والورع والصدق والعبادة وخدمة الناس انما هي مفاتيح النجاح والخلاص وأنها ستائر تحول بين المرء وغضب الله عزوجل.
وان ارتكاب الذنوب والمعاصي وتسقّط عيوب الناس ومجالسة الفساق إنّ كل هذا وغيره من الآثام، ما يمهد الطريق لغزو الشيطان الى قلب المرء وروحه وهذا ما يعرض الانسان لسخط الله تبارك وتعالى لأن طاعة الله على الناس واجبة والحذر من الشيطان وعدم اتباع خطواته هو ما ينبغي على المرء العاقل أن يفعله.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم
اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم
ويا الهي اغفر لي الذنوب التي تفتح علي أبواب الانتقام.

ذنوب تنزل العقوبة:


جاء في كثير من الروايات عن أهل البيت « ان الذنوب التي تكون سبباً في نزول النقم الالهية هي:
1 ـ البغي.
2 ـ العدوان على حقوق الناس.
3 ـ السخرية من عباد الله.
4 ـ نقض العهد.
5 ـ العصيان وارتكاب الذنوب في العلن.
6 ـ شيوع الكذب.
7 ـ الحكم بغير ما انزل الله.
8 ـ الامتناع عن دفع الزكاة.
9 ـ التطفيف في الكيل والميزان.

البغي:


««البغي»» لغة هي التمرد علىالحق، وانتهاك الحدود الالهية والعدوان على الناس، الفساد، المعصية، الرجس والزنا وهناك ما يؤيد ذلك في الآيات الكريمة:
«إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ««123».
«وَلَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ««124».
«يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا««125».
وجاء عن سيدنا محمد « قوله:
«إنّ أسرع الخير ثواباً البرّ وأنّ اسرع الشر عقاباً البغي» «126».
وعن الامام الصادق « قال:
«ستة لا تكون في المؤمن: العسر والنكد واللجاجة والكذب والحسد والبغي» «127».
العدوان على حقوق الناس
جعل الله تبارك وتعالى للناس فيما بينهم حقوقاً متبادلة وجعل أداءها واجباً وعدّ انتهاكها عدواناً ومعصية وربما كانت سبباً في الجزاء والعقوبة.
فللوالدين على الأبناء حقوق، وللأبناء على الوالدين حقوق وللرحم حقوق، وللجيران، وللشعب على الحكومة وللحكومة على الشعب، وللرجل على زوجته وللمرأة على بعلها، وللفقراء حقوق على الاغنياء وحقوق أخرى بيّنها القرآن الكريم.
ولكن أجمل من فصّل في الحقوق تفصيلاً هو سيدنا زين العابدين علي بن الحسين « في رسالة الحقوق، حيث تضمنت خمسين مادة حقوقية غاية في الروعة والشمول.
السخرية من عباد الله
ان السخرية والاستهزاء بالناس سواء كان من عيب في ابدانهم أو بسبب وضعهم المعاشي والاقتصادي وبسبب تدينهم أو بسبب مزوالتهم لنوع من الاعمال أو لطبقتهم الاجتماعية هو اثم كبير ومعصية لله عزوجل تستوجب الجزاء والعقوبة في الدارين.
ان الاستهزاء بالآخرين هو عدوان على كرامتهم الشخصية وحط من كرامتهم الانسانية.
وقد نعت القرآن الكريم المستهزئين بالنفاق في قوله تعالى:
«وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ««128».
وجاء عن سيدنا محمد « قوله:
«من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي» «129».
وعنه « قال:
«قد نابذني من أذلّ عبدي المؤمن» «130».
أجل ان السخرية من الآخرين انما هي أهانة لهم وحط من كرامتهم وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم في كثير من آياته البيّنات«131».

نقض العهد:


العهد والوفاء به حقيقتان اخلاقيتان وانسانيتان وقد اكد القرآن الكريم على حساسيتهما كما ورد في روايات عن أهل البيت، ما يجعل من العهد والوفاء به مسألة غاية في الاهمية وفي هذه المسألة لا يوجد ثم تفاوت بين العهد مع الله عزوجل أو مع الرسول « أو مع الناس عموماً، فالوفاء بالعهد عمل ايجابي، سواء على صعيد الالتزام بالعبادة أو في خدمة الناس،أو في الكسب والعمل والتجارة، وهو واجب شرعي وأخلاقي وقد يصل نقض العهد الى مستويات خطيرة تستوجب الجزاء الالهي!
«وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ««132».
«الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ««133».
«وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً««134».
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ««135».
وجاء عن رسول الله «:
««ثلاث من كن فيه كان منافقاً وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم: من إذا أئتمن خان واذا حدّث كذب واذا وعد أخلف»» «136».
وعن الامام الصادق « قال:
««من عامل الناس ولم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم؛ فهو ممن كملت مروءته وحرّمت غيبته وظهر عدلـه ووجبت أخوّته»» «137».

الاعلان بالمعاصي:


نهى القرآن الكريم بشدة اقتراف المعاصي ما ظهر منها وما بطن«138».
ان الاعلان والتجاهر بالمعصية يدلّ على عدم الحياء، والجرأة على شريعة السماء وانتهاك واضح للاخلاق وعدم احترام للقانون.
ان الاسلام يستنكر بشدّة تلويث أجواء المجتمع الإسلامية الاخلاقية وقد سنَّ القوانين والاحكام لمن ينتهك الذوق الاخلاقي في المجتمع الإسلامي.
ان على الناس المؤمنين والواعين وبخاصّة المسؤولين في الحكم التصدّي لظاهرة الانتهاك العلني للقوانين الإسلامية واحكام الشريعة الالهية؛ لأن السماح لهم في المجاهرة بالعصيان هو سماح للجراثيم بالفتك في جسم الأمّة الإسلامية.
ومن هنا يتوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمكافحة الانحراف والقضاء على جذور الفساد ومكافحة التلوث الاخلاقي والانحطاط وحماية المجتمع من خطر السقوط.
ان تنمية الاخلاق الكريمة والعفة والقيم الدينية في نفس الانسان هو الذي يحول دون السقوط في الفحشاء والمنكرات.
فالحياء وذكر الله والتفكر في عواقب الذنوب والمعاصي هي في طليعة الوسائل التي تردع الانسان وتمنعه من اقتراف المعاصي والذنوب.
يقول الامام الصادق «:
««الحياء من الايمان»» «139».
وقال رجل لرسول الله «: اوصني فقال «:
««استح من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك»» «140».

حكاية امرأة مؤمنة:


روى ابو حمزة الثمالي عن الامام زين العابدين علي بن الحسين « قال: إنّ رجلاً ركب البحر بأهله فكسر بهم فلم ينج مما كان في السفينة إلاّ امرأة الرجل، فانها نجت على لوح من الواح السفينة، حتى الجأت على جزيرة من جزائر البحر، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة الاّ انتهكها؛ فلم يعلم الاّ والمرأة قائمة على رأسه، فرفع رأسه اليها فقال: إنسيه انت أم جنيّة؟ فقالت انسيّة، فلم يكلّمها كلمة؛ حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله، فلما أن همّ بها اضطربت، فقال لها: مالك تضطربين؟ فقالت: أفرق من هذا ـ وأومأت بيدها الى السماء ـ قال: فصعنت من هذا شيئاً؟ قالت لا وعزّته، قال: فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئاً وانما استكرهك استكراهاً، فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحق منك، قال: فقام ولم يحدث شيئاً ورجع الى أهله وليس همّة الاّ التوبة والمراجعة، فبينا هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق؛ فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب: ادع الله يظلّنا بغمامة، فقد حميت علنيا الشمس، فقال الشاب: ما أعلم أنّ لي عند ربّي حسنه فأتجاسر على أن أسأله شيئاً، قال: فأدعو أنا وتؤمّن أنت؟ قال: نعم.
فأقبل الراهب يدعو والشابّ يؤمّن؛ فما كان بأسرع من اظلّتهما غمامة، فمشيا تحتها مليّاً من النهار، ثم تفرّقت الجادّة جادّثين، فأخذ الشاب في واحدة وأخذ الراهب في واحدة، فإذا السحابة مع الشاب، فقال الراهب انت خير منّي لك أُستجيب ولم يُستجب لي؛ فأخبرني ما قصّتك؟ فأخبره بخبر المرأة، قال: غُفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما تستقبل«141».

شيوع الكذب:


حذّر القرآن الكريم الناس من الكذب وعدّه رسول الله « من الكبائر كما تزخر الروايات المنقولة عن أهل البيت « بالتحذير من الكذب.
وأسوأ انواع الكذب هو الكذب على الله ورسله وانبيائه ورسالاته: لما في هذا من آثار وخيمة في انحراف وضلال المجتمعات البشرية«142».
ان رؤوس الكفر والشرك والالحاد على مدار التاريخ كانوا كذّابين دجالين فهم يطرحون اكاذيبهم وينمقوها ويصبوها في قوالب علمية فلسفية مزيفة لحرف الجماهير البسيطة في تفكيرها والحؤول دون ايمانها برسالات الله.
فهم بأكاذيبهم يقطعون الطريق على من يريد السير في صراط الله المستقيم.
وهم بأكاذيبهم ودجلهم ونفاقهم يلبسون الأباطيل ثوب الحق.
وعلى طول التاريخ، تاريخ الرسالات الالهية كان هؤلاء ينبرون الى التكذيب برسالات الله قائلين: ما انزل الله من شيء«143».
انهم بمثابة السحب السوداء تقف في طريق الشمس، حتى لا تصل اشعتها الى الناس؛ فيكتشفوا الطريق الى الله انهم يريدون ان يبقى الناس في حيرة وضلال وضياع.
ولم يكتفوا بتكذيب الرسالات الالهية بل امتدت ايديهم القذرة الى كتب السماء فراحوا يحرّفون الكلم عن مواضعه لتصبح هذه الكتب المضيئة التي انزلها اله لهداية البشر، مصادر للفتنة والشبهات وضلال المجتمعات كما فعل اليهود بالتوراة والزبور وفعل النصارى بالانجيل.
من أجل هذا حفظ الله عزوجل كتاب السماء الأخير وهو القرآن حفظه من كل تحريف وتلاعب؛ فكان معجزة رسول الله « والكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
غير ان الكذابين والدجالين لما رأوا حصانة القرآن الكريم راحوا يكذبون على رسول الله «؛ فظهرت في عهد بني أمية والعباسيين طبقات من علماء السوء ورواة الحديث؛ راحوا يضعون الاحاديث المزوّرة وينسبونها الى النبي « من أجل تمكين الظالمين من الحكم على البلاد الإسلامية ومحاصرة الائمة الطاهرين والتضييق عليهم.
غير ان أئمتنا « تصدّوا لأولئك المزوّرين والكذابين وسنّوا لأتباعهم مناهج دقيقة لمعرفة الصحيح من الأحاديث الشريفة ونبذ الاحاديث الموضوعة المزوّرة.
ولولا جهود الائمة من أهل البيت « وأصحابهم المخلصين، لتسللت كثير من الأفكار الضالّة الى الثقافة الإسلامية واصبحت عامل ضلال وانحراف وسقوط.
والكذّابون الدجالون يتلبسون بكل لباس ويرتدون ما يناسب دورهم التخريبي في ابعاد الأمم والشعوب عن الدين والقيم الاخلاقية، فتراهم يرفعون الشعارات الخادعة لاغواء الناس ودفعهم الى اعتناق الأفكار الخطرة من الحاد وشرك وانحراف.
وسلاحهم هو الكذب والاستفادة من الوسائل الهابطة اخلاقياً، وهم موجودون في كل زمان ومكان حتى أغرقوا الأرض بالشرور والفساد.
إنهم يستحقون لعنة الله ولعنة التاريخ والاجيال من أجل هذا نرى القرآن الكريم كتاب الله الخالد يلعنهم ليل نهار:
«فَنَجْعَل لَّعْنَةُ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ««144».
«إِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ««145».
ومن أجل ذلك شدّد سيدنا محمد « وأهل بيته الكرام على الكذّابين واستنكر صلوات الله عليه وآله الكذب الذي هو من أكبر الكبائر.
قال سيدنا محمد «:
««ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: الاشراك بالله، وعقوق الوالدين ـ وكان متكئاً فجلس. ثم قال: ألا وقول الزور»» «146».
وعنه « قال:
««شر الرواية رواية الكذب»» «147».
وعنه « أيضاً: ««أقلّ الناس مروءة من كان كاذباً»» «148».
وقيل له «: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: بلى، قيل: بخيلاً؟ قال: بلى، قيل: كذاباً، فقال: لا«149».
وعن الامام علي بن أبي طالب « قال:
لا يجد عبد طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجدّه«150».
وعنه « قال:
««لا سوء أسوأ من الكذب»» «151».
وعنه « أيضاً:
««الصدق أمانة والكذب خيانة»» «152».
وعن الامام الباقر «: ««ان الكذب هو خراب الايمان»» «153».
وعن الامام الصادق « قال:
««إن الكذّاب يهلك بالبينات ويهلك اتباعه بالشبهات»» «154».
وعلى كل حال فان الكذّاب في الشريعة الالهية فاجر فاسق لا ايمان له تلعنه الملائكة ولا ينبغي مجالسته.
يقول أمير المؤمنين «:
««ينبغي للرجل المسلم ان يجتنب مؤاخاة الكذّاب، فانه يكذب حتى يجيء بالصدق فلا يصدّق»» «155».
الحكم بغير ما انزل الله
من الذنوب التي تنزل النقم هو الحكم بغير ما انزل الله عزوجل فالقاضي الذي يحكم ظالماً فيبرئ الظالم ويتهم المظلوم ويدان في مجلسه انما ينقض العدالة وهي أساس استقرار وثبات العالم فكل شيء قائم على العدل وكل شيء ينبغي أن ينهض على العدالة.
والقاضي الذي يسحق على العدالة كافر وظالم وفاسق بصريح آيات القرآن الكريم.
فمن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون«156».
عن الامام الصادق «:
««من حكم بين اثنين بغير حكم الله فقد كفر بالله»» «157».

الامتناع عن دفع الزكاة


ان دفع الزكاة من الغلاّت والماشية والذهب والفضة واجب اكيد كما تصرح به الآيات الكريمة وأن الامتناع عن دفع الزكاة من الكبائر التي توجب غضب الباري تعالى.
وقد اقترن ذكر الزكاة بالصلاة، فما من آية تطرقت الى أمر الصلاة الاّ وقرنت ذلك بدفع الزكاة وهذا ما يؤكد اهميتها وقيمتها الحقيقية.
ان ترك الزكاة يدخل في باب الانكار والرد على الحق وتارك الزكاة كتارك الصلاة والحج كافر بحسب الروايات الواردة عن ائمة الهدى من أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة.
وقد اشارت الروايات الى أن التزام المسلمين بدفع الزكاة يؤدي الى حالة من الرفاه الاقتصادي في المجتمع الاسلامي وان الالتزام بها يساعد بشكل سريع ومؤثر في مكافحة الفقر والاختلاف الطبقي الذي ينجم عادة عن الظلم في توزيع الثروة في المجتمع.
ان دفع الزكاة ركن من اركان العدالة الاجتماعية في الاسلام تقول السيدة فاطمة الزهراء في فلسفة الزكاة وغيرها من أحكام الاسلام ««فجعل الله الايمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر والزكاة تزكية للنفس»» «158».
وروي أن الامام الرضا « قال لخادم له: هل انفقت شيئاً في سبيل الله هذا اليوم؟ فقالك الخادم: لا والله. فقال « فكيف تريد أن يرزقنا الله«159».

التطفيف في الميزان


ان التطفيف في الكيل والميزان وخداع المشتري ببيعه أقل من الوزن المطلوب، هو من الكبائر التي يُعاقب عليها الانسان اشدّ العقاب.
ومن بين مئة واربعة عشر سورة في القرآن الكريم حملت احداها اسم المطففين، حيث شدّدت عليهم النكير وهددتهم بعذاب الله:
«ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون * الاّ يظنّ أولئك أنّهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لربّ العالمين * كلاّ إن كتاب الفجّار لفي سجّين««160».
وجاء في الحديث النبوي الشريف ان المطفف يرمى يوم القيامة في قعر جهنم بين جبلين من نار فيقال له: زنهما فيبقى في ذلك ابداً«161».
وجاء في الحديث الشريف أيضاً: خمس مقابل خمس فسئل رسول الله عنهن فقال ما نقض قوم العهد الاّ سلّط الله عليهم عدوّهم، وما فشا الزنا في قوم. الاّ فشا فيهم الموت وما حكم قوم بغير ما انزل اله، الاّ وابتلوا بالفقر وضيق ذات اليد.
وما منع قوم الزكاة الاّ وحبس عنهم المطر، وما طفف قوم الكيل والميزان الاّ وابتلوا بالقحط والجفاف.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تغيّر النعم
اللهم اغفر لي الذنوب التي تغيّ النعم
اغفر لي الآثام التي ترفع نعماً غمرتها علي يا الهي.

ذنوب تغير النعم


هناك من الذنوب ما تكون سبباً في تغيير النعم؛ فيحلّ مكانها البلاء والعذاب وهي كما ورد في احاديث للامام السجاد «:
1 ـ ظلم الناس. 2 ـ فقدان ارادة الخير. 3 ـ اهمال البرّ والاحسان.
4 ـ كفران النعمة. 5 ـ ترك الشكر.

ظلم الناس


ان ظلم الناس من الذنوب والآثام القبيحة وهو عمل شيطاني والظلم ظلم صغر أو كبر ولا يتغير قبحه؛ فالظلم مقدار ذرّة قبيح ويحاسب الانسان عليه يوم القيامة «وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ««162».
فقدان ارادة الخير
الله سبحانه وتعالى فطر الانسان على حبِّ الخير وأودع في نفسه ذلك ليكون سبباً لانفتاح أبواب الرحمة عليه فتتدفق النعم وتغمره آلاء الله، وما على الانسان الاّ أن يواظب على عمل الخير والاّيسمح لوسوسات الشيطان أن تتسلل اليه وتدمّر فيه قيم الخير.
إنّ حب المعرفة، والتواضع والحلم والسعي في قضاء حوائج الناس هي من ارادة الخير، التي ينبغي أن يهتم بتنميتها المرء حتى تصبح عادة متجذرة وطبعاً من طباعه وصفة من صفاته.
واذا أعرض الانسان ونأى بجانبه وجانب الخير؛ فأن هذا سيكون إيذاناً بسقوطه في حمأة الذنوب والمعاصي ومن ثم زوال النعم عنه وهلاكه.
نبذ الاحسان
الاحسان من الاعمال التي تحبب الانسان الى الله عزوجل والى أفراد نوعه؛ اذا تجعل منه انساناً محبوباً من مجتمعه وتعلي من شأنه بين الناس اضافة الى القربى من الله عزوجل فما من شيء يحبب المرء الى الله والى الناس مثل الاحسان.
«وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ««163».
وعلى المحسنين ألا يكفّوا عن الاحسان الى الناس في كل الظروف، لأن الاحسان عبادة وثوابه عظيم وجزيل وان رضا الله عزوجل يتحقق بالاحسان الى عبادة الله الفقراء الذين هم عياله.
ولذا فان ترك الاحسان ذنب كبير، يحرم الانسان من الفيض الالهي وهو تنكر للاخلاق الكريمة والصفات الحسنة ويهدد حياة الانسان ومستقبله بالخطر.
كفران النعمة
ان كفران النعم ينذر بعذاب من الله اليم وشديد.
«وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ««164».
ان من اقبح الذنوب وأسوأ الخلق أن يكفر الانسان بما أنعم الله عليه، وكفران النعم هو الاستغراق في اقتراف المعاصي والذنوب.
ترك الشكر
ان عرفان النعمة والشكر عليها واجب على الانسان العاقل وهي من صفات الانسان الذي يقرّ بآدميته ويحترم انسانيته.
وحقيقة الشكر هي معرفة المنعم وعرفان النعمة وهذا يتحقق من خلال الافادة منها فيما يرضي الله عزوجل الذي أفاض النعم.
فشكر نعمة القلب أن يكون قنديلاً يشع بالايمان بالله واليوم الآخر والتصديق برسالات الله وأنبيائه ورسله.
وعرفان نعمة العين أن تجيل البصر في زوايا الطبيعة وتتأمل ما خلق الله سبحانه وأن تقرأ القرآن الكريم؛ وتطلب بها العلم والاّ تنظر بها الى ما حرّم الله.
والشكر على نعمة الأُذن، هو الاصغاء الى نداء الحق والحقيقة وحفظها من الغيبة والنميمة والبهتان وصوت الشيطان.
وعرفان نعمة اللسان ألاّ ينطق الاّ بالخير؛ خير الناس وارشاد الضالين وقراءة القرآن وأداء الصلاة وحفظه من اغتياب الناس واشاعة الفحشاء والكذب والسخرية من الآخرين.
والشكر على نعمة الشهوة الجنسية أن تصرف هذه الطاقة في ما أحل الله من الزواج واجتناب الزنا.
والشكر على نعمة القدم أن تخطو في طريق الطاعة وأن تذهب بها الى المساجد وحضور المحافل، التي يذكر فيها اسم الله وصلة الرحم وزيارة الاصدقاء وتفقد الفقراء.
وشكر نعمة المال والثروة الانفاق على العيال، ومساعدة الفقراء والبؤساء والانفاق في شؤون الخير وأداء الزكاة والخمس والتصدّق.
فالاهمال في شكر النعم من خلال هذه الطرق يعد معصيةً ويكون سبباً في زوال النعم وحلول البلاء.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء
اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء
يا الهي واغفر لي الذنوب التي تقطع الطريق على صعود الدعاء الى السماء.
ذنوب تمنع استجابة الدعاء
يعدّ الامام السجاد « سبعة ذنوب تمنع استجابة الدعاء:
1 ـ سوء النيّة. 2 ـ الانطواء على صفات قبيحة. 3 ـ النفاق. 4 ـ سوء الظن وعدم التيقن من اجابة الدعاء. 5 ـ التأخر في أداء فريضة الصلاة.
6 ـ ترك الصدقة والاحسان وهما من وسائل التقرب الى الله. 7 ـ الفحش في القول وتلويث اللسان باستخدام الكلمات البذيئة«165».
سوء النيّة
النية هي القصد والهدف الحقيقي والارادة وقد أوجب الاسلام على الانسان ان يبطن نوايا الخير لكل من حولـه وما حوله من بشر وشجر وحيوان؛ وبشكل عام البيئة العامّة. عليه أن يهدف الى خير المجتمع ويتمنى سعادة الجميع، والاّ يتأخر في السعي من أجل تحقيق الخير ما أمكنه ذلك.
ان حسن النيّة من الأهمية بحيث أصبحت مناطاً في حسن الجزاء والثواب.
فمجرد قصد الخير يثاب عليه المرء وإن لم يتمكن من فعله أو القيام به.
وقد جاء في الأثر أن العبد المؤمن يسأل الله؛ فيقول اللهم ارزقني وهبني لأتصدق وأحسن وأفعل الخير؛ فيطلع الله على نيّته فيثيبه على نيّته وتكتب له حسنات بقدر ما نوى من فعل الخير«166».
كما حكي أن رجلاً جائعاً مرّ بربوة؛ فقال في نفسه لو كانت هذه الربوة طعاماً لقسّمته بين الناس؛ فأوحى الله الى نبي ذلك الزمان أن أخبره بقبول صدقته وأن الله أثابه على حسن نيّته بقدر ثواب التصدّق بربوة من طعام ينفقه على الناس«167».
ان على الانسان أن يربّي نفسه على النيّة في عمل الخير ويكافح في نفسه قصد الشر لأن سوء النيّة في الانسان تلقي بظلالها السوداء على قلب المرء وروحه وتقوده الى ارتكاب المعاصي والسقوط في الآثام.
الانطواء على صفات قبيحة:
ان صفات مثل سوء الظن والنفاق، الحقد، العُجْب، الرياء، التكبر، الغرور، البخل، الحرص، الطمع، الحسد، تولّي أعداء الله؛ هي ذنوب كبيرة وخطيرة ولها نتائج وخيمة في حياة الانسان في الدنيا والآخرة؛ اضافة الى انها تمنع استجابة الدعاء يقول الامام الباقر «:
« بئس العبد عبداً هُمزة لُمزة يقبل بوجه ويدبر بآخر» «168».