كثرة النوم


جاء في الأثر انّ موسى « سأل ربّه: أي عبادك أبغض اليك؟ قال جيفة بالليل بطال بالنهار«614».
وعن النبي « قال: ««قالت أم سليمان بن داود لسليمان «: اياك وكثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيراً يوم القيامة»» «615».
وعن سيدنا علي « قال:
««بئس الغريم النّوم؛ يفني قصير العمر ويفوّت كثير الأجر»» «616».
ان اجتناب معاشرة من لا يرتضي الاسلام معاشرته والابتعاد عن اللقمة الحرام ورذائل الأخلاق واجتناب التخمة وكثرة النوم يكوّن أرضية مساعدة على تلقي الفيض الالهي حيث تنشط جوارح الانسان للعبادة وخدمة خلق الله عزوجل وبخاصّة الفقراء الذين هم عيال تبارك وتعالى.
ولذا يسعى الانسان المؤمن الاّ ينظر بعينيه الاّ ما أحلّ الله وأن يسدّ اذنيه عن سماع الغيبة والنميمة ويصون لسانه عن قول السوء وأن يعفّ نفسه فلا يرتكب ما حرّم الله عزوجل ولا يكون في مكان يكره الله عزوجل وجوده فيه والاّ يفتقده الله تبارك وتعالى في المساجد والجوامع والاماكن المباركة.

العبادة الحق


ان من يعبد الله حق عبادته، يطوي المسافات البعيدة في الطريق الى الله. والعبادة الحق هي التي تندمج بالحب والشوق حيث تشترك كل جوارح الانسان ويندمج الروح بالقلب والعقل بالنفس لتجسّد عبودية الانسان لخالقه وربّه يقول سيدنا محمد «:
««أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها احبّها بقلبه وباشرها بجسده وتفرّغ لها فهو لا يبالي على ما اصبح من الدنيا على عسر أم على يسر»» «617».
««يقول ربكم: يا بن آدم تفرّغ لعبادتي إملأ قلبك غنىً واملأ يديك رزقاً، يا بن آدم لا تباعد منّي فأملأ قلبك فقراً وأملأ يديك شغلاً»» «618».
وعن أميرالمؤمنين « عن رسول الله « انه قال:
««قال الله تعالى له في ليلة المعراج: يا أحمد، ليس شيء من العبادة أحبّ اليّ من الصمت والصوم، من صام ولم يحفظ لسانه، كان كمن قام ولم يقرأ في صلاته، فأعطيه أجر القيام ولم أعطه أجر العابدين.
يا أحمد، هل تدري متى يكون العبد عابداً؟
قال: لا يا ربّ، قال: اذا اجتمع فيه سبع خصال:
ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفّه عما لا يعنيه، وخوف يزداد في كل يوم من بكائه، وحياء يستحي منّي في الخلاء وأكل ما لا بدّ منه ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الأخيار لحبّي لهم»» «619».
وجاء في الأثر: ان الله تعالى يقول في بعض كتبه: ««يا بن آدم أنا حيّ لا أموت، اطعني فيما أمرت، حتى أجعلك حيّاً لا تموت، يا بن آدم، أنا أقول للشيء كن فيكون، اطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون»» «620».
وجاء في الأثر ان أعظم العبادات هي معرفة الله عزوجل والخضوع له والاستمرار في ذكره وتمجيد قدرته، والاكثار من قول لا اله الاّ الله ولا حول ولا قوة الاّ بالله، والاخلاص، وعفة النفس والزهد والتفكر والتدبّر واداء الامانة والصمت والحج والصيام، والدعاء وغض البصر عن محارم الله والتذلل لله عزوجل في السرّ والعلن، الكسب الحلال، وحسن الخلق وولاء أهل البيت «.
خدمة الناس واحترام كرامتهم الانسانية
جاء في كثير من الأحاديث الشريفة والاحاديث القدسية ما يؤكد علىكرامة المؤمن ما يجعل انتهاك حرمته حرباً على الله عزوجل.
جاء في الحديث القدسي عن سيدنا محمد « عن جبرائيل « قول الله عزوجل: ««من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة»» «621».
وجاء في الحديث النبوّي الشريف قول سيدنا محمد «:
««من قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبدالله دهره»» «622».
ويقول الامام الصادق «:
««من قضى لأخيه المؤمن حاجةً قضى الله عزوجلّ له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنّة»» «623».
وعنه « أيضاً:
««ان العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل الله عزوجل به ملكين واحد عن يمينه وآخر عن شماله يستغفران له ربّه ويدعوان له بقضاء حاجته»» «624».
ويقول الامام الصادق « راوياً عن آبائه عن جدّه عن الله عزوجل:
««الخلق عيالي فأحبّهم اليّ الطفهم بهم واسعاهم في حوائجهم»» «625».
وفي هذا المقطع من الدعاء نجد التضرع الى الله عزوجل في طلب الحاجات يأخذ اتجاهاً متزايداً في طلب القدرة، من أجل القيام بواجب العبادة لله عزوجل بحيث تكون حياة الانسان خدمة متواصلة لله التي تتجسد ايضاً بخدمة عباد الله ايضاً فتكون العبادة دائرة واسعة شاملة لكل النشاط الانساني في مجالات الخير والعمل الصالح.
وهكذا نجد خدمة الناس تصبح شكلاً من العبادة والخدمة لله عزوجل؛ ويكون الطريق الى تحقيق القرب الالهي من خلال تجسد المفهوم الحقيقي للعبادة.

اليقـين


يقول فيلسوف الشرق المعاصر المرحوم العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان في تعريف اليقين: بانه العلم الذي لا تشوبه ذرة من الشك«626».
فاليقين حالة راقية جداً من الايمان كما لو أن المرء يؤمن بالنهار وهو في رابعة النهار تغمره اشعة الشمس، وكما لو أنه يؤمن بالليل في قلب الظلمة فيما السماء مرصعة بالنجوم.
وهناك ثلاثة مستويات من اليقين:
1 ـ علم القين. 2 ـ عين اليقين. 3 ـ حق اليقين.
ويمكن التفريق بين هذه المستويات من خلال التصوير التالي:
يمكن تشبيه علم اليقين بحالة الايمان بوجود النار من خلال رؤية دخان يتصاعد من وراء جدار حينئذ نؤمن بوجود نار.
أما عين اليقين فهي حالة من العلم اكثر رسوخاً من خلال رؤية السنة النار ذاتها.
فيما حق اليقين فهي حالة علمية اشد عمقاً وذلك عندما يحترق المرء بنفس النار.
يقول سيدنا محمد «:
««علامة الموقن فستة: أيقن بالله حقاً فآمن به وأيقن بان الموت حق فحذره، وأيقن بأن البعث حق فخاف الفضيحة وأيقن بأن الجنة حق فاشتاق اليها، وأيقن بأنّ النار حق فظهر سعيه للنجاة منها، وايقن بان الحساب حق فحاسب نفسه»» «627».
ان تحصيل اليقين من خلال القرآن الكريم يكون بالشكل التالي: في البداية يكون التأمل في آيات الوحي وحقانيتها والالتفات الى هذه الحقيقة وهي أن القرآن يدعو الى الاتيان بمثله:
«وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ««628».
ويقول في آية أخرى:
«قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا««629».
وبذلك يحصل لدينا اليقين أن القرآن وهو وحي الله عزوجل وكذا في المعارف الواردة عن أهل البيت « التي هي تفسير وتفصيل وتأويل للقرآن الكريم وبالتالي ندخل في زمرة أهل اليقين.
اللهم ومن أرادني بسوء فأرده ومن كادني فكده واجعلني من احسن
عبيدك نصيباً عندك واقربهم منزلة منك واخصّهم زلفة لديك، فانه لا ينال
ذلك الاّ بفضلك وجدلي بجودك واعطف علي بمجدك واحفظني برحمتك
اللهم ومن أرادني بسوء فأرده
الشيطان والاهواء النفسية ورفاق السوء كل هؤلاء يتآمرون من أجل اغواء الانسان، وقد تصل المؤامرات الشيطانية التي تجد مساعدة من الاهواء ورفاق السوء حدّاً لا يمكن الخلاص منها الاّ بالاستنجاد بالله عزوجل والاستغاثة واللجوء اليه.
وقد تطرقنا آنفاً الى إغواء الشيطان ووساوس النفس الأمارة بالسوء ورفيق السوء.
اذا اراد الانسان أن يكون من عباد الله المقربين عليه أن يتسلّح بالايمان العميق المقرون باليقين والاخلاص والقيام بالاعمال الصالحة والتحلّي بالاخلاق الحسنة والتقوى اليس هذا القرآن الكريم يعلن بوضوح:
«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ««630».
وللتقوى ثلاث مراحل هي:
التقوى العامة، والخاصة والاخص.
فالتقوى العامّة تتجسد بالقيام بالواجبات والفرائض والانتهاء عن المحرّمات.
والخاصّة: اجتناب المكروهات بل وحتى المباحات الاّ في الضرورة.
والاخص: اجتناب كل شيء يشغل القلب عن ذكر الله.

حكـايـة


جاء في كتب التراث وفي ترجمة الخواجه نظام الملك انه التقى ذات يوماً رجلاً من الاتقياء فقال له: سلني شيئاً فأعطيك فأنت محتاج وأنا غني فقال الرجل التقي: أنا لا أسأل من الله الاّ هو لأن الطلب من الله غير الله من تسافل الهمم.
وأنا لا أطلب من الله غير الله فكيف أطلب من غير الله.
فقال الخواجه: إن كنت لا تطلب مني شيئاً فدعني أسألك شيئاً.
فقال الرجل التقي: وما حاجتك؟
قال الخواجه: اذكرني في السعة التي تذكر فيها الله.
فقال الرجل التقي: عندما يوفقني الله لأن اذكره فاني انسى نفسي فكيف اذكرك؟!«631»
يا من له المجد والعظمة والكرم والجود، ويا منبع الحب والرحمة والعفو، وانظرني برحمتك واغمر وجودي بجودك واعطف علي بمجدك فما لي أحد سواك ولا اله غيرك.

حكـايـة


الذين يتخلقون باخلاق الحق، سلوكهم ينسجم مع أخلاقهم التي هي اشعاع من اخلاق المحبوب.
وقد جاء في حكايات التراث ان لصاً تسوّر منزل ««احمد خضروية»» فلم يجد شيئاً ذا قيمة يسرقه؛ فأراد أن يعود ادراجه خاوي اليدين فنادى عليه: يا سارق لا أرضى ان تخرج خالي اليد، فخذ دلواً من الماء واغتسل به غسل التوبة ثم توضأ وصل صلاة التوبة واستغفر، فلعلك تحصل على شيء تخرج به.
فلما طلع الصبح اذا بأحد الأعيان يبعث بمئة دينار هدية للشيخ أحمد فقام الشيخ باعطائها الى اللص وقال: هذا ثواب ليلة عبادة، فتأثر اللص بشدّة وغمرته حالة من التوبة والاستغفار جعلته يعود الى الله ويتوب مما كان يفعل واصبح رجلاً صالحاً.
واجعل لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبّك متيماً ومنّ علي بحسن اجابتك واقلني عثرتي، واغفر زلّتي، فانك قضيت على عبادك بعبادتك وأمرتهم بدعائك، وضمنت لهم الاجابة، فإليك يا ربّ نصبت وجهي، واليك يا ربّ مددت يدي، فبعزّتك استجب دعائي وبلّغني مناي ولا تقطع
من فضلك رجائي واكفني شرّ الجنّ والانس من أعدائي
واجعل لساني بذكرك لهجا
اللسـان
من نعم الله عزوجل على عباده أن منح الانسان نعمة اللسان ينطق به ويعبّر عما يموج في اعماقه من خلاله ويرتبط بابناء نوعه بوسيلة اللغة فلولا اللسان ماكانت لغة ولا كان تفاهم بين بني الانسان.
ومع ذلك يبقى اللسان سلاحاً ذا حدّين، وصدق من قال ««السان جِرمه صغير وجُرمه كبير»» وقد عدّ الفيلسوف العارف محسن الفيض الكاشاني عشرين اثماً يرتكب بوسيلة اللسان منها: الغيبة، البهتان، النميمة، السخرية من الآخرين، بث الشائعات، الكذب، الفحش، والشتائم، والسب.. الخ«632».
أما القرآن الكريم فلم يسمح باستخدام اللسان الاّ في موارد عشرة:
1 ـ القول الحسن«633»

الحديث الحسن.


2 ـ القول الأحسن«634» دعوة الناس الى الله.
3 ـ القول العدل«635» في الشهادة للحق.
4 ـ قول الصدق«636» في ذكر الخير
5 ـ القول الكريم«637» في التخاطب مع الوالدين.
6 ـ القول الليّن«638» في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
7 ـ قول الايمان«639» الاقرار بتوحيد الله ورسالة النبي «.
8 ـ القول السديد«640» في قول الصواب في كل الظروف.
9 ـ قول المعروف«641» في التعامل مع اليتامى.
10 ـ القول البليغ«642» في الموعظة والنصح والاستدلال.
ويمكن للمرء من خلال هذه الانواع ان يلج تجارة لا يعرف ارباحها الاّ الله عزوجل، ويحتاج كل نوع من هذه الانواع العشرة في شرحه الى كتاب مستقل. ونشير هنا الى ثواب القول الأحسن والذي يعني الدعوة الى الله عزوجل وهداية الناس.
يقول سيدنا محمد «: يوصي علياً لما بعثه الى اليمن وقد أوصاه الاّ يحارب أحداً حتى يدعوه الى الحق:
««وايم الله لأن يهدي الله على يدك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت»» «643».
الصلاة ذكر لله، وتلاوة القرآن ذكر لله والادعية الواردة عن أهل البيت « هي ذكر لله. وكل ما وافق الموارد العشرة الآنفة هي ذكر لله؛ ويبقى كل حديث وكل قول يدعو الناس الى الهداية أرفع ذكر واكثره ثواباً.

حكـايـة


يروي ثقة الاسلام الكليني « في كتابه روضة الكافي عن الامام الصادق « انّ عابداً قصم ظهر ابليس بكثرة عبادته، فدعا ابليس شياطينه وسألهم أيهم يستطيع أن يغوي العابد ويصرفه عن العبادة؟ فراح كل شيطان يعرض مكره وحيلته فيردّها عليه ابليس حتى قال أحدهم: سأمكر به من صلاته فاستحسن ابليس حيلته.
فجاء الشيطان الى صومعة العابد ونشط في الصلاة راكعاً وساجداً حتى لم يجد العابد فرصة يسأله عن سبب نشاطه في العبادة؟ وظل العابد ينتظر حتّى وجد فرصة لذلك؛ فسأله عن علّة نشاطه وكثرة عبادته فقال: ارتكبت ذنباً وندمت ولذلك نشطت في العبادة ولا افتر عنها.
فقال العابد في نفسه من دون روية ولا فكر ماذا لو جاء الموت وهو في معصية؟ فاستنصحه فقال له الشيطان: أرى أن تزني بامرأة فاجرة مشهورة بالفجور.
فأسرع العابد الى تلك المرأة ولما رأت المرأة وجه العابد وفي سيماه آثار الصلاح والعبادة ادركت انه مخدوع فقالت له: ايها العابد ان المرء لا يصل الى مقام السعادة والقرب بالذنوب وما احسب ان من نصحك الاّ ضال مضلّ يريد أن يغويك. فالمعصية تهوي بالانسان ولا تسمو به. فارجع ايها العابد الى صومعتك ولن تجد الذي نصحك بالمعصية، فلما عاد العابد الى صومعته لم يجده؛ فأدرك انه لم يكن سوى الشيطان.
وفرح العابد لأن الله عصمه من الاثم بوسيلة تلك المرأة وشاء الله أن يقبض تلك المرأة في تلك الليلة وأوحى الله الى نبيه في ذلك الزمان ان يخرج الناس لتجهيز المرأة وحضور جنازتها لأن الله غفر لها ذنوبها وادخلها في رحمته لهدايتها أحد عباده.

اجابة الدعاء


بالرغم من أن القرآن الكريم أكد على اجابة الدعاء من قبل الله عزوجل:
«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ««644».
«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ««645».
ولكن يجب الالتفات الى هذه الحقيقة وهي أن اجابة الدعاء لا تتم مع كل دعاء اذ تتوقف على شروط تتعلق بالداعي والدعاء.
فمثلاً يطلب أحدهم ويسأله أن يمنحه أكبر ثروة في العالم وأن يطيل عمره الى يوم القيامة وأن يمنحه جمالاً كحسن يوسف ويكون صوته أكثر سحراً من صوت داود ويكون شجاعاً مقداماً كعلي، وان يكون له نفوذ في كل مكان فيضرّ وينفع حيثما يريد وأينما يشاء.
مثل هذه الدعوات تفتقر الى الشروط الصحية. العارفون بالحقائق والعاشقون والصادقون الذين تدرجوا في سلّم الكمال هم من تنطبق عليهم شروط الداعي ولذا تجد دعواتهم تنطلق من مصالح دنيوية وأخروية مليئة بالخير للجميع، وهم اذا دعوا الله وسألوا ولم يروا اجابة فإنهم يصبرون لأنهم واثقون من ان الله سبحانه يريد لهم الخير على كل حال فهم يشكرونه على الدوام.
جاء في الأثر: ان الدعاء سلاح الانبياء وان الدعاء يردّ القضاء المبرم ويدفع أنواع البلاء والدعاء سبب في شفاء أمراض مستعصية.
وتبين الروايات الواردة عن أهل البيت « أن شروط الداعي والدعاء التي تحقق الاجابة هي: الاخلاص في الدعاء والثقة بان الله قادر على كل شيء، واداء الواجبات والقلب السليم ولسان صدق، واللقمة الحلال وأداء حقوق الناس، وحضور القلب أثناء الدعاء ورقته وافتتاح الدعاء ببسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على محمد وآل محمد؛ والاعتراف بالذنوب والتضرّع والتوسل وتعفير الوجه بالارض وأداء ركعتين من الصلاة والايمان باستجابة الدعاء والدعاء للغير قبل الذات واجتناب السؤال والطلب في أمور غير مناسبة والدعاء جماعات والدعاء في الخفاء والخلوة والأمل بالاجابة.
حكـايـة
عن جابر الجعفي يرفعه قال: قال رسول الله «: خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض، فبينما هم يعبدون الله في كهف في قلّة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل حتى التقمت باب الكهف. فقال بعضهم لبعض: عباد الله والله ما ينجيكم مما وقعتم الاّ أن تصدقوا الله، وقلتم ما عملتم لله خالصاً فأنما اسلمتم بالذنوب، فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم اني طلبت امرأة لحسنها جمالها فأعطيت مالاً ضخماً، حتى اذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة وذكرت النار، فقمت منها فرقاً منك اللهم فارفع عنا هذه الصخرة فانصدعت حتى نظروا الى الصدع.
ثم قال الآخر: اللهم ان كنت تعلم اني استأجرت قوماً يحرثون كل رجل منهم بنصف درهم، فلما فرغوا أعطيتم اجورهم فقال: أحدهم قد عملت عمل اثنين والله لا آخذ الاّ درهماً أحداً وترك ماله عندي، فبذرت بذلك النصف الدرهم في الأرض فأخرج الله من ذلك رزقاً وجاء صاحب النصف درهم فأراده فدفعت اليه ثمن عشرة آلاف، فان كنت تعلم انما فعلته مخافة منك فارفع عنا هذه الصخرة، قال: فانفرجت منهم حتى نظر بعضهم الى بعض ثم ان الآخر قال: اللهم ان كنت تعلم ان ابي وامي كانا نائمين فأتيتهما بقعب من لبن «قدح كبير» فخفت أن أضعه أن تمجّ فيه هامة «حشرة» ، وكرهت أن أوقظهما من نومهما، فيشق ذلك عليهما فلم أزل كذلك حتى اسيتقظا وشربا، اللهم فان كنت تعلم اني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فارفع عنا هذه الصخرة فانفجرت لهم حتى سهل طريقهم.
ثم قال النبي «: من صدق الله نجا»» «646».

حكاية أخرى


جاء في الأثر ان بني اسرائيل ابتلوا بالقحط سبع سنين فخرج منهم سبعون الف الى الفلاة يستسقون؛ فلعل الله يمطرهم ببركة الدعاء فجاء النداء يا موسى اخبرهم كيف يستجاب لكم وانتم تعصون في الخفاء وقد خبث سرّكم تدعونني ولا تتيقنون الاجابة وقد أمنتم غضبي وانتقامي، فانطلق الى عبدي بُرخ يدعو لكم.
وأسرع موسى الى برخ فلم يجده، فرأى ذات يوم فتى اسود على جبهته آثار السجود وقد القى في عنقه شيئاً فظن انه هو فسلّم عليه وسأله عن اسمه فقال: انا برخ فقال موسى « كنت ابحث عنك من مدّة فادعو لنا الله يمطرنا. فانطلق الى الفلاة وراح يناجي الله عزوجل قائلاً: ليس من شأنك يا رب أن تحبس عن عبادك المطر، ولا من صفاتك البخل هل نقص لطفك يا الهي او تمرّدت الريح على أمرك أم نفدت خزائنك أو اشتد غضبك على المذنبين أو لم تكن غفاراً قبل خلق الخاطئين؟!
فلم يبرح من مكانه حتى انهمر المطر«647».

وحكاية اخرى


كان سعيد بن المسيب من ابرز فقهاء المدينة وقد اثنى عليه الامام السجاد «. وكانت له بنت حسناء فأرسل عبدالملك بن مروان من يخطبها له، فامتنع وقال اننا لا نزوّج بناتنا للملوك.
وكان أحد تلامذته غاب عنه مدّة فلمّا حضر سأله عن علّة غيابه فقال: رحم الله زوجتي كنت مشتغلاً بتجهيزها فقال سعيد: أفلا تتزوج قال: ومن أين لي ذلك وليس عندي درهمان قال: أفلا تخطب ابنتي؟ قال: معلّمي يعرف ذلك؛ فعقد له على ابنته.
يقول تلميذه ان سعيد لم يطرق باب أحد اربعين سنة فجاءني مساءً وطرق الباب فخرجت اليه ورأيت ابنته معه فأدخلها المنزل وانصرف.
قلت لابنته: ما عندك؟
قالت: احفظ القرآن قال: ومهرك: قالت حديث واحد؟
قلت: ««جهاد المرأة حسن التبعّل»» «648».
هذا سعيد في شأنه ومنزلته وتقواه واخلاصه يروي هذه الحكاية: ضرب القحط المدينة ومنعت السماء غيثها وانطلق الناس الى ظاهر المدينة يصلون ويدعون ان يسقيهم الله المطر وذهبت معهم ولم أجد بينهم من إذا سأل الله اجابه؛ فرأيت غلاماً أسود قد انتحى الى ربوة وقد عفر جبهته على الارض يدعو الله وما اسرع أن مطرت السماء، فتبعته عن بعد حتى رأيته يدخل بيت زين العابدين فاستوهبته الغلام منه، فأمر السجّاد بجمع غلمانه فنظرت اليهم ولم أره بينهم؛ قلت يا مولاي ليس فيهم من ابغي، فقيل بقي غلام واحد وهو غلام الاصطبل فأمر باحضاره فجاء فإذا هو نفس الغلام الذي رأيته عند الربوة فقال الامام السجاد: يا غلام قد وهبتك لسعيد.
فبكى الغلام وقال: يا سعيد لا تفرّق بيني وبين مولاي زين العابدين، فلما رأيته يبكي تركته وخرجت من بيت السجاد. ولما ادرك الغلام ان سرّه قد فشا سجد سجدة طويلة وسأل الله عزوجل ان يقبضه اليه، وفاضت روحه في سجدته ولم اشعر الاّ وطارق يطرق الباب ان احضر تشييع الجنازة.

وحكاية أخرى


جاء في تهذيب الاحكام: ان امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها فمال الرجل بيده حتى وضعها على ذراعها فاثبت الله يده في ذراعها حتى قطع الطواف وأرسل الى الأمير واجتمع الناس وارسل الى الفقهاء فجعلوا يقولون: اقطع يده فهو الذي جنى الجناية! فقال: ههنا أحد من ولد رسول الله؟ فقالوا: نعم! الحسين بن علي قدم الليلة، فأرسل اليه فدعاه فقال: انظر ما لقي ذان، فاستقبل الكعبة ورفع يديه فمكث طويلاً يدعو ثم جاء اليهما حتى تخلصت يده من يدها فقال الامير: ألا نعاقبه بما صنع؟ قال: لا»» «649».

وحكاية أخرى


جاء في كتب التراث: انه في أيام حكم عبدالله بن طاهر بن الحسين انّ بعض طرق القوافل اصبحت غير آمنة، فأوكل الامير حراستها الى عدة من حرسه، فأخذوا عشرة من اللصوص الى مكة المكرمة.
ففرّ أحدهم في منتصف الليل فخاف قائد الحرس أن يظن الأمير ابن طاهر انه قد رشاه له بالفرار فأخذوا حلاّجاً بريئاً وجدوه في الطريق يسافر من مدينة الى أخرى حتى يحافظ على نفس العدو هو العشرة فأمر الأمير بوضعهم في السجن.
وذات ليلة جاء الحراس وأخذوا اثنين منهم للاعدام أمام الملأ في المدينة.
فقال الحلاّج: أولادي يظنون أني اعمل في المدينة ولا يدرون ان قد أخذني ظالم بلا ذنب وجعلني مع اللصوص في السجن.
فقام الى الصلاة في تلك الليلة وصلّى ركعتين في جوف الليل ثم سجد سجدة طويلة وراح يدعو ويتضرّع الى الله أن ينجيه مما هو فيه.
وفي تلك الليلة رأى الأمير انه يسقط عن سريره اربع مرّات فهبّ من نومه وتوضأ وصلّى ركعتين وعاد الى فراشه فرأى في المنام أربع أفاعي سوداء تهجم عليه وتقلب سريره فاستيقظ من النوم مذعوراً ونادى على حرّاسه ليأتوا بفانوس وقال: لابدّ وأن مظلوماً في السجن يدعو عليّ، وراح الحرس يبحثون بين المساجين فرأوا الحلاج على حال عجيبة فجاءوا به الى الامير.
ولما اتضح لديه ما فعلوا بالحلاّج امر له بعشرة آلاف دينار وقال له: اسألك ثلاثاً؛ أن تجعلني في حل وأن تقبل مني هذه الهدية، وأن تأتيني كلما عرضت لك حاجة.
فقال الحلاج: أقبل منك اثنين اجعلك في حل واقبل الهدية أما الثالثة فلا وكيف ادع من قلب سريرك من أجلي واطلقني واسأل مخلوقاً ضعيفاً.
اللهم انّا نسألك المغفرة فتجاوز عن ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا اللهم واجعلنا من أحسن عبادك نصيباً عندك يا كريم.
جاء في الأثر أن سيدنا محمد حضر رجلاً يموت فقال له كيف تجد نفسك: قال: أخشى ذنوبي وارجو رحمة ربي. فقال «:
ما جمع قلب هذين الاّ اراد به الله عزوجل خيراً، آمنه مما يخاف وأمّله ما يرجو.
اللهم انا نرجو رحمتك، وأنت الرحمن الرحيم كتبت على نفسك الرحمة وقلت في كتابك المنزل على نبيّك المرسل اني انا الغفار الرحيم والعفو الشكور والكريم الرحمن ذو الفضل؛ اللهم نسألك بكل كلمة من كلمات دعاء وليّك علي بن أبي طالب.. اللهم وإنّا واثقون بأن من يرجو رحتمك لا يخرج من بابك خائبا لانك يا الهنا كريم واكرم الاكرمين.
اللهم وقد غفرت للحرّ الرياحي مع ما أتى به من الذنب العظيم وغفرت لآسية امرأة فرعون بعد ما آمنت بك وقبلت توبة الفضيل بن عياض وتجاوزت عن ذنوب الملايين من البشر كل ذلك بفضلك ورحمتك وانت قلت في كتابك العزيز:
«وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ««650».

مطر الرحمة


عن الامام الصادق « عن ابيه عن جدّه « قال: ««جاء أهل الكوفة الى علي فشكوا اليه امساك المطر، وقالوا له: استسق لنا فقال للحسين«: قم واستسق؛ فقام وحمد الله واثنى عليه وصلّى على النبي « وقال: اللهم معطي الخيرات ومنزل البركات، ارسل السماء علينا مدراراً، واسقنا غيثاً مغزاراً، واسعاً غدقاً مجلّلاً سحّا سفوحاً ثجاجاً تنفّس به الضّعف من عبادك وتحيي به الميت من بلادك آمين رب العالمين»» «651».
اللهم وقد أمطرت عبادك رحمة منك فأمطر علينا من بركاتك مطراً تغسل به ذنوبنا وتمحو به خطايانا فنلقاك حين نلقاك راضياً عنّا يا أرحم الراحمين.

حكـايـة


مرّ شاب في زقاق فرأى طيراً على شجرة فأطلق سهماً فأصاب قلب ابن صاحب البستان فمات، فقبضوا على ناس في ذلك الزقاق، فجاء الشاب وقال أنا أعرف من فعل ذلك فجاء أبو الصبي وقال: من فعل ذلك؟ قال الشاب: ان الذي فعل ذلك رأى صيداً على شجرة فأطلق سهماً من سهامه فاصاب الصبي وأنا من فعل ذلك، وقد اقررت فاعف عني!
قال ابو الصبي: لم أقررت على نفسك؟
قال الشاب: رجاءً لكرمك.
قال أبو الصبي: عفوت عنك«652».
اللهم وهذا عبد من عبيدك عفا عن ذنب من أذنب بحقه وأقرّ على نفسه، ونحن عبيدك المذنبون اقررنا على أنفسنا بخطايانا وذنوبنا فاعف عنا يا كريم!
يا سريع الرضا! اغفر لمن لا يملك الاّ الدعاء، فانّك فعّال لما تشاء يا من اسمه دواء وذكره شفاء، وطاعته غنىً ارحم من رأس ماله الرجاء وسلاحه البكاء، يا سابغ النعم، يا دافع النقم، يا نور المستوحشين في الظلم يا عالماً لا يُعلّم، صل على محمد وآل محمد، وافعل بي ما أنت أهله وصلّى الله
على رسوله والأئمة الميامين من آله وسلّم تسليماً كثيراً

يا سريع الرضا اغفر لمن


بهذه الكلمات المؤثرة يصل الدعاء الى نهايته فنجد تسليماً كاملاً من العبد لربّه وانه ليس للانسان شيء الاّ الدعاء فكل شيء بيد الله. وانّه عزوجل سريع الرضا وانه مصدر الخير المطلق فاسمه دواء وذكره شفاء وانه ليس لعبده من رأسمال الاّ الأمل والرجاء ولا يملك سلاحاً الاّ كلمات الدعاء وان الله عزوجل هو النور الذي يضيء القلوب ويسطع في السماوات والارض وانه انيس المستوحشين في الظلمات.
ويبقى الدعاء أهم ما يستطيع الانسان أن يقدمه من اجل الخلاص ومن أجل اقامة علاقة قويّة مع الربّ تبارك وتعالى تقوده الىالتكامل المنشود.
وما على الانسان الاّ أن ينتبه وأن يصحو من غفلته لينظر الى وجه الله وأن الله عزوجل هو الرحمة المطلقة؛ يغفر ذنوب عباده ويمحو السيئات وان الانسان متى قرر العودة الى الله وجد أبواب المغفرة والتوبة والقبول مفتوحة ووجد الله تواباً غفوراً.
وما أجمل ما قاله سيدنا علي بن أبي طالب «:
وفدت على الكريم بغير زاد مــن الحسنات والقلب السليم
وحمل الزاد اقبح كل شـيء اذا كان الوفود على الكريم«653»
اللهم انا نتوسّل اليك باسمائك الحسنى أن تغفر لنا وتتجاوز عن خطايانا اللهم وأنت قلت وقولك الحق: ««ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها»» «654».
اللهم فانّا نهتف بك وننادي:
يا الله!
يا رحمن!
يا رحيم!
يا ربّ!
اللهم وان كانت اسماؤك هم عبادك الكاملون الذين بلغوا مراتب العصمة حتى خلت قلوبهم من كل شيء الاّ منك فانا نقسم عليك بأوليائك المعصومين أن تصفح عنا وتقبلنا وترزقنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وأن تنجينا من النار يا رب!
اللهم ونسألك باسمك العظيم الاعظم ونقسم عليكم بحجتك ووليّك والمهديّ «وهو الذي ببقائه بقيت الدنيا وبيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الارض والسماء»» أن تجعل امورنا الى خير وتحسن عاقبتنا.

حكـايـة


جاء في كتب التراث ان سيدنا ابراهيم الخليل كان يرعى أغنامه في التلال فظن جمع من الملاكئة ان حبّ ابراهيم لله ربّما بسبب ما اعطاه من الثروة فأمر الله أمينه جبرائيل أن ينادي فوق التلال: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح!.
ولمّا سمع ابراهيم النداء يمجّد اسم المحبوب ذهل عن نفسه وانطلق وراء النداء وصعد التل فلم يجد أحداً فصاح: يا منادي باسم الحبيب ناد باسمه اعطيك نصف غنمي، فجاء نداء جبريل:
سبوح قدّوس ربّ الملائكة والروح!
فهام ابراهيم ولهاً ونادى: يا منادي ناد باسم الحبيب اهبك جميع الغنم.
فنادى جبريل.
وحينئذ تأوه ابراهيم ماذا بقي عندي فاعطيك الاّ أن اكون مملوكاً لك!
فيا من اسمه دواء وذكره شفاء وطاعته ثروة وغنى ارحم من رأس ماله الرجاء وسلاحه النوح والبكاء.
يا الله يا رب يا كريم يا حبيب يا أنيس يا مؤنس يا اكرم الاكرمين يا ارحم الراحمين يا سابغ النعم يا دافع النقم يا نور المستوحشين في الظلم يا عالماً لم يعلم صل على محمد وآل محمد .

النهاية