الواجبات


خلق الله عزوجل البشر وأودع في قلبه العقيدة الحق، ونفخ في نفسه الاخلاق الحسنة وأوحى الى جوارحه أن تنساق الى الاعمال الصالحة ومنح الله سبحانه عبده الارادة وحمّله مسئولية الاختيار وقد بين لـه الطريق اللاحب الواضح المبين الذي يقوده الى خير الدنيا وخير الآخرة.
ولا شك ان تنفيذ ارادةالحق تبارك وتعالى باخلاص وحب في جميع الظروف فان الانسان سوف يتدرج في مراتب الكمال الذي يوصله الى السعادة في الدارين والحصول على رضوان الله عزوجل في حياة طيبة هانئة أبدية في مقعد صدق مع الانبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
ولكن ما يمنع ويحول بين الاستجابة لأمر الله عزوجل ونهيه هي الأهواء النفسية؛ التي مجموع الرغبات والميول، التي تحاول باستمرار جرّ الانسان الى اشباعها بأي طريقة وبأي ثمن، حتى لو أوقعت الانسان في المعاصي والذنوب والخطايا.
وهذه الأهواء والرغبات الجائعة تصور للانسان هذه الدنيا الفانية في أحلى صورة؛ فتجسّد له لذائذها ومتعها ومظاهرها البراقة الخادعة، وتوحي له ان السعادة هي في اشباع الرغبات، بأية وسيلة حتى لو كان ذلك على حساب سحق حقوق الآخرين وانتهاك كرامتهم الانسانية.
وشيئاً فشيئاً يصبح الانسان أسيراً في قبضة الشهوات والرغبات التي تستحيل الى حيوانات جامحة تعربد باستمرار ولا تعرف الهدوء، وتصبح انسانية الانسانية اسيرة ويستحيل الكائن الانساني الى حيوان وربما الى ما هو أسوأ بكثير من درجة الحيوانية وحينئذ ينسى الانسان الحقيقة؛ فلا يرى سوى الاباطيل.
وعندما يكتشف الحقيقة يكون قد فات الأوان لأن مخالب الموت قد نشبت في عنقه ولات حين مناص وحينئذ يدرك المرء أن عدوّه كان نفسه التي بين جنبيه. يقول سيدنا محمد «:
««أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك»» «487».
أجل هذه النفس الأمّارة بالسوء.. هذه الأهواء التي تصبح كالحيوانات الكاسرة لا تعرف سوى الافتراس والبطش والشر حتى يصبح الانسان العوبة، تدفعه حيث تشاء وتبعثر سنوات عمره في مستنقعات الرذيلة والسقوط.
سئل الامام الرضا « عن شيء يجمع خير الدنيا والآخرة، قال: خالف هواك«488».
وقال سيدنا محمد «:
««أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه»» «489».
وقال « لعلي «:
««يا علي افضل الجهاد من أصبح لا يهتم بظلم أحد»» «490».
عندما يسلم الانسان نفسه لأهوائه النفسية فانها ستأخذه الى طريق الغوايه ويسقط فريسة الخداع والوساوس الشيطانية، فينسى الله واليوم الآخر يوم الحساب والجزاء، ومعنى هذا ان الانسان قد مكّن الشيطان من روحه، وكان الأحرى به وقد منحه الله نعمة الارادة والحرّية أن يختار الطريق الصائب، من خلال اقامة علاقة حب مع الله عزوجل والقيام بكل الواجبات الدينية الالهية واجتناب المعاصي والظلم وانتهاك حقوق الغير وفي هذا تكمن السعادة الابدية.
فلك الحجة علي في جميع ذلك
ولا حجة لي فيما جرى عليّ فيه قضاؤك وألزمني حكمك وبلاؤك
فلك الحجة علي في جميع ذلك
أجل يا سيدي أنني مدان وكل الادلّة ضدي، فلقد عشت حياتي حرّاً مسؤولاً امتلك الارادة الكافية وأعي ماذا أفعل وكنت أرى طريقين طريق الخير وطريق الشر ولكني مع الأسف اخترت طريق الهاوية والسقوط.. فها أنا تحت حكمك مستسلم لقضائك.

أدلّة الحق


يدرك الانسان بوضوح انه مسؤول تماماً عن أفعاله وأعماله وبالتالي عن كل تجاربه ولا حجة له عند الله في تبرير أي من مواقفه وسيرته.
فهو ينعم بالارادة التي تجسّد استقلاله وحرّيته في الانتخاب كما أنه يعي تماماً ما حولـه من دروب الحياة؛ فكلمة الدين واضحة والادلاّء هنا وهناك وكتاب الله يتلى عليه؛ وهناك من كتب المعرفة والثقافة ما يساعده على اكتشاف الدين الحق والطريق القويم.
وهو ينعم بقدرات عقلية كافية، جعلته يعرف كيف يعيش وكيف يكسب قوته ويشغل موقعه في الحياة الاجتماعية.
ولو انه احتج بغياب من يساعده ويرشده الى سواء الطريق فهذه النبوّات، تتألق كمصابيح تضيء ظلمات الأرض وقد أضاءت مصابيح وقناديل مئة واربعة وعشرون الف نبي ورسول وكان سيدنا محمد آخر الرسل وخاتم الأنبياء؛ وهذا كتاب الله عزوجل؛ وقد نصب رسول الله « اثني عشر اماماً يفسرونه ويقرأونه للناس ويبلغون احكامه، وهذه مساجد الله يرفع فيها اسمه يُسبّح له فيها بالغد والآصال.
فما عذر الانسان بعد كل هذا؟ أجل ليس لـه عذر الاّ المكابرة والانصياع للأهواء ووضع الاصابع في الآذان حتى لا يسمع صوت الحق.
كلاّ ان الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة.
قال احد أصحاب الامام الصادق «:
««سمعت ابا عبدالله « يقول: تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة قد افتتنت في حسنها فتقول: يا ربّ حسّنت خلقي حتى لقيت ما لقيت؛ فيجاء بمريم « فيقال: أنت أحسن أو هذه؟ قد حسّناها فلم تفتتن.
ويجاء بالرجل الحسن قد افتتن في حسنه؛ فيقول: يا رب حسنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت، فيجاء بيوسف « فيقال: أنت أحسن أو هذا؟ قد حسّناه فلم يفتتن.
ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول: يا ربّ شدّدت عليّ البلاء حتى افتتنت؛ فيؤتى بأيّوب « فيقال له أبليّتك اشدّ أو بلية هذا؟ فقد ابتلي فلم يفتتن»» «491».
وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري واسرافي
على نفسي معتذراً نادماً منكسراً مستقيلاً مستغفراً منيباً،
مقرّاً مذعناً معترفاً لا أجد مفرّاً مما كان مني ولا مفزغاً اتوجّه
اليه في أمري غير قبولك عذري، وادخالك ايّاي في سعة من رحمتك
وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري
ها أنا قادم اليك يا رب.. قادم أعتذر.. نادماً يا الهي منكسراً يا ربّ واعترف في حضرتك بكل خطاياي وأعرف أنّه لا مهرب لي الاّ بالفرار اليك ها أنا قادم فاقبلني واصفح عني تائباً جئت فاغفر لي يا الهي.

كلمات الحب ومناجاة العشق


وفي هذا المقطع من الدعاء نجد سيدنا علي « يشير الى كل ما من شأنه ان يؤدي الى المغفرة؛ اعتراف بالتقصير في العبادة، اعتراف واقرار بالاستغراق في الشهوات، ندم وانكسار واعتذار وعودة واستغفار، وادراك كامل بالعجز عن الفرار اذ لا طريق للفرار من الحق الاّ بالاعتذار وطلب المغفرة والتوبة.
هذا النواح والتضرع والبكاء وهذا الندم والاعتراف يجسّد توبة حقيقية وعزم على العودة والانابة الى المحبوب ان هذه الكلمات البشرية لا بدّ وأن الله عزوجل يحب سماعها من عباده.
جاء في سيرة العاشقين؛ ان احد السالكين جاء الى وليّ من أولياء الله فقال: لقد قررت الرحيل الى رحاب الحق ومقام الربوبية والحضور في رحاب الالوهية فاخبرني أي هدية آخذ معي الى الرب الودود الغفور مالك الملك ذي الجلال؟ لأن الذهاب بيد خالية في غاية القبح والجفاء!
فقال ذلك الوليّ: احمل اليه ما ليس هناك.. هناك الكمال في العلم والحلم والقدرة والرحمة والمشيئة واللطف والمطلق في السمع والبصر والكرم والجلال والعدل والسطوة والهيبة أما ما ليس هناك فهو الآهة الحرّى والدمعة والتضرّع وكلمات الانكسار.
أجل انه يحبّ أصداء التائبين وكلمات النادمين ومناجاة العائدين وصريخ المكروبين واستغاثة المنيبين وأي عاشق لا يحب اقبال حبيبه؟!

يوسف وزليخا


جاء في قصص الانبياء: ان زليخا استغلت نفوذها واتهمت يوسف حتى سيق الى السجن، وأرادت زليخا أن تسمع صوت الذي شغفها حباً؛ فأمرت غلاماً لها أن يضربه بالسوط لتسمع تأوهاته ولما أراد الغلام أني فعل ذلك ووقعت عيناه على حالة يوسف وقد تألق وجهه بنور سماوي لم يطاوعه قلبه أن يجلد هذا الفتى الكريم؛ فأمر أن يضع على ظهره ثوباً وراح يلهبه بالسياط فلم يتألم كثيراً وكانت زليخا تصغي الى صوت السياط ولا تسمع ليوسف أنّة ولا توجعاً؛ فأمرت غلامها أن يشدّد في الضرب حينئذ طلب الغلام من يوسف أن يكشف عن جزء من ظهره؛ فاستجاب يوسف وراحت السياط تنهال عليه؛ حتى تصاعدت أنّاته وزليخا تصغي الى صوت من شغفها حبّاً!

قوم يونس


لمّا أحس قوم يونس أن نبيّهم قد غادر مدينتهم متجهاً الى ديار بكر ورأوا علامات العذاب واضحة في الفضاء وأيقنوا أن سخط الله واقع عليهم لا محالة وأنهم قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، هبّوا الى رجل يتوسمون فيه الصلاح فاستغاثوا به فأشار عليهم بأن يفعلوا ما يظهر عجزهم وندمهم وانكسارهم واعتذارهم واعترافهم بذنوبهم؛ فخرج أهل المدينة عن بكرة ابيهم الى الفلاة وفرّقوا بين الاطفال وأمّهاتهم وارتدوا الخَلِقَ من الثياب وخرجوا جميعاً حفاة يبكون ويتضرعون الى الله أن يرفع عنهم العذاب حتى الحيوانات أخذوها معهم فامتلأ الفضاء ببكاء الاطفال وعويل النساء وبكاء الرجال وثغاء الماشية، والجميع يستغفر الله ويقرّ بالأثم وقد أعلنوا توبتهم وآمنوا بالله الواحد الأحد لا شريك له وتبرأوا من الأصنام والأوثان.
وفيما جاء في تضرعهم: الهنا وربّنا ان يونس وعظنا وقال اعتقوا العبد واحسنوا الى البائس والفقير ونحن يا ربّنا عبيدك فاصفح عنّا واعتقنا من غضبك.. اللهم يا غياث من لا غياث له.
واستجاب الله عزوجل ورحمهم ورفع عنهم العذاب الذي كاد يعصف بهم ويمزّقهم ويجعلهم أحاديث.
إنّ العودة الى الله والاعتراف بالخطأ والتقصير هو ما ينبغي على الانسان العاقل أن يفعله ذلك أنّ الله سبحانه قد أبان معالم دينه واتم حججه على عباده فلا عذر لهم مما يفعلون ولا حجة لهم فيما يرتكبون من المعاصي والآثام.
وان الله سبحانه قد فتح أبواب التوبة ومهد مسالك العائدين اليه ـ وسعت رحمته كل شيء تبارك وتعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.
اللهم فاقبل عذري، وأرحم شدّة ضرّي، وفكّني من شدّ وثاقي يا رب ارحم ضعف بدني، ورقّة جلدي، ودقّة عظمي، يا من بدأ خلقي وذكري، وترتبيتي
وبرّي وتغذيتي، هبني لابتداء كرمك وسالف برّك بي
اللهم فاقبل عذري، وارحم شدّة ضري
اقبل اعتذاري يا رب، وارأف بحالي..
وهذه الأغلال يا الهي لا يفكّني منها سواك.. أنا يا الهي ضعيف وأنت يا رب خلقتني.. وأنت الذي هيأت لي كل اسباب النمو بكرمك ساعدني فقد غمرتني بلطفك منذ جئتُ الى الوجود يا الهي!

في رحاب الحبيب


وفي هذا المقطع من الدعاء نجد أن الكلمات تقطر عشقاً وتوبة وصدقاً كلمات مفعمة بالمناجاة الخالصة والمشاعر الانسانية التي تدرك جيداً موقعها الحقيقي في ساحة الله خالق الخلق اجمعين.
ان كلمات الاعتذار تتوالى تباعاً وتحمل معها الاعتراف الكامل بالخطيئة والضعف البشري.. ليس هناك من عذر سوى الاقرار بالذنب والتوبة والندم.
هذا هو الكائن البشري يقف أمام الله الذي خلقه وغمره بالنعم والآلاء وسخر له كل شيء.. ها هو يقف يغمره احساس بالخجل والندم وها هو يعترف بضعفه وغفلته وكيف انزلق في الضياع والتيه قبل ان يصحو وينتبه الى ما وصل اليه من طريق مسدود..
انه يعود الى الله ويعترف أمامه باكياً متضرعاً متوسلاً منيباً منكسراً مقرّاً مذنباً معترفاً لا يجد مفرّاً من الله الاّ اليه..
انها الغفلة التي تغتال الانسان وتقذف به نحو هاوية مظلمة سحيقة ما لها من قرار.. ولكنه ينتبه في لحظة رحمة الهية فيعود يبكي ويشكو ويلوم نفسه آه كيف سوّلت لي نفسي؟! كيف انخدعت بوساوس الشيطان ونسيت كيد عدوّي؟!
لماذا تركت نار الحسد تلتهم انسانيتي؟ ولماذا عميت بصيرتي وتركت ذاتي تتضخم وتتضخم حتى لم أعد أرى شيئاً غيرها ولا أرى العالم الاّ من خلالها؟
لماذا الحرص على دنيا زائلة لماذا هذا الطمع ولماذا البخل ولماذا الرياء..
لماذا تركت روحي تتخطفها ذئاب الرذائل..
كان في وسعي ان اضرب صفحاً عن الوساوس الشيطانية وأصغي الى نشيد الكون ينساب من رسالات الله..
ألم يكن من الأفضل ان أرى ذاتي على حقيقتها تعيش بسلام؛ تتقاسم الحب مع الآخرين؟ اذن لعشت في راحة بال وطمأنينة خاطر.. إنّ الانانية مقيتة ومقرفة. كان في وسعي أن اغبط الآخرين على ما أنعم الله عليهم اتمنى ان يرزقني الله مثلهم وهو الرزاق الكريم؛ فالحسد أن يتمنى المرء زوال نعمة الغير! ترى ما اقبح هذه المشاعر بل ما هي فائدتها للانسان غير الاحتراق بها؟!
انها لنار مجنونة تلتهم القيم الانسانية النبيلة وتحيل الانسان الى كائن مقيت.
لماذا البخل والله هو الرزاق؛ وقد فتح خزائنه وتدفقت نعمه وما علىالانسان الاّ ان يسعى ويعمل وينتج وينفق على نفسه وغيره.. ولماذا الرياء والذي يراقبنا ويحاسبنا الله وهو الذي يكافئنا وينظر الى قلوبنا.
حمداً لك يا الهي وقد تداركتني برحمتك، ولولا أنت ما أدري ما أنت.. ولولا رأفتك لفتكت بي الامراض ومزقت روحي ولكان مصيري في قاع الجحيم.. ولولا أنت يا الهي لكان مصيري مع الكافرين مع نمرود وفرعون والجنود أو كان مع قارون وبلعم بن باعورا ومع الذين كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون أجل لكان مصيري في جهنم وساءت مصيرا.
«إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا««492».

ويوم يأتي النداء بالحق:


«خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِالله الْعَظِيمِ««493».
أجل يا الهي فإذا لم تفك عني السلاسل والأغلال؛ فمن يرفعها عني؟! واذا لم تطلق سراحي من أسر الهوى؛ فمن أين لي أن أكون حرّاً يعبدك ولا يشرك بك شيئاً.
الهي وفقني لطاعتك وعبادتك ولا تخرجني من الدنيا حتى ترضى عني وحتى لا أفارق الدنيا الاّ تلبية لندائك:
«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً««494».

حكـايـة


عندما كان هارون الرشيد في خراسان ومرض المرض الذي مات فيه أمر باحضار طبيب من أهل طوس حيث كان هناك وأن يعرض عليه ادراره في زجاجة مع ادرار مرضى واصحاء آخرين كلاّ في زجاجة وأن يقوم الطبيب بتشخيص الجميع. وبدأ الطبيب يجري فحوصاته الواحدة بعد الأخرى ويسجل الحالات حتى اذا أتى عليها جميعاً قال: وليكتب صاحب هذه الزجاجة وصيته لأن قواه قد اضمحلّت وانهار بدنه، وعندما جاءوا الى هارون بذلك الخبر انشد:
ان الــطبيـــــب بطبـــه ودوائــــه لا يستطيع دفاع نحب قد أتــى
ما للطبيب يموت بالداء الذي قد كان يبرئ مثله فيما مضى
ولما شاع الخبر في طوس بموت هارون أمر أن تسرج دابته، ليظهر بين الناس وما أن استوى على ظهرها حتى خرّ فقال: صدق المرجفون ثم أمر باحضار أكفان؛ فاختار من بينها كفناً ثم أمر أن يحفر له قبر الى جانب فراشه ثم نظر الى القبر وقال:
«مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ««495».
أجل لن يستطيع المال ولا السلطان لا الثراء الواسع ولا النفوذ والسطوة والجيوش أن تدفع سهام القدر والمصير الحتم.
أجل لن ينفع شيء سوى الله عزوجل برحمته الواسعة ورأفته المطلقة.
اللهم هذه شهواتي أسرتني وهي تكبلني بالسلاسل والأغلال.. الهي فك أسري وضع عني السلاسل والأغلال التي تمنعني من السير في طريقك.. الهي لا طاقة لي وأنت يا الهي القادر على كل شيء.

محاسبة قبل الحساب!


تعالوا نحاسب أنفسنا كمافعل ذلك الرجل الذي حكى قصّته البهائي كيف عدّ أيام عمره وقد ذرّف على الستين فإذا هي 21.500 يوماً فقال يا ويلي لو لم ارتكب في كل يوم الاّ ذنباً لواجهت الله وأنا مكبّل بـ 21.500 ذنباً ثم صرخ صرخة ووقع مغشياً عليه فحرّك فإذا هو قد فاضت روحه.
الهي! أنا على كل حال عبدك خلقتني وربيتني وأنا يا الهي محكوم بقدرتك خاضع لمشيئتك ولا يمكن لي الفرار الاّ اليك.
الهي أنا الذرّة أنا التراب أنا الطين وأنا الصلصال والحمأ المستون وأنا النطفة من ماء مهين أنا العلقة والمضغة..
الهي من أنا وما شأني لولا أني عبدك ومجدي أن أعفّر جبيني ساجداً في حضرتك وعزّتي في انكساري أمامك وغناي بفقري اليك.. الهي ارحمني واغفر لي وتجاوز عني يا كريم يا غفور يا رحيم.
يا الهي وسيدي وربّي، أتراك معذبي بنارك بعد توحيدك،
وبعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك، ولهج به لساني من ذكرك
واعتقده ضميري من حبّك، وبعد صدق اعترافي ودعائي خاضعاً لربوبيتك
اتراك معذبي بنارك بعد توحيدك
ويا معبودي ولا معبود سواك ويا الهي ولا اله سواك هل ستعذبني وفي قلبي يتدفق حبك.. يا حبيب وهل تعاقبني ولساني يهتف باسمك؟
ها أنا يا رب اعلن استسلامي وخضوعي في حضرتك فافعل ما تشاء يا راحم المساكين والبائسين ويا مجيب دعوة المضطرين يا رب!
الهي ظني بك حسن انت ارسلت الينا الانبياء، نصبت لنا الائمة الهداة معالم تضيء طريقك وتدلّنا عليك.
اللهم استر علي عيوبي واغفر لي وادخلني الجنة يا واحد يا أحد!

التوحيد


هذا الوجود الفسيح كل ما فيه آيات تدلّ على أحدية الخالق تبارك وتعالى.. وكل ذرّة في هذا العالم تهتف: ««لا اله الاّ الله»».
ان من يتأمل الكون بكل ما فيه يسمع نداء التوحيد هذه النجوم في اغوارها السحيقة والمجرّات والسدم والجبال الشاهقة التي تغفو السحب على سفوحها وهذه السحب في أجواء الفضاء والامطار اذ تنهمر فتغسل الغابات الكثيفة.. كل قطرة من المطر تهتف لا اله الا الله.
والقلوب المؤمنة تنبض بحب الله وتوحيده تسبح بحمده وتنزهه فلا شريك له ولا معبود غيره ولا اله سواه.
وهذا تاريخ النبوّات منذ فجر الرسالات كل الانبياء حملوا مشعل التوحيد ودعوا الأمم والشعوب والقبائل الى توحيد الله لأنه لا اله الاّ هو.
التوحيد هو أساس النظام الالهي، وكل الشرائع الالهية بشرت بالتوحيد ونفت كل شريك لله، فليس هناك اله للخير واله للشر ولا أساس للحلول؛ الله لم يحلّ ولن يحلّ في جسم من الاجسام؛ ان الحلول خرافة وانتاج الاذهان المريضة. والذين جسموا الله هؤلاء أيضاً ضلّوا سواء السبيل لأنه ليس كمثله شيء ـ الله واحد لا شريك له.
هذه هي العقيدة الحق انه واحد أحد فرد صمد وليس ثالث ثلاثة كما قال النصارى.
ان على المؤمن أن يعتقد بالله الواحد، الذي يدرك الابصار ولا تدركه الابصار؛ محيط بكل شيء واكبر من كل شيء وفوق كل شيء سبحانه وتعالى عما يصفون.
وعلى المؤمن أن يتصرّف وفق هذه العقيدة، التي تنفي كل العقائد الاخرى والمؤمن الحق من يواجه هذه الاباطيل التي تمس بنقاء التوحيد.
هذا هو الجانب النظري الفكري من عقيدة التوحيد؛ أما الجانب العملي فهو أن تكون الطاعة وفق ما جاءت به الكتب السماوية والانبياء والرسل، ولأن الشرك في القول هو أظهر انواع الشرك فقد شدّد الانبياء على اعلان عقيدة التوحيد واضحة جليّة وهذا ما سيؤدي الى رفض العبودية لغير الله؛ فطاعة الطغاة هي شرك بالله، وعقيدة التوحيد ترفض بحزم سلطة الطاغية، الذي يعني طرح نفسه ربّاً كما فعل فرعون وقال بوقاحة: أنا ربكم الأعلى!
من أجل هذا ما إن أعلن الانبياء والرسل عقيدتهم وهتفوا ان لا اله الا الله حتى ثارت ثائرة الطغاة والفراعنة والمستكبرين:
«إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا الله يَسْتَكْبِرُونَ««496».
ان عقيدة التوحيد ترفض في الصميم الاستعباد.. استعباد الانسان واستعباد الشعوب وقهر الامم، لأن كلمة التوحيد تجعل الحاكمية لله وحده وتدحض حاكمية الطواغيت والجبابرة.
ان عقيدة التوحيد الخالص هي ان الله واحد لا شريك له؛ ليس كمثله شيء؛ صفاته عين ذاته، هو الحاكم على كل شيء مالك كل شيء رب العالمين.. الأرض جميعاً قبضته والسماوات مطويات بيمينه.
انزل القرآن على عبده محمد « ليكون للعالمين نذيراً وسراجاً منيراً فأوضح فيه عقيدة الاسلام وطالب بطرد الشيطان وعدم اتباع خطواته.. وأن هذه الحياة الدنيا اختبار للبشر.
لينظر كيف يصنع عباده وقد بين لهم السبيل وأوضح لهم أن لا اله الا الله ولا مؤثر في الوجود الاّ الله ولا حول ولا قوة الاّ بالله.
وهذا سيدنا علي « كرم الله وجهه؛ فلم يسجد لوثن ولم يعبد أحداً الاّ الله؛ تشرّب عقيدة التوحيد حتى لا يرى شيئاً الاّ ورأى الله فيه وقبله وبعده فكل شيء هو تجلّي لله. اصغ اليه وهو يقول: أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنّه غير الصفة؛ فمن وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثنّاه ومن ثنّاه فقد جزّأه ومن جزّأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار اليه ومن أشار اليه فقد حدّه ومن حدّه فقد عدّه ومن قال: فيم؟ فقد ضمّنه. ومن قال: علام؟ فقد أخلى منه.
كائن لا عن حدث؛ موجود لا عن عدم مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة؛ بصير إذ لا منظور اليه من خلقه؛ متوحد اذ لا سكن سيستأنس به ولا يستوحش لفقده»» «497».
ويقول « في خطبة أخرى:
««الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد ولا تراه النواظر ولا تحجبه السواتر. الدالّ على قِدمه بحدوث خلقه وبحدوث خلقه على وجوده، وباشتباههم على أن لا شبه له.
الذي صدق في ميعاده وارتفع عن ظلم عباده وقام بالقسط في خلقه وعدل عليهم في حكمه.
مستشهد بحدوث الاشياء على ازليّته وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها اليه الفناء على دوامه.
واحد لا بعدد ودائم بلا أمد، وقائم بلا عمد.
تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة وتشهد له المرائي لا بمحاضرة.
لم تحط به الأوهام بل تجلّى لها بها، وبها امتنع منها واليها حاكمها.
ليس بذي كبر امتدّت به النهايات فكبّرته تجسيماً ولا بذي عِظم تناهت به الغايات فعظّمته تجسيداً بل كبر شأناً وعظم سلطاناً»» «498».
فمن آمن بالله واحداً لا شريك له وبالقرآن كتاباً منزلاً من عنده وبالانبياء والائمة والأولياء، يعمل بما فرض الله عليه ويجتنب ما نهى عنه سبحانه، ولا يعبد أحداً الاّ الله كتب عند الله عز وجل موحداً ونجا يوم لا ينجو الاّ من آمن بالله واليوم الآخر وجاء بقلب سليم.
يقول سيدنا محمد «:
««خير العبادة قول لا اله الاّ الله»» «499».
وعن الامام الباقر «:
««ما من شيء أعظم ثواباً من شهادة أن لا اله الاّ الله، لأن الله عزّوجل لا يعدل له شيء ولا يشركه أحد»» «500».
وقال رسول الله «:
««من مات ولا يشرك بالله شيئاً أحسن أو أساء دخل الجنة»» «501».
وعن الامام الصادق «:
««ان الله تبارك وتعالى حرّم أجساد الموحدين على النار»» «502».
وعنه «:
««قول لا اله الاّ الله ثمن الجنّة»» «503».
وقال سيدنا محمد «:
««ان لا اله الاّ الله كلمة عظيمة كريمة على الله عزوجل، من قالها مخلصاً استوجب الجنّة، ومن قالها كاذباً عصمت ماله ماله ودمه وكان مصيره الى النار»» «504».
وقال صلوات الله عليه وآله:
««والذي بعثني بالحق بشيراً لا يعذّب الله بالنار موحِّداً أبداً»» «505».
الهي! يا رحمن يا رحيم يا محبّ الموحدين يا من لا تعذب موحديك ولا تدخل النار من آمن بك اله واحداً لا شريك لك ولا معبود سواك.
الهي انعقدت الألسن فهي عاجزة عن توصيف مجدك وولهت القلوب بحبك وهامت الارواح المؤمنة بعشقك يا واحد يا أحد يا رب.
هيهات أنت أكرم من أن تضيع من ربّيته أو تبعّد من أدنيته، أو تشرّد
من آويته أو تسلّم الى البلاء من كفيته ورحمته
هيهات أن أكرم من أن تضيع من ربيته
أنا لا أصدق انك يا الهي تعذبني، فأنت كريم لا تضيع من ربيت ولا تقصي من أدنيت، وهل يتشرّد الذين آويتهم أو تترك أعاصير البلاء تعصف بهم؟! وها هي رحمتك تغمر كل شيء!

تجلّي الربوبية:


الله سبحانه وتعالى ومنذ أن خلق الانسان ليدبّ على الارض والى أن يرحل عن الدنيا جعل له نوعين من التربية:
أ ـ تربية مادية.
ب ـ تربية روحية.
أ ـ والتربية الماديّة تتجلّى في غمره بالنعم؛ فنعمه تبارك وتعالى لا تحصى وتتجلّى أيضاً في تأثير هذه النعم في نموه وتكامله المادّي، فتلك القوى المدهشة التي يشتمل عليها بدن الانسان والتي تقوم بامتصاص واجتذاب هذه النعم في سلسلة من التفاعلات تؤدي الى تغذية الجسم ونموه.
قال الله عزوجل:
«قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ الله فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ««506».
اننا عاجزون عن الالمام والاحاطة بعضو واحد من البدن عاجزون عن فهمه فكيف نقدر على شكر الله من أجله؟!
وكيف سائر اعضاء البدن الأخرى؟!
ان الجسم البشري عالم هائل يزخر بالآيات الالهية وهو من الجلال في البناء ما يجعل العالم ولو بقدر قليل، يخرّ ساجداً لله وكأن عالم الإنسان يكاد يتسع لكل الوجود وكأنه انعكاس لعالم كبير كبير جداً ولعلّ هذا ما أراد سيدنا علي « أن ينبهنا له في قوله:
وتحسب أنك جرم صغير ـ وفيك انطوى العالم الاكبر.
أجل جسم الانسان هو من اعظم آيات الله وحججه على الانسان نفسه.
قال تعالى: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا
تُبْصِرُونَ««507».
وقال أيضاً: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ««508».
توجه هذه الآيات، الإنسان إلى ما ينطوي عليه خلقه من الآيات البينات التي لا تنتهي. كما تبشر بأن الله سيبينها للناس جلية واضحة، حتى يتبيّن لهم أنه الحق.
فلنحاول طرق أبواب هذا العالم المعقد، وسبْرَ اعماقه بكل تؤدة وخشوع لعلنا نعيش في ظل هذه الآيات القرآنية التي تجعل الجحيم حيران:
ـ ففي المعدة يوجد 35 مليون غدة معقدة التركيب لأجل الإفراز. أما الخلايا الجدارية التي تفرز حمض كلور الماء فتقدر بمليار خلية.
ـ في العفج والصائم يوجد «3600» زغابة معوبة في كل 1 سم2 لإمتصاص الأغذية المهضمومة، وفي الدقاق «2500» زغابة مع العلم أن طول الأمعاء ثمانية أمتار.
ـ في مخاطية الفم يتوسف «500.000» خلية تعوض فوراً، وذلك كل خمسة دقائق.
ـ يوجد في اللسان «9000» حليمة ذوقية لتمييز الطعم الحلو والحامض والمر والمالح.
ـ لو وضعت الكريات الحمراء لجسم واحد بجانب بعضها في صف واح، لأحاطت بالكرة الأرضية التي نعيش عليها «5 ـ 6» مرات، أما مساحتها فتقدر بـ «3400» متر مربع وعددها «5» ملايين كرية حمرا في كل ملمتر مكعب من الدم.
وتجري كل كرية حمراء 1500 دورة دموية بشكل وسطي كل يوم، تقطع خلالها «1150» كم الف ومئة وخمسين كيلومتراً في عروق البدن.
ـ القلب: هو مضخة الحياة التي لا تكل عن العمل، عدد ضرباته «60 ـ 80» ضخة في الدقيقة الواحدة، وينبض يومياً ما يزيد على مئة ألف مرة، يضخ خلالها 8000 ليتراً من الدم. وحوالي 56 مليون جالون على مدى حياة إنسان وسطياً. ترى هل يستطيع محرك آخر القيام بمثل هذا العمل الشاق لمثل تلك الفترة الطويلة دون حاجةٍ لإصلاح؟!
ـ تحت سطح الجلد يوجد «5 ـ 15» مليون مكيِّف لحرارة البدن، والمكيف هنا هو الغدة العرقية التي تخلص الجسم من حرارته الزائدة بواسطة عملية التبخر والتعرق.
ـ يستهلك الجسم من خلاياه «125» مليون خلية في الثانية الواحدة أي بمعدل «7.500.000.000» سبعة آلاف وخمس مئة مليون خلية في الدقيقة الواحدة. وبنفس الوقت يتشكل ويتركب نفس العدد من الخلايا تقريباً. ولو تعلم أيها القارئ بناء وهندسة وفيزيولوجية الخلية الواحدة لسقطت على الارض ساجداً من إعجاب صنع الله: «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ««509».
ـ الرغامى عند الإنسان تتفرع الى قصبات ثم قصيبات، وهكذا حتى تصل إلى فروع دقيقة على مستوى الأسناخ الرئوية، ويبلغ عدد الأسناخ الرئوية حوالي «750» مليون سنخ، وكل سنخ يتمتع بغلاف رقيق ويتصل بجدار عرق دموي صغير، وهكذا يتم تصفية الدم بسحب غاز الفحم، ومنح الأكسجين اللازم للبدن. إن شبكة الأسناخ تفرض مساحة تصل إلى ما يزيد على «200» متر مربع لتصفية الدم وفي الحالة الطبيعية لا يستخدم أكثر من عشر هذه الأسناخ، وفي الأزمات ينفتح المزيد من الأسناخ.
ـ في كل يوم يتنفس الإنسان «25» ألف مرة يسحب فيها 180 متراً مكعب من الهواء، يتسرب منها 6.5 متر مكعب من الاكسجين للدم.
ـ في الدماغ «13» مليار خلية عصبية و«100» مليار خلية دبقية إستنادية تشكل سداً مارداً لحراسة الخلاية العصبية من التأثر بأية مادة. والأورام تنمو خاصة على حساب الخلايا الدبقية وكأن الخلايا العصبية مستعصية على السرطان.
يتغذى الدماغ على الغلوكوز كمادة سكرية فقط بخلاف القلب الذي يتغذى على سكر الغلوكوز أو حمض اللبن، الغلوكوز هو الحلوى الفاخرة التي يفضلها الدماغ بخلاف بقية أجهزة البدن،وإذا وقع البدن في أزمة غلوكوز فإن آليات الجسم تفضل هذا العضو النبيل عن باقي أعضاء البدن في العطاء. وذلك لأن انقطاع الدم عنه لمدة «3 ـ 5» دقائق تؤدي لتخريب دائم غير قابل للتراجع في أنسجته. أما كمية الدم التي يحتاجها يومياً فلا تقل عن «1000» ليتراً.
ـ لو وضعت الخلايا العصبية في الجسم بصف واحد لبلغ طولها أضعاف المسافة بين القمر والأرض.
ـ العين: في العين الواحدة حوالي «140» مليون مستقبل حساس للضوء، وهي تسمى بالمخاريط والعصي، وطبقة المخاريط والعصي هذه هي واحدة من الطبقات العشرة التي تشكل شبكية العين، التي تبلغ ثخانتها بطبقاتها العشرة «0.4» مم. ويخرج من العين نصف مليون ليف عصبي ينقل الصورة بشكل ملون!!! «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم».
ـ أما الأذن ففي عضو كورتي الذي يمثل شبكية الأذن يوجد «30.000» خلية سمعية لنقل كافة أنواع الأصوات بمختلف اهتزاماتها وشدتها بحساسية عظيمة. وفي الأذن الباطنة يوجد قسم يسمى التيه Labyrinth لأن الباحث يكاد يتيه من أشكال الدهاليز والممرات والجدر والحفر والغرق والفوهات والاتصالات وشبكة التنظيم والعلاقات الموجودة داخل هذا القسم!!
ـ في الدم الكامل «25» مليون المليون كرية حمراء لنقل الأكسجين و
«25» مليار كرية بيضاء لمقاومة الجراثيم ومناعة البدن، ومليون المليون صفيحة دموية لمنع النزف بعملية التخثر في أي عرق نازف، وتتكون هذه الخلايا بصورة أساسية في مخ العظام الذي يصب في الدم مليونين ونصف كرية حمراء في الثانية الواحدة وخمسة ملايين صفيحة، ومئة وعشرين ألف كرية بيضاء، وهذه أهمية العظام بتوليد عناصر الدم وتتراجع وتضعف هذه الوظيفة عند المسنين، ولنتذكر هنا الآية القرآنية التي تعبر عن الكهولة:
«قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا««510» فقد يصبح للآية وقع خاص على النفوس.
ـ دفقة المني الواحدة عند الرجل تحوي ثلاثمائة مليون حيوان موي، ولا يتخلق الإنسان إلا من حيوان منوي واحد يندمج ببيضة واحدة من الأنثى.
ـ الكلية الواحدة تحوي مليون وحدة وظيفية لتصفيةالدم تسمى النفرونات Nephrones، ويرد إلى الكلية في مدى «24» ساعة «1800» ليتر من الدم، ويتم ضح «180» ليتراً منه، ثم يعاد امتصاص معظمه في الانابيب الكلوية ولا يطرح منه سوى 1.5 ليتراً وهو المعروف بالبول. ويبلغ طول أنابيب النفرونات حوالي «50» كيلومترا. «صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ««511».

حكمة تشريحية


في تعصيب اللسان، توصل علماء التشريح إلى أن الحليمات الذوقية في الثلث الاخير من اللسان تتعصب بالعصب البلعومي اللساني أما في الثلثين الأماميين فيتعصبان بشعبة عصبية تأتي من العصب الوجهي السابع، وتسمى هذه الشعبة بعصب حبل الطبل. وإن الألياف الذوقية في العصب البلعومي اللساني، والألياف الذوقية في حبل الطبل تنشأ جميعها من نواة واحدة في الدماغ هي النواة المنفردة، وقد فكر في سر ذلك علماء العصر، فانتهوا إلى القول أن عصب حبل الطبل هو عصب تائه، لأنه قد ضل طريقه، فهو عصب ذوقي نشأ في النواة الذوقية التي نشأ منها العصب التاسع البلعومي اللساني ولكنه لم يسر معه بل طاف طويلاً فخرج مع العصب الوجهي، ثم دخل عظم الصخرة والأذن الوطسى، ثم اتبع طريق العصب اللساني حتى وصل إلى اللسان ليحمل إلى مقدم اللسان حس الذوق. لقد قال من رأوا نصف العلم أن هذا الطريق الطويل الذي سلكه العصب التائه هو خطأ في التكوين،ولكن الله سبحانه وتعالى الذي لا تنفد معجزات كتابه العظيم الذي قال فيه متحدثاُ عن المستقبل «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» جعل العلماء يكتشفون سراً جديداً، فقد كان في مرور العصب المذكور داخل الأذن الوسطى على الوجه الباطن لغشاء الطبل ومرافقاً للرباط الطبلي الكعبي الخلفي فالأمامي حكمةٌ بالغة في خلق الله للإنسان وتحقيقاً لأمر آخر ولم يكن من باب ضلال الطريق، ذلك أنه إذا نقص الضغط الجوي داخل الأذن الوطسى، انجذب غشاء الطبل نحو الداخل وضغط على هذا العصب، ويؤدي هذا الإنضغاط إلى تنبيه الألياف الذوقية التي يحملها فيؤدي ذلك لإفراز اللعاب من الغدد اللعابية، وهذا يوجب على الإنسان أن يبتلع لعابه، بعملية البلع هذه تنفتح الفوهة البلعومية للنفير السمعي «نفير اوستاش» فيدخل الهواء للأذن والوسطى ويتعادل الضغط داخل وخارج غشاء الطبل فيعود لوضعه الطبيعي ويزول انضغاط العصب التائه ويتوقف إفراز اللعاب وهكذا دواليك. «ربنا ما خلقلت هذا باطلاً سبحانك».
ولو تابعنا بمحاولة التعرف على دقائق وعجائب جسم الإنسان لبقينا في ذهول نتيجة الهول والدهشة، ولكن سنقتصر على هذا القدر البسيط، فلنرجع ونتأمل الآيات القرآنية التي تصف خلق الإنسان لعلنا نقدرها بعض تقديرها.
«وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ««512».
«هَذَا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ««513».
«وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ««514» «515».
وفي هذا المقطع من الدعاء نجد سيدنا علي « يستدلّ بنعم الله عزوجل التي تغمر الانسان والوجود على رحمته ويستبعد أن يكون الله عزوجل يربّي مخلوقه الضعيف المحتاج له في كل شيء للخراب والفساد، وهو الذي آواه وربّاه وكفاه ودفع عنه أمواج البلاء وأعاصير النوائب.
وكيف لا وهو عزوجل الذي يقول لعباده:
««ناديتموني فلبيتكم، سألتموني فأعطيتكم، بارزتموني فأمهلتكم، تركتموني فرعيتكم، عصيتموني فسترتكم؛ فإن رجعتم اليّ قبلتكم وإن ادبرتم عني انتظرتكم، انا أجود الاجودين وأكرم الأكرمين وارحم الراحيمن»» «516».

موسى وقارون


جاء في قصص الأنبياء عن ابن عباس «:
««... ثم ان الله سبحانه وتعالى انزل الزكاة على موسى « فلما أوجب الله سبحانه الزكاة عليهم أبى قارون فصالحه عن كلّ ألف دينار على دينار، وعن كلّ ألف درهم على درهم، وعن كلّ ألف شاة على شاة، وعن كلّ ألف شيء شيئاً، ثمّ رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيراً فلم تسمح بذلك نفسه؛ فجمع بني إسرائيل وقال لهم: يا بني إسرائيل إنّ موسى قد أمركم بكلّ شيء فأطعتموه، وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا له: أنت كبيرنا وسيّدنا فمرنا بما شئت، فقال: آمركم أن تجيؤوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلاً على أن تقذفه بنفسها، فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه، فأتوا بها؛ فجعل لها قارون ألف درهم؛ وقيل ألف دينار؛ وقيل طستاً من ذهب؛ وقيل: حكمها وقال لها: إنّي اموّلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل. فلمّا أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل، ثم أتى موسى، فقال له: إنّ بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم وتبيّن لهم أعلام دينهم وأحكام شريعتهم، فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض، فقام فيهم خطيباً ووعظهم فيما قال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه ثمانين، ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتّى يموت، فقال له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قال قارون: فإن بني إسرائيل يزعمون أنّك فجرت بفلانة، قال: أنا؟ قال: نعم، قال: ادعوها، فإن قالت فهو كما قالت، فلمّا أن جاءت قال لها موسى: يا فلانة إنّما أنا فعلت لك ما يقول هؤلاء وعظّم عليها، وسألها بالّذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلاّ صدقت، لمّا ناشدها تداركها الله بالتوفيق وقالت في نفسها: لئن اُحدث اليوم توبة أفضل من أن اُوذي رسول الله، فقالت: لا، كذبوا، ولكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي، فلمّا تكلّمت بهذا الكلام سقط في يد قارون ونكس رأسه وسكت الملأ وعرف أنّه وقع في مهلكة، وخرّ موسى ساجداً، يبكي ويقول: يا ربّ إن عدوّك قد آذاني واراد فضيحتي وشيني، اللّهم فإن كنت رسولك فاغضب لي وسلّطني عليه، فأوحى الله سبحانه أن أرفع رأسك ومر الأرض بما شئت تطعك، فقال موسى: يا بني إسرائيل إن الله تعال قد بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون، فمن كان معه فليثبت مكانه، ومن كان معي فليعتزل، فاعتزلوا قارون ولم يبق معه إلا رجلان، ثمّ قال موسى «: يا أرض خذيهم، فاخذتهم إلى كعابهم، ثمّ قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم، ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى حقوهم، ثمّ قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم، وقارون وأصحابه في كلّ ذلك يتضرعون إلى موسى « ويناشده قارون الله والرحم، حتّى روي في بعض الأخبار أنّه ناشده سبعين مرّة، وموسى في جميع ذلك لا يلتفت إليه لشدّة غضبه، ثم قال: يا أرض خذيهم، فانطبقت عليهم الأرض، فأوحى الله سبحانه إلى موسى: يا موسى ما أفظّك! استغاثوا بك سبعين مرّة فلم ترحمهم ولم تغثهم، أما وعزّتي وجلالي لو إيّاي دعوني مرّة واحدة لوجدوني قريباً مجيباً«517».

حكـايـة


جاء في كتب التراث أنه كان في المدينة المنورة شاب وجيء للنبي « بأنه يحتضر وطلب منه « أن يحضره فجاء النبي « وجلس عند فراشه وأراد الشاب أن يتشهد فلم يطاوعه لسانه فسأل النبي « عن حاله: أتارك للصلاة هو؟
قيل: لا.
قال: أمانع للزكاة.
قيل: لا.
قال: أعاق لأبيه.
قيل: لا.
قال: أعاق لأمه.
قيل: نعم.
فدعا النبي « أمه وقال لها: أيكون في حلٍّ منك؟
قالت: كيف اجعله في حلّ وقد لطمني.
قال النبي لمن حوله: علي بالنار.
فقالت الأم: وما تفعل بها.
قال «: لأحرقه جزاء ًعلى فعلته.
قالت: لا تحرقه يا رسول الله حملته في بطني تسعة أشهر وغذوته حولين كاملين، فإن كان ولا بد فهو في حلٍّ مني.
هذه أم تفعل مع من عقها وأذنب بحقها.
وهي لم تخلقه ولم تمنحه نعمة الوجود، رق قلبها وعفت عن ابنها ولم ترض أن يحرق فكيف بخالق الانسان وهو أرأف بعبده من الأم الشفيقة بولدها؟
هيهات أنت أكرم من أن تضيع من ربّيته.

حكـاية أخـرى


جاء في كتب التراث ان يزيد بن المهلب كان له دين على ««وكيع»» وهو من اعيان خراسان فبعث بعامله الى عامل وكيع يطالبه بتسديد ما عليه من الدين وأن يشدّد عليه في استرداد المبلغ.
وذات يوم جاء عامل وكيع الى دار يزيد بن المهلب لأمهاله في تسديد الدين الذي على وكيع.
وفيما هم يتحدثون مدّ الخوان فقال عامل ابن المهلب لعامل وكيع اخرج بنا عن المجلس فقال عامل وكيع: لا والله حتى اصيب من الطعام، ثم مدّ يده وتناول الطعام مع صاحب الدار الذي هو غريمه، فلما انتهوا التفت عامل وكيع الى ابن المهلب يستمهله فقال ابن المهلب لعامله: اسقط عنه الدين لقد أصاب من زادي وملحي وطعامي وليس من المروءة أن أطالبه بعد ذلك.
اذا كان العبد يفعل ذلك مع من أكل زاده وملحه فكيف برب العباد وعباده ينهلون من مائدة الوجود وهي حافلة بنعمه وآلائه.. هيهات.

وحكاية أخرى


وحكى بعض أرباب التواريخ انه جيء الى معن بن زائدة وهو من كبار القادة بثلاثمئة أسير، فأمر بقتلهم جميعاً، فهتف فتى لم يبلغ الحلم بعد من بين أولئك الأسرى: أيها الأمير ناشدتك الله الاّ تقتلنا حتى تسقينا من الماء!
فقال معن: اسقوهم جميعاً، فلما شربوا وارتووا هتف الفتى: اننا الآن ضيوفك وشأنك ايها الامير ان تكرم ضيفك.
قال معن: صدقت اطلقوهم.
وحقاً ما قال سيدنا علي « بعيد بعيد على الله أن يضيع عباده ويشرّد بهم أو يسلمهم الى البلاء وهو أرحم الراحمين واكرم الاكرمين.
وليـت شعري يا سيدي والهي ومولاي! أتسلّط النار على وجوه خرّت لعظمتك ساجدة، وعلى السن نطقت بتوحيدك صادقة، وبشكرك مادحة، وعلى قلوب اعترفـت بالهيتك محقّقة وعلى ضمائـر حـوت من العلـم بك حتـى صــارت
خاشعة، وعلى جوارح سعت الى أوطان تعبّدك طائعة وأشارت باستغفارك
مذعنة.ما هكذا الظن بك ولا أخبرنا بفضلك عنك يا كريم
أتسلّط النار على وجوه خرّت لعظمتك
أجل ليس ظنّنا بك الاّ أنك الكريم الذي لا نهاية لكرمك والجواد الذي لا حدود لجودك وسخائك.