قبل فهرست بعد

مسؤولية الزوجين أزاء الأقربين

الأهل والأقارب

مسؤولية الزوجين أزاء الأقربين   
ان لكلٍّ من الزوج والزوجة أقارب واتباع لا يجوز لهما تناسيهم في الجوانب التي يقرّها الشرع المقدس ، ولا يحق لأي منهما منع الآخر من التزاور معهم وأداء ما لهم من حقوق .
ان لكلٍّ من الزوج والزوجة أبٌ واُمٌ ، واخوة واخوات ، أعمام وأخوال ، عمّاتُ وخالات وأبناء اخوة وأبناء أخوات أبناء عمومة وأبناء خوال ، ولهم اجدادٌ وجدّات وعددٌ من الأقارب النسبيين .
ان التزاور معهم يعدُّ من العبادات ومن الحسنات ، والتردد عليهم يعتبر عملاً حسناً ، وحل مشكلاتهم يمثل فعلاً يستحق الأجر والثواب .
على الزوجة ان لا تتبرّم حيال أقرباء زوجها وتمتنع عن الترحيب بهم إذا ما قدموا إلى بيت زوجها ، أو يكفهر ووجهها في وجوههم حين تقابلهم وتعكّر الأجواء ، أو تمارس اسوء من ذلك كلّه إذ تصد زوجها عن التزاور معهم وحل مشكلاتهم .
ان البيت ملك الزوج وقد أناط الله سبحانه وتعالى بالرجل مهمة التصرف بأمواله ، وطاعة الزوجة لزوجها من الواجبات الشرعية ، وايذاء الزوجة لزوجها يعدُّ من المحرّمات ، ومنعها اياه من التزاور مع ابويه واخوته واخواته وسائر اقاربه أمرٌ مناف للاخلاق والفطرة والقيم الانسانية ، وكذا منع الزوج زوجته من التزاور مع ابويها واقاربها وارحامها يعدُّ عملاً منافياً للمحبة والعواطف الانسانية .
وإذا ما أصبح المرأة والولد حائلاً دون القيام بأعمال الخير والاحسان والتعبد والتزاور مع الاقارب ومديد العون اليهم فإنّهم ـ وكما يعبّر القرآن الكريم ـ يعتبرون عدواً للانسان ، ليس بمعنى العدو الذي يطفح قلبه بالضغينة ، بل العدو الذي لا يود ان يربى الانسان سعيداً وهانئاً في الدنيا والآخرة ، وعلى ربّ الاُسرة أن لا يستسلم للنزعات الخاطئة التي تتملك الزوجة والولد إذا ما رام القيام باعمال الخير وحل مشكلات الناس والتزاور مع الارحام ودعوتهم إلى بيته ، وابداء المساعدة لابويه واخوته واخواته .
وبطبيعة الحال فان المؤمنات من النساء ، اللواتي آمنّ بالله واليوم الآخر وتوفر لديهنّ الشعور بالمسؤولية والرغبة في اعمار آخرتهنّ وادركن ان اداء حق الزوج يعتبر واجباً شرعياً ، وتأبن بالأخلاق الالهية ، فإنّهنّ على اتفاق مع ازواجهنّ في جميع شؤون الحياة والامور الأخلاقية وايتاء الصالحات ، بل انّهنّ إذا ما لمسن من ازواجهنّ تهاوناً على هذا الصعيد بادرن إلى حثِّهم وترغيبهم إلى الصالح من الأعمال والتزاور مع الاقارب ومساعدتهم .
أما اللواتي يخالفن ارادة الحق تعالى في التوجهات ، أو الأولاد الذين تخالف مآربهم ارادته جلّت قدرته ، فهم ممّن عدَّهم القرآن الكريم في عداد الاعداء ، وهنا يوجه الباري تعالى في كتابه الاوامر الانسان فيما يخص هذا الجانب ، وهذه الاوامر لها صبغة اخلاقية وعاطفية وانسانية فقط ، يقول تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(1) .
ولا فائدة من الاصطدام مع مثل هؤلاء الزوجات والاولاد ، ولا داعي للجدال والصراع معهم ولا ضرورة تستدعي الغضب والتشاحن ، ليبقوا على اصرارهم ، وما عليكم الاّ الثبات في طريق طاعة الله سبحانه والانفاق والجهاد في سبيله وفعل الصالحات على كافة الاصعدة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التغابن : 14 .
وفي الحقيقة فان بعض النساء متزمتات في هذا الجانب ، فهنّ قد حُرمنَ رحمة الله ويحاولن حرمان الآخرين منها وكذلك فان بعض الرجال متشددون ايضاً ازاء زوجاتهم في هذا المجال ، وتشدوهم هذا لا مبر له ولا فائدة منه سوى الحرمان من رحمة الله وفضله .
فما السبب الذي يدفع بالبعض من النساء الى الوقوف بوجه ازواجهنّ ومنع اقربائه من دخول بيته وان لا يذهب هو لزيارتهم أو ان يمتنع عن اعانتهم مالياً وبالمقابل يتردد اقرباء الزوجة على البيت ـ الذي هو ملك الزوج ويخضع لتصرفه ، ولا بد من ان يكون تردد الآخرين على هذه الدار باذنه ـ وتجري الامور وفقاً لما تشتهيه الزوجة وتمضي اشهر وسنوات والرجل يعيش حسرة عدم دخول ابويه أو اخوته واخواته إلى داره فيما ينثال اقرباء المرأة على الدار طيلة هذه الاشهر والسنين .
ألا يمثل ذلك ظلماً بحق الزوج وأقاربه ؟ انّه الظلم ، تلك الحالة النفسية الخطرة التي من ابتُليَ بها لعنه الله وأبعده عن رحمته وساءت عاقبته في الآخرة .
وهل من الأخلاق ان يمنع بعض الازواج زوجاتهم من الذهاب إلى بيوت آبائهنّ أو اخوانهن واخواتهن ويتعاملون معهنّ كالأسير المرتهن ؟
لا شك بأنّها اخلاقٌ شيطانية يرفضها الحق تعالى وتؤدي بالتالي إلى حرمان المرء من رحمة الله عزوجل .
لقد تطرق القرآن الكريم بما يقرب من ثلاث وثلاثين مرة إلى اقارب الانسان واوصى بهم ، عدا الآيات المتعلقة بصلة الرحم .
ونظراً إلى ان المؤمن مأمور بالاقتداء بسيرة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) والتأسي به في جميع المجالات ، فإنّ أحد واجباته يتمثل في هداية اقاربه وانذارهم إذا كانوا بحاجة للهداية والانذار ، والإنسان بحاجة إلى ذلك حتى آخره عمره . قال تعالى :
( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ )(1) .
ما اجمله من عمل إذ يقوم الانسان بين الفينة والاُخرى ـ إذا كان قادراً ـ بجمع أقاربه وأقارب زوجته في بيته وتقديم المواعظ لهم وتعريفهم مسائل الحلال والحرام وتحذيرهم عواقب الطالح من الأعمال والأخلاق وتعليمهم المسائل الفقية والشرعية ؟
ان هداية الناس إلى المعارف الالهية عملٌ يناظرُ عمل الأنبياء والأئمة وفيه من الاجر والثواب ما يدهش العقول .
يروى ان العلاّمة المجلسي ((رحمه الله)) كان مواظباً على هذا العمل فيجمع زوجته وأولاده وأقاربه في ليالي الجمعة ، ويراه واجباً عليه ، لان انفاق العلم كانفاق المال عملٌ حسنٌ يحظى بقبول الحق تعالى .
وقد قرن تعالى في كتابه الاحسان إلى القربى إلى جانب طاعة الله والاحسان إلى الوالدين ، وبذلك يبين عظمة الاحسان إلى الاقارب :
( . . . لاَتَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى )(2) .
ان الانسان مجبولٌ على حبِّ المال والثروة ، ولولا حبّ المال لما توجه أحدٌ نحو العمل والفن والصناعة والتجارة والزراعة ، والمال الذي يأتي عن طريق الكد يصبح معشوق الانسان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الشعراء : 214 .
2 ـ البقرة : 83 .
والقرآن الكريم يدعو المؤمن إلى التخلّي عن هذا المعشوق من أجل حلِّ مشكلات ذوي القربى وتسيير حياتهم ، وينفق ماله لاقاربه وارحامه رغم حبّه له ، إذن أن بذل المال لذوي القربى يعدّ من علامات الصادقين : ( . . .وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوي الْقُرْبَى )(1) .
من الضروري ان يحصل القربى سواء من النسب أو الحسب وكلٌّ حسب موقعه وقربه على جزء من إرث المرء ، وهنا تأمّلوا هذه الآية التي تعدُّ وثيقةً تدعم جميع الحقائق : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى . . . )(2) .
ان اداء حق القربى والمحافظة على كرماتهم من الأهمية لدى الله تعالى إلى الحد الذي يأمر به الانسان ان يلتزم العدالة في القول ازاء القربى فيقول تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى )(3) .
فاحتقارهم والاستخفاف بهم بالقول والفعل يعتبر عملاً مخالفاً للشرع المقدس ومنافياً للاخلاق وتجاوزاً على الكرامة .
ان الله سبحانه وتعالى يأمر بالتزام العدل وبذل الاحسان وفي هذا المجال فهو يخص بالذكر ذوي القربى إذ يقول : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى . . . )(4) .
إن تقصير الاغنياء وذوي الثروة عن الانفاق على اقربائهم والعطاء لهم هو مما يرفضه الحق تعالى ويأنفه الشرع المقدس والعقل والمنطق والأخلاق والفطرة ، يقول تعالى :
( وَلاَ يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى . . . )(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 177 .
2 ـ النساء : 8 .
3 ـ الانعام : 152 .
4 ـ النحل : 90 .
5 ـ النور : 22 .
وإذا ما شهدتم في المحاكم فعليكم الشهادة بالعدل وتجنب كتمانها وان كان ذلك يعود بالضرر عليكم أو على الوالدين والاقربين ، يقول تعالى :
( . . .كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ )(1) .
ويجب عدم الاستغفار للقربى إذا كانوا من المشركين ومبتعدين عن الله سبحانه صادقين عن دينه ، يقول تعالى :
( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى )(2) .
وفي القرآن الكريم ورد الأمر بعدم التوادد مع الآباء والامهات والاولاد والأقارب إذا كانوا اعداءً لله ورسوله(3) .
وماخلا هذين الموردين ، أي عدم الاستغفار للمشركين من القربى وعدم محبتهم ، فإن أقرباء المرء هم لحمه ودمه ، ولا يحقّ للزوج أو الزوجة ان يمنع احدهما الآخر عن التزاور مع أقربائه ومواصلتهم ، لا سيما المرأة فلا يحق لها حرمان زوجها من هذا الفيض الوفير والخير العظيم الذي يوازي بالاجر طاعة الحق تعالى .
ان وصيتي إلى الازواج هي ان يتعاملوا مع اولي القربى على ضوء ما جاء في الآيات الثلاث والعشرين من كتاب الله باحترام اقرباء بعضهم البعض والتزاور والتواصل معهم واعانتهم بما يستطيعون من المال إذا كانوا بحاجة لذلك .
وعلى الزوجة التزام الحذر من اثارة غضب الرجل لان غضبه وغيضه ـ استناداً إلى ما جاء في الروايات ـ بمثابة غضب الربّ وغيضه ، والمرأة التي لا يرضى عنها زوجها لا يُقبل منها عملٌ واجبٌ كان أو مستحب(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النساء : 135 .
2 ـ التوبة : 113 .
3 ـ المجادلة : 22 .
قال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« ملعونة ملعونةٌ امرأةٌ تؤذي زوجها وتغُمُّهُ »(2) .
ان جانباً من ايذاء الزوج يرتبط بالموقف ازاء اقاربه ، إذ تعاند الزوجة زوجها بلا مبرر منطقي أو شرعي ، وبذلك تحرم نفسها من رحمة الله عزوجل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 100/244 .
2 ـ نفس المصدر : ص 253 .
( الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرعد / 21

صلة الرحم

القرآن وصلة الرحم

صلة الرحم   
صلة الرحم : من صالح الأعمال وارضاها التي أكّد عليها الباري عزوجل والأنبياء والأئمة ((عليهم السلام)) .
وقد فسَّر العلامة النحرير والمحدِّث الكبير والفيلسوف الجليل والعارف الملا محسن فيض الذي امضى عمره مع القرآن والأحاديث الشريفة ، صلة الرحم ، بزيارة الارحام وقضاء حوائجهم وحلِّ مشكلاتهم المادية واعانتهم على صعيد العمل والتكسب وتزويج ابنائهم وبناتهم ، وإذا ما جرى التمعن بآيات القرآن الكريم والاحاديث فإنّ المعنى ذاته يستفاد من موضوع صلة الرحم .
وقد تركزت سيرة الأنبياء وأخلاق أئمة الشيعة في صلة أرحامهم على القيام بهذه الأعمال ، والقرآن بدوره يوصي بصلة الرحم معتبراً إياها من افعال الذين يعقلون ، ومعتبراً قطيعة الرحم فسقاً ومرتكبها فاسقاً .
وفي سورة النساء يأمر تعالى بتقوى الله والارحام ، وانّه لمن المدهش ان يذكر تعالى الارحام بعد ذكره جلّ اسمه فيقول : ( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالاَْرْحَامَ )(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النساء : 1 .
وفي سورة الرعد يذكر تعالى خصالاً يعدها من خصال اولي الالباب يستحقون ان تتلقاهم الملائكة في المحشر يسلِّمون عليهم ولهم نعم العاقبة ، ومن بين هذه الخصال صلة الرحم ، يقول تعالى : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ  . . . )(1) .

وفي سورة البقرة يقول تعالى بشأن قطع الرحم : ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الاَْرْضِ أُوْلئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )(2) .

نعم ، قطيعة الرحم خسرانٌ ليس بالهيِّن .
وفي سورة الرعد ثمة آية قاصمة للظهر ، إذ يقول تعالى : ( . . .وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الاَْرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )(3) .

ويقول تعالى في سورة محمد ((صلى الله عليه وآله)) : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )(4) .

فايُّ اهمية تحظى بها صلة الرحم بحيث ان صاحبها تستقبله الملائكة يوم القيامة وتسلّم عليه وتحسنُ عاقبته ، ونصيب قاطع الرحم اللعنة وسوء الدار والهلاك .
ان سدّ ما يعاني منه الارحام من عوز مادي من خلال الانفاق عليهم بما يحفظ كرامتهم وشخصيتهم له من الفوائد ما لا يُحصى ، يقول تعالى : ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتَاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَة أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )(5) .

ويقول تعالى : ( إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الرعد : 21 .
2 ـ البقرة : 27 .
3 ـ الرعد : 25 .
4 ـ محمد : 22 .
5 ـ البقرة : 265 .
خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُم مِن سَيِّآتِكُم وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )(1) .
وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )(2) .

مشروعٌ شاملٌ وبديع

لنبحث عن اقاربنا ـ نسباً وحسباً ـ غنيهم وفقيرهم ثم ندعو الاغنياء منهم ونتلو عليهم ما ورد من آيات وأحاديث بشأن صلة الرحم ونوضحها لهم ثم نطلب من كلَّواحد منهم ان يودع كل شهر أو سنوياً ـ بما تسمح به ثروته وأمواله ـ مبلغاً من المال لدى احد وجهاء القوم وكبارهم ومن ثم ايداعه في أحد صناديق التسليف ومنحه كقرض أو مساعدة للفقير من الارحام إذا ما داهمه طاريءٌ ليتسنى له شراء دار إذا احتاج لذلك أو سدِّ ما ينقصه من اثاث البيت أو اعداد جهاز لابنته أو تزويج ابنه .
انّه عملٌ يسيرٌ مرضيٌ لدى الله ، حلالٌ للمشاكل ، مزيلٌ للآلام وقد جرى التنويه إلى جزائه بالاجمال خلال الآيات الآنفة .
لنحاول توضيح هذا المشروع لجميع الناس ونحثهم على تطبيقه ، فاذا ما طُبق في جميع انحاء البلاد حينها سيرفع وزرٌ ثقيل عن كاهل الدولة والخيرين ويصيب الاغنياء الاجر العظيم جرّاء اعانتهم لاولي القربى .
وفي آيات الانفاق قدَّم القرآن الكريم الانفاق على الاقربين على غيرهم ثم ذكر اليتيم والمسكين والفقير وابن السبيل والسائلين ، وعلى سبيل المثال تأملوا هذه الآية الكريمة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 271 .
2 ـ البقرة : 274 .
( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ الْسَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ )(1) .

قصة مدهشة

يروى الصدوق بسند معتبر عن الامام الصادق ((عليه السلام)) : . . . لما صادت السمكة في البحر الذي فيه قارون سمع قارون صوتا لم يسمعه فقال للملك الموكل به : ما هذا الصوت ؟ قال : هو يونس النبي ((صلى الله عليه وآله)) في بطن الحوت ، قال : فتأذن لي ان اكلّمه ؟ قال : نعم ، قال : يا يونس ما فعل هارون ؟ قال : مات ، فبكى قارون ، قال ما فعل موسى ؟ قال مات ، فبكى قارون ، فاوحى الله تعالى جلّت عظمته الى الملك الموكل به : ان خفف العذاب على قارون لرقته على قرابته(2) .

روايات في صلة الرحم

قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« صِل رحمك ولو بشربة من ماء وافضل ما يوصل به الرحم كفُّ الاذى عنها »(3) .
فالارحام أشدما يؤذيهم روحيا الاحتقار والتوهين والصاق التهم والتكبر ، وأفضل درجات صلة الرحم كفّ الاذى عنهم .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« صلُوا ارحامكم في الدنيا ولو بسلام »(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 177 .
2 ـ سفينة البحار ج 1/183 ، بحار الأنوار ج 14/391 ح 11 .
3 ـ البحار : 74/13.html .
4 ـ البحار : 74/14.html .
وروي عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« يسرْ سنةً صِلْ رَحِمَكَ »(1) .
وروي عنه ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومَنْ في اصلاب الرجال وارحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم وان كانت منه على مسيرة سنة فإن ذلك من الدين »(2) .
وفي الروايات الواردة على مدى الصفحات 111 ـ 126 من الجزء الرابع والسبعين من كتاب بحار الانوار تتجلى فائدة صلة الرحم ، وهنا ننقل طائفة من تلك الروايات :
قال الباقر ((عليه السلام)) :
« صلة الارحام تُزكّي الأعمال ، وتُنمي الاموال ، وتدفعُ البلوى وتنسيءُ من الاجل » .
وقال أبو عبدالله الصادق ((عليه السلام)) :
« ان صلة الرحم والبرّ ليهوِّنان الحساب ويعصمان من الذنوب ، فصلوا ارحامكم ، وبرُّوا باخوانكم ولو بحُسنِ السلام وردِّ الجواب » .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« صلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر » .
« صلة الرحم تعمُر الديار وتزيد في الاعمار وان كان اهلها غير أخيار » .
« من مشى إلى ذي قرابة بنفسه وماله ليصل رحمه اعطاه الله عزوجل اجر مئة شهيد ، وله بكلِّ خطوة اربعون الف حسنة ويُمحى عنه أربعون الف سيئة ويُرفع له من الدرجات مثلُ ذلك وكأنما عبدالله مئة سنة صابراً محتسباً » .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 74/13.html ـ 15.html .
2 ـ نفس المصدر .
« ان في الجنة درجةً لا يبلغها الاّ امامٌ عادل أو ذو رحم وصول أو ذو عيال صبور » .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) لأبي ذر : « صل قرابتك وان قطعوك » .
ان رجلاً اتى النبي ((صلى الله عليه وآله)) فقال : يا رسول الله ، اهلُ بيتي أبَوا إلاّ توثباً عليَّ وقطيعة لي وشتيمة ، فارفضهم ؟ قال ((صلى الله عليه وآله)) : إذن يرفضكم الله جميعاً ، قال : فكيف اصنعُ ؟ قال : تصلُ مَنْ قطعك وتُعطي مَنْ حرمك وتعفو عمَّن ظلمك ، فإنّك إذا فعلتَ ذلك كان لك من الله عليهم ظهيرٌ .

روايات في قطيعة الرحم

وعن الجهم بن حميد قال : قلت لأبي عبدالله ((عليه السلام)) « يكون لي القرابةُ على غير أمري ، ألَهُم علىَّ حقٌ ؟ قال نعم ، حقُ الرحم لا يقطعه شيءٌ وإذا كانوا على امرك كان لهم حقّان ، حق الرَّحم وحقُّ الاسلام »(1) .
عن أبي جعفر الباقر ((عليه السلام)) انّه قال : في كتاب رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« إذا قطعوا الارحام جُعلتِ الاموال في ايدي الاشرار »(2) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة : مدمنُ خمر ، ومؤمنُ سحر ، وقاطع رحم »(3) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) في خطبة « اعوذ بالله من الذنوب التي تعجِّل الفناء فقام اليه عبدالله بن الكوّاء اليشكري فقال : يا أميرالمؤمنين أو تكونُ ذنوب تعجِّل الفناء ؟ فقال : نعم ويلك قطيعة الرحم »(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 74/131 .
2 ـ البحار : 74/369 .
3 ـ البحار : 74/90 .
4 ـ البحار : 74/137 .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
( اقبحُ المعاصي قطيعة الرحم والعقوق »(1) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ان الرحمة لا تنزلُ على قوم فيهم قاطع رحم »(2) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) ايضاً :
« ان الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطعُ رحم »(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 4/89 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .
( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيراً لاَِنفُسِكُمْ وَمَن
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التغابن / 16

بواعث سعادة الأسرة وشقائها

السعادة والشقاء

بواعث سعادة الأسرة وشقائها   
ان السعادة والشقاء يمثّلان افرازاً لافعال الانسان واخلاقه وعقائده ، فالعقائد السليمة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة تورث السعادة ، أما العقائد الخاطئة والأخلاق القبيحة والأعمال الطالحة فهي تورث الشقاء .
والسعادة تعني حسن الحظ في الدنيا والآخرة ، أما الشقاء فهو يعني التعاسة وسوء الحظ في الدنيا والآخرة .
والسعادة مصداقها رضوان الله وجنان الخلد ، أما الشقاء فمصداقه غضب الله والخلود في العذاب الاليم .
ومن الحري بالاسر المسلمة المؤمنة الاهتمام بهاتين المفردتين ، أي السعادة والشقاء ، فعلى الزوجين العمل منذ بداية حياتهما الزوجية على توفير أسباب السعادة والتخلص من عوامل الشقاء وذلك من خلال اعانة بعضهما البعض كي تصفو لهما أجواء الدار وتصبح بيئة صالحة لأولادهما .
على الاُسرة العمل منذ انطلاق الحياة الزوجية على توفير دواعي بلوغ رضى الحق تعالى ودخول جنانه من خلال التحلّي بالايمان والقيام بصالح الأعمال والتزام الأخلاق .
وقد جرى التطرق إلى السعادة والشقاء في آيات الكتاب العزيز والأحاديث وجرى بيان اسبابهما بالتفصيل وجرى تحذير الناس جميعاً من ان يحرموا انفسهم السعادة ويوقعوها في الشقاء .
ونظراً إلى ان الحديث يتركز حول نظام الاُسرة وما يتوجب على أهل الدار من التزام بعض القواعد ازاء بعضهم البعض الآخر والاحتراز عن اُمور اخرى حيث تتوقف سعادتهم على ذلك ، فانني اشير إلى محاسن الأخلاق ومساوئها فقط لحاجة الاُسر إلى ذلك ، واحيل الحديث عن الايمان والعمل إلى الكتب التي تتناولهما بالتفصيل .
ان عوائلنا لا سيما في ايران تتمتع إلى حد ما بالايمان بالله واليوم الآخر والأنبياء والأئمة وتؤدي الفرائض مثل الصلاة والصوم والحج والحقوق الشرعية وتتورع عن ارتكاب المحرمات كأكل الحرام واللجوء ألى الغرائز التي تتنافي وانسانية الانسان ، وتراعي ما فُرض بخصوص المحارم ، الاّ ان اغلب ما تعانيه العوائل من ضعف هو عدم التزام الجوانب الأخلاقية وعدم الابتعاد عن المساويء الروحية ، حيث اكتفي هنا بتوضيح هذين الجانبين بالقدر اللازم .

الانصاف

وهو يعني العدل وتقديم الخدمة للآخرين ، وان يحب المرء لغيره ما يحب لنفسه ويبغض لهم ما يبغض لها ، وينبغي ان تسود هذه الخصلة على تصرفات الزوجين فيما بينهما وعلى تصرفاتهما ازاء أولادهما وعلى تصرفات الاولاد ازاء والديهم ، فكلّ فرد في المجتمع مأمورٌ بأن ينصف الآخرين وان يراعي الناس في كل عمل يقوم به .
قال الصادق ((عليه السلام)) عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« أعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه »(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 72/25 .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَنْ واسى الفقير وانصفَ الناس من نفسه فذلك المؤمن حقاً »(1) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) لأميرالمؤمنين :
« الانفاق من الاقتار ، وانصاف الناس من نفسك ، وبذلُ العلم للمتعلِّم »(2) .
وقال رجلٌ لرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : « علمني عملاً لا يحال بينه وبين الجنة قال : لا تغضب ، ولا تسأل الناس شيئاً ، وارض للناس ما ترضى لنفسك »(3) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« الا إنّه مَنْ يُنصف الناس من نفسه لم يزده الله الاّ عزّاً »(4) .
ما اجملها من حياة واحلاها حين يتوسم الزوج الانصاف أزاء زوجته ، والزوجة ازاء زوجها ، وكلاهما حيال أولادهما ، والأولاد حيال أبويهم ، ويحبُّ كلٌّ منهم للآخر ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها .
فلا تكن الراحة من نصيب رب الاُسرة وأولاده فيما تتحمل الاُم اعباء البيت ومشاقه ، أو يشقى الابوان فيما يصب الاولاد همهم على الأكل والنوم فقط بل يمنّون على أبويهم كذلك ، على الجميع ان يُنصف بعضهم البعض ويخدمه ويعدل بحقه ، وان يعين بعضهم بعضاً في انجاز اعمال البيت كي يتوفر جانبٌ من سعادتهم وينجون من الشقاء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 72/25 ـ 28 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ البحار : ج 96/150 ح 2 ، وج 86/78 ح 1 .
4 ـ البحار : 72/33 .

المداراة والرفق

ان التحلّي بالرفق واللين والانسجام ، والتعايش استناداً إلى الأخلاق الفاضلة يُعدُّ نوعاً من العبادة تورث الثواب الجزيل والمنافع المهمة للغاية ، بالاضافة إلى كونها فرضاً مبرماً يفرضه الاسلام العزيز .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« الرفق يمنٌ ، والخرقُ شُؤُمٌ »(1) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« ألا اُخبركم بمن تحرمُ عليه النار غداً ؟ قالوا: بلى يا رسول الله ، قال : الهيِّنُ القريبُ الليّن السَّهلُ »(2) .
ونادى موسى ((عليه السلام)) ربّه : « الهي ما جزاء مَنْ كفَّ أذاه عن الناس وبذلَ معروفه لهم ؟ : قال : يا موسى تُناديه النارُ يوم القيامة : لا سبيل لي عليك »(3) .
وسئل رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : « من سَلِمَ المسلمون مِنْ يدهِ ولسانه »(4) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ما مِنْ عمل احبَّ إلى الله تعالى ورسوله من الايمان بالله والرفق بعباده ، وما من عمل ابغض إلى الله تعالى من الاشراك بالله تعالى والفنفِ على عباده »(5) .
ان الواجب الالهي يحتّم على الزوج والزوجة وأولادهما التحلّي بالرفق والمداراة والليّن والتوقير والتساهل ازاء بعضهم البعض وازاء الآخرين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 72/51 ـ 52 .
2 ـ نفس الصمدر .
3 ـ نفس الصمدر .
4 ـ البحار : 72/53 ـ 54 .
5 ـ نفس الصمدر .

النصيحة

ويترتب عليها منافع دنيوية واخروية ، أما قبول النصيحة فيورث تنوّر القلب والبصيرة ، وعلى كلّ فرد تقديم النصح وحبّ الخير لغيره بما تسمح به قابليته ووسعه ، والحري بمن نُصح الاستماع للنصيحة والموعظة والاستجابة لها .
واثناء تقديم النصح ينبغي التخلي عن الخجل والحياء لانتفائهما في هذا الموقف ، ولابد من ترك الكبر والغرور عن تقبل النصح ، لان الحياء ـ وكما صرح بذلك النبي الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) ـ يحول دون تقديم النصيحة ، والكبر يمنع من قبولها وهو من الخصال الشيطانية .
ربما يتطلب الأمر ان يبادر رب الاُسرة إلى تقديم النصح والموعظة لعياله ويوجههم إلى واجباتهم ، وتارة قد يستوجب الموقف ان تبادر الزوجة إلى نصح زوجها ، وتارة اخرى قد يتوجب على الاولاد نصيحة والديهم ، وعلى كلٍّ منهم الاستماع إلى نصيحة الطرف والمقابل والابتعاد عن التكبر والغرور .
يقول الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« مَنْ رأى أخاه على أمر يكرهه فلم يردّه عنه وهو قادرٌ عليه فقد خانه »(1) .

الأدب

ان الاتزان والتحلّي بالوقار والتزام الآداب ومداراة الآخرين أثناء التعامل والمحافظة على الشخصية في جميع الاحوال وامام جميع الناس ، والتكلم عند الضرورة ، واحترام الناس ، وما شابه ذلك ، كلها تعتبر من مراتب التأدب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 72/65 .
على الزوج ، ان يتحلّي بالأدب ازاء زوجته ، وعلى الزوجة ان تكون مؤدبةً قبال زوجها ، وعليهما ان يلتزما حيال أولادهما ، وعلى الاولاد التحلّي بالآداب ازاء أبويهم .
ان التأدب يرفع الانسان ويصون شخصيته وعزته ، ويزيدُ في المحبة ، ويُنمّي الاصحاب ، ويسمو بالمرء سواء داخل الاُسرة أو خارجها ، وبالاضافة إلى كل ذلك فإن الأدب مدعاة لنزول الرحمة الالهية ومراعاته تعتبر ضرباً من العبادة .
قال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« لا حسب ابلغ من الادب »(1) .
ومن كلام له ((عليه السلام)) :
« . .  . وكفى بك ادباً لنفسك تركك ما كرهته لغيرك »(2) .
وفي حديث له ((عليه السلام)) قال :
« حُسن الادب ينوبُ عن الحسب »(3) .

المحافظة على الاُسرة من التهمة

ان السلوك والتصرف والمعاشرة ومصاحبة الآخرين يجب أن تكون ـ في نظر الاسلام ـ بنحو لا يعرِّض الاُسرة أو الفرد للتهمة ، إذ ان التهمة تطيح بصرح الاُسرة وتثير المتاعب والمنغصات وتعكّر صفو الحياة .
فربما يواجه المرء موقفاً أو فعلاً أو شخصاً يرى عدم وجود مانع من التعامل معه ، غير أن الآخرين ونظراً لجهلهم بواقع الأمر وعدم امساكهم لألسنتهم عن تقييم الامور فإنّهم يشيعون ما يحصل بين الناس بصورة مغايرة وحينها نظرة الناس لا سيما الجيران حول الشخص ، وبذلك توجه ضربة ما حقة بحيثية الاُسرة وكرامتها ، وتلحق خسارة فادحة بمستقبل الاُسرة وابنائها ، فاذا ما اراد الدخول بعملية تجارية أو حاول اقامة علاقات مع اصدقاء له ، أو اراد تزويج ابنه أو بنته ، فان ذلك يحول دون انجاز هذه الأعمال البناءة نتيجة تلك التهمة التي وقعت بلا مبرر الاّ ان الانسان تسبب بها نتيجة لغفلته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 72/67 .
2 ـ نفس الصمدر .
3 ـ البحار : 72/68 .
قال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« يا بنيَّ مَنْ يصحب صاحب السوء لا يسلم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ، ومن لا يملك لسانه يندم »(1) .
ويقول النبي الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) :
« أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة »(2) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« مَنْ وقف نفسه موقف التهمة فلا يلومنَّ من أساء الظنّ به »(3) .
وفي رواية عجيبة قال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« اتّقوا مواضع الرِّيب ، ولا يقفنَّ احدكم مع امه في الطريق ، فإنّه ليس كلُّ أحد يعرفها »(4) .
نعم ، فربا اشاع جاهل بين الناس ان فلاناً قد غازل امرأة غريبة وهو مشهورٌ بين الناس بعدم صلاحه ، فعلى الناس ان يتبينوا أمره لئلا ينال من نواميس الآخرين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 72/90 .
2 ـ نفس الصمدر .
3 ـ نفس الصمدر .
4 ـ البحار : 72/91 .
يتعين على رب الاُسرة وزوجته وأولادهما الابتعاد عن مواطن التهمة وان لا يضعوا انفسهم فيما ينال من كرامتهم ، إذ ان الاسلام كثيراً بهذا الشأن .

الوفاء بالعهد

ان الوفاء بالعهد يعدُّ واجباً فقهياً وشرعياً ، ونقضه من المحرمات .
ان العقد بين الرجل والمرأة يعتبر عهداً الهياً على الجانبين المحافظة عليه والوفاء به ، ان الوعد الذي يعطيه الزوج لزوجته والزوجة لزوجها ، ويعطيه الاثنان لأولادهما يعدُّ نوعاً من العهد يجب الوفاء به إذا لم يكن هنالك مانعٌ شرعيٌ عنه ، ويحرم نقضه .
قال تعالى :
( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولاً )(1)
والامانة والوفاء بالعهد من علامات المؤمن ، يقول تعالى :
( وَالَّذِينَ هُمْ لاَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ )(2)
قول الحق ، والحكم بالعدل ، والوفاء بالعهد(3) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« اداء الامانة إلى البرِّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرِّ والفاجر ، وبرُّ الوالدين برَّين كانا أو فاجرين »(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الاسراء : 34 .
2 ـ المؤمنون : 8 .
3 ـ البحار : 72/92 .
4 ـ نفس المصدر .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« لا دين لمن لا عهد له » .
وقال الامام علي بن موسى الرضا ((عليه السلام)) :
« إنا أهل بيت نرى ما وعدنا علينا ديناً كما صنع رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) »(1) .

التشاور

يجب ان لا تكون الدار مركزاً استبداياً ينفرد بحكمه شخصٌ واحدٌ يفرضُ ما تمليه أفكاره ورغباته .
ان للمشاورة فوائد جمّة ، فاذا ما تشاور الزوجان حول شؤون الاُسرة ، واستشارا البالغين من أولادهما ، أو كبار السن الذين خبروا الحياة وذاقوا حلاوتها ومرارتها فإنّ ذلك يصب في صالحهما وربما نفعهما في الدنيا والآخرة .
عليكم المواظبة على المشاورة فلا تتشبّثوا بالمحورية ، ولا تهملوا آراء الآخرين أو تردوها ، ولا تنظروا إلى انفسكم على انكم اعلم من سواكم ، مهّدوا أرضية التشاور لجميع افراد الاُسرة ، إذ ان التشاور يعتبر عاملاً مساعداً وربما منقذاً من المهالك .
لقد اهتم القرآن الكريم اهتماماً بالغاً بالتشاور وذلك ما هو بارزٌ في الآية 159 من سورة آل عمران والآيات 36 ـ 38 من سورة الشورى ، والتشاور يعتبر في الحقيقة اتباعاً للقرآن وحلالاً للمشاكل وحصناً منيعاً في وجه المخاطر .
قال الصادق ((عليه السلام)) :
« شاورْ في أمرك الذين يخشون الله عزوجل »(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 72/97 .
2 ـ البحار : 72/98 .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« رجلٌ استكثر عمله ونسيَ ذنوبه واُعجبَ برأيه »(1) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« خاطر بنفسه من استغنى برأيه »(2) .
وعلى مَنْ استشير ان يلتزم الحق في الاجابة وتوجيه من طلب المشورة إلى افضل السبل ، فالخيانة في المشورة من أعظم الذنوب .
قال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« من غشَّ مسلماً في مشورة فقد برئتُ منه »(3) .

التواضع

وهو ميزة اخلاقية وانسانية واسلامية ، وثمرة طيبة لمعرفة النفس .
ان الذي يرى نفسه عبداً لله تعالى ، وان كلُّ ما لديه من نعم انما هي منه جلّ اسمه ، وينظر إلى الآخرين جميعاً على أنهم افضل منه ، والخلق جميعاً عباد لله ، ولا يرى لنفسه شيئاً على امتداد هذه الارض الفسيحة ، فإنّه يغرق في بحر من التواضع .
ان الرجل الذي يرى المرأة عبداً لله والاولاد ملكاً له جلّت قدرته ، ويعتبر نفسه خادماً لهم ، وانهم جميعاً أمانة في يديه لن يتعامل معهم إلا بتواضع وانبساط .
ومن الطبيعي ان تتواضع المرأة لزوجها واسرتها إذا ما تنزهت عن التكبر ولم تُعر حسبها ونسبها ومكانتها أية أهمية في تعاملها مع زوجها ، ولا تعدُّ علمها شيئاً ولا تنظر لما تحمل من شهادة علمية على أنها مبعث عزّة لها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ البحار : 72/98 ـ 99 .
3 ـ نفس المصدر .
ولا يتحلّى العقلاء من الأولاد إلاّ بالتواضع والخضوع قبال أبويهم .
ان التواضع يمنح العزة والشرف والعظمة ، ويجلب الرفعة والشموخ ، ويضفي على الدار الانسجام والصفاء والمحبة ويرسخ التلاحم الاسري .
على المتكبر ان يعلم بعدم وجود من يذعن لتكبره حتى زوجته وولده ،وان نفوسهم ترفض التكبر وتُسقط المتكبر من أعينهم .
قال الامام الحسن العسكري ((عليه السلام)) :
« . . . ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عندالله من الصديقين ومن شيعة علي بن أبي طالب ((عليه السلام)) حقاً »(1) .
وعن الصادق ((عليه السلام)) عن آبائه ((عليهم السلام)) :
« ان من التواضع أن يرضى الرجل بالمجلس دون المجلس ، وان يُسلِّم على مَنْ يلقى ، وان يترك المراء وان كان مُحقاً ولا يحبَّ أن يُحمد على التقوى »(2) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) قبيل شهادته :
« عليك بالتواضع فإنّه من اعظم العبادة »(3) .
قبل فهرست بعد