قبل فهرست بعد

التقوى والعبادة

على الزوجين مراعاة الأحكام الالهية والتعاليم الاسلامية ازاء بعضهما البعض ، ومن المتعذر مراعاة هذه الحقائق الا بالتقوى والعدالة ، اي اجتناب السيئات والقبائح والأخلاق السيئة والسلوك المذموم ، والعدالة تعني عدم الافراط والتفريط في الأمور كافة .
ان ظلم الرجل للمرأة وظلم المرأة للرجل مهما كان مقداره أمرٌ قبيحٌ وان كان بعضه لا يستحق الاهتمام بنظرهما .
ان المرأة لا تتمتع بقدرة بدنية عالية وقد لا يتوفر لديها الاقتدار الروحي بالمستوي العالي ، فعلى الرجل ان يأخذ بنظر الاعتبار الجوانب البنيوية لزوجته خلال تعامله معها مثلما راعى الباري تعالى قدرة المرأة وأعفاها من بعض التكاليف والمسؤوليات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الأنعام : 162 .
ان نقاط ضعف المرأة يجب ان تُجبر بالتعامل الطيب للرجل ، فهي غير قادرة على ان يحاربها الرجل ويجعل من البيت ساحةً للحرب والجدال معها ، وفي هذا الصدد ادعوكم لتدبر هاتين الروايتين .
فقد كتب أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) إلى ابنه الحسن ((عليه السلام)) ذكّره فيها بقضايا مهمّة ، منها ما ذكره حول ماهية المرأة فقال ((عليه السلام)) :
« فإنّ المرأة ريحانةٌ وليست بقهرمانة »(1) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« أكثر اهل الجنة من المستضعفين النساء ، علم الله ضعفهنّ فرحمهنَّ » .
لهذا يتعين على الرجل ان يتقي الله ويتعامل مع زوجته برحمة ورأفة ومحبّة ، ويراعي في تعامله معها وضعها الجسمي والروحي بوصفها باقة ورد عطرة ويتجنب الافراط والتفريط والاجحاف بحقها باي نحو كان ، فالله تعالى ـ وهو خالق المرأة ـ يأمر بمراعاة التقوى ازاء النساء والاحسان إلى أمة الله(2) في البيت بشكل مناسب على الأصعدة المادية والمعنوية .
ولكن على المرأة ان تدرك ان الرجل يتحمل المصاعب لادارة هرون البيت ولابد ان يسعى لتوفير السكن واللباس والطعام من أجل سعادة زوجته وولده وتدبير امورهم وهي امور لا تتحقق دون مواجهة المصاعب ومزاولة العمل وتحمّل مشاق السفر والحضر ، من هنا عليها ان تستقبله حين يعود إلى البيت بتعامل كريم واخلاق حسنة وتلبي رغباته الطبيعية فتعطّر اجواء المنزل بالسلوك الحميد والابتسامة والثناء على جهوده خارج البيت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 20/168 .
2 ـ ورد هذا التعبير بشأن المرأة والذي يبين عناية الله ورحمته الخاصة بها ، في رواية مهمة في الصفحة 13 الجزء 20 من كتاب رسائل الشيعة طبعة مؤسسة آل البيت وذلك فيما يتعلق بزواج آدم وحواء .
أجل ، ان التقوى والعدالة والأخلاق الفاضلة والتصرف الممدوح والابتسامة التي تنم عن الرضا وتثمين الجهود والمحافظة على الهدوء والاستقبال اللائق . كلها فضائل يجب أن تُلقي بظلالها على الحياة الزوجية للزوجين وتتنور حياتهما ببركة هذه الحقائق .
وفي روايات الشيعة هنالك فصلٌ هامٌ يتناول مسألة معاشرة المرأة مع زوجها والرجل مع أهل بيته ، يثير الاعجاب من حيث عدد تلك الروايات وما يتضمنه ذلك الكلام الملكوتي من مفاهيم .
فلا يجوز ان يظلم احدهما الآخر ولو بمقدار حبة خردل ، وعلى الظالم ان يعلم انّه سيواجه عقوبةً شديدةً .
ان المرأة ليست ملكاً للرجل كي يتصرف بها كما يشاء ، والمرأة لا تتمتع بالحرية التامة ازاء الرجل حتى يحق لها القيام بأي عمل دون وازع ، بل هنالك تكاليف ومسؤوليات لكلٍّ منهما فرضها الله ورسوله والأئمة المعصومون ، وفي اطار تلك التكاليف يمكنهما التعامل فيما بينهما ، وكلُ عمل آخر يخرج عن الحدود الالهية والواجبات الانسانية والأخلاقية هو ظلمٌ له مردوداته في الدنيا والآخرة .
وفيما يرتبط بظلم الزوجة للزوج وظلم الزوج للزوجة ـ وهو عملُ شيطاني يتنافى مع الكرامة والفضيلة ـ ثمة رواية مهمة جداً عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) حريٌّ بنا التأمل بها ، حيث يقول ((صلى الله عليه وآله)) .
من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعنيه وترضيه وان صامت الدهر قامت واعتقت الرقاب وانفقت الأموال في سبيل الله ، وكانت اول من ترد النار ، ثم قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً . .(1) .
ليعلم امثال هذه المرأة والرجل ان الله تعالى عبّر في كتابه عن سخطه على الظالم وابعاده عن دائرة محبته :
( وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )(2) .
وعلى الرجل والمرأة ان يعرفا ايضاً ان الظلم لا ينحصر بالظلم البدني والايذاء الجسمي ، بل ان النظرة المصحوبة بالغضب وسوء الخلق والكلام البذيء والسب والاحتقار وعدم التمكين من مصاديق الظلم .
ان المرأة التي تظلم زوجها ، والزوج الذي يظلم زوجته ليسا في عداد المسلمين الحقيقيين ، وانما ممن خرج عن دائرة الهداية وغرق في مستنقع الضلال ، لقوله تعالى :
( بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَل مُّبِين )(3) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« بين الجنة والعبد سبع عقبات أهونها الموت ، قال انسٌ : يا رسول الله فما اصعبها ؟ قال : الوقوف بين يدي الله عزوجلّ إذا تعلّق المظلومون بالظالمين »(4) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد » .
وقال ((عليه السلام)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 20/163 طبعة مؤسسة آل البيت .
2 ـ آل عمران : 57 .
3 ـ لقمان : 11 .
4 ـ ميزان الحكمة : 5/596 .
« الظلمُ يزِّلُّ القدم ويسلبُ النّعم ويهلك الأمم »(1) .
وعنه ((عليه السلام)) انّه قال :
« والله لو أعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت افلاكها على ان اعصي الله في نملة اسلبها جلبُ شعيرة ما فعلت »(2) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« اتقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة »(3) .
وقال رجلٌ لرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« اُحب أن احشر يوم القيامة في النور ؟ قال : لا تظلم أحداً ، تحشر يوم القيامة في النور »(4) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« كلُّ ظلم الحادٌ وضربُ الخادم في غير ذنب من ذلك الالحاد »(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 5/595 ـ 596 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ ميزان الحكمة : 5/599 ـ 560 .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ نفس المصدر .

وجوهٌ فاضلة

ان المؤمنين والمؤمنات يتميزون بمزايا تتجلى آثارها العملية في حياتهم وتؤدي إلى اضفاء رونق على الحياة والتمتع بها وتكون سبباً في ظهور حيل صالح وموجباً لاعمار آخرتهم .
قال تعالى :
( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(1) .
وهذه الآية من جملة الآيات القرآنية التي وردت بشأن المؤمنين تكفي لوحدها للاطلاع على ظاهرهم وباطنهم .
ومثل هؤلاء الرجال والنساء حينما يعيشون حياةً زوجية ، تكون حياتهم مزيجاً من النور والصفاء والطهارة والخير والبركة والصدق ، فالرجل في هذه الحياة تعتبر مثالياً وكذا المرأة ، وحياتهما طيبة ودنياهما وآخرتهما عامرتان .
يقول العلامة المجلسي ((رحمه الله)) : هنالك من الرجال مَن إذا خرج إلى العمل قال له عياله : اياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والضرِّ ولا نصبر على النار فايُّ فضيلة اسمى من الصبر والاستقامة ازاء المشكلات والمصاعب حفاظاً على النفس من عذاب يوم القيامة ؟
وقد رأيت بنفسي بعض العظماء ينهون نساءهم وأولادهم عن المطالبة بما يفوق طاقتهم متوسلين بالاسلوب الطيب والكلام اللين مع الوعد بتلبيتها عند تحسن الوضع . فيوافق العيال ويتجنبون ايذاء آبائهم روحياً وممارسة الضغط عليهم ، فيهنئون في حياتهم وينعمون بحياة هادئة نورانية لطيفة .
لقد كانت خديجة الكبرى تشاطر زوجها الكريم المعاناة والآلام أيام محنته ، وعاش النبي ((صلى الله عليه وآله)) معها حياةً بحيث انه ((صلى الله عليه وآله)) كلّما ذكرها بعد وفاتها دعا لها بالرحمة وبكى عليها .
ففي بداية زواجها من رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بذلت كلّ ثروتها له وهو ((صلى الله عليه وآله)) كان يصرفها لقضاء حوائج المحتاجين والرسالة الاسلامية حتى لم يبق من تلك الثروة شيٌء يذكر ، وفي اواخر حياتها عاشت خديجة مع زوجها في بيت متواضع بسيط الاثاث ، وهي في الرمق الأخير وفي تلك الظروف الصعبة ، سألت رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : ان كان قد رضي عنها ، فهبط أمين الوحي مخبراً الرسول ((صلى الله عليه وآله)) برضى الله عن خديجة ففرحت خديجة فرحاً غامراً فعبّرت عن ان الموت والحياة بالنسبة لها في غاية العذوبة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التوبة : 71 .
وحينما افتقدت فاطمة الزهراء ((عليها السلام)) امها وهي لم تتجاوز آنذاك سن الرابعة ، سألت أباها عنها فاخبرها ((صلى الله عليه وآله)) بأنها قد ارتحلت إلى الملكوت الأعلى .
نعم ، ان المؤمنة التي تتجلى آثار ايمانها في افعالها واخلاقها انما هي كائن ملكوتي ومنهل لرضى الحق تعالى ، ومنبعٌ للفضائل والكمالات .

قصة ذات عبرة

عاش جدّي وجدتي لاُمي معاً ما يقرب من سبعين عاماً في منتهى الصفاء والوئام والصدق والايمان والاخلاص ، وكانا يواظبان بشوق على اداء الواجبات والمستحبات ، فلم يغفلا حتى أيامهما الأخيرة عن صلاة الليل وتلاوة القرآن وزيارة الأئمة واقامة المجالس الدينية واستضعافة الناس وحل مشكلاتهم وزيارة الأقارب وحضور صلاة الجماعة ، كما ان جدّي وجدّتي لابي عاشا كذلك وأكثر منه لما يربو على الخمسين عاماً .
وفي مطلع شهر محرم وأيام عزاء سيد المظلومين وبالذات قبيل صلاة الظهر توفيت جدّتي لاُمي فيما كان جّدي لاُمي يتمتع بالسلامة والصحة .
وبعد دفنها أراد الأقارب الاعلان عن مجلس الفاتحة غير ان جدّي لاُمي قال : لا تتكلفوا كتابة الاعلان واقامة المجلس ، تمهّلوا فإنّني مغادركم غداً بعد صلاة العشاء فاقيموا مجلس الفاتحة لنا نحن الاثنين ! !
ساور القلق الجميع ، الاّ انّه كان يواسيهم ، فلم يكن هنالك من يعقل ذلك ، وفي مساء اليوم التالي وبعد فراغه من الصلاة توجه لله بالدعاء قائلاً : الهي لقد وعدت باغاثة المحتاج ، وأنا الآن محتاجٌ اليك حيث اسافر إلى القيامة فاعنّي ، ثم نطق بكلمات طيبة وفارق الدنيا وهو على سجادة الصلاة ، وقد دُفنا في قبر واحد .
وذات ليلة رايته في عالم الرؤيا فقلت له : اين انت الآن ؟ فاجابني : بقيت وزوجتي في المكان الذي دُفنّا فيه لمدة ثلاثة ايام ثم نقلنا عند سيدالشهداء ((عليه السلام)) ونحن الآن نعيش حياةً هانئة في اجواء البرزخ الملكوتية !

واقعة عجيبة

في أيام طفولتي وصباي ، تعلّقتُ بما كان يتحلّى به والدي من طبائع اسلامية وتصرفه ازاء أهل العلم ورواد المسجد والمجالس الدينية ، فاحببت علماء الدين والمساجد والمجالس الدينية ، فأخذت اتردد على المراكز الدينية وازدادت مجالستي للعلماء وكان البلد ونسبة عالية من الشباب في عهد الطاغوت غارقين في الفساد ، فأثر ذلك في نفسي وتبلور شخصيتي ، ونتيجة في عهد الطاغوت غارقين في الفساد ، فأثر ذلك في نفسي وتبلور شخصيتي ، ونتيجة لما كسبته من هذه الينابيع ـ اي الاُسرة والمسجد والعالم الرباني ـ اتجهت برغبة خالصة نحو الحوزة العلمية في 1963 م وكنت حينها في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من العمر ، وبطبيعة الحال فقد اتسعت الآفاق امامي هناك ازاء العلم والعلماء .
وخلال مرحلة كسب العلوم الاسلامية تمكنت من الالتقاء بالعارفين والشخصيات المرموقة ، وقد سمعت بقصة من أحد العلماء ـ لا اتذكره ـ وكانت قصة لطيفة ومعبّرة تبين المكانة الفكرية والروحية للمرأة عندما تمتزج طينتها بندى الايمان والأخلاق الحسنة والعمل الصالح .
فقد ذكر ذلك الرجل العظيم : ان الذي بنى مسجد جوهر شاد المجاور لمرقد الامام الرضا ((عليه السلام)) ـ وهو يعد اليوم من أهم المساجد على وجه الأرض حيث تُصلى فيه آلاف الركعات يومياً وتقرأ فيه الزيارات آلاف المرات وتُقعد فيه عشرات المجالس وحلقات الدرس لتعلّم العلوم الاسلامية والتربية على أيدي العلماء الربانيين ـ كانت امرأة كريمة فهيمة متدينة عالمة عفيفة .
وقبل الشروع ببناء المسجد طلبت من البنّائين والمسؤولين عن العمل ان يوفروا أوان لتقديم الماء والعلف للحيوانات التي كان من المقرر أن تنقل مواد البناء على طول الطريق الواصل بين مكان هذه المواد والمسجد لئلا تنقل الحيوانات حمولتها وهي تعاني الجوع والعطش ، لأن ذلك مما لا يرضاه الحق تعالى والوجدان ، وقالت لهم : لا يحق لاصحاب المراكب ضرب الحيوانات ، ويجب تحديد ساعات العمل ، وعليكم التعامل برافة ورفق مع البنائين والعمال وتسديد اجورهم على قدر جهودهم ، وفي حالة الحاجة إلى التنبيه يتم ذلك بلين ، ولا تزعجوا احداً واشتروا البيوت المجاورة بقيمة مناسبة فنحن نريد بناء مسجد للعبادة ومكاناً للزيارة ومحلاً لدراسة العلوم الالهية ، واياكم ان تظلموا انساناً أو حيواناً ولو بمقدار ذرة لما في ذلك من أثر في قيمة العمل .
جاء في نهج البلاغة عن أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) : فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم .
واضاف ذلك العالم قائلاً : كانت السيدة جوهر شاد كثيراً ما تزور المسجد للاطلاع وتقديم التعليمات اللازمة .
وفي أحد الأيام شاهدها أحد العمال خلسةً فتعلّق بها ولم يجرؤ على البوح بذلك ، لخطورة الموقف ، حيث ان السيدة جوهر شاد كانت زوجة الميرزا شاهرخ وكنّه تيمور گورگاني فلا معنى لهذا التعلق والحبّ ، لكن هذه الأمور لم تكن مفهومة لدى ذلك العامل البسيط .
ومرض العامل ، فعرفت بمرضه من خلال تقرير العمل اليومي ، وكان يسكن مع امه في بيت خرب ، فذهبت لعيادته ، فوجدته ملقىً على فراش المرض يئن مصفر الوجه ناحل البدن ، وبعد ان سألت عن حاله واصرّت على معرفة سبب المرض اندفعت امه ـ بسذاجة تفوق سذاجة ابنها ـ فافصحت عن السبب ، فلم تغضب السيدة جوهر شاد ولم تستغل سلطانها وانما توجهت باللوم لام العامل ، وعبّرت عن استعدادها للزواج منه بعد الانفصال من زوجها ، وطلبت ان يدفع المهر قبل الاقدام على ذلك الأمر وهو أن يتعبّد الشاب لمدة اربعين يوماً في محراب المسجد الذي هو في طور السيناء .
فقبل الشاب وراح يتعبد لعدة ايام يدفعه إلى ذلك حبّه وتعلقه القلبي ، الاّ ان موقفه تغير بعد ذلك بتوفيق الله ورعاية الامام الرضا ((عليه السلام)) وهي الحقيقة التي كانت جوهر شاد على علم بها .
وبعد أربعين يوماً ارسلتْ اليه تسأل عن حاله فقال لمبعوث السيدة جوهر شاد : لو عرفت لذة ترك اللّذة لما اعتبرت لذة النفس لذة .
بامكاننا تحويل اجواء البيت إلى مظهر للفضائل المعنوية والأثار الالهية والانسانية من خلال الايمان بالله والحذر من القيامة والتحلّي بالاخلاق الفاضلة والسلوك الحميدة ، وهو ليس بالأمر الصعب ، ومن ينال توفيق الله يسهل عليه قطع الطريق وان شقَّ على الآخرين .

الإسلام والجوانب المادية للأسرة

خير المال وشرّه

الاسلام والجوانب المادية للأسرة   
ان حاجة المرء للمال تعتبر حاجة طبيعية لادارة شؤون الحياة لا سيما وانّه يتحمل مسؤولية ثقيلة تتمثل في عياله .
ولا ينطوي المال والثروة أو الكسب والتجارة بذاتها وبعيداً عن تدخل الانسان على اي نوع من الخير والشر .
على سبيل المثال ، ان الحديد يعتبر من الأملاك وهو يمتاز بامكانية تصنيعه ، اذ تصنع منه مختلف الآلات ، إلاّ أنّه مادام بعيداً عن تصرف الانسان فهو يعتبر مادة صمّاء تفتقد للخير والشر ، فإذا ما وقع بيد مؤمن عاقل ذي نفس كريمة يتحول آنذاك إلى وسيلة خير ، أما إذا وقع بيد شرّير أناني فإنّه يتحول إلى اداة للشرّ .
فعندما وقع الحديد بيد ابن ملجم أقدم على قتل امام الموحدين ومولى المتقين وسيد العارفين ، وهو في محرابه في ليلة القدر فأصبح مصداقاً لاشقى الأشقياء ، إذن ، تحول الحديد بيده ـ نظراً لوضعه الباطني ـ إلى مصدر للشر والفساد والخسران حيث تسبب بخسارة لا تعوض ابداً .
وعندما وقع الحديد بيد أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) أصبح وسيلة لبقاء الدين وانتشار نور الهداية ، وفُضِّلت ضربةٌ من ضرباته على عبادة الثقلين إلى يوم القيامة كما عبّر بذلك النبي ((صلى الله عليه وآله)) حين قال : « ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين » .
ان الأموال وما تدرّه التجارة تعتبر بالنسبة لمن توسّم الآداب الالهية وعشق الحق تعالى ، منطلقاً للعروج نحو الملكوت ووسيلة لبلوغ القرب من رب العالمين وسبباً في نزول صلواته ورحمته وموجباً لنيل الثواب العظيم والنعم الأبدية .
نعم ، فالمال بالنسبة للمؤمن الذي تحلّى بالجود والكرم والرأفة وتخلّق باخلاق الله سبحانه ، يعتبر رأس مال للاتجار من أجل الآخرة ووسيلة للسفر نحو النعيم الأبدي ، ومنبع خير في الدنيا والآخرة .
أوَلَم يعبّر الباري تعالى في سورة البقرة عمّا يتركه المؤمن بعد رحيله من الدنيا بـ« الخير » ؟(1)
نعم ، ان رمز ايمان المؤمن وكرمه وجوده ورأفته يتمثل في وصيته بأمواله حيث ينفق ثلث منها في اعمال البرّ وفقاً لوصيته ، أما الثلثان الآخران فيكونان من حصة الورثة طبقاً لما يقرّه القرآن الكريم .
وفي بيانه لمضمون الآية الكريمة :
( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً )(2) .
يقول الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« رضوان الله والجنّة في الآخرة ، والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا »(3) .
بناءً على ذلك ، يعتبر المال والثروة بمثابة المصنع الذي يدرّ برضى الله والجنان على المؤمنين ، اذ ان المؤمن يكسب المال عن طريق الحلال ومن خلال اتباعه للجوانب الشرعية بعيداً عن التعامل المحرّم ملتزماً بما خُلِّل من المعاملات ، وباختصار مستظلاً بظلال طاعة الله سبحانه ، ثم ينفقه على عياله ويؤدي ما عليه من واجبات كالخمس والزكاة ، ويبادر إلى اعانة السائل والمحروم ، يأخذ بيد الضعيف والمظلوم ، ويعين الأقربين والمعارف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 180 .
2 ـ البقرة : 201 .
3 ـ البحار : 71/383 .
وفي الحقيقة فإنّ انفاق المال المكتسب عن طريق الحلال في هذه الموارد الشرعية والطبيعية يعتبر طاعة وعبادة ، وكما عبّر القرآن الكريم عنه بخير الدنيا والآخرة ، ومن هنا عُبِّر في كتاب الله عن المال والثروة بالخير او الحسنة ، وكسبه وانفاقه كالعبادة بالنسبة للمؤمن ومدعاة للحصول على الأجر العظيم والثواب الأبدي .
وما يقوله أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) بشأن وقوع المال بأيدي من لا دين له ومَنْ وقع اسيراً لهواه جديرٌ بالاستماع ، اذ يقول ((عليه السلام)) :
« المال مادّة الشهوات ، المال نهبُ الحوادث ، المال يقوِّي الآمال ، المالُ سلوةُ الوارث ، المال يكرمُ صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة »(1) .
وقال رسول ((صلى الله عليه وآله)) :
« ان الدينار والدرهم أهلكا مَنْ كان قبلكم وهما مُهلكاكم »(2) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« ان لكلِّ اُمة عجلاً وعجلُ الأمة الدينار والدرهم »(3) .
نعم ، فمن ضعف ايمانهم ينحدرون من خلال المال في الشهوات وطغيان الطموحات وخزي الدنيا والآخرة ، وكما يعبّر النبي ((صلى الله عليه وآله)) بانهم يصابون بعبادة العجل ولكن بصورة عبادة المال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 9/277 ـ 278 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .

الحلال والحرام

لا شك في ان ما يحصل عليه الانسان نتيجة عمله في التجارة والكسب المحلّل يعتبر من الكسب والاتجار الذي أمر الله به وقد عُبِّر عنه في فقه اهل البيت ((عليهم السلام)) بالحلال ، وكل ما اكُتسب بصورة غير مشروعة كالرشوة والاغتصاب والسرقة والسلب والمكر والنهب والربا انما هو حرامٌ .
ان السعي من أجل كسب الحلال يعتبر عبادة وموجباً للحصول على الأجر والثواب ، اما السعي من أجل نيل الحرام فهو معصيةٌ ويعتبر سبباً في حلول العذاب والغضب الالهيين .
ومن انحرف عن طريق الحلال وسار في طريق الحرام وإذا ما نُصح فهو يدّعي الاضطرار لان الله قدّر له ذلك ، لاشك بأنه يتّهم الباري عزوجل ويقول شططاً ويرتكب كذباً محضاً .
هنالك الكثير من الآيات التي تؤكد ان الله سبحانه قدّر لجميع الناس الرزق من الحلال الطيب ودعاهم لكسب الحلال والأكل منه ، ولم يقدِّر لاحد الرزق من الحرام ، اذ ان الحرام يعتبر مصدراً لانحراف الانسان على الصعيدين الفكري والأخلاقي وسبباً في تدني ايمانه .
ان نسبة الحرام إلى الله عملٌ قبيحٌ وتهمةٌ لا طائل منها وذنبٌ لا يغتفر يورث العذاب الأليم يوم القيامة .
فليس من العدل والحكمة ان يقدر الباري تعالى الرزق من الحرام فيما تتركز أوامره على أكل الطيبات ، ولو كان الأمر كذلك لكان تناقضٌ في ارادته وأوامره والحال ان التناقض منتف عن الذات الالهية المقدسة ، غير ان الجهلة من الناس هم الذين يفترون على الله ذلك نتيجة حماقتهم وجهلهم .
يقول تعالى :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الاَْرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )(1) .
ويقول تعالى في موضع آخر :
( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) .
وقال الامام الباقر ((عليه السلام)) :
« ليس من نفس الا وقد فرض الله لها رزقها حلالاً يأتيها في عافية ، وعرض لها بالحرام من وجه آخر ، فإن هي تناولت من الحرام شيئاً قاصَّها به من الحلال الذي فرض الله لها وعندالله سواهما فضلٌ كبير »(2) .

لا تحرموا انفسكم من الحلال

دخل علي ((عليه السلام)) المسجد وقال لرجل : أمسك عليَّ بغلي ، فخلع لجامها وذهب به ، فخرج علي ((عليه السلام)) بعد ما قضى صلاته وبيده درهمان ليدفعهما اليه مكافأة له ، فوجد البغلة عُضلاً ، فدفع الى غلمانه الدرهمين ليشتري بهما لجاماً ، فصادف الغلام اللجام المسروق في السوق قد باعه الرجل بدرهمين فاخذه بالدرهمين وعاد الى مولاه ، فقال ((عليه السلام)) : ان العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر ولا يزداد على ما قدِّر له(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 168 ـ 169 .
2 ـ البحار : 5/147 .
3 ـ ميزان الحكمة : 4/123 .

انفقوا على عيالكم من الحلال

هنالك مجموعة من الآثار الظاهرية والباطنية المترتبة على الحلال والحرام مما لا مفر لأحد من الابتلاء بها .
ففي الحلال يكمن رضى الباري تعالى والحافز نحو العبادة ، والنشاط الروحي وصفاء القلب والشفاء من كل داء ، والحرام على العكس من الحلال تماماً .
ومن بين الأمور الفقهية التي تناولتها الآيات واحاديث أهل البيت ((عليهم السلام)) بشكل ملفت للنظر هو وجوب النفقة على العيال وذلك ما يقع على عاتق رب الاُسرة .
اذن ان توفير السكن والملبس والطعام حسب القدرة للزوجة وأولاد يعتبر من التكاليف الشرعية المناطة بالرجل .
وإلى جانب هذا التكليف الذي يعدّ مسؤولية الهية تقع على عاتق رب الاُسرة ، ثمة تكليف آخر وهو وجوب طلب الحلال لسدّ مخارج العائلة .
وعلى رب الاُسرة تقدير هذين التكليفين الالهيين بكل وجوده ، اذ عن طريق هذين التكليفين تتفتح براعم الحياة في جانبها الأخلاقي وذلك لا يتسنى الا من خلال الاهتمام بالشؤون الحياتية للزوجة والأولاد ، كما انّ ذلك يعتبر عبادة غاية في الأهمية ومفعمة بالأجر بالنسبة للانسان ، وان السعي لطلب الرزق الحلال بمثابة جهاد في سبيل الله .
وإذا ما تغذى العيال من الحلال ستظهر على كيانهم آثارٌ ايجابية
وملكوتية وذلك ما يساعد على سيادة الأمان والاستقرار القلبي والنفسي لافراد العائلة .

النبي (صلى الله عليه وآله) ولقمة الحلال

ان ما فعله الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) يجب ان يكون درساً بالنسبة للمسلمين كافة ، اي ان يولوا دقة كافية للحلال والحرام لئلا يحملوا على ظهورهم اوزاراً ويحل في ساحتهم الوبال حياة عابرة يصعب عليهم افراغ عواتقهم منها .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة »(1) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« طلبُ الحلال واجبٌ على كلّ مسلم »(2) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) :
« طلب الحلال جهاد »(3) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَن أكلَ من كدِّ يده حلالاً فتح له ابواب الجنّة يدخل من ايِّها شاء »(4) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« العبادة عشرة اجزاء ، تسعةُ اجزاء في طلب الحلال »(5) .
وقال الرضا ((عليه السلام)) :
« ان الذي يطلب من فضل يكفُّ به عياله اعظم اجراً من المجاهد في سبيل الله »(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 13.html/7 ـ 9 ، ميزان الحكمة : 4/119 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ نفس المصدر .
6 ـ البحار : 78/339 .
وقال الباقر ((عليه السلام)) :
« من طلب الدنيا استعفافاً عن الناس وسعياً على أهله وتعطفا على جاره لقيَ الله عزوجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر »(1) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« لا خير في مَنْ لا يحبّ جمع المال من حلال فيكفُّ به وجهه ويقضي به دينه »(2) .
وعن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَنْ بات كالاًّ من طلب الحلال بات مغفوراً له »(3) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« ان الله يحبُّ ان يرى عبدهُ تعِباً في طلب الحلال »(4) .
وقد ورد في الروايات ان سعة الرزق وضيقه انما هو ابتلاء للعبد كي ينال رفيع الدرجات من لدن الباري عزوجل .
« طوبى لعبد جاع وصبر وشبع فشكر »(5) .
فالمؤمن لا يهن إذا ما ضاق رزقه ، ولا يصاب بالغرور إذا توسع عليه ، وإذا ما ضاق رزقه فهو لا يجانب الحلال ، وإذا ما وُسِّع عليه فهو يأكل ويطعم ويبادر إلى اداء التكاليف الالهية .

موجبات سعة الرزق

نلمس في آيات القرآن الكريم والأحاديث الكثير من موجبات زيادة الرزق ، وبالاضافة إلى ان الالتزام بها يؤدي إلى زيادة الرزق ، فإنّها تبعث على تنامي الجانب الأخلاقي والعاطفي لدى الاُسرة والمجتمع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 12/11 .
2 ـ البحار : 13.html/7 .
3 ـ البحار : 13.html/2 .
4 ـ ميزان الحكمة : 4/119 .
5 ـ مستدرك الوسائل ج 16/218 .
قال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق »(1) .
وقال ((عليه السلام)) :
« العسرُ يُفسد الأخلاق ، التساهل يدرُّ الأرزاق »(2) .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« مواساة الأخ في الله يزيد الرزق »(3) .
وعنه ((عليه السلام)) :
« استعمال الامانة يزيد في الرزق »(4) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
«مَنْ حَسُنَ برُّه أهل بيته زيد في رزقه »(5) .
وعنه ((عليه السلام)) :
« ان البرّ يزيد في الرزق »(6) .
وقال ((عليه السلام)) :
« حسن الخلق يزيد في الرزق »(7) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 77/389 .
2 ـ ميزان الحكمة : 4/117 .
3 ـ البحار : 74/395 .
4 ـ البحار : 75/172 .
5 ـ البحار : 69/407 .
6 ـ البحار : 74/81 .
7 ـ البحار : 71/396 .
وقال علي ((عليه السلام)) :
« استنزلوا الرزق بالصدقة »(1) .
وقال الباقر ((عليه السلام)) :
« عليك بالدعاء لاخوانك بظهر الغيب فإنّه يُهيل الرزق »(2) .
وعنه ((عليه السلام)) :
« الزكاة تزيد في الرزق »(3) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« من حسُنت نيّته زيد في رزقه »(4) .

المال الحرام

قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : قال الله :
« مَنْ لم يبالِ من اىِّ باب اكتسب الدينار والدرهم لم اُبال يوم القيامة من ايِّ ابواب النار ادخلته »(5) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَنْ كسبَ مالاً من غير حلّه افقره الله » .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَن اكتسب مالاً من غير حلِّه كان زاده إلى النار » .
ان الأموال التي لا تُخمّس ولا تُزكى ولا يؤدى منها حق السائل والمحروم وسائر الحقوق الشرعية انما هي بحكم الحلال المختلط بالحرام ، وهي مما لا يجوز التصرف به ، واطعام العيال من الحرام أو ما اختلط به يعتبر بحد ذاته معصية غير المعصية التي ترتكب في كسب الحرام أو منع الحقوق الشرعية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 78/60 .
2 ـ البحار : 76/60 .
3 ـ البحار : 66/15 .
4 ـ البحار : 13.html/11 .
5 ـ البحار : 13.html/11 .
قال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« شرّ الأموال يخرج منه حق الله سبحانه »(1) .
وقال الامام الباقر ((عليه السلام)) :
« ان الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناساً من قبور هم مشدودة ايديهم الى اعناقهم ، لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس اُنملة ، معهم ملائكة يعيرونهم تعييراً شديداً ، يقولون : هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير ، هؤلاء الذين اعطاهم الله فمنعوا حقَّ الله في أموالهم »(2) .
وقال الامام المجتبى ((عليه السلام)) :
فيا اخوتي ، يا من تتحملون اليوم مسؤولية توفير الجوانب المادية والتربية الروحية لزوجاتكم واولادكم ، ويا من تزمعون بناء الحياة الزوجية في المستقبل !
ان لعيالكم حقاً عليكم ، وهو الحق الذي عُبِّر عنه في الكتب الفقهية بالنفقه ، وهم ليسوا مسؤولين عن عملكم وتجارتكم ، وفي المحشر اذ لا خبر لديهم عن ما يحيط بكم لا يتحمّلون ما اكتسبه رب الاُسرة من حرام ، فنيران الحرام لا تحقيق الا بمن كسب الحرام اذا عليه ان يتجرع ضعفين من العذاب ، عذاب نتيجة كسبه للحرام ، آخر لاطعامه الآخرين منه ، فعليكم التزام جانب الحذر فيما يردكم من دخل وعليكم التزام القناعة بمااحلَّ الله لكم ، واجتناب ما حرّم الله ، وعليكم اداء ما على الأموال من حقوق شرعية كي تعمر دنياكم وآخرتكم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 9/308 .
2 ـ البحار : 7/197 .

التائب حبيب الله

في احدى اسفاري إلى مشهد التقيت بشخص كأنه يعرفني منذ سنوات ، وبعد حديث طال بيننا لعدة دقائق دعاني لا ذهب حيث يجلس . وحيث اني التقيه لاول مرة فقد لبيتُ دعوته ، فتبين انّه ممن كان يستمع لمحاضراتي أيام محرم وصفر ، اذ انّه كان يعرفني الاّ انني كنت لا اعرفه .
وبعد ان غادر المجلس لدقائق معدودة سألت عنه مَنْ كان برفقته فلمّا ذكر اسمه عرفته جيداً ، فقد كان رجلاً قوياً يحسب له اقوياء طهران وشجعانها الف حساب .
كان يعمل في بيع المشروبات الكحولية والتهريب وقبض التذاكر في صالات القمار والحانات ، ولم يكن هنالك من يجاريه في طهران ، فجمع ثروة طائلة من الحرام .
وإذا بالنور الالهي يشرق على قلبه ويحالفه التوفيق الرباني ، وإذا بوجدانه وفطرته وعقله يستنقذوه من مخالب السطوة والتهور ، فباع كل ما لديه من املاك وآثاث ووضع ما لديه من نقود في صرّة وتوجه إلى آية الله العظمى البروجردي ((رحمه الله)) في قم ، فاستقبله مرجع الشيعة الأعلى آنذاك بوجه صبوح وثغر باسم بعد ان اطّلع على احواله عن طريق خادمه ، فقال للسيد البروجردي : ان كلَّ ما في هذه الصرّة حرامٌ ولا طاقة لي على تحمل حساب يوم القيامة فازل عن كاهلي هذا الوزر العظيم .
فرد عليه السيد : إذا كنت صادق التوبة فاخلع ما عليك من ملابس وعد إلى طهران بالقميص والملابس الداخليه ، فخلع ملابسه ، فتأثر السيد كثيراً لموقفه اذ لمس منه صدق التوبة ، فاعاد له ملابسه وما بقي له من امواله وكانت تقدر آنذاك بخمسة آلاف تومان مبشراً إياه بمستقبل زاهر مليء بالبركة .
وكفَّ عن الحرام فعاد إلى طهران بذلك المبلغ وطوى صفحة الماضي ، واشتغل بكسب الحلال بتلك النقود فتحسن وضعه كثيراً وتغيرت حياته ووجّه زوجته واولاده للسير في طريق الحق تعالى ، وتكفل باقامة مجلس ديني ، حتى توفي في عام 1994 م وكانت وفاته في ليلة جمعة ، ولما لم يبق من عمره سوى لحظات خاطب الامام الحسين ((عليه السلام)) بعيون باكية : إنني قد افنيت شطراً كبيراً من عمري في خدمتك والآن يحدوني الأمل بأن احظى برعايتك ، وكما تنقل زوجته وولده : فقد توجه ببصره نحو زاوية من الغرفة وسلَّم على سيد الشهداء ((عليه السلام)) ثم اسلم روحه إلى بارىء الأرواح .
نعم ايّها الأحبة ، فإنّ باب التوبة مفتوحٌ للجميع ، والتوبة تطهير للباطن وتنويرٌ للقلب وتهذيبٌ للاخلاق وتنقية لظاهر الحياة . وتطهير للمال من الحرام ، فلماذا لا ننعم بهذه التجارة الرابحة ؟ ولماذا لا نخرج من الظلمات نحو النور ونحن نعيش أيامنا الأخيرة ؟ حيث ان جميع ما في الدنيا من ثروات لا تستحق البقاء في ظلمات المعصية ، لنتب إلى الله فالتائب حبيب الله :
( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ . . . )(1) .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ليس شيء احبُّ إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة »(2) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« أما والله اشدّ فرحاً بتوبةِ عبده من الرجل براحلته »(3) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 222 .
2 ـ ميزان الحكمة : 1/540 ـ 541 .
3 ـ نفس المصدر .
« لله افرحُ بتوبة من العقيم الوالد ، ومن الضّال الواجد ، ومن الظمآن الوارد »(1) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« التائب من الذنب كمن لا ذنب له »(2) .
وقال علي ((عليه السلام)) :
« التوبة تطهِّرُ القلوب وتغسل الذنوب »(3) .
وللتوبة النصوح آثار اشار اليها النبي ((صلى الله عليه وآله)) ، وإذا ما تجلّت تلك الآثار حينها يمكن اليقين بحصول التوبة والاّ فلا بدّ من التشبث بانوار التوبة من جديد .
يقول ((صلى الله عليه وآله)) :
« التائب إذا لم يستبن اثر التوبة فليس بتائب : يُرضي الخصماء ، ويعيد الصلاة ، ويتواضع بين الخلق ، ويتّقي نفسه عن الشهوات ، ويهزل رقبته بصيام النهار »(4) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) لقائل بحضرته ـ استغفر الله ـ : ثكلتك امك اتدري ما الاستغفار ؟ ان الاستغفار درجة العليين وهو اسمٌ واقعٌ على ستة معان ، أولها الندم على ما مضى ، والثاني العزم على ترك العود اليه ابداً ، والثالث أن تؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة ، والرابع ان تعمد الى كل فريضة عليك ضيَّعتها فتؤدي حقّها ، والخامس أن تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة لما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول :
استغفر الله(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ البحار : 6/35 ـ 36 .
5 ـ البحار : 6/36 .

( تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المائدة / 2
17
قبل فهرست بعد