قبل فهرست بعد

واقعةُ مدهشة

قرأت ذات مرّة في صحيفة كيهان واسعة الانتشار ، ولا أتذكر العدد :
ان امرأة شابة ـ وهي نموذج لما ورد في الرواية عن أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) ـ نتيجة لما تتمتع به من حرية على النمط الغربي وكثرة الوافدين على بيتها من اصدقاء زوجها ، وظهورها امامهم سافرة شبه عاريةً وترددها على المجالس المختلطة ، ومع انّها كانت اُماً لطفلة في الثالثة من العمر ، وقعت في غرام شاب واخذت تراودها أحلام الوصول اليه ، فيما كان ذلك الشاب منغمساً في الشهوة فاقداً للدين واخذت هذه الشابة المتزوجة تثير نزواته ، فقال للمرأة : ان هذه الطفلة تعرقل ما نصبو اليه ولابد من ازاحتها عن طريقنا ! !
فاستمر الجدال بين العشيقين الفاسقين ذوي النفس الحيوانية حول الطفلة البرئية إلى ما يقرب من اربعة اشهر ، اندفعت بعدها الاُم ـ التي خُلقت لتكون منهلاً للحنان والعاطفة ومنبعاً للرحمة والرأفة ـ ونتيجة لغلبة الشهوة عليها ورغبتها في السقوط بين احضان الآخرين وتناسب امومتها فجّرت طفلتها البريئة الجميلة ذات الشعر الذهبي إلى الحمام وخنقتها بيديها الآثمتين ، كي تزيل ما يضايق شهوتها ونزوتها ، ويصيب ذلك الشباب المنحرف مراده للحظات معدودة ، وتحقق المرأة المتزوجة رغبتها الجنسية لبضع دقائق دون حياء ، وبذلك تلوث سمعتها إلى الابد وتحرق كيان زوجها بنار لا تخمد ابداً وتبتليه بمصيبة اليمة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 14/19 .
لو كان زوج تلك المرأة غيوراً ولا يَدَع زوجته الشابة الجميلة تتلاقفها العيون وبامكان الجميع النظر اليها وهي على ذلك الجمال الجذّاب لما قُتلت تلك الطفلة البريئة واحترق فؤاد أبيها بنار ابدية ، ولما خُدشت عفة زوجته ، ولما وقع الشاب بهذا الشكل في اتون الشقاء والتعاسة ، ولما انهار كيان هذه الاسرة الفتية ، نعم فالحجاب صيانة وليس تقييد .

آراء مفكري الغرب حول اوضاع المجتمع الغربي

في مقالة له كتب بيزرائيلي أحد رؤساء الوزراء في بريطانيا ـ البلد الذي يعد في طليعة مراكز الفساد والافساد : ما اكثر الاعمال الجنونية التي اواجه خطر ارتكابها ، بيد انني احاول تجنب واحد منها بكل حزم وان لا اخطوا فيه خطوة واحدة ، وذلك هو الزواج عن طريق الغرام ، فكلما تصادفني فتاة في الشارع أو السوق اميل اليها واقول انّها الزوجة المثالية بالنسبة لي .
ان هؤلاء الجهلة اخرجوا هذه الجوهرة النفيسة الطاهرة من رحاب العفة والبراءة والحجاب واطلقوا لها اليد في ان تمارس ما تمليه الشهوة ثم القوا بها جانباً بذريعة الهروب من الزواج الغرامي ، لانهم وجدوا هذه الجوهرة قد فقدت قيمتها واهميتها واخذت تتنقل بين الاحضان وترتكب كلَّ ما ينتافى مع العفة والادب ويتعارض مع الوقار والانسانية .
وكتبت السيدة ـ ال زيماري ـ وهي شاعرة وكاتبة سويدية في مقالة مهمة لها في صحيفة اكسبرس حول المجمتع الاوربي ، تقول : ان الرجال لا يعرفون للوفاء والصدق معنىً ، فهم يمكرون بالنساء ! نقول لهذه السيدة : منذ ان اوقعتم المرأة في وحل التبرج والتحلل والسفور وجعلتموها رهينة الشهوات والنزوات الطائشة باسم الحرية ، واستطاع الرجال امتاع انظارهم منها وهي شبه عارية بكل يسر وسهولة متى ما شاؤوا ، حينها فقدوا ما لديهم من وفاء وصدق تجاه زوجاتهم وعوائلهم وتحولوا إلى اناس ماكرين مخادعين .
ان آثار التبرج والسفور وحريه المرأة في اقامة العلاقات مع من تشاء وما نجم عن هذه الظاهرة من افرازات هو مما يستعصي على الحاسبات حصرهُ .
نتيجة لرؤية الرجال لهذه المشاهد فقد تنصلوا عن زوجاتهم ، وكما يعبر عنه بالخلاص من تكاليف المنزل التي كانت على عواتقهم ، وتوجهوا نحو الاسواق الحرّة لاشباع غرائزهم ، وحيث ان من لم يتزوج من الشباب وجدوا ما يطفىء جذوة شهوتهم بازهد الاثمان فقد عزفوا عن بناء الحياة الزوجية وتوجهوا نحو المغازلة واصطياد نواميس الناس ، وهكذا انهار البناء العائلي في الغرب ومَن قلّدهم من الشرقيين وتحولت الاوضاع إلى ما يشبه حياة الغاب .
وتضيف السيدة الزيماري في مقالتها : هنالك الكثير من الآنسات الحسناوات في جميع انحاء السويد حالياً ممن يحملن بالزواج ، وكثيرٌ منهنَّ قد اضطررن لاقامة علاقات مع الرجال .
نعم ، فهنَّ بانتظار من يتقدم للزواج منهنّ ، ولكن ليس هنالك من يتقدم للزواج ، لان الشباب بامكانهم الحصول على النساء بايّ كيفية شاؤوا ، ولا يرون بأنفسهم حاجة للزواج ، وهنالك الكثير من الرجال المتزوجين قد طلّقوا زوجاتهم كي يتسنى لهم ارضاء غرائزهم بحرية ! !
ثم تقول السيدة الزيماري : وصيتي للفتيات ان لا يقمن أي علاقة مع أي رجل قبل الزواج .
أيُّ دعوة مهمة هذه ؟ انّها دعوة لا تمثل حلاً عملياً لما تعيشه المرأة حالياً من وضع في العالم قاطبة ، ومع ما يعيشه الرجل من طيش في المجتمع الغربي ، فإذا ما اراد العالم ان ينال الصلاح والسداد عليه العمل بالاحكام الشرعية والانسانية للاسلام فيما يتعلق بالمرأة ، وفي مقدمة هذه الأحكام عودة المرأة الى حجابها ورجوعها إلى عفتها وبراءتها ووقارها وحيائها ، وفي غير ذلك ليس هنالك من علاج لهذه المفاسد الهدّامة .
ان الظلم الذي مارسه الغرب بحق المرأة لا نظير له على امتداد التاريخ البشري ، فقد وجّه اهتمام المرأة وارادتها نحو الزينة والتبذل وغواية الرجال والظهور في الشوارع والاسواق واشاعة الفساد في كافة جوانب الحياة ، وبدَّلها إلى سلعة رخيصة لاثارة الشهوات ، واستغلها لكسب المال والثروة وارضاء الشهوات .
قال علي ((عليه السلام)) في نهج البلاغة :
« ان البهائم همُّها بطونها ، وان السباع همُّها العدوان على غيرها ، وان النساء همُهنَّ زينة الحياة الدنيا والفساد فيها ، ان المؤمنين مستكينون ، ان المؤمنين مشفقون ، ان المؤنين خائفون »(1) .

درس من واقعة الحسين ((عليه السلام))

يروى ان الحسين ((عليه السلام)) اوصى اخته زينب ((عليها السلام)) قبل ان يتوجه إلى ساحة القتال ان تجمع ما لدى النساء من حلَّي وإذا ما استشهد ((عليها السلام)) وهجم الاعداء على المخيم تلقي تلك الحلي أمامهم لينشغلوا بها وتتمكن العيال من اللجوء إلى مكان آمن .
وقيل ان يزيداً لما اخذ يضرب ثغر الحسين ((عليه السلام)) بالقضيب رأت احدى جواريه الزهراء ((عليها السلام)) في المنام وهي تدعو بالويل على يزيد ، فقامت هذه الجارية من نومها مذعورة مضطربة وتوجهت إلى مجلس يزيد حاسرة الرأس ولما رآها يزيد صاح بها والقى عليها إزاره .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9 ، « ب » 13 ص 160 .
واعجبا ! إذ ان يزيداً شارب الخمور اللاعب بالكلاب والقردة لم يتحمل ان تخرج جاريته حاسرة الرأس والقى عليها ازاره وابعدها عن الاجانب ، الا ان هنا لك من الرجال مَنْ غيرة له على ناموسه فيخرج زوجته سافرة متزينة ويدعها تذهب اينما شاءت أو يصطحبها معه ! !
قال النبي ((صلى الله عليه وآله)) حول الغيرة .
« ان الغيرة من الايمان »(1) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« ان الله غيورٌ يحبُّ كلَّ غيور ، ومن غيرته حرَّم الفواحش ظاهرها وباطنها »(2) .

الحجاب ونظرة السوء في القرآن

ان التبرج والسفور من الممارسات القبيحة ، ومفاسدهما ما لا حصر لها ، وان تحريمهما نابعٌ من غيرة الله سبحانه ، فطوبى لمن سار على هدي الحق تعالى وغار على ناموسه .
وحيث انّه لا مناص للرجل والمرأة من التردد في الشوارع والاسواق وبيوت الاقارب والحضور في المحافل والمدارس والجامعات لكسب العلم ، والسفرات الترفيهية ولغرض الزيارة ، فقد ورد في القرآن الكريم ما يعد حكماً واجباً بحق المرأة ، وآخر بحق الرجل والمرأة لغرض المحافظة سلامتهما العقلية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 7/357 ـ 358 .
2 ـ نفس المصدر .
والروحية ، اما بشأن النساء فقد قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الْنَّبِيُّ قُلْ لاَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَلبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً )(1) .
اما فيما يتعلق بالاثنين :
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(2) .
قال الامام الصادق ((عليه السلام)) : ان عيسى قال لاصحابه :
« إياكم والنظرة فانها تزرع في القلب الشهوة ، وكفى به لصاحبها فتنة ، طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه »(3) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« ليس في البدن شىء أقل شكراً من العين فلا تعطوها سُؤلها فتشغلكم عن ذكرالله عزوجل »(4) .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
« لكل عضو حظٌّ من الزنا ، فالعين زناه النظر »(5) .
وحينما قالت بنتُ شعيب لابيها ـ وهو ما اورده القرآن ـ :
« يا ابتِ استأجره انَّ خير من استأجرت القوي الأمين .
قال لها شعيب ((عليه السلام)) : يا بنيّة هذا قويٌّ قد عرفتيه بدفع الصخرة ، الأمين من اين عرفتيه ؟ قالت : يا أبتِ اني مشيت قدّامه ، فقال : امشِ من خلفي فإنّ ضللتُ فارشديني إلى الطريق فانا قومٌ لا ننظر في ادبار النساء »(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الاحزاب : 59 .
2 ـ النور : 30 ـ 31 .
3 ـ البحار : 78/284 .
4 ـ البحار : 14.html/36 .
5 ـ نفس المصدر .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَن ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار الاّ ان يتوب ويرجع »(2) .
وعن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) عن الله سبحانه :
« النظر سهمٌ من سهام ابليس ، من تركها من مخافتي ابدلتُهُ ايماناً يجدُ حلاوته في قلبه »(3) .

محارم المرأة في نظر القرآن

ان كتاب الله الذي يعتبر كتاب هداية ومصدر سعادة وبناء للذات ومبعث خير للعالمين في الدنيا والآخرة وضَّح من خلال آية واحدة مَنْ هم محارم المرأة كي تعرف الذين يحلّ لها ان تبدي زينتها أمامهم ، ومَنْ تُخفي زينتها أمامهم ، يقول تعالى :
( . . .وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الاِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ، وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهَ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 13/32 .
2 ـ ميزان الحكمة : 10/78 .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ النور : 31 .
فيا ايّتها المسلمات ، والبنات من امة محمد ((صلى الله عليه وآله)) ! اطعنَ الأحكام الالهية من أجل خير دنياكنَّ وآخرتكنَّ .
ويا ايّها الغيارى ، ايّها الشباب ! حافظوا على نواميسكم من تجاوزات الطائشين وذلك بالتزام الحجاب الاسلامي ، واجعلوا من زوجاتكم ملكاً لكم ، لا أن يتلذذ الآخرون بجمالهنَّ وزينتهن واجسادهنَّ ، وهذا خلاف الغيرة والرجولة والاخلاق والشرف والمروة .
( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَة فَمِن نَفْسِكَ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النساء / 79

الامن في الحياة

الحسنات والسيئات

الامن في الحياة   
ان الانسان كائن مركّب من العقل والقلب والروح والجسم ، ولكل بعد من كيان الانسان هنالك حسنات وسيئات ، والحسنات جميعها من الله سبحانه ، أما السيئات فمنشؤها الإنسان نفسه .
ولا يصدر عن الوجود المقدّس المذكورة اوصافة في كتاب الله مثل الرحيم ، الرحمن ، الرب ، الودود ، الغفور ، الكريم ، اللطيف ، البارىء ، المصور ، القدوس ، العزيز الاّ الخير والاحسان والرحمة والبركة .
ولا نتيجة عن الجهل والحقد والحسد والضغينة وضيق الصدر والحرص والطمع والكسل غير السوء والشر والخسران .
ان كسب الحد الأدنى من العلم والمعرفة والبصيرة التي تحرّك عجلة الحياة وتنوّر الحياة بشقيها الباطني والظاهري وتساعد على ادارة شؤون الزوجة والولد وتمنح الانسان رؤية صحيحة للكون وعالم الوجود ، يعتبر تارةً واجباً عينياً على الانسان واخرى واجباً كفائياً ، فتعلُّم القضايا الأساسية كمعرفة الله والمعاد والنبوة والولاية يعتبر أمراً ضرورياً وواجباً عينياً ، وتعلّم المسائل الفقهية والعلوم المادية بقدر الحاجة يعتبر واجباً كفائياً .
ان العلم والمعرفة بمثابة لقمة لذيذة وخير عظيم قرنه الله سبحانه بالنجاح الضروري لنموّ عقل الانسان وكماله وقابليته على الادراك .
وحينما يقترن العقل ـ وهو هبة من الله ـ بخير آخر وهو التوفيق والمعرفة يتلألأ في باطن الوجود بحرٌ من نور يوفر جانباً من الأمان الباطني الذي يسري بشكل طبيعي من الانسان إلى الزوجة والولد ، حيث ينهلان إلى جانبه من نعمة الأمن الباطني ، وبالتالي تتنور اجواء الحياة بنور الاستقرار إلى حد ما .
ان العلوم الدينية في حدود الواجب العيني ، والمسائل الفقهية ، اي معرفة الحلال والحرام ، والعلوم المادية بالقدر الضروري ، ضرورية بالدرجة الاولى لرب الاُسرة الذي يمسك بزمام إدارتها ، وفي المرحلة اللاحقة تعتبر ضرورية للمرأة والولد ليعيشوا معاً في مملكة البيت الصغيرة متعمتعين بالمعرفة والبصيرة والوعي ويأمنون شر الجهل واضراره والخسائر المترتبة على عدم الفهم .
نعم ، ان المعرفة بحدود سعتها تفيض بالأمن ، أما الجهل فهو يفرز الخسران والدمار .

الجهل

ثمة روايات مهمة وردت عن أهل البيت ((عليهم السلام)) اعتبرت الجهل موتاً معنوياً ، واضرُّ للحياة من الأكلة الضارة بالنسبة للبدن ، وانّه داءٌ وعياءٌ وسببٌ في الانحدار والشقاء الأبدي ، ومفسدٌ للمعاد ، وأصلُ الفساد على كافة الأصعدة ، ومعدن الشر ، وعدوٌ لدود للانسان ، وسبب الكفر والضلال ، وحائلٌ دون قبول الموعظة والنصيحة ، ودافعٌ نحو الافراط والتفريط .
قال أميرالمؤنين ((عليه السلام)) :
« الجهل موتٌ . . . الجهل داءٌ وعياءٌ ، الجهل يُزلُّ القدم ، الجهل يفسد المعاد ، الجهل أصل كلِّ شرٍّ ، الجهل معدنُ الشرّ »(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 2/154 .
وسُئل رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) عن علامات الجاهل ، فقال :
« إن صَحِبْتَهُ عنّاك ، وان اعتزلته شتمك ، وان اعطاك مَنَّ عليك ، وان اعطيته كفَّرك ، وان اسررت اليه خانك »(1) .
وإذا كان رب الاُسرة جاهلاً بالمسائل المعنوية والأصولية والجوانب المادية والظاهرية فإنّه يصبح مصدراً للاضطراب واللاأمن والأذى والعناء في البيت وخارجه ، وعندها يتعرض المال والثروة والحياة الزوجية والأولاد إلى الخطر والخسران .
ان تأكيد الاسلام على كسب المعرفة والتحلي بالبصيرة في الأمور المعنوية والمادية بالمقدار اللازم إنما هو من أجل توفير الأمان ظاهرياً وباطنياً وغرسه في نفوس الزوجة والأولاد والمحافظة عليهم من شر الانسان وخطره ، ولا يلحق الضرر بدنياهم وآخرتهم أو يستحوذ عليهم الشقاء .
ورد في الكتب الاسلامية ان المسيح شوهد يوماً هارباً فسأله رجلٌ عن السبب فكان جوابه انّه هرب من الجاهل .
نعم ، يجب الهروب من الجهل والجاهل اتباعاً لسيرة الأنبياء وتأميناً للسعادة في الدنيا والآخرة .
ان الجاهل فقيرٌ وان كان ثرياً ، والعالم الواعي ثريٌ وان كان فقيراً .

العلم والمعرفة

على ضوء ما جاء في كتاب الله الخالد : ان الذين يعلمون ليسوا بمنزلة واحدة مع الذين لا يعلمون على جميع الأصعدة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تحف العقول : 28 .
( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ )(1) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« إذا أتى عليَّ يومٌ لا ازداد فيه علماً يقربني إلى الله تعالى فلا بورك لي في طلوع الشمس ذلك اليوم(2) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
« قلبٌ ليس فيه شيءٌ من الحكمة كبيت خرب ، فتعلّموا وعلِّموا وتفقَّهوا ولا تموتوا جهالاً فإنّ الله لا يعذر على الجهل »(3) .
وفي كتاب غرر الحكم ينقل عن أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) وصفه العلم والمعرفة بما يلي : العلم يُنجد ، العلم حجابُ من الآفات ، العلم أفضل غنية ، العلم مصباح العقل ، العلم نعم دليل ، العلم افضل هداية ، العلم جمال لا يخفى ، العلم أفضل الأنيسين ، العلم أفضل الاحساب ، العلم ضالة المؤمن ، العلم قائد الحلم ، لاكنز انفع من العلم ، كفى بالعلم شرفاً .
وفي جملة موجزة يوضح رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) كافة الحقائق الناجمة عن العلم والمعرفة في الدنيا والآخرة .
« العلم رأس الخير كلّه »(4) .
ويذكر الامام علي ((عليه السلام)) سبعة فوارق جوهرية بين المال والعلم حيث يقول ((عليه السلام)) :
الأول : العلم ميراث الأنبياء ، والمال ميراث الفراعنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الزمر : 9 .
2 ـ ميزان الحكمة : 6/449 .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ البحار : 77/175 .
الثاني : العلم لا ينقص بالنفقة والمال ينقص بها .
الثالث : يحتاج المال إلى الحافظ والعلم يحفظ صاحبه .
الرابع : العلم يدخل في الكفن ويبقى المال .
الخامس : المال يحصل للمؤمن والكافر والعلم لا يحصل الاّ للمؤمن خاصة .
السادس : جميع الناس يحتاجون إلى صاحب العلم في أمر دينهم ولا يحتاجون إلى صاحب المال .
السابع : العلم يقوّي الرجل على المرور على الصراط والمال يمنعه(1) .
ان السفينة الفارغة أكثر تعرضاً إلى خطر الأمواج والتحطم والتيه والغرق في عرض البحر ، أما السفينة المحمّلة والثقيلة فهي تشق الأمواج وتسير باطمئنان وامان نحو غايتها ، والأولى مثلها كالانسان الجاهل ، أما الثانية فهي كالبصير الواعي والعارف .
كيف يتصرف مَنْ تحلّى بباطن زاهر بنور التوحيد ، وقلب مطمئن بالحقيقة وفؤاد يعيش في ظل القيامة ، ويعلم ان ذلك اليوم يوم :
( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ )(2) .
ويرى انّه مسافرٌ في هذه الدنيا ، وان الآخرة هي دار البقاء ، ويعتبر نعم الله امانةً لديه ، وانّه مكلّفٌ ومسؤول تجاه كل واحدة من هذه النعم ، ويرى ان الزوجة والأولاد والبيت والمتجر والثروة كلها من عطاء الله وتقوم علاقته مع جميع الأشياء على ضوء المعرفة ؟
من المسلّم انّ تصرفه سيكون نابعاً من الحكمة ، وعمله نورانياً ، وتحركاته عين الحقيقة ، وتعامله مع كل شىء لا سيما الزوجة والأولاد يقوم على أساس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 1/185 .
2 ـ الزلزال : 7 ـ 8 .
الصلاح والسداد والرأفة والرحمة والكرامة ، ومثل هذا الانسان يفيض اماناً وطمأنية سواء في داخل البيت أو خارجه ، ويعيش الآخرون معه بكل اطمئنان وهدوء وثقة ، وهذا ما يريده الاسلام من الرجل بصفته رباً للاسرة وزوجاً وأباً .

القلب مصدر الحقائق

وردت في النصوص الاسلامية تعابير عجيبة بشأن القلب ، مثل : حرم الله(1) ، عين(2) ، امام(3) ، سلطان(4) ، وعاء(5) ، ونسبت إلى القلب بعض الأوصاف منها : السلامة ، المرض ، الطيب ، الخبث ، اللين ، الكبر ، النورانية ، العمى ، السقوط ، الاقبال ، الادبار ، الحياة ، الموت ، السعة ، الختم ، الطبع ، الزيغ ، القسوة ، وهي تعابير وردت في القرآن الكريم وفي كتب مثل الكافي ، الشافي ، البحار ، الوسائل ، المستدرك ، تحف العقول ، روضة الواعظين ، المحجة البياء ، وقد ذكر لكلٍّ من هذه التعابير معنىً .
والقلب وعاءٌ عجيبٌ يحرز صاحبه الراحة والاطمئنان أذا ما صُبَّ فيه الايمان بالحق تعالى واليوم الآخر بالطهارة ، والنورانية والحياة والخوف من العذاب ، والاخلاص والرأفة ، والرحمة والمحبة ، ويعيش صاحبه بأمان وسلامة مع من يرتبط بهم ، وأما إذا كان هذا الوعاء مركزاً للطمع والبخل والحرص والحسد والضغينة والنفاق والكفر والشرك والقسوة وسوء الظن وما شابه ذلك من ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 70/25 .
2 ـ ميزان الحكمة : 8/212 .
3 ـ البحار : 70/53 .
4 ـ ميزان الحكمة : 8/216 ـ 218 .
5 ـ نفس المصدر .
الطبائع فإنّ صاحبه سيتحول إلى مخلوق خطير وضار خبيث وظالم لا يأمنه أحد .
ولابد من الاشارة إلى من لم يتزوج بعد من الشباب : إذا رأيتم قلوبكم قد تلوثت بهذه الطبائع الذميمة فعليكم المبادرة إلى اصلاحها ومن ثم المبادرة إلى الزواج كي تشعر البنات بالأمن وهنَّ يغادرن بيوتهن ويودعنّ احضان آبائهن وامهاتهنّ الطافحة بالمحبة والحنان يحدوهنّ الأمل نحو بيوتكم ومن ثم ينجبن لكم الذرية ، ويعشنّ معكم بكل طمأنينة ، فيتمكن من اداء مسؤليات الزوجية والأمومة على أحسن وجه .
وان الدار التي تفتقد للأمن ، والانسان المخل بالأمن مثلهما كجهنم ، والويل لمن لا يأمنه عياله ويحيون معه بمرارة وشقاء دائم ، والويل لمن يتجرع زوجها وأولادها منها الشقاء والعناء والتي تعمل على تبديل جو الاُسرة إلى جوٍّ مليء بالرعب والفوضى دون وجل من الله سبحانه ، والويل للذين يؤذون والديهم ولا يأمن جانبهم .
ولأميرالمؤمنين ((عليه السلام)) تصورٌ عجيب حول القلب فهو ان لم يرتبط بالله سبحانه ويكون مفعماً بمحبته فايُّ بلاء سيجلبه لصاحبه ، يقول ((عليه السلام)) : أعجبُ ما في الانسان قلبه وله موادٌ من الحكمة ، واضدادها من خلافها فان سنح له الرجاء أذّلهُ الطمع ، وان هاج به الطمع اهلكه الحرص وان ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وان سعد بالرضا نسي التحفظ ، وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرَّة ، وإن جدّدت له النعمة اخذته العزّة ، وان اصابته مصيبةٌ فضحهُ الجزع ، وإن استفاد مالاً اطغاه الغنى ، وإنْ عضّته فاقة شغله البلاء ، وإن جهده الجوع قعد به الضعف ، وإنْ افرط في الشبع كظّته البطنة ، فكلُّ تقصير به مضرٌّ ، وكل افراط به مفسدٌ(1) .
وحول سلامة القلب ومرضه روي عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) قوله :
« في الانسان مضغةٌ إذا هي سلمت وصحّت سلم بها سائر الجسد ، فإذا سقمت سقم بها سائر الجسد وهي القلب »(2) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
« ان لله تعالى في الأرض أواني الا وهي القلوب ، فاحبُّها إلى الله ارقُّها واصفاها واصلبها ، أرقُّها للاخوان ، واصفاها من الذنوب ، واصلبها في ذات الله »(3) .
وروي عن أميرالمؤمنين حديث غاية في الأهمية بشأن سلامة القلب اذ قال ((عليه السلام)) :
« لا يسلم لك قلبك حتى تحب للمؤمنين ما تحب لنفسك »(4) .
ما أعجبه من اقتراح عجيب لسلامة القلب ، وياله من حديث مفعم بالنور والحكمة ورد عن سيد الأولياء والعاشقين ؟ !
أجل ، فإذا اراد المرء للآخرين ما يريده لنفسه ، طهر قلبه من الرذائل تدريجياً فيتحول حينها إلى قلب سليم ، وعند ذاك يمتلىء ايماناً وحبّاً ورافة ورحمة وكرامة واخلاصاً وسينعم الناس جميعاً لا سيما المرأة والأولاد إلى جانبه من بخير الدنيا والآخرة .
على الشباب الذين لم يدخلوا عش الزوجية بعد العمل على سدِّ ما يجدونه من نواقص في قلوبهم ، والاّ فإنّهم سيظلمون زوجاتهم وأولادهم فيما بعد ، وعلى المتزوجين المبادرة إلى علاج ادران الرذائل إن هُم احسّوا بوجودها في قلوبهم ، والاّ فلن يكون زوجاتهم وأولادهم في مأمن منهم ، وليعلم الجميع حقيقة ان عذاب البرزخ انما يصيب الذين يشقى عيالهم معهم نتيجة ابتلائهم بسوء الخلق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 70/52 .
2 ـ ميزان الحكمة : 8/216 ـ 218 .
3 ـ نفس المصدر .

4 ـ البحار : 78/8 .
إذا ما رُفد العقل بالعلم وتخلّق القلب باخلاق الله ، حينها تصبح النفس نفساً نورانية وتتحول حركات البدن إلى حركات ملكوتية ، ويصبح للانسان إلى منهل خير وفضيلة وأمان ، والآن تأملوا هذه الآية الكريمة بهذا الصدد :
( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْم أُوْلئِكَ لَهُمُ الاَْمْنُ وَهُم مُهْتَدُونَ )(1) .
نعم ، كما تقدم في بداية البحث فإنّ الحسنات جميعها من الله سبحانه أما السيئات فهي من الانسان ، ويمكن اكتساب الحسنات ومحو السيئات من صفحة الوجود من خلال الاقبال على الله عن طريق التمسك بالانبياء والقرآن والأئمة والعلماء الربانيين واستثمار القوى الظاهرية والباطنية .
وبعد اكتساب الحسنات تكون مسؤولية الانسان العمل على نقلها إلى الآخرين لا سيما زوجته وولده ، وفي هذا المجال يعتبر الاهمال ذنباً كبيراً يستوجب عقاب الله .
لقد دعانا الأئمة ((عليهم السلام)) إلى ان نكون اسوة للآخرين باعمالنا لا بالسنتنا ، حيث ان كلَّ انسان يلمس جمال الباطن في شخص ما فهو يندفع إلى اكتسابه .
على رب الاُسرة ان يكون حجة لله في بيته وان يكون اسوة حسنة لعياله على صعيد الجمال بجوانبه المعنوية والأخلاقية والعملية ، ولا يكون هكذا ما لم يغذّي العقل والروح والبدن بالقدر الممكن من العلم والأخلاق والصفاء والطهارة والتقوى والعمل الصالح حتى يتحول بيته وأهله إلى شعبة من دار أهل البيت ((عليهم السلام)) ومظهر لاولياء الله ، وهنا تتضح ضرورة المشاركة في المجالس الدينية النافعة وارتياد المساجد ومجالسة الفقيه ، والعالم الرباني ، فيما ينجم من الابتعاد عن هذه الحقائق تراكم الجهل وتفشي الأمراض القلبية والانحرافات النفسية والعميلة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الأنعام : 82 .
ومع تجلّي الوحي في القرآن الكريم وما وصلنا من آثار الأنبياء والأئمة في الكتب القيمة والمعتبرة ، وتوفّر المساجد والمجالس الدينية ، والعلماء الربانيين ، لسلوك الصراط الالهي وطريق السلامة ، لن تبقى لأيِّ أحد حجة ولا عذر عندالله سبحانه .

العذاب في عرصات القيامة

ان نيران جهنم سببها الجهل وفساد القلب والانحرافات العملية ، ولم يشأ الله الرحيم ان يعذّب كل أحد تعذيباً الزامياً ، وانما هي والرذائل الأخلاقية هي التي تظهر يوم القيامة بصورة عذاب يحيط بالمذنب ، ولولا الذنوب والمعاصي والانكار والكفر ومعاندة الله لم يكن ثمة وجود لعذاب البرزخ والقيامة .
جاء في دعاء الكميل :
فباليقين اقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك وقضيت به من اخلاد معانديك لجعلت النار كلّها برداً وسلاماً وما كان لأحد فيها مقراً ولا مقاماً لكنك تقدّست أسماؤك اقسمت ان تملأها من الكافرين من الجنة والناس أجمعين ، وان تخلِّد فيها المعاندين .
بناءً على هذا فإنّ الناس هم الذين يمهدون العذاب لأنفسهم من خلال ارتكاب الذنوب والمعاصي ، وليس الله الرحيم ، الغفور ، الكريم ، بل هو الذي هيأ جميع الوسائل اللازمة لحصول عباده على الحسنات التي تكون نتيجتها الأمان في الدنيا والآخرة .
على أية حال ، يتعين على الزوجين العمل على توفير الأمان المطلوب في الحياة الدنيا لهم ولأولادهم وارحامهم واقربائهم مستعينين بالايمان والأخلاق والعمل الصالح والصفاء والوفاء والصدق والحلم والصبر وسعة الصدر ، لينالوا بذلك الأمان يوم القيامة بالاضافة إلى ما ينعمون به من أمان في هذه الدنيا حيث يقول النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
« الدنيا مزرعة الآخرة » .
ويقول الامام الباقر ((عليه السلام)) :
« ولنعم دار المتقين »(1) .
فالمتقون يتزودون من دنياهم لآخرتهم ، ويعمّرون آخرتهم بدنياهم ، فيعيشون في الدنيا سعداء ، وفي الآخرة أكثر سعادة .
ان المؤمنين والمتقين يتاجرون ويكسبون ويزرعون ويملكون ويتزوجون ، ويديرون شؤون البيت والحياة على أحسن وجه ويقضون حوائج الناس ويتزاورون ويتصدقون ، وخلاصة القول يتمتعون بدنياهم في أجواء ملؤها السلامة والأمان والايمان والاخلاق ، ومن بعدها يحظون بآخرة افضل .
ليت البيوت جميعها تعيش الأمان والسلامة ، ويا ليت ديارنا باسرها يسودها الايمان والأخلاق والعمل الصالح ، ويا ليت جميع الرجال والنساء مزينون بالمحاسن ومطهرون من الرذائل ، لئلا يتعرض أحدٌ إلى المشاكل ويعيش الجميع سويةً مستظلين بظلال السلامة لاطمئنان ويهنئون بالمواهب الالهية .
وقد وصف جعفر بن محمد الصادق ((عليه السلام)) المؤمن الحقيقي قائلاً :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 73/107 .
« الناس منه في راحة ونفسه منه في تعب »(1) .

الآباء الصالحون

ان تحلّي كلٍّ من الرجل والمرأة بالفضائل وابتعادهم عن الرذائل والقبائح من شأنه ان يحوِّل كل منهما إلى منهل للامان والاستقرار ازاء بعضهما البعض ، ويمثلان عامل تكامل ورقيٍّ بالنسبة لاولادهما .
فلا يهملان متطلبات اولادهما فإذا ما احتاج اولادهما ، إلى المحبة أو النفقة أو الدراسة والتعلّم أو التزاور أو النزهة أو الزواج فإنّهما يبادران إلى تلبية متطلباتهم بمنتهى الودِّ والحنوِّ والعطف ، وإذا عجزا عن تلبية متطلباتهم فهما يقنعانهم من خلال الأخلاق وسعة الصدر وحسن الخلق والبشاشة والأولاد بدورهم يتقلبون ذلك بكل ادب واتزان .
ان الأبناء الصالحين إذا ما دعوا احياناً لارتكاب المعصية من قبل الوالدين وقد تصدر هذه الدعوة عن جهل منهما ـ فهم يرفضونها بمنتهى الأدب وبذلك لا يُعرّضون أنفسهم إلى الخطأ والالتباس ، كالتي غضبت على ولدها لأنه اسلم على يد الرسول ((صلى الله عليه وآله)) ، بل انها امتنعت عن الطعام ، غير انّها لما سمعت برضى الله سبحانه عن ولدها واهمل طاعتها انهت اضرابها والتزمت جانب الصمت ازاء ابنها .
فيا ايّها الآباء والامهات ! حينما يثير رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) اهتمامكم بالسقط حتى انّه قال : . . . ان السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنة فيقال له : ادخل الجنة ، فيقول : لا حتى يدخل ابواي الجنة قبلي(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 78/37 .
2 ـ الوسائل : 20/14 طبعة مؤسسة آل البيت .
فلماذا لا تولون ولدكم ـ هذه النعمة الالهية ـ الاهتمام الذي يستحقه على الأصعدة المادية والمعنوية ؟ فإنّ الظفر بالولد والاهتمام به وتلبية متطلباته الانسانية يُعد تجارةً رابحةً في الدنيا والآخرة .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من تزوّج لله ولصلة الرحم توجّه الله بتاج المُلك »

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوسائل 20 / 51

تجليات الفضيلة في الاسرة

اخلاص النية

تجليات الفضيلة في الاسرة   
تترتب على الزواج معطيات ونتائج ايجابية كثيرة منها : استثناس الزوجين ببعضهما البعض ، التخلص من العزلة ، زيادة الرزق ، قرَّة العيون ، المحافظة على نصف الدين ، نيل رضي الباري تعالى ، التلذذ والاستمتاع الجنسي ، الانجاب ، الظفر بمعين ، الخ . .
وإذا اخلص المرء نيته لله سبحانه في مسألة الزواج فإنّه بالاضافة إلى ما تقدم من منافع فهو يمارس بذلك عبادة مهمة وطاعة عظيمة تسمو به إلى مستوى الملائكة فيتوّج بتاج كتاج أهل الملكوت ، فلماذا لا نبادر إلى عمل ينوره نور رضى الله سبحانه تفوق قيمته كلَّ شيء ؟
لنبي صرح الزواج والحياة الزوجية منذ البداية على اساس من الاخلاص ، وعلى رجالنا ونسائنا ايلاء هذا الأمر كامل الاهتمام كي يتشرف ظاهرا الحياة وباطنها بلطف الله ورحمته وقبوله .

ذروة اخلاص النيّة

في هذا المجال نلفت انتباهكم إلى قصة عجيبة من موسى بن عمران ((عليه السلام)) :
لما دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ فقال له شعيب : اجلس يا شاب فتعشَّ فقال له موسى : اعوذ بالله ، قال شعيب : ولمَ ذاك ؟ الست بجائع ؟ قال : بلى ، ولكن اخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيتُ لهما ، وإنا من أهل بيت لا نبيعُ شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً ، فقال له شعيب : لا والله يا شابّ ولكنها عادتي وعادة آبائي ، نقري الضيف ونطعم الطعام ، فجلس موسى فأكل(1) .
واعجبا ! بعد تلك الفترة الطويلة التي مضت على خروج موسى من مصر وتنقله في الصحراء دون ان يحصل على طعام اذ كان يتغذى على اعشاب الصحراء ، فهو يدخل على شعيب ((عليه السلام)) ويرى مائدته قد اُعدّت ، بيد انّه ابى تناول الطعام بالرغم مما كان عليه من جوع لئلا يؤثر ذلك في عمله الذي قام به خالصاً لوجه الله سبحانه ، لكنه عندما اطمئن إلى خلوص نيّة شعيب في هذه الضيافة جلس امام المائدة .
لقد ادى اخلاص شعيب إلى ان يرعى اغنامه أحد انبياء اولي العزم لمدة ثماني سنوات ، فيما اثمر اخلاص موسى عن زواجه من ابنة شعيب !

اخلاص عجيب

ذكر لي أحد العلماء ممن اتصف بالاخلاص والولاء لأهل البيت ((عليهم السلام)) وقد كانت تجمعني به علاقة تمتد إلى سنوات متمادية ، ونهلت من اخلاقه وسلوكياته : لما غادرت طهران إلى قم المقدسة لدراسة العلوم الدينية كان حينها آية الله العظمى الشيخ عبدالكريم الحائري زعيماً للحوزة العلمية في قم .
بعد فترة عرفتُ بالحاج الشيخ لما كنت اتمتع به من ميزة خاصة في ذكر مصائب أهل البيت ((عليهم السلام)) فطلب مني الشيخ الحائري ((رحمه الله)) ان اقرأ له ذكر مصائب أهل البيت ((عليهم السلام)) في المناسبات .
وشيئاً فشيئاً اشتهرت بذلك ، وكنت افتخر بانني اقف بين الذاكرين للإمام الحسين ((عليه السلام)) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 13/21 .
وفي يوم خميس دُعيت إلى منزل أحد كبار العلماء في اطراف المدينة ، فطلب مني ان ارتقي المنبر فاجبتهم إلى ذلك فتحدثت عن الموت مستنداً إلى بضع احاديث من نهج البلاغة ، فبكى صاحب الدار بكاءً شديداً واستمر بكاؤه حتى نهاية المجلس ، وفي الخميس القادم دُعيتُ ثانية الى ذلك البيت وطُلب مني ان اتحدث باسلوب اكثر بساطة لان هذا الرجل الجليل يبكي بكاءً مرّاً حين يتذكر ما تناولت في المحاضرة السابقة ، ثمّ ذكروا لي قصة مثيرة عن اخلاصه .
فكان مما قالوا : عندما كان اعزباً لم ينفع مع الحاحنا عليه بالزواج ، غير انّه وافق على الزواج في آخر المطاف ، فاقترح عليه الزواج من شابة لم تتزوج بعد ، وبعد لقائه بها حسب التعاليم الشرعية رفض الزواج منها ، ثم مضت مدة من الزمن فسمعنا انّه تزوج من امرأة ارملة سوداء الوجه قبيحة المنظر ولها من الأولاد ثلاثة فدهشنا لذلك ، وعندما سألناه عن السبب أجاب : حين رأيت الفتاة الباكر اعجبتني وكلما حاولت ان اخلص نيتي في هذا الزواج واقدم على ذلك قربة لوجه الله سبحانه الاّ انني لم افلح فتركتها ، ولما رأيتُ هذه الأرملة فقيرة الحال ومعها ثلاثة أيتام لا رغبة لأحد بالزواج منها ، حينها عثرت على قاعدة الاخلاص فتزوجت قربة إلى الله وطمعاً في الربح الحقيقي يوم القيامة ! !
قال أمير المؤمنين ((عليه السلام)) :
« طوبى لمن اخلص لله عمله وعلمه وحبّه وبغضه واخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله »(1) .
وقال ((عليه السلام)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 3/56 ـ 58 .
« الاخلاص اشرف نهاية »(1) .
وعنه ((عليه السلام)) :
« في الاخلاص يكون الخلاص »(2) .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« الاخلاص ملاك العبادة »(3) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« طوبى للمخلصين اولئك مصابيح الهدى ، تنجلي عنهم كلُّ فتنة ظلماء »(4) .
وقال الامام الحسن العسكري ((عليه السلام)) واصفاً عظمة المخلصين :
« لوجعلت الدنيا كلّها لقمةً واحدةً ولقمتها مَنْ يعبدُالله خالصاً لرأيت اني مقصرٌ في حقه »(5) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« أخلصوا اعمالكم لله فإنّ الله لا يقبل الاّ ما خلص له »(6) .
وقال ((عليه السلام)) :
« ضاع من كان له مقصدٌ غير الله »(7) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« تمام الاخلاص اجتناب المحارم »(8) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ ميزان الحكمة : 3/59 ـ 62 .
5 ـ نفس المصدر .
6 ـ نفس المصدر .
7 ـ نفس المصدر .
8 ـ ميزان الحكمة : 3/63 .
إذا لم يطغَ الهوى والغرائز والتقليد الأعمى والتعلق المفرط بالامور المادية ، والغفلة فإنّ زهرة الاخلاص ستتفتح في كلِّ عمل من دوحة الباطن فيملأ عطرها كل ارجاء الحياة .
ما اجمل ان يبني الرجل والمرأة الزواج على اساس من الاخلاص ويستمران على ذلك في مسيرة الحياة رغم العراقيل .
يقول تعالى :
( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )(1) .
ان الرياء في الواجبات مبطلٌ لها ، وفي المندوبات سببُ للتقليل منه قيمة العبادة .
قبل فهرست بعد