قبل فهرست بعد

الاخلاق الاسلامية في الاسرة

أهمية مكارم الاخلاق

الاخلاق الاسلامية في الاسرة   
من الضروري ان يلتزم الزوجان بمجموعة من الضوابط الاخلاقية التي ورد المزيد من التأكيد عليها في القرآن الكريم والاحاديث وذلك بغية صيانة نفسيهما وضمان سعادة اولادهما .
وليس من المعتذر التزام فضائل الاخلاق والاحتراز عن قبائحها ، واستخدام الاساليب الاخلاقية والابتعاد عمّا ينافيها يسهّل على المرء السير في هذا الطريق الالهي ، ويرسخ الرابطة الزوجية ويعمق المحبّة بين الزوجين ويعتبر درساً عملياً للآخرين لا سيما ابناء العائلة ، وان تطبيق الضوابط الاخلاقية فيما بينهم يخلق اجواءً يسودها الصفاء والصدق والطهارة والسلامة والامن والراحة والمودة ، ويخلق شعوراً لدى الزوجين بأن يتذوقوا طعم الحياة بكافة جوانبها وكأنها احلى من الشهد المصفّى .
وقد اثنى الله سبحانه في كتابه الكريم على الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) لتحليه بمكارم الاخلاق ووضعه إياها موضع التطبيق :
( فَبِمَـا رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(1) .

( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم )(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ آل عمران : 159 .
2 ـ القلم : 4 .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« الاسلام حسنُ الخلق »(1) .
وقال الامام الحسن ((عليه السلام)) :
« انّ احسنَ الحسن ، الخلق الحسن »(2) .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
« حسنُ الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة »(3) .
وقال علي ((عليه السلام)) :
« حسنُ الخلق رأس كلّ بر »(4) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« لا عيشَ اهنأ من حسن الخلق »(5) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَنْ حَسنُتَ خلقه بلّغهُ الله درجة الصائم القائم »(6) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
« أول ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسنُ خلقُهِ »(7) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« انّ احبّكم اليّ واقربكم مني يوم القيامة مجلساً احسنكم اخلاقاً واشدّكم تواضعاً »(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 3/137 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ البحار : 71/388 ـ 389 .
6 ـ البحار : 71/388 ـ 389 .
7 ـ البحار : 71/385 .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) لأميرالمؤمنين ((عليه السلام)) : الا اخبركم باشبهكم بي أخلاقاً ؟ قال بلى يا رسول الله ، قال :
« احسنكم خُلقاً واعظمكم حلماً وابرّكم بقرابته واشدّكم من نفسه انصافاً »(2) .
ولمكارم الاخلاق وحسن الخلق من الاهميّة والعظمة ما جعل رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) يصرّح بأنها الغاية من بعثته حيث قال (صلى الله عليه وآله) :
« انما بعثتُ لاُتمم مكارم الاخلاق »(3) .
وقوله ((صلى الله عليه وآله)) :
« انما بُعثتُ لاُتمم حسنَ الخلق »(4) .
ان مكارم الاخلاق ومحاسنها تمثل تجلياً لصفات الحق تعالى واخلاق الانبياء والأئمة المعصومين ((عليهم السلام)) ومنشأ خير وبركة لمن تحلّى بها ، أما قبائح الاخلاق فهي تجسيد للالاعيب الشيطانية وسببٌ في تأزم الحياة وتدهور العلاقات الاجتماعية ومدعاة لفقدان الامن واثارة التفرقة والتذمّر بين الناس وخراب الدنيا والآخرة .

المودة والتعبير عنها

لقد اودع الباري تعالى المحبة والمودة في قلب كلٍّ من الرجل والمرأة تجاه بعضهما ، واعتبر ذلك من آياته ، وهذه الحقيقة تمثل تعبيراً عن اهمية قضية المودة بين الرجل والمرأة وعظمتها لا سيما محبة الرجل للمرأة ، إذ يقول تعالى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ البحار : 77/58 .
3 ـ ميزان الحكمة : 3/149 .
4 ـ نفس المصدر .
(  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لاَيَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ )(1) .
ان هذا المودة والمحبّة تتفتح براعمها وتبلغ ذروتها في مطلع الحياة الزوجية بل وحتى قبل عقد القران ، وعلى الزوجين المحافظة على هذه النعمة وهذه العاطفة القلبية السامية التي تبعث السعادة في الحياة والمعاشرة ، وتنمّي الصفاء والطهارة من خلال التودد لبعضهما البعض والتحلي بالحلم والعفو ومكارم الاخلاق والتعاون والتسامح بالحقوق المتبادلة وصيانة شخصية الطرفين وحيثياتهما ، والتورع عن أسباب تصدع هذه المودة والمحبّة ، إذ ان المحافظة على بناء المودة من العبادة ، وتهديم عرش المحبّة لا ريب في انّه ذنبٌ ومعصيةٌ توجب العذاب والعقاب الالهيين يوم المحشر ، وسببٌ في اثارة الشقاء الدنيوي .
وقد دعا الصادق ((عليه السلام)) لمن تمتع بقدرة كسب محبة الآخرين ، إذ يقول ((عليه السلام)) :
« رحم الله عبداً اجتر مودة الناس إلى نفسه . . . »(2) .
ان تبديل المودة والحب إلى بغض وضغينة وعداء دون توفر مبرر عقلي وشرعي لذلك ، انما هو تبديل النعمة إلى كفران ، والمحافظة على المودة وتفعيلها ونقلها إلى الطرف المقابل تعتبر سبباً في تحقق السعادة الدنيوية والاخروية .
قال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« ويل لمن يبدل نعمة الله كفراً ، طوبى للمتحابّين في الله »(3) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 2/205 .
2 ـ ميزان الحكمة : 2/205 .
3 ـ الوسائل ، 16/171 طبعة آل البيت .
« أفضل الناس مِنّةً مَنْ بالمودة »(1) .
والانسان محكومٌ بأن يبذل المودة لمن يستحق المحبة والود والصداقة فضلاً عن المقربين اليه من الزوجة والاولاد .
ورد في حديث قدسي :
« الخلقُ عيالي ، فاحبُّهم الىَّ الطفهم بهم واسعاهم في حوائجهم »(2) .
على ضوء ما تقدم فإنّ المحبّة الكامنة في قلب المرأة تجاه الرجل وبالعكس تعتبر من آيات الله سبحانه ومن النعم الالهية الخاصة ، وأهم دافع لتشكيل الحياة الصالحة واستمرارها ، وشيوع الصفاء والصدق في ربوع الحياة ، وعليه من الواجب المحافظة عليها والعمل على اضطرادها وتجنب عوامل زوالها .
قال الصادق ((عليه السلام)) :
« من أخلاق الأنبياء حبُّ النساء »(3) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« جُعل قرة عيني في الصلاة ، ولذّتي في الدنيا النساء ، وريحانتي الحسن والحسين »(4) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) : « ما تلذذ الناس في الدنيا والآخرة أكثر لهم من لذة النساء وهو قول الله عزّوجلّ ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ . . . )إلى آخر الآية ، ثم قال : وان أهل الجنة ما يتلذذون بشيء من الجنة اشهى عندهم من النكاح ، لا طعام ولا شراب »(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 2/210 .
2 ـ الكافي : 2/199 .
3 ـ الوسائل : 20/22 ـ 23 طبعة آل البيت .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ الوسائل 20/23 ـ 24 .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
« قول الرجل للمرأة اني احبك لا يذهب من قبلها ابداً »(1) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« العبدُ كلّما ازداد للنساء حباً ازداد في الايمان فضلاً »(2) .
وبطبيعة الحال لابد من الالتفات هذه الحقيقة وهي ان لا تأخذ المحبّة والمودة تجاه المرأة طابع الافراط ، فالافراط بالمحبّة يحول دون سلوك المرء لصراط الله المستقيم والقيام بالاعمال الصالحة وبذل الخيرات والمبرّات ، لا سيما إذا حاولت المرأة التحكم بالرجل من خلال استغلال محبته لها وفرض المزيد من رغباتها عليه .
يجب ان يكون حبُّ المرأة وكل شيء تابعٌ لايمان الانسان بالله سبحانه والمعاد وان لا يعيق الانسان عن السير نحو الكمالات والقيام بالصالحات .
وإذا ما اراد حبُّ المرأة ان يتحول إلى بؤرة للمعاصي والذنوب والاسراف والتبذير ، أو البخل والحرص أو سببٌ في الامساك عن اداء القرائض ، يجب والحالة هذه تصحيح مساره ، فمثل هذا الحبّ انما خليطٌ مع نفثات الشيطان ويعيدٌ عن رضى الحق تعالى .

الانصاف في الآمال

ان لكل رجل وامرأة قابليته وامكانيته الخاصة به من الناحية البدنية والروحية ، وان تفهم هذه القابلية والامكانية مرتبط بفترة المعاشرة والسلوك الطبيعي والاخلاقي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ نفس المصدر .
وبعد مدة وجيزة يتفهم الزوجان بعضهما البعض نوعاً ما ويتعرف كلٌّ منهما على قابلية الآخر بدنياً وروحياً ، وعلى الزوجين أن يدركا انّ الحق تعالى قد وضع في الاعتبار مسألتين حين شرع التكليف للانسان :
اولهما : انّه تعالى لم يكلف الانسان ما يخرج عن امكانيته ويفوق طاقته ووسعه ، وثانيهما : انّه تعالى وضع التكاليف والواجبات الشرعية على ضوء وسع الانسان وهو ما عبّر عنه المحققون بالمرحلة التي تقل عن حدود قدرته .
وهذا ليس سوى تجلٍّ لرحمة الله ورأفته بعباده والبشر قاطبة إلى قيام يوم الدين ، وقد اشار تعالى إلى هذه الحقيقة في الآيات 233 و286 من سورة البقرة والآية 152 من سورة الانعام والآية 42 من سورة الاعراف والآية 62 من سورة المؤمنون .
( لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا )
وقوله ايضاً :
( لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً )
بناءً على ذلك يتعين على كلا الزوجين التأسي بهذه الاخلاق الكريمة والصفات الرحيمية للحق تعالى في قضية الطلبات والطموحات المتقابلة ، إذ عليهم :
اولاً : عدم الطلب من الطرف المقابل ما يخرج عن الطاقة والقابلية على الصعيدين المادي والمعنوي إذ ان فرض ما هو خارجٌ عن حدود القدرة وطلب ما لا يمكن تحمله يعد ظلماً ، وجوراً على البعد الروحي ، ومدعاة لحلول العقاب الالهي .
ثانياً : مراعاة قابلية بعضهما البعض اثناء طرح الطلبات ، بل تحديد الطلبات والطموحات على ضوء الوسع والقابلية ، وطرح التكاليف الطبيعية والحياتية بينهما والطلب من بعضهما البعض بنحو يجري انجازه بكل شغف ولهفة .
وإذا كان بوسعهما ـ وهو كذلك ـ التحلّي بالانصاف ازء بعضهما البعض إذ ان ذلك من اخلاق الله تعالى ومن فعال الانبياء والائمة ومن خصال اولياء الله .
ربما تتخذ المبالغة بالآمال طابع تكليف يفوق الطاقة ، ولا شك بأن المطالب الثقيلة لو لم تُنفد من قبل الزوج فإنّ ذلك مما يعكر الاجواء ويؤلم القلوب وبالتالي يثير الضغينة والنفور وتكون نتيجة ذلك تأزم الحياة وانهيار صرح الصفاء والصدق والمودة .
ان المبالغة بالآمال خصلة مذمومة وحاصل الكبر والغرور وهو مرض نفساني وفعلٌ خارج عن اطار الانسانية وصفةٌ قبيحة .
والتسامح بالطموحات انما هو ثمرة الوقار والتأدب وحاصل المعرفة والكرم ، وثمره طيبة من ثمار التواضع .
فإنّ اردتم حياةً تفوق في حلاوتها الشهد المصفى لا مجال فيها لاختلاف يعتد به ، ولا يتعرض الزوج إلى ما يكدر صفو حياته ، ولا تتعرض شخصيته للاحتقار ، ولا ينتقل التأزم والمرارة إلى الآخرين ، فعليكم التسامح بالطموحات ازاء بعضكم البعض في جميع شؤون الحياة واعلموا ان ذلك مدعاة لبلوغ رضى الحق تعالى بالنسبة لكم لانه نفحةٌ من رحمته تعالى في الحياة الدنيا .
على اية حال ، على الزوجين التحلّي باللين والصفاء وان يكونا مصدر مودة ومحبة ويتسامحا فيما بينهما على كافة الاصعدة الحياتية ، إذ ان هذا التسامح يعتبر باباً من ابواب المعروف ، وان اهل المعروف ومَنْ تطهروا وتطيّبوا عن المنكرات روحياً واخلاقياً هم ممن تشملهم عناية الباري عزوجل وممن يستحقون الاجر الجميل والثواب الجزيل من لدنه تعالى .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« اول مَن يدخل الجنة المعروف واهله ، واول من يرد علىَّ الحوض »(1) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« ان للجنّة باباً يقال له : المعروف ، لا يدخله الاّ أهل المعروف ، وأهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الآخرة »(2) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« كلّ معروف صدقة »(3) .
وفي القرآن الكريم اكد جل شأنه ان ثواب كلّ معروف بعشرة امثاله :
( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا )(4) .
ان التسامح في الطموح ضربٌ من المعروف وحسنةٌ من محاسن الروح ونوع من الصدقات تقابل بعشرة اضعاف من الاجر ، فلِم لا يبادر الزوجان إلى هذه التجارة الرابحة ويحرمان انفسهما من هذه النعمة الالهية مدى الحياة ؟ حيث ان حرمان النفس من عناية رب العالمين ورحمته ظلمٌ فاحشٌ وذنب لا يغتفر وخسارةٌ لا تعوّض .

الحلم والعفو

ربما يرتكب الزوج أو الزوجة خطأً تجاه بعضهما البعض ، إذ ربما تقع الزوجة في الخطأ اثناء تدبيرها لشؤون البيت كاعداد الطعام ومداراة الاولاد واداء حق الزوج ، وقد يخطىء الزوج ايضاً في سلوكه وتصرفه واخلاقه واسلوبه في ادارة شؤون البيت وتقييمه لزوجته ، فما كان من الاخطاء يمكن التغاضي والحلم عنه من قبل الطرفين فالتجاوز يكون في محله ، اما في الاحوال التي تكون الحياة تقطع اشواطها الطبيعية فلا مجال فيها للتجاوز .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 16/303 طبعة آل البيت .
2 ـ الوسائل : 16/304 ـ 305 .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ الانعام : 160 .
ان الواجب الشرعي والاخلاقي يحتّم على الزوج العفو عن زوجته عند الحاجة ، وكذا بالنسبة للمرأة ، ومن القبيح هنا التشبث بالمكابرة والتعنّت والانانية وعدم الاعتناء بحيثيات الطرف المقابل والتنكّر للتعاليم الإلهية ووصايا الانبياء والائمة فيما يتعلق بالعفو والحلم وذلك مما يعد محرماً في بعض الحالات ويستوجب العقاب الالهي .
العفو والحلم من متفرعات الاحسان ، والمُحسن استناداً للمنطق القرآني يعتبر حبيب الله :
( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُـحْسِنِينَ )(1) .
والعفو والحلم من الاهمية بمكان بحيث ان أجر العافي يقع على الله تعالى :
(  فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهَ )(2) .
قال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة : تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتحلمُ إذا جُهل عليك »(3) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ان الله عفوٌّ يحبُّ العفو »(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ آل عمران : 134 .
2 ـ الشورى : 40 .
3 ـ البحار : 71/400 .
4 ـ ميزان الحكمة : 6/367 .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« مَنْ اقال مسلماً عثرته اقال الله عثرته يوم القيامة »(1) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« إنّا أهل البيت مُروتُنا العفو عمّن ظلمنا »(2) .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
« تجاوزوا عن ذنوب الناس يدفع الله عنكم بذلك عذاب النار »(3) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« قلّة العفو اقبح العيوب ، والتسرع إلى الانتقام اعظم الذنوب »(4) .
وعنه ((عليه السلام)) انه قال :
« شر الناس من لا يعفو عن الزلّة ولا يستر العورة »(5) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« عفواً من غير عقوبة ، ولا تعنيف ولا عتب »(6) .
واستناداً إلى الآيات القرآنية والروايات ، فإنّ الله يحب العفو ، وهو تعالى تكفل بأجر العافي ، والعفو من مكارم الدنيا والآخرة ، ومدعاة للنجاة من النار ، واتباع لاهل البيت ((عليهم السلام)) ، وقلّة العفو دليل على المرض النفسي وشرانية نفس الانسان .
فلماذا لا يعفو الزوجان عن بعضهما البعض إذا بدر من احدهما خطأٌ خلال مسيرة حياتهما كي يصبحا احباء الله وينعما بثوابه ويتحولا إلى منهل لمكارم الدنيا والآخرة ، ويعبّرا عن ولائهما لائمة اهل البيت ((عليهم السلام)) ويصبحا من زمرتهم ، فكل ذلك انما هو ثمرة تجارة معنوية مع الله سبحانه من غير المعقول تضييعها ، لا سيما وان التحلّي بذلك يعتبر فعلاً يسيراً وبسيطاً لا تكليف فيه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ ميزان الحكمة : 6/368 ـ 370 .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ نفس المصدر .
6 ـ نفس المصدر .
فإذا ما اتخذ الزوجان من العفو منهجاً لهما ومارسا هذه الخصلة الالهية لفترة وجيزة ، فانها سوف تترسخ لديهما وبذلك يصبحا ممن اتصف بهذه الميزة الالهية بعد قصير من الوقت .

التغافل أو التناسي

التغافل ، من الخصال الحميدة والرفيعة والهامة التي يندر مَنْ يتحلّى بها بين عامة الناس .
ان الاطلاع على الخطأ والتقصير والوقوف على العيب والنقص ، والتغاضي عنه بنحو يطمئن الطرف المقابل بعدم اطلاع أي انسان عليه ، يعتبر من أسمى المزايا الروحية واعظم الخصال الانسانية .
انّها ذروة الكرم والعظمة في الشخصية ان يرى الرجل خطأً من زوجته أو تشاهد المرأة خطأً من زوجها ، فيتعمد التغاضي بكل رجولة وإباء وكرم ، ويحافظ على حالة التغاضي في كل ما يطرأ مستقبلاً .
يقول أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« ان العاقل نصفه احتمالٌ ونصفه تغافلٌ » .
وعنه ((عليه السلام)) :
« اشرف اخلاق الكريم كثرة تغافله عمّا يعلم »(1) .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« لا عقلَ كالتجاهل ، لا حلم كالتغافل »(2) .
ان التدقيق والشدة في المحاسبة وتصور عصمة الطرف المقابل من جميع الجوانب وعدم الصفح وتثبيت الاخطاء وكما تعارف عليه التنقيب عن الخطأ كل ذلك مما ينافي الاخلاق ، وكما يعبّر أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
ان العفو والصفح والاسمى منهما التغافل والتجاهل هي من الامور الضرورية التي لابد للرجل والمرأة التحلي بها وعن طريق هذه الخصال الحميدة والاخلاق الفاضلة تهنأ الحياة وتعمّها السعادة ، وتتمتع الاعصاب بالراحة التامة ، ويسلمُ كلٌّ من البدن والروح من الكثير من الامراض .
ان العفو والصفح والتجاهل والتغافل ما هي الاّ ثمرة طيبة لكبح جموح الغضب أو ما عبر عنه القرآن الكريم « كظم الغيظ » ، وتجنب الحدّة والهروب من نيرانها .
والغضب والحدّة والمراء والعناد والجدال غير المبرر ، انما هي مما يرفضه الحق تعالى ، ومن شعب جهنم ، وصفات ذميمة ، وخُلقٌ عدوانيَّ ، ومما يؤدي إلى انهيار صرح الحياة ودافعٌ ينتهي إلى الطلاق والانفصال ، والغرق في وحل الكثير من المعاصي والموبقات ، والانغماس بكل ما هو شرٌ وباطل .
وقد ورد بشأن المراء بالباطل والعناد :
ان رجلاً قال للحسين بن علي ((عليه السلام)) اجلس حتى نتناظر في الدين ، فقال ((عليه السلام)) : يا هذا انا بصيرٌ بديني مكشوفٌ عليَّ هُداي فإنّ كنتَ جاهلاً بدينك فاذهب واطلبه ، مالي وللمماراة ، وان الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه . . .(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 7/268 .
2 ـ نفس المصدر .
مما لا شك فيه ان الجدال والنقاش إذا كان من أجل اثبات الحق ومن مصاديق الجدال بالتي هي احسن ، فذلك مما لا اشكال به ، بل يمثل السبيل للتطور العلمي واستجلاء الحقيقة ومما يقره العلم والعقل والشرع ، اما إذا كان من باب العناد ومحاولة تحطيم الطرف الآخر والنيل من كرامته وخلخلة الاستقرار ، فلا شك في انّه محرّمٌ يعتبر مرتكبه عاصياً ويستحق عليه العقاب .
قال الامام الرضا ((عليه السلام)) لعبد العظيم الحسيني .
يا عبداالعظيم ! ابلغ عنّي اوليائي السلام وقل لهم ان لا يجعلوا للشيطان على انفسهم سبيلاً ، ومُرهُمْ بالصدق في الحديث واداء الامانة ، ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم(2) .

الغضب والحدّة

لقد حذّرت الروايات والتعاليم الاسلامية ومن قبلها آيات القرآن الكريم من الغضب والحدّة معتبرة الغضب من العوامل المدمّرة ودليلاً على الطيش وسبباً في الهلاك ، وجمرة من جمار الشيطان ، وضربٌ من الجنون وهو مفتاح كل شرٍّ .
في كلام لأميرالمؤمنين ((عليه السلام)) بهذا الشأن انّه قال :
« الغضب شرٌّ ان اطلقته دمَّر »(3) .

« الغضب مركبُ الطيش »(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 2/135 .
2 ـ البحار : 74/230 .
3 ـ ميزان الحكمة : 7/231 .
4 ـ ميزان الحكمة : 7/230 ـ 231 .
« الغضب يثيرُ كوامنَ الحقد »(1) .
وقال الامام الصادق (عليه السلام) :
« الغضب مفتاح كل شرٍّ »(2) .
نعم ، فالمغتاظ يرتكب ما شاء من الاخطاء ، ويتحامل على كرامة الطرف المقابل ، ويثير اعصابه وقلبه ، فتنتفخ ادواجه ويحمّرٌ وجهه ، فيضرب ويدمّر ويحرق ويطلِّقُ ويلحق الضرر و. . . الخ .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« الغضب جمرة من الشيطان »(3) .
وقال علي ((عليه السلام)) :
« الحدّةُ ضربٌ من الجنون لأن صاحبها يندم فإن لم يندم فجنونه مستحكمٌ »(4) .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« الغضب يُفسد الالباب ويُبعد من الصواب »(5) .
ويقول ((عليه السلام)) متحاملاً على هذه الميزة الشيطانية :
« ليس منّا مَنْ لمْ يملك غضبه »(6) .
وقال ((عليه السلام)) :
« منْ غلبت عليه غضبه وشهوتُه فهو في حيِّز البهائم »(7) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ ميزان الحكمة : 7/232 ـ 233 .
5 ـ نفس المصدر .
6 ـ نفس المصدر .
7 ـ نفس المصدر .
قال الباقر ((عليه السلام)) بشأن كظم الغيظ :
« مَنْ كظمَ غيظاً وهو يقدرُ على امضائه حشا الله قلبه امناً وايماناً يوم القيامة »(1) .
وقال علي ((عليه السلام)) :
« مَنْ كفَّ غضبهُ ستر الله عورتَهُ »(2) .
وكتب إلى الحارث الهمداني :
« واكظمِ الغيظ ، وتجاوز عند المقدرة ، واحلمُ عندَ الغضب ، واصفح مع الدولة تكن لك العاقبة »(3) .
وقد تواترت الروايات في الكافي ، ووسائل الشيعة وبحار الانوار تؤكدان الامان والقرب من الله يوم القيامة هو الأجر الذي يستتبع كظم الغيظ .
سُئل المسيحُ ((عليه السلام)) عن العلة في الغضب فقال :
« الكبر والتجبّرُ ومحقرة الناس » .
وجاء في وصايا النبي ((صلى الله عليه وآله)) لأميرالمؤنين ((عليه السلام)) :
« لا تغضب ، فإذا غضبتَ فاقعد ، وتفكّر في قدرة الربّ على العباد وحلمه عنهم ، وإذا قيل لك اتَّقِ الله فانبذ غضبك وراجع حلمك » .

التفاخر

ان التفاخر على الآخرين من قبائح الاخلاق ، ومما عدَّه الاسلام من المعاصي والذنوب ، ومن ابتلى بهذا الوباء الشيطاني يستحق النقمة الالهية الا ان يتوب ويؤوب إلى رشده وتواضعه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الكافي : 2/110 .
2 ـ ميزان الحكمة : 7/236 .
3 ـ نفس المصدر .
ان الزوجين إذ يجمعها ميثاق اخلاقيٌ وشرعيٌ ، بعد ان ارتضى كلٌّ منهما الآخر من خلال لقائهما قبل الزواج ومعرفتهما باحوال كلٍّ منهما من ناحية الاسرة والثروة والجمال والقبيلة ، واصبحا الآن يعيشان حياة مشتركة ، يتعين عليهما ـ إذا ما حدث طاريءٌ ـ ان يتجنبا التفاخر الاُسري والمادي وذكر الحسب والنسب والثروة والجمال والشباب والعلم ، إذ ان ذلك من شأنه إثارة كوامن النفس والغليان الباطني ، وربما يثير الخجل ، ويتسبب في اشعال نار الغضب والتذمر والحقد والعداء ويؤدي إلى ردود فعل معاكسة لدى الطرف الآخر ، وغالباً ما يجر إلى النزاع والمخاصمة والتفرقة والطلاق ، وكل ذلك من العواقب الوخيمة الناجمة عن التفاخر ولا تقع تبعاتهما الاّ في رقبة المتفاخر .
قال اميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« لا حُمقَ اعظمُ من الفخر »(1) .
وفي كلام له ((عليه السلام)) :
«ضع فخرك واحطُط كبرك ، وإذكر قبرك »(2) .
ان التفاخر والخيلاء من القبح بمكان بحيث ان السجاد ((عليه السلام)) يدعو الله تعالى ضمن دعائه التاسع عشر في الصحيفة قائلاً :
« واعصمني من الفخر » .
وقال علي ((عليه السلام)) :
« ما لابنِ آدمَ والفخر ، اوله نطفة وآخره جيفة ، لا يرزقُ نفسه ولا يدفع حتفه »(3) .
وقد ذكر الباري تعالى في كتابه وفي مواضع عديدة ، ان الله لا يحب المتفاخر المتكبر ، منها قوله تعالى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 7/414 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ البحار : 73/294 .
( إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور )(1) .
على اية حال ، ينبغي على كلٍّ من الزوج والزوجة تجنب التفاخر فيما بينهما على صعيد الاسرة والجمال والثروة والعلم ، فكل ذلك زائل لا محالة ، وان هذه الخصال الشيطانية انما هي مصدرٌ للمتاعب والازمات وذهول الفكر وسببٌ في زوال المودة والمحبّة ومدعاة لاثارة الخصام والنزاع والحرمان من رحمة الله سبحانه .

السلوك

يجب ان تكون تصرفات الزوجين ازاء بعضهما مثالاً للتأدب والوقار والرفقة والصداقة والتعاون والانسجام والمحبة والود والتواضع ، وان يكون تعاملهما فيما بينهما قائماً على اساس الاحترام المتبادل وتقدير شخصية الطرف المقابل .
على الرجل ان يعرف ان المرأة مخلوقٌ رقيق ولطيف وهي منهلٌ للعاطفة والحنان ومصدرٌ للمحبة والود والحياء ، وعليه ان يلحظ هذه الجوانب في تعامله معها ، وعلى المرأة ان تعلم بأن الرجل مخلوقٌ قويٌ وخشنٌ ويتميز بمواصفات تختلف كثيراً عن المرأة ، وباختصار فإن صرح الحياة يقوم بوجود .
قال تعالى :
( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )(2) .
من هنا يتعين على الزوجات ملاحظة هذه الجوانب في تعاملهن مع ازواجهنَّ إذ ان الانسجام والحياة الهانئة انما تتحقق في ظل مراعاة هذه الحقائق من قبل الطرفين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ لقمان : 18 .
2 ـ النساء : 34 .
لنسعى من أجل أن يكون سلوك كلٍّ منا وتصرفه تجاه الآخر مصداقاً واقعياً للعمل الصالح والسلوك الصائب كي نفلح في تمشية الامور الحياتية ، وكذلك ننعم بالأجر والثواب الاخروي نتيجة ما نقوم به من عمل وارضائنا بعضنا لبعض .

المنطق

ينبغي لكلٍّ من الزوج والزوجة ان يكون حديثهما وكلامهما فيما بينهما مقروناً بالحبّ والمودة وتعبيراً عن المشاعر والعواطف ، ومثالاً للتعقل والاحساس والانصاف .
يجب اثناء تبادل الحديث التزام العدالة بالقول(1) والقول الحسن(2) ، والقول اللين(3) ، والقول الميسور(4) والقول الاحسن(5) .
فعندما يصطبغ الكلام بالصبغة الالهية ، ويكون التقييم تقييماً صائباً ، وإذا كان الحديث سلساً ومبسطاً ، والقول نابعٌ من العدل والانصاف فانه يضفي على الحياة الدفء والاستحكام والمحبّة والسلامة .
وإذا كان القول حقاً ويتصف ويتصف بنبرة دافئة مقترنة بالحنان والمحبّة ، فإنّ جزاءه تفتح عين البصيرة واستماع نداء الحق تعالى ، وهذا ما يؤيده قول رسول ((صلى الله عليه وآله)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الانعام : 152 .
2 ـ البقرة : 83 .
3 ـ طه : 44 .
4 ـ الاسراء : 28 .
5 ـ فصلت : 33 .
« لولا تكثير في كلامكم وتمريجٌ في قلوبكم لسمعتم ما اسمع ولرأيتم ما ارى »(1) .
« فعليكم الكف عن اللغو والاسفاف في الكلام والادلاء بما لا ينفع في الدنيا والآخرة .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« منْ حُسنِ اسلام المرء تركهُ الكلام فيما لا يعنيه »(2) .
مرَّ اميرالمؤمنين ((عليه السلام)) برجل يتكلم بفضول الكلام فوقف عليه ، ثم قال : يا هذا انك تُملى على حافظيك كتاباً إلى ربك فتكلّم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك .
وقال ابوذر ((رضي الله عنه)) :
« اجعل الدنيا كلمتين : كلمة في طلب الحلال ، وكلمة للآخرة ، والثالثة تضرُّ ولا تنفع فلا يَرِدْها »(3) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« كلُّ كلام ابنِ آدم عليه لا له الاّ أمرٌ بمعروف أو نهيٌ عن منكر أو ذكرُ الله »(4) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« مَنْ كثُر كلامه كثُر خطأهُ ومن كثر خطأوه قلَّ حياؤه ، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه ، ومن قلَّ ورعهُ مات قلبهُ ، ومن مات قلبه دخل النار »(5) .
على الزوجين ان ينصبَّ حديثهما داخل المنزل حول شؤون الحياة ومتطلبات المنزل وما يحتاجانه وكذلك ما يحتاجه الاولاد ، وابداء الود والمحبّة تجاه بعضها البعض ، والتواصي فيما بينهما بالحق والصبر ، والمحافظة على اسرار بعضهما البعض وعدم نقل ما يدور في المنزل إلى بيوت الاهل والاقارب والاصدقاء ، ويجعلا من الدار موطناً يُتداول فيه قول الحق ، والصلاة وتلاوة القرآن ، وبُناى فيه عن الكذب والغيبة وقول السوء والفحشاء ، إذ يستفاد من آيات القرآن الكريم والروايات ان الكذب والغيبة والبهتان والفحشاء وقول السوء والسخرية والاحتقار تُبعد الانسان عن رحمة الباري تعالى وتلقي به في لهوات النقمة الالهية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ كنز العمال .
2 ـ ميزان الحكمة : 8/434 ـ 440 .
3 ـ ميزان الحكمة : 8/434 ـ 440 .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ نفس المصدر .
على الرجل ان يحترز من استضافة اهل المعاصي في منزله واقامة المجالس التي تتنافي والتعاليم الالهية ، إذ ان اضرار ذلك ستحيق به وبعياله وبذلك يضع اخرته وآخرة عياله في مهب الريح .
وعلى الزوجة ان تتورع عن الاسراف في تمشية شؤون الحياة وتتجنب الاهدار في الانفاق الذي ربما ينجم عن تقليد الآخرين ، إذ ان لكلّ دينار حساباً خاصاً يوم القيامة .
على الزوجين ان ينقلا حالة الوقار والتأديب والتدين وطهارة النفس بشكل عمليٍّ إلى ابنائهما والمحيطين بهما وذلك من خلال سلوكهما وحديثهما وتصرفهما ، وإذ ان هداية شخص واحد وان كان الولد بمثابة هداية الناس جميعاً .
( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النور / 31

الحجاب وطهارة المرأة

فوائد الحجاب

الحجاب وطهارة المرأة   
ان الخمار أو الحجاب الذي يستر محاسن المرأة وزينتها ويصونها من اعين المتطفلين الفاقدين للاب ومَنْ انغمسوا بالشهوة الحيوانية ، والوقوع في احابيل الشيطان ، انما هو حكمٌ قرآني وقانون الهي ومسؤولية انسانية وعملٌ اخلاقي .
والحجاب الاسلامي ـ وافضل انواعه الخمار الذي يمثل إرثاً تركته لنا رمز العفة والطهارة فاطمة الزهراء ((عليها السلام)) ـ لا يحول أبداً بين المرأة وبين طلب العلم وبلوغ الرشد والكمال ، بل يصونها من الكثير من الاخطار والمصائد التي نصبها ذوو الطبائع الحيوانية في طريق الجميلات والفتيات ، ويحافظ على طهارتها وعفّتها وحيائها ويجعل ذلك منحصراً بزوجها ، أو بمن سيكون من نصيبها في المستقبل ان لم تتزوج بعد .
ان جوهرةً نفسيةً وجميلة كالمرأة إذا ما حُفظت بين اكناف الحجاب فانها ستكون بمأمن عن تطاول المتلصصين والناهبين والراكسين في وحل المعصية والرذيلة .
فإذا ما تحصنت الشابات عن الانظار ولم تقع أعين الناس على وجوههن الطاهرة البريئة ، حينها ستخمد جذوة الاهواء والرغبات ، وستنطفىء نيران الغرائز والشهوات ولا تقضي بلهيبها على طهارة اُمة بكاملها ولا تدمّر صرح المبادىء المعنوية لبلد بأكمله .
وإذا لم تقع اعين الشباب على جمال الفتيات والنساء ومحاسنهنّ التي تبهر الانظار في الشارع والسوق والمتنزهات والاماكن العامة والمستشفيات والمؤسسات والمراكز التجارية ، لا يطلقون حينها العنان لنظراتهم واهوائهم وميولهم في مطاردة الفتيات والتجاوز على نواميس الناس ، ولا يُصابون بالركود الذهني والانهيار العصبي والبلوغ العاجل ، ولا يلجأون إلى الاستمناء واللواط والزنا ولا يستحوذ عليهم شرود الافكار والمنغصات والقلق وفقدان الاهتمام بالتحصيل العلمي ، والعلاقات غير المشروعة والامراض النفسية ، وبالتالي تعطيل قدراتهم الانسانية .
بناءً على ذلك ينبغي القول : ان الحجاب واجبٌ على المرأة ، وفرضٌ مبرمٌ ، ولا شك في كفر من ينكره وخروجه عن الاسلام وهو يعلم بأنّه من ضروريات الدين وهو من اوامر الله التي وردت في القرآن الكريم .
والشاب الذي يُنكر الحجاب لا يمكنه الزواج من المسلمة ، إذ أنّ هذا الزواج باطلٌ ولا يترتب اىُّ أثر للعقد الموقع بينهما ، والعلاقة التي تجمعهما تعتبر علاقة محرّمة ، وابناؤهما ابناء حرام وفعلهما بحكم الزنا ، وكذا الحال بالنسبة للمرأة التي تنكر الحجاب فإنّ الأحكام ذاتها تجري بحقها .
فالحجاب يحافظ على وقار المرأة وشخصيتها وكرامتها وعظمتها ويحتفظ بجمالها ومحاسنها للزوج فحسب .
وفي نفس الوقت الذي تلتزم به المرأة بحجابها فإن بامكانها تسلق مدارج التحصيل العلمي وطيّ سبيل الكمال والفضائل ، وما يثار من أنّ الحجاب يمثل حائلاً لها في طريق التكامل والرقي ما هو الاّ من وساوس الشيطان وايحاء فكريٌ خاطىء القاه المستعمرون الناهبون واللصوص الذين ينقضون على النواميس واذناب الشرق والغرب .
ان حالة التآلف التي تسود كيان العائلة واستحكام العلاقة بين الزوجين ودوام الحياة الزوجية واستكانة قلوب الرجال ورسوخ انسجام الرجل ومحبته مع زوجته الشرعية وتشييد الكيان العائلي وتوطيد ثقة الرجل وركونه لزوجته ، كل ذلك مرهون بالتزام نساء البلد بالحجاب وعدم وقوع انظار الرجال على محاسن وجمال غير نسائهم .
فإذا ما تسنى للرجال ان تمتد ايديهم للنساء بيسر وسهولة وفي جميع المرافق الاجتماعية فلن يكون هنالك ضمان للمحافظة على محبتهم وتعلقهم بزوجاتهم وسيؤدي تهييج شهواتهم ورغباتهم إلى قتل حالة الرغبة فيهم نحو حياتم الزوجية وسيتحولون إلى معاول تدمر كيان العائلة الدافىء .
ان الاضرار الناجمة عن السفور واطلاق العنان للنساء والحرية الممنوحة لهنّ بنمطها الغربي ، مما لا تعد ولا تحصى ، فقد تسبب السفور إلى الآن باغواء الملايين من الرجال ، وانزلاق آخرين في الموبقات ، وتفشي الطلاق بين الوائل ، وبروز ظاهرة الغرام بين الرجل والمرأة المتزوجة ، والعلاقات غير المشروعة ، وكما اراد اليهود والنصارى فقد اصبح سبباً في خروج الكثير من الرجال والنساء من رحاب الاسلام والتدين .
وقد شعر الذين أرسوا قواعد السفور بالانزعاج من هذه الظاهرة معتبرين إياها من الظواهر المشؤومة التي برزت خلال القرون المتأخرة .
لقد كان نظام الاسرة في ايران نظاماً قوياً راسخاً يقوم على اساس الحياء والعفاف والاتزان والآداب ، والايمان والتقوى ومن النادر ان يحصل فيه ، بيد إنه ومنذ ان سلّط الاستعمار ذلك الجاهل اللئيم والخائن القذر رضاخان بهلوي وبادر إلى خلع الحجاب من النساء تبدل وضع البيت والاسرة فارتفعت حالات الطلاق إلى الحد الذي بلغت فيه طلبات الطلاق المقدّمة إلى المحاكم خلال الفترة الاخيرة من حكم هذه العائلة سيئة الصيت ما بين ستة آلاف إلى سبعة آلاف طلب في الشهر الواحد ، فاصبح المتزوجون بلا نساء والمتزوجات بلا رجال ، وبذلك فقد انضمت الفئتان إلى المجتمع متفرغين من رباط الزوجية واخذوا بنشر الفساد والافساد .
وبعد واقعة كشف الحجاب كان المرجع الكبير آية الله الشاه آبادي ((رحمه الله)) ـ وكما نقل لي من استمع له ـ ينادي كراراً من على منبره وفي المحافل العامة والخاصة : ان رضاخان بسطوه على الحجاب وقتله للثائرين ضد السفور في مسجد گوهرشاد وحرم الامام الرضا ((عليه السلام)) قد قصم ظهر مائه واربعة وعشرين الف نبي ! !
نعم ، فإنّ ذلك العارف المتأله البصير الذي كان مجتهداً متضلعاً في الأحكام الاسلامية والفسلفة ومتبحراً قلّ نظيره ، كان يعتبر كشف الحجاب والسفور قصماً لظهور رسل الله ! !
يقول سيد قطب في كتابه « هل نحن مسلمون ؟ » : طبقاً للوثائق التي بحوزتي ، فإنّ أحد البابواب جمع كافة القساوسة والكاردينالات في الفاتيكان وطلب منهم تقديم ما يقترحونه من اجل القضاء على الاسلام واخماد جذوته باسلوب لا يكلِّف الفاتيكان والمسيحية الكثير من التكاليف ، فتشكلت اللجان لهذا الغرض ، وبادر الكل لابداء وجهات نظرهم ، ومن بين جميع الآراء والنظريات حظي رأيٌ واحدٌ بموافقة البابا وسائر القساوسة والكاردنيالات ، ومفاد هذا الرأي : ان امضى سلاح وأزهد سبيل للقضاء على الاسلام يتمثل في اخراج النساء المسلمات من الحجاب وتعريضهن امام الشباب والرجال سافرات في الزقاق والسوق والاماكن العامة والمتنزهات وصالات السينما والمؤسسات والمراكز التجارية والمسارح والمراكز الاجتماعية !
وقد جرى تنفيذ ذلك على ايدي الخونة ، وقد ساعدت رغبات ونزوات من ضعف ايمانهن أو فقدن الايمان على اضرام نار هذه الفتنة المدمرة ، ووصل الحال في البلاد الاسلامية ولا سيما في ايرن إلى ان يمحى الاسلام من الوجود ، الاسلام الذي يعتبر حصيلة جهود الانبياء والائمة والعلماء ، ويُخمد نبراس هدايته ، الاّ ان يد الحق تعالى امتدت من جديد عن طريق سليل النبوة وحفيد الامامة ، أي محطم الاصنام الخميني الكبير ((رحمه الله)) لتوجه صفعة للناهبين وتنقذ الاسلام من قيود الاشرار وتعيد الحجاب التستر به نواميس المسلمين .
يتعين على ابناء الامة الاسلامية الحافظة على هذه الثورة التي قادها ذلك الرجل الالهي ، والدفاع عن قيمها وان لا يَدعُوا مجالاً للاعداء في تشويه هذا النور أو اخماده ويعيدوا الشعب الايراني إلى الوراء ، كي يتسنى تصدير ثقافة الثورة بكل صلابة وثبات واعادة سائر الشعوب الاسلامية إلى حظيرة الاسلام .
من خلال ما تقدم ندرك اهمية قول المفكر الشهيد المطهري الذي طالما نادى في خطبه : ان الحجاب صيانة وليس تقييداً .
نعم ، فالحجاب صيانةٌ للمرأة وزوجها واسرتها والمجتمع لا سيما الشباب ومَنْ لم يدخلوا بيت الزوجية بعد ، صيانةٌ من آلاف الاخطار وشتى المفاسد ، وسداً يقف امام انهيار كيان الاسرة الدافىء .
وقد أكد المحققون ان حجاب المرأة قد ذُكر في اربع عشرة آية من آيات القرآن الكريم فيما يعتقد البعض ان هذا المعنى يستشف من ما يناهز الخمس وعشرين آية .
في كلام لأميرالمؤمنين ((عليه السلام)) مع ابنه الحسن ((عليه السلام)) ـ وبالحقيقة انه ((عليه السلام)) يخاطب الناس جميعاً ـ يقول ((عليه السلام)) : « . . . واكفف عليهنَّ من ابصارهنَّ بحجابك إياهنَّ فإنّ شدّة الحجاب خيرٌ لك ولهنَّ من الارتياب ، وليس خروجهنَّ بأشد من دخول من لا يوثق به عليهنّ ، وان استطعت ان لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل »(1) .

وفي رواية ، يقول الراوي : كنت قاعداً في البقيع مع رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) في يومِ دجن ومطر إذ مرّت امرأة على حمار فهوت يد الحمار في وهدة فسقطت المرأة فاعرض النبي ((صلى الله عليه وآله)) بوجهه ، قالوا : يا رسول الله ! انّها متسرولة ، قال : اللهم اغفر للتمسرولات ، ثلاثاً ، يا ايّها الناس ! اتخذوا السراويلات فانها من استر ثيابكم وحصّنوا بها نساءكم إذا خرجنَ(2) .
على المرأة ان تعترف بعبوديتها لله تعالى وترعى ما وهبها من نعم ، ورعاية مواهب المنعم والمالك والربّ الحقيقي تتمثل بتعظيمه والخشية من المعاد ومحكمته ، وان تطيع أحكامه التي وردت في القرآن الكريم وجرت على لسان الانبياء والائمة كي تأمن هي واسرتها ومجتمعها من الوقوع فريسة للسفور والتبرج ، وقد قال تعالى :
( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى«40»

فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )(3) .
ومما يؤسف له ان الكثير من البنات والنساء في هذا الزمان وعلى امتداد عالمنا قد سلكن طريق التحلل واطلقن العنان لشهواتهن وغرائزهن وبسطنَ مائدة الفساد والافساد بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ ، وما يحزّ في النفس إن طائفة من بنات المسلمين ونسائهم ممَّن يُحسبنَ على رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) قد اخذن بتقليد تلكم النساء .
يقول أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) بشأن هاتيك النساء :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 77/214 .
2 ـ ميزان الحكمة : 2/259 .
3 ـ النازعات : 40 ـ 41 .
« يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة ، وهو شر الازمنة ، نسوةٌ كاشفات عاريات ، متبرجات ، من الدين خارجات ، في الفتن داخلات ، مائلات إلى الشهوات مسرعاتٌ إلى اللذات ، مستحلات المحرمات ، في جهنم خالدات »(1) .
قبل فهرست بعد