قبل فهرست بعد

التقليد عمل شيطاني

تقليد الآخرين من العادات القبيحة التي دأب عليها البعض ، ومعناه : ان الشخص العائلة يجعلون من الوضع المادي الراقي الذي يتمتع به الاقارب أو الجيران أو غيرهم ملاكاً لهم ويحاولون التشبت بشتى الطرق وبكل ما اوتوا من قوة التشبه بهم .
فتتعلق انظار البنت المادية التي تعيش في ظلها بنات الاقارب ، وتبقى غارقة في بحر من الاوهام في أن يكون زوجها أو مراسيم عقد قرانها أو حفل زفافها مماثلاً لما فعلته البنت الفلانية ، وبهذا فهي تصر على موقفها في رفض من يتقدم لخطبتها ولا تجد فيه ما تطمح إليه من مستوىً راق من ناحية الثروة والغنى ، ويطول بها المقام وهي ترفض الزواج حتى تتجاوز السن المناسبة للزواج وحينذاك ترى انّها اصبحت مضطرة للاقتران من رجل طاعن بالسن أو أرمل ، أو تفضل البقاء جليسة الدار حتى يتوفاها الموت ، وعلى فرض انّها تتزوج فيما بعد حينها تكون قد استنفدت عنفوان الشباب وطراوته ، وفقدت قدرتها على تحمل متاعب الحياة الزوجية وتربية الاطفال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل ، 14/39 ، ح 2 .
فالتقليد اذن يعتبر من العوائق التي تقف في طريق تحقق الزواج ، ومن الخصال الشيطانية والعادات المذمومة ، وقد نهى القرآن الكريم في الآية 88 من سورة الحجر ، والآية 131 من سورة طه عن مراقبة ما يتمتع به اهل الدنيا والأغنياء ، كما ورد في الروايات عن الائمة الطاهرين ((عليهم السلام)) ما مفاده : « مَنْ راقب الناس مات هماً » .
ينبغي ان يقترن الزواج بالنية الخالصة ، ويكون خالصاً لوجه الله ، وتكون الغاية منه تطبيق سنة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وانجاب الذرية الصالحة ، وبناء الحياة الزوجية المقدسة التي تظللها رحمة الله ولطفه .
فاذا ما قام الزواج عى هذه الدعائم سيكون حينها بناءً راسخاً ومحكماً وتفوح البركة بين جنباته وتتمخض عنه ثمارٌ معنوية .
وإذا ما توفرت مقدمات الزواج يتعين على الاقارب الاهتمام بانفاذه وبذل الجهود لتجنب التدخل غير المبرر في هذه السنة الالهية ، والكف عن التقييم المجحف والكلام المثير للفرقة الذي من شأنه تثبيط أمر الزواج .

المهور الغالية

ان قضية المهر في الاسلام تعد قضيه مهمة للغاية ودقيقة ، وتحظى ببالغ الاهتمام ، وقد اكد الاسلام على المهور الخفيفة ، واعلن رفضه للمهور الغالية ، فما كان ذو قيمة واهمية بامكان ان يصبح مهراً وصداقاً للمرأة سواء كان مالاً أو عملاً ، اذ يمكن ان يكون البستان أو المتجر أو الارض أو لعقار مهمة أو المال أو التعليم وما شابه ذلك مهراً للمرأة .
وبعد آيات القرآن الكريم هنا لك روايات مهمة وردت عن الرسول الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) والأئمة الطاهرين ((عليهم السلام)) في الكتب المعتبرة بهذا الشأن نلفت انتباهكم هنا إلى طائفة منها ، وهذه الروايات تؤكد على تخفيف المهور وتجنب المهور الغالية لانها تدفع الشباب إلى الاعراض عن الزواج وبالتالي بقاء البنات جليسات الدار .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« أفضل نساء اُمتي اصبحنَّ وجهاً واقلهنَّ مهراً »(1) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« لا تُغالوا بمهور النساء فتكون عداوة »(2) .
نعم ، فعند ما يتوجه الشاب لخطبته بنت من اقاربه أو جيرانه أو غيرهم ويُواجه بفرض الصداق الباهض الذي لا طاقة له به ، ويجدانّه قد فشل في خطوته نحو الزواج ، فإنّ ذلك يثير الضغينة لديه تجاه البنت واسرتها ، ويصاب باليأس ويضيع عمره بانغماسه في الفساد لاسمح الله ، ويتعرض شبابه وحيويته إلى اضرار لا يمكن تفاديها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 13.html/347 .
2 ـ نفس المصدر .
يقول الصادق ((عليه السلام)) :
« من بركة المرأة خفّة مؤونتها وتيسير ولادتها ومن شؤمها شدّة مؤونتها وتعسير ولادتها » .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« لا تُغالوا بمهور النساء فإنّما هي سُقْيا الله سبحانه » .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) لامرأة تدعى حولاء :
« يا حولاء والذي بعثني بالحق نبياً ورسولاً ، ما من امرأة ثقّلت على زوجها المهر إلاّ اثقل الله عليها سلاسل من نار »(1) .
ان المهر الغالي يعد سبباً في عزوف الشباب عن الزواج ووقوعهم في الرذيلة والموبقات ، وان من يفرض المهر الغالي شريك في انحراف الشباب وبهذا فهو يستحق العذاب الالهي .

القرآن ، المهر الحقيقي للزواج

قال الامام الباقر ((عليه السلام)) :
« جاءت امرأة الى النبي ((صلى الله عليه وآله)) فقالت زوجني فقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : من لهذه ؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) زوجنيها ، فقال : ما تعطيها ؟ فقال : مالي شيء قال : لا ، فأعادت فأعاد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ، الكلام فلم يقم أحد غير الرجل ،ثم أعادت فقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ، في المرة الثالثة : اتحسن من القرآن شيئاً ؟ قال : نعم ، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه »(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مستدرك الوسائل : 14/241 .
2 ـ الوسائل : 15/3 ، ح 1 .
عن الرضا ((عليه السلام)) انّه قال :
« أيُّما مؤمن خطب إلى اخيه حُرمةً وبذل له خمسمائة درهم فلم يزوجه فقد عقّه واستحق من الله عزوجل ان لا يزوجه حوراء »(1) .
يُروى ان ام سليم ـ وهي من نساء الصدر الأول في الاسلام ومن اسرة معروفة واصيلة ـ كان مهرها اسلام الشاب الذي تقدم لخطبتها ، وهي المرأة التي سلّت زوجها عند وفاة ابنهما ولم تدع الجزع يدب إليه فوهبه الله ولداً اصبح فيما من شيعة علي ((عليه السلام)) جزاءً لصبره وثباته .
على البنات إذا ما تقدم اليهن مَنْ فيه الكفاءة وابدى الاهل تشدداً في قضية الزواج لا سيما فيما يتعلق بالصداق ـ أن يقفن بوجه الاهل بكل ادب ورصانه ، والتصدي لتعنتهم من خلال بيان التعاليم الاسلامية الصائبة ، اذ ان قلة الطمع تعد من خصال الانبياء والأولياء وسمة رفيعة ومتعالية .
لقد جعل رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) مهر بضعته سيد نساء العالمين ((عليها السلام)) في زواجها من علي ((عليه السلام)) قليلاً وخفيفاً كي يكون قدوة واسوة لامته ، ومن القبيح ان لا تقتفي عوائلنا اثر نبيها في مسألة الزواج لا سيما المهر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 13.html/348 .
( وَأَنكِحُوا الاَْيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النور / 32

شروط الزواج في الاسلام

الدين والتدين

شروط الزواج في الاسلام   
الاسلام نظام عقائدي واخلاقي وعملي ، والعقيدة في الاسلام عبارة عن ايمان القلب بالحق تعالى وكتبه ورسله وملائكته .
والأخلاق عبارة عن التحلّي بالتواضع والتأدب والصبر والحلم وسعة الصدر والمحبة والرأفة والعطف واللين والصدق والاخلاص والمواساة والعدالة والكرم والسخاء .
اما العمل في الاسلام فهو عبارة عن الصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والتولي والتبري وبر الوالدين وصيانة حقوق من يتعامل معهم الفرد .
وبالطبع فإنّ هذه الامور بجوانبها الثلاثة لا تمثل الاسلام بكل شؤونه ، بل هي عيّنات من الاسلام الشامل الكامل الذي يضمن السلامة الدنيوية والأخروية للبشر في جميع شؤونهم .
وبالحقيقة فإنّ الدين يمثل شمس الوجود ونبراس الحياة والدليل نحو الحق تعالى ، وهو الذ يعمّر دنيا الانسان وآخرته ، وليس هنا لك جوهرة في الوجود اسمى قيمة من الدين الذي تولى الانبياء جميعهم والأئمة وأولياء الله أمر التبليغ له ، ومَنْ آمن به فقد اصطبع بصبغة الله وفتح امامه ابواب السعادة ، ومَنْ ابتعد عنه فقد فتح امامه ابواب الشقاء على مصاريعها ، والمتدين يحظى عند الله بنفس المنزلة التي يتمتع بها الدين ، والمتدين بدين الله هو اسمي البشر وارفع موجود واكرم مخلوق على وجه البسيطة .
يقول تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ )(1) .
وقد جرى بيان صفات المؤمن في القرآن والأحاديث الشريفة بنحو يفيد انّ مَن اتصف بها هو المؤمن المقبول ، منها :
الخشوع في الصلاة ، الاعراض عن اللغو ، اداء الزكاة ، حفظ الفرج ، رعاية العهد والأمانة ، والمحافظة على الصلاة(2) .
وفي موضع آخر :
التواضع في المشي ، مواجهة الجاهلين بالوداعة ، احياء الليل سجداً وقياماً ، الدعاء للخلاص من العذاب ، عدم الاسراف أو البخل عند الانفاق ، الورع عن الشرك وقتل النفس والزنا ، الامتناع عن شهادة الزور ، ترك اللغو ، النظر إلى آيات الله بعين البصيرة ، الدعاء للازواج والذرية بأن يجعلهم الله للمتقين اماما(3) .
قال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« المؤمن دأبهُ زهدهُ ، وهمّهُ ديانتُهُ ، عزهُ قناعتُه ، جدُّه لآخرته ، قد كثرت حسناته ، وعلت درجاته ، وشارف خلاصُهُ ونجاته »(4) .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« المؤمنُ دائمُ الذكر ، كثير الفكر ، على النعماء شاكرٌ ، وفي البلاء صابرٌ »(5) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البيّنة : 7 .
2 ـ المؤمنون : 2 ـ 9 .
3 ـ الفرقان : 64 ـ 74 .
4 ـ ميزان الحكمة : 1/333 .
5 ـ نفس المصدر .
« المؤمن من طاب مسكبُهُ ، وحسُنَتْ خليقتُه ، وصحّت سريرتُه ، وأنفق الفضل من مالهِ ، وامسك الفضل من كلامه »(1) .
وبشأن عظمة المؤمن ورد في الروايات :
روي عن الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« المؤمن اعظم حرمة من الكعبة » .
وقال الامام الباقر ((عليه السلام)) :
« ان المؤمن يُعرف في السماء كما يعرفُ الرجل اهله وولدَهُ وانّه لأكرم على الله عزوجلّ من مَلَك مقرّب .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ان الله جلّ ثناؤه يقول : وعزّتي وجلالي ما خلقتُ من خلقي خلقاً احبٌّ اليَّ من عبدي المؤمن »(2) .

الكفو

بعد هذه المقدمة التي تناولنا فيها الدين والتدين من الضروري الالتفات إلى ان اهم الشروط هو كفاءة الزوجين .
والكفؤ في اللغة تعني النظير والتمثيل ، ولابدّ من تناظر الزوجين ظاهرياً وباطنياً نوعاً ما ، وأهم اوجه التشابه ينبغي ان تتجسد في التدين ، بمعنى ان المؤمن كفو المؤمنة بالتزامهما بدين الحق تعالى وتعاليمه ، والمتدين كفو المتدينة ومثليها كما ورد في القرآن الكريم : ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ )(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 67/293 .
2 ـ البحار : 71/158 .
3 ـ النور : 26 .
وقوله تعالى :
( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ )(1) .
والطهارة لدى كلٍّ من الرجال والنساء تتمثل أولاً بطهارة الباطن وذلك عبارة عن الاعتقاد بالله وانبيائه وكتبه وملائكته والتخلق باخلاق الله .
بناء على ذلك لا يحل للمسلم والمؤمن الزواج من غير المؤمنة أو غير المسلمة ، وإذا ما تم مثل هذا الزواج فهو باطل ، وما ينتج عنه من ذرية لاشك في أنهم ابناء زنا ، كما لا يحل للمسلمة الزواج من غير المسلم لان مثل هذا الزواج حرام ، فالمؤمن والمؤمنة لا يتكافئان مع غير المؤمن وغير المؤمنة ، وإذا ما تم الزواج على صورته هذه يكونان قد فتحا امامهما باباً من العذاب يوم القيامة ! !
وقد نهى القرآن الكريم بشدة عن اقتران الطاهر أي المؤمن من غير الطاهرة أي المشركة قائلاً :
( وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاََمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَة وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِك وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )(2) .
من هنا ، حذاري من تزويج المؤمنة من بناتكم لمن لايدين دين الحق ويتخبط في مستنقع انكار الحقائق ، ولا تُنكحوا المؤمن من شبابكم مَن تنكر اصول الدين ، اذان اول شرط لصحة الزواج هو ايمان كلٍّ من الرجل والمرأة ليتم بذلك الارتباط بين نورين ومؤمنين طاهرين طيبيين ، ويعطي ذلك الارتباط ثماراً طيبة صالحة تتمثل في الذرية الصالحة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النساء : 3 .
2 ـ البقرة : 221 .
ولا تتصوروا ان ما يتمتع به الخبيث من الرجال أو الخبيثة من النساء من جمال وثروة وجاه يفضي إلى السعادة والسلامة وادامة الحياة .
ومن الضروري ان لا تتشدد العوائل في مسألة الكفو ، فاذا كان الفتى والفتاة متكافئان من حيث الايمان والأخلاق والسلوك الاسلامي ومن حيث الصورة الظاهرية ، فهما في نظر الشرع المقدس متكافئان ومتشابهان ، وفي زواجهما ستتجلى رحمة الحق عزوجلّ وبركته .
تأملوا الروايات التالية التي تتعلق بالكفو :
عن أبي عبدالله ((عليه السلام)) انّه قال : « الكفو أن يكون عفيفاً وعنده يسار »(1) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« إذا جاءكم مَن ترضون دينه وامانته يخطب اليكم فزوّجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير »(2) .
وفي رواية اخرى يقول ((صلى الله عليه وآله)) :
« إذا جاءكم مَن ترضون خُلقَهُ ودينه فزوّجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير »(3) .
نعم ، فالتعنت في أمر الزواج من قبل الأهل وافتعال العراقيل في طريقه ، والتشبث بالعادات والتقاليد الخاطئة ، وفرض الشروط الصعبة ، والبحث عن الجمال والثروة والجاه ، كل ذلك مما يؤدي إلى ازدياد حالات الاستمناء واللواط والزنا والضغوط العصبية والأمراض النفسية لدى الأبناء والبنات ، وكل ذلك فتنةٌ وفسادٌ ستحيق عواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة بالوالدين والأقارب الذين يتعنتون في أمر الزواج .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 100/372 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ البحار : 100/373 .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« أنكحوا الاكفاء وأنكحوا منهم واختاروا لنطفكم »(1) .
نعم ، ان الايمان والاخلاق والأمانة والصدق لدى كل من الفتى والفتاة تمثل اساساً للكفاءة بينهما ، ويتوجب على كل من الوالدين وسائر العوائل الاسراع بتزويجهما بكل يسر ، والاحتراز عن الشروط التي تتنافى مع التعاليم الالهية ، وتجنب السلوكيات التي تتناقض مع الاخلاق كي ينالوا رضى الباري تعالى ورحمته .
يقول الامام الباقر ((عليه السلام)) :
« ما من رُزأةً اشدُّ على عبد ان يأتيه ابن أخيه فيقول زوّجني فيقول : لا افعل أنا أغنى منك » .
في مسألة الزواج يجب ان لا يؤخذ التعصب القومي أو القلبي بنظر الاعتبار ، لان الاسلام رفض مثل هذه العصبيات وابطلها .
فلا تجعلوا من الفقر والغنى والانتساب إلى هذه المدينة أو تلك ، والانتماء إلى هذه القبيلة أو تلك ، ملاكاً للزواج ، فالجميع رجالاً ونساءً من أب واحد وام واحدة ، ولا فضل لاحد على الآخر قط الاّ بالتقوى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 100/373 .

رأي الامام السجاد ((عليه السلام)) بشأن الكفو

عن أبي جعفر الباقر ((عليه السلام)) انّه قال : ان علي بن الحسين ((عليه السلام)) رأى امرأة في بعض مشاهد مكة فأعجبته فخطبها إلى نفسه وتزوجها فكانت عنده ، وكان عنده صديق من الانصار فاغتم لتزويجه بتلك المرأة فسال عنها فأخبر انّها من آل ذي الجدّين من بني شيبان في بيت عليٍّ من قومها .
فاقبل على علي بن الحسين فقال له : جعلني الله فداك ما زال تزويجك من هذه المرأة في نفسي ، وقلت : تزوج علي بن الحسين امرأة مجهولة ويقول الناس ايضاً ، فلم أزل أسأل عنها عرفتها ووجدتها في بيت قومها شيبانية ، فقال له علي بن الحسين ((عليه السلام)) ، قد كنت أحسبك أحسن رأياً عما أرى ، ان الله أتى بالاسلام فرفع به الخسيسة واتمَّ به الناقصة ، وكرَّم به اللؤم ، فلا لؤم على المسلم ، انما اللؤم لؤم الجاهلية(1) .
بناءً على ذلك ، ان الانتماء إلى نفس القبيلة أو المدينة شأنه شأن التناظر بالثروة لا يعد سبباً في الكفاءة ، واستناداً إلى ما اقره الاسلام فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود ولا لقرشي على غيره الاّ بالتقوى ، والمسلم كفو المسلمة بما يتمتعان به من ايمان وتقوى واخلاق وامانة وعفاف وطهارة وسلامة حتى وان كان أحدهما عربياً والآخر أعجمياً ، أو كان أحدهما مدنياً والآخر قروياً ، أو كان أحدهما غنياً والآخر فقيراً ، أو أبيضاً والآخر أسوداً ، أو أن يكون أحدهما ذا قبيلة والآخر منقطع النسب .
كتب مولانا الجواد ((عليه السلام)) إلى علي بن اسباط :
فهمتُ ما ذكرت من أمر بناتك وانك لا تجد أحداً مثلك ، فلا تفكر في ذلك يرحمك الله ، فإنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) قال : إذا جاءكم مَنْ ترضون خلقه ودينه فزوجوه وان لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(2) .
لم يجز المؤمن على شيء أخطر وأضرّ من الثروة ، فضرر المال أكثر من ضرر ذئبين عاثوا في قطيع من الأغنام ليس له راع ، فهذان الذئبان ماذا سيفعلان بهذه الأغنام ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 100/374 .
2 ـ البحار : 100/373 .
قلت : لا يفعلان غير العبث بها .
قال ((عليه السلام)) : صدقت ، فإنّ أقلّ ضرر للمال هو انّ مسلماً يتقدّم لخطبة ابنة مسلم فيردّه أبوها بحجّة انّ الخاطب لا مال له .

لا تُزوجوا هؤلاء

ورد في التعاليم الالهية : ان الولد امانةٌ أودعها الله سبحانه ونعمة منه وحسنةٌ للمرء ، والمحافظة عى الامانة الالهية تتمثّل بحسن تربيته دينياً واخلاقياً ، واختيار شريك الحياة الصالح له إذا ما بلغ سن الزواج .
ان البنت عندما تغادر إلى بيت زوجها فانّها تتأثر به وبأهله ، وكل ما يجري في ذلك البيت انما يجري وفقاً لميول الزوج ، فينبغي والحالة هذه أن يكون البيت الذي تتوجه اليه بيتاً الهياً تقطنه عائلة مؤمنة ، وان تتمتع الزوجة بما تيسر لها من حسن الظاهر والباطن ، ومن هنا اكد الاسلام في نهيه عن تزويج من يفتقد الشروط التي حددها الشرع المقدس .
جاء في رواية عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
« انّما النكاح رقٌّ فاذا انكحَ أحدكم وليدةً فقد ارقَّها فلينظر أحدكم لمنْ يُرقُ كريمته »(1) .
فلا يجوز تزويج من لا يعتقد بدين الحق ولا يلتزم بما فرضه الله من العقائد الحقة ، وذاك ما عُبّر عنه في كتاب الله بالفاسق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 13.html/371 .
ولا يحل تزويج من ساء خلقه وانغمس بالتكبر والتفاخر والحسد والبخل والطمع وبذاءة اللسان .
وتزويج الجاهل والسفيه والأبله الذي لا يقوى على ادارة شؤون حياته ولا يجلب للمرأة سوى المشاكل يعد منافياً لتعاليم الشرع الحنيف وابتعاداً عن الانسانية .
ولا يجوز أبداً تزويج شارب الخمر واللئيم الذي لا يتورع عن ارتكاب ما حرّم الله .
وفيما يلي نسترعي انتباهكم إلى هذه الطائفة من الأحاديث المهمة في هذا المجال :
قال النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
« من زوَّج كريمته من فاسق نزل عليه كلَّ يوم ألفُ لعنة » .
كتب حسين بن بشار إلى الكاظم ((عليه السلام)) : إنّ لي قرابةً قد خطبَ اليَّ وفي خلقه سوءٌ قال ((عليه السلام)) لا تزوّجه ان كان سيّء الخلق(1) .
وقد نهى الامام الصادق ((عليه السلام)) مستنداً إلى ما ورد في الآية 5 من سورة النساء عن تزويج السفيه والجاهل الذي لا يتمتع بالأهلية لانه يتصرف بالاموال ولا يمكن الاطمئنان إليه في الجوانب الاجتماعية والفردية واداء الامانة .
قال النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَنْ شربَ الخمر بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهل ان يُزوّج إذا خطب » .
وقال الامام الرضا ((عليه السلام)) :
« واياك ان تُزوّج شارب الخمر ، فإنّ زوّجتهُ فكأنّما قدَّمت إلى الزنا » .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 13.html/235 .
أجل ، فمن لا يتمسك بالفرائض الالهية ولا يتورع عن الفسق والفجور ، وفاقد الارادة الذي لا يحترز عن تناول المشروبات الكحولية ، ليس أهلاً بأن يؤتمن على امرأة طاهرة ومؤمنة تعد امانة الهية ، اذ ان ذلك لا يجر إلى ضياعها فحسب ، بل ان ما تنجبه من ذلك المنحرف سيتأثرون سلباً به ، وقد أوضح الامام الصادق ((عليه السلام)) هذه الحقيقة قبل ان يتوصل اليها العقل البشري ، إذ قال ((عليه السلام)) :
« الحرام يبين في الذريّة »(1) .

لا تتزوجوا من هذه النساء

مثلما يحرّم الاسلام تزويج طائفة من الرجال ومن بينهم الفاسق والسفيه وسيء الخلق وشارب الخمر ، ويحافظ على حرمة المرأة ومنزلتها من خلال منع تزويجها ممن كان بين هذه الاصناف ، فانّه لا يسمح للمؤمنين من الشباب ان يتزوجوا مَن افتقدت الشروط التي يفرضها الاسلام .
وقد وردت روايات مهمة بهذا الشأن في الكتب المعتبرة ، نشير إلى طائفة منها .
عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
« إياكم وتزوج الحمقاء ، فإنّ صحبتها ضياع وولدها ضباع »(2) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً : « إياكم وخضراء الدّمن قيل يا رسول الله وما خضراء الدمن ؟ قال المرأة الحسناء في منبت السوء »(3) .
وكان ((صلى الله عليه وآله)) في دعائه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 17 ، « ب » 1 ، ص 81 ، الرواية 22043 .
2 ـ البحار : 13.html/232 ـ 237 .
3 ـ نفس المصدر .
« اللهم اني اعوذ بك من ولد يكون عليٌّ رباً ، ومن مال يكون عليَّ ضياعاً ، ومن زوجة تشيبني قبل أوان مشيبي ومن خليل ماكر » .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« شرار نسائكم العُقرة ، الدَّنسة ، اللجوجة ، العاصية ، الذليلة في قومها ، العزيزة في نفسها ، الحصانُ على زوجها ، الهلول على غيره »(1) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« الشؤم في ثلاثة : في المرأة والدابة والدار ، فاما شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقمُ رحمها » .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« شر الاشياء المرأه السوء »(2) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« شرُّ الزوجات مَنْ لا تؤتى »(3) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« الا أخبركم بشرار نسائكم ؟ الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورع عن قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها ، الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها تمنّعت كما تمنّع الصعبة عند ركوبها ، ولا تقبلُ منه عذراً ، ولاتغفر له ذنباً »(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 ـ المستدرك : كتاب النكاح ، الباب 6 و8 .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ البحار : 100/235 .
« النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البحار : ذاريات 13.html / 220

طريقة اختيار الزواج

الناقص مطرود من رحمة الله

طريقة اختيار الزواج   
ورد في رواية عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال : « الناقص معلون » .
لا شك في ان الناقص لا يعني من فقد عينه أو يده أو رجله ، أو مَنْ وُلد بعاهة ، بل الناقص من لم يبادر إلى طلب العلم ولم يتخلق بفضائل الاخلاق ولم يقم بالاعمال الصالحة ولا همَّ له سوى الاكل والنوم وارضاء الشهوة .
ان الانسان يمتلك الأرضية اللازمة لبلوغ كافة الكمالات والحقائق ، وعليه السعي والتحرك في هذا المجال ، وان يكون مثابراً ونشيطاً ويعمل على سدّ ما يعتريه من نواقص على الصعيد الفكري والروحي ما دام حياً ، ولا يركن إلى الخمول والسكون ، فهو ان لم يبادر إلى ازالة ما فيه من نواقص وبقي خاملاً فاقداً للحركة يغدو كالماء الراكد الذي تعفن واصبح كريه الرائحة ، وبذلك يلعنه الله ويطرده عن بحبوحة رحمته .
وللاسف فإنّ البعض يبلغ من العمر سبعين أو ثمانين عاماً الاّ انّه لم يزل من حيث العقل كالطفل في سنته الأولى ، وكالطفل في الخامسة من عمره من حيث الاخلاق والسلوك ، إذا انهم لم يتزودوا من المواهب المعنوية التي افاض بها الباري تعالى كالكتب السماوية والأنبياء والأئمة والعرفاء والحكماء ، وانكبوا على حشو بطونهم كالحيوانات والاعتناء بشكلهم الظاهري ونفخوا نطفتهم التي لا تعدل في وزنها بضعة غرامات حتى بلغت ثمانين أو تسعين كيلو غرام ! !
لقد كان بوسع هؤلاء ان يحوّلوا براعم وجودهم إلى دوحة طيبةً ويصنعوا من ذواتهم معيناً لا ينضب من الكمالات والحقائق ، بيد ان الامور المادية قد عزّتهم ولم يهمّوا بشيء سوى بناء الجسد الحيواني ، وبقوا يراوحون منذ أول يوم جاؤوا فيه إلى هذه الدنيا فقراء ناقصين ، وبالرغم مما في حوزتهم من اعمال وتجارة ومراكز ادارية واموال وثروات وعيال وذراري إلاّ انهم ناقصون .
وبسبب نقصهم فهم مضرون ، إذ انهم يرتكبون ما شاؤوا من المعاصي والموبقات ، فيتجاوزون على حقوق الآخرين ولا يتورعون عن ارتكاب المظالم ، وفي الوقت الذي يقتاتون على مائدة الانعام الالهي يضعون ايديهم بيد اعداء الله ، أي شياطين الجن والانس دون حياد وعلى كافة الاصعدة .
نقرأ في رواية عن الامام موسى بن جعفر ((عليه السلام)) ما يلي :
« من استوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون ، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان ، ومن كان إلى النقصان فالموت خيرٌ له من الحياة »(1) .
وثمة رواية أخرى عن الامام الصادق ((عليه السلام)) مقاربة في مضمونها إلى الرواية المتقدمة وردت في الكتب الشيعية المعتبرة(2) .
وفي رواية أخرى عن الرسول الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) نقرأ :
« الكاسب حبيب الله » .
لا شك في ان ارقى الكسب وافضل التجارة يتمثل في كسب الفضائل والحقائق والمبادرة إلى التزود من المعارف الالهية والكمالات والمحاسن الأخلاقية والانسانية .
والكاسب في مثل هذه المجالات يعد حبيب الله ، هذه المنزلة التي حازها رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ، ويصبح وجوده زاخراً بالعظمة ويتحول إلى مخلوق بالغ الاهمية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 78/327 ، البحار : طبعة بيروت 75/327 .
2 ـ البحار : 71/173 .
هيا بناكي نتحرز عن النقصان ونجنب انفسنا ان يتساوى يومانا وان لا نقنع بالقليل من الكمال ، اذ من قلَّ نصيبه من الامور المعنوية والنمو العقلي والكمال الاخلاقي والعملي فهو ملعون ومغبون وخفيف الميزان عند الحساب ، وبالتالي فهو مستحق للعذاب ، أما من ثقلت موازينه المعنوية أو بتعبير آخر ثقل ايمانه واخلاقه وفعله فهو الفائز والناجي .
وفي هذا المجال تأمّلوا هاتين الآيتين :
( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) .(1)

سبيل الكمال

في القرآن الكريم وضمن دعوته تعالى كافة البشر إلى سلوك طريق الكمال ، يوصيهم سبحانه باستحصال امرين مع مراعاة الشروط الاسرية والانسانية ، والأمران هما : سلوك سبيل الحياة المادية وسلوك سبيل الحياة المعنوية ، وقد جرى بيانهما على مدى اربع آيات من سورة آل عمران ، اذ يقول تعالى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الاعراف : 8 و9 .
( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالاَْنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْر مِن ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالاَْسْحَارِ )(1) .
وقد جاء فعل « زُيِّنَ » في الآيه الكريمة مبنيٌّ للمجهول ، وايراده بهذا النحو ربما كان لبيان اهمية الفعل وعظمته ، وعليه ينبغي القول ان الفاعل هو الله سبحانه ، فهو تعالى الذي سخّر هذه الأشياء للبشركي يركنوا ويرغبوا إليها بما تقتضيه رغبتهم ، ومن خلال ذلك ينطلقون نحو بناء حياتهم عن طرق التزاوج وكسب المال وتسخير الحيوانات وعماره الأرض ، وبذلك يصلون إلى مرامهم بالانتفاع من الحياة المادية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى التزود بالتقوى والايمان والتضرع والخشية من العذاب الاخروي والسعي لكسب الصبر والصدق ، والتعبد والانفاق والاستغفار كي ينالوا جنان الخلد ورضوان من الله والحور العين .
على اية حال ، على ضوء ما ورد في القرآن الكريم ، فإنّ ما تتميز به المرأة من نعومة وجمال الصورة والحياء والصوت الرقيق والاناقة الاخاذة ، كل ذلك يضفي عليها جمالاً يخطف فؤاد الرجل ويجذبه نحوها واثارة شهوته ، ويعد سبباً مهماً في تبلور الرغبة لديه في الزواج وبناء الحياة الزوجية وانجاب الذرية ، والسعي والنشاط للعمل في الحقول التجارية والزراعية من أجل تأمين الجانب المادي من حياته واستمرار الكيان الاُسري ، وإذا ما اقترن ذلك بالالتزام التقوى والورع عن المعاصي ، وصاحبه الايمان وزيّنته المناجاة والتحلي بالصبر والصدق والعبادة والانفاق والاستغفار بالاسحار ، فإنّ ذك يعني ضمان السعاد بشقيها الدنيوي والاُخروي والخير بركنيه المادي والمعنوي ، وسيحظى الانسان بمتع الدنيا ونعم الآخرة ، والأهم من ذلك الفوز بالرضوان الابدي من لدن الباري جلّ وعلا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ آل عمران : 14 ـ 17 .

طريقة اختيار الزوج في الاسلام

تختلف طريقة اختيار الزوج عند الاديان أو المذاهب التي فقدت رونقها أو طابعها الالهي ، أو أنّها لم تكن تتسم بالصبغة الالهية منذ البداية ، عنها في ظل الاسلام .
فالاسلام لا يسمح للمسلم بأن يتزوج مَنْ يشاء ، كما لا يجيز للمرأة المسلمة الاقتران بمن شاءت ، فعند اختيار الزوج ينبغي الاخذ بنظر الاعتبار تحقيق خير الدنيا والآخرة والسعادة حاضراً ومستقبلاً ، والمحافظة على الانسان طاهراً من الادران ، وصيانة الحياة من الممارسات الشيطانية ، ففي نظر الاسلام ليست الشهوة والمتعة واللّذة الجسمية والمادية هي المقصود الجوهري من الزواج ، بل ان الهدف الذي يرمي الاسلام إلى تحقيقه من وراء عملية الزواج هو المحافظة على تدين الرجال والنساء وبناء بيت الهي وانجاب الذرية الصالحة وضمان رضى الحق تعالى ، من هنا فإنّ الزواج في هذا الاطار والتودد للزوجة وقضاء الحاجة الجنسية بالمستوى الذي تقتضيه رغبة الزوج والزوجة ورعاية الحقوق المتبادلة وانجاب الاولاد وتربيتهم وانجاز الواجبات الضرورية والعمل والسعي لتوفير السكن والملبس والطعام للزوجة والأولاد ، كل ذلك يعتبر في عدد العبادة ، وقد كُتب الاجر الجميل والثواب الجزيل للمرء في كلّ خطوة يخطوها على هذا الطريق .
هنا تتضح العلّة في تأكيد الاسلام على الكفاءة ، وهذا ما يدفع الانسان إلى الاذعان بكل وجوده ازاء الضوابط التي يحددها الاسلام في الزواج ويعترف بان السنة الفتنة ستستعر في جميع مرافق الحياة إذا لم تراع هذه الضوابط ويتحول الجو الأسري إلى جوٍّ يعصف بالمتاعب والمنغصات والمحن والمكابدات وينتهي الأمر إلى الطلاق أو تجرع المرارة إلى الأبد أو إلى الجنون أو انتحار أحد الطرفين فيما أذا افتقد لقابلية التحمل .
عليكم الابتعاد عن المرأة التي لا تعينكم على ارتفاء سلَّم الكمال الفكري والعقلي ولا تعينكم على تسلق مدارج الكمال من خلال التحلّي بالايمان والأخلاق والتقوى ، وتجنب الاقتران بالمرأة التي ولدت في بيت بعيد عن عبادة الله وتوحيده والأخلاق والتقوى ولا تجلب للرجل سوى الافتتان والفساد والغواية والهلكة .
ثمة رواية مهمة للغاية عن الامام الباقر ((عليه السلام)) في هذا المجال :
« مرّ رسول الله على نسوة فوقف عليهن ثمّ قال : ما رأيتُ نواقص عقول ودين أذهبَ بعقول ذوي الالباب منكنَّ ، اني قد رأيتُ انكنَّ اكثر اهل النار عذاباً فتقربنَ إلى الله ما استطعنَ . . . »(1) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« أغلبُ الاعداء للمؤمن زوجة السوء »(2) .
وجاء في رواية اخرى :
« أول ما عُصي الله بستِّ خصال : حبُ الدنيا ، وحب الرئاسة ، وحب النوم ، وحب النساء ، وحب الطعام ، وحب الراحة »(3) .
من هنا عليكم الالتزام بما فرضه الاسلام من ضوابط في مسألة اختيار الزوج ، تلك الشروط التي ساتطرق اليها من خلال ايراد الروايات الواردة ، والسعي ان لا يكون الجمال وحب الزواج والتعلق بأموال المرأة وثروتها دافعكم الوحيد في الزواج .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : ابواب مقدمات النكاح .
2 ـ البحار : 100/240 .
3 ـ الوسائل : أبواب مقدمات النكاح ، الباب 4 والبحار : طبعة مؤسسة الوفاء 100/225 .
عن جعفر بن محمد الصادق ((عليه السلام)) انّه نهى ان ينكح الرجل المرأة لمالها أو لجمالها ، وقال :
« مالها يطغيها وجمالها يغويها ، فعليك بذات الدين »(1) .
وفي رواية ، قال ((صلى الله عليه وآله)) :
« ان كان الشؤم في شيء ففي النساء »(2) .
نعم ، فالمرأة التي لا تتحلى بالمعرفة والايمان والأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة والوقار والكرامة تعتبر مصدر شقاء للرجل وسبباً في انحراف الحياه وهلاك الرجل .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« شرّ الاشياء المرأة السوء »(3) .

قصة مدهشة

جاء في تفسير أبي الفتوح الرازي : ان شاباً كان يرتقي المأذنة للاذان في أحد المساجد ، وذات يوم ادار ببصره نحو المنازل المحيطة بالمسجد والقى عليها نظرة ـ النظرة التي حرمها الاسلام حرصاً على مصلحة الانسان وحفاظاً عليه من الافتتان بالحرام ـ فوقع بصره على شابة في أحد البيوت ذات جمال وحُسن فافتتن بها ، وبعد فراغة من الاذان توجه نحو تلك الدار وطرق الباب ففتح صاحب الدار الباب فبادره الشاب : الا تزوجني ابنتك ؟ فإنّا ارغب بالزواج منها ، فقال له الرجل : نحن من النصارى ، فلو دخلت في ديننا زوجتك ابنتي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مستدرك وسائل : النكاح الباب 13 .
2 ـ البحار : 100/227 .
3 ـ نفس المصدر .
فقبل الشاب ذلك الشرط اذ انّه افتتن بالجمال واهمل شرطذ الكفاءة في اختيار الزوجة وجعل من النظرة والشهوة والجمال دليلاً له في أمر الزواج ، وخرج من الاسلام إلى الشرك ، وفي يوم عقد قرانه من تلك البنت هوى من أعلى سلَّم الدار إلى الارض فهلك .
قبل فهرست بعد