عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

لمحة إجمالية في أدلة انقطاع النيابة الخاصة في الغيبة الكبرى ...

لمحة إجمالية في أدلة انقطاع النيابة الخاصة في الغيبة الكبرى ...



 لمحة إجمالية

في أدلّة انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى

واستمرار الانقطاع حتّى الصيحة والسفياني (*)

الشيخ محمّد السند

 المدخل :

تُطرح في الآونة الأخيرة تساؤلات حول موقعيّة شخصيّات الظهور ، حيث ينتحل أدعياء ـ بين الفينة والأخرى ـ أسماءهم ، فهل لتلك الشخصيّات ـ وهي نجوم سنة الظهور ـ صفة رسميّة من قِبل الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) ، كأنْ يكونوا نوّاباً خاصّين له وسفراء للناحية ، أو غير ذلك من السمات التي لها طابع الحجّية والتمثيل القانوني ، مع أنّه قد قامتْ الضرورة في روايات أهل البيت (عليهم السّلام) على نفي النيابة الخاصّة والسفارة في الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ، وكذلك في تسالم وإجماع علماء الإماميّة .

وهذه النجوم لمسرح سنة الظهور ممّا قد جاءتْ أسماؤهم في روايات علامات الظهور ، مثل : اليماني ، والخراساني ( الحسني ) ، وشعيب الصالح ، والنفس الزكيّة ، وغيرهم .

وذُكرتْ لهم ملاحم ممهّدة في نفس سنة الظهور ، فهل يُستفاد منها أيّ صفة معتبرة نافذة ، أَمْ أنّ النعوت الواردة فيهم لا يُستفاد منها أكثر من مديح عام ، من دون أنْ يصل إلى درجة الحجّية الرسميّة ؟

وقبل الخوض في دلالة الروايات الواردة في شأنهم نتعرّض إلى لمحة إجماليّة في أدلّة انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى ، واستمرار الانقطاع حتّى الصيحة والسفياني .

وقد بسط علماء الإماميّة الحديث عن الانقطاع مطوّلاً في الكتب المؤلّفة في غيبته (عجّل الله فرجه) من الجيل المعاصر للأئمّة السابقين (عليهم السّلام) ، مروراً بالذين عاصروا غيبته الصغرى ، والتقوا بالنوّاب الأربعة ، كـ : الكليني ، وعليّ بن بابويه ، وسعد بن عبد الله الأشعري ، والنوبختي ، وغيرهم .

إلى الجيل الأوّل من الغيبة الكبرى ، كـ : الصدوق ، وابن قولويه ، والنعماني ، ومحمّد بن الحسن الخزّاز ، وغيرهم . ثمّ : المفيد ، والمرتضى ، والطوسي ، والكراجكي .

وتتابع طبقات العلماء في كتبهم الكلاميّة والحديثيّة الروائيّة ، وقد أودعوا في ذلك من طوائف الروايات المرويّة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، إلى بقيّة الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) .

ونشير إلى جملة من تلك الأدلّة :

* الدليل الأوّل :

التوقيع المبارك الصادر من الناحية المقدّسة منه (عجّل الله فرجه) على يد النائب الرابع عليّ بن محمّد السمري قبل وفاة النائب بستّة أيّام : ( يا عليّ بن محمّد السمري ، اسمع . أعظم الله أجر إخوانك فيك ؛ فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فأجمع أمرَك ، ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك ؛ فقد وقعتْ الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذِكْرُه ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي من شيعتي مَن يدّعي المشاهدة ، أَلاَ فَمَنْ ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتَرٍ ، ولا حول ولا قوّة إِلاّ باللهِ العليّ العظيمِ ) .

قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : مَن وَصِيُّكَ مِن بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه وقضى . فهذا آخر كلام سُمع منه (رضي الله عنه وأرضاه) .

وقد روى التوقيع كلٌّ من الصدوق في إكمال الدين(1) ، والطوسي في الغيبة(2) ، والنعماني في كتابه الغيبة(3) ، والطبرسي في الاحتجاج(4) ، والراوندي في الخرائج والجرائح(5) ، رواه عن الصدوق أيضاً .

وقد رواه الشيخ الطوسي ، قال : أخبرنا جماعة ـ يعني جماعة مشايخه ـ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه : ( الصدوق ) ، قال : حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتب .

وقد رواه الصدوق في إكمال الدين عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتب ، وهو من مشايخ الصدوق ، وقد ترحّم عليه في كتابه إكمال الدين ، هذا وقد ذكر الشيخ الطوسي في ( الغيبة ) ـ عند تعرّضه لترجمة وبيان حال النوّاب والنائب الرابع ( السمري ) ـ خمس روايات لانقطاع السفارة بخمسة طرق ، منها :

قوله : وأخبرني محمّد بن محمّد بن النعمان ( المفيد ) ، والحسين بن عبيد الله ( الغضائري ) ، عن أبي عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني ( شيخ الطائفة ، تلميذ الكليني ) ومعاصر للنائب الرابع ، وذكر حضور الشيعة عند النائب الرابع ، وأنّه لم يوصِ إلى أحدٍ بعده . وهذا الطريق صحيح أعلائي ، بل هو قطعي الصدور .

ودلالة التوقيع الشريف على الانقطاع في موضعين :

الموضع الأوّل :

قوله (عجّل الله فرجه) : ( فأجمع أمرك ، ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك ؛ فقد وقعتْ الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذِكْرُهُ ) ، فنهاه عن الوصيّة إلى أحد بعده ، فلا يقوم أحد مقام النائب الرابع ، وكذلك قوله (عجّل الله فرجه) : ( فقد وقعتْ الغيبة التامّة ) ، دلالة على أنّ فترة النوّاب الأربعة لم تكن غيبة تامّة ، وإنّما هي صغرى لا تامّة كبرى ، حيث إنّ النوّاب الأربعة كانوا حلقة وصل بينه وبين شيعته ، ممّا يدلّ على أنّ معنى الغيبة التامّة ، وهي الكبرى التي وقعت بعد الصغرى ، هي أنْ ينقطع فيها مقام النيابة الخاصّة ، وأنّها ممتدّة ، فلا ظهور حتّى الصيحة وخروج السفياني .

الموضع الثاني :

قوله (عجّل الله فرجه) : ( وسيأتي من شيعتي مَن يدّعي المشاهدة ، أَلاَ فَمَنْ ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتَرٍ ) ، والظاهر من ادّعاء المشاهدة هو السفارة والنيابة بقرينة السياق والصدور على يد النائب الرابع ، حيث أَمَرَهُ بعدم الوصيّة لأحد أنْ يقوم مقامه في النيابة ، ولا سيّما وأنّ ادّعاء ذلك هو وسيلة لأجل ادّعاء الوساطة بين الإمام (عجّل الله فرجه) والناس ، والتحايل على الآخرين بإمكانه القيام بحلقة وصل بين الإمام وبينهم ، وهو معنى السفارة والنيابة الخاصّة .

ثمّ إنّ صريح هذا التوقيع الشريف الذي تطابقت عليه الطائفة ، أنّ انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة يمتدّ إلى الصيحة من السماء بصوت جبرئيل (عليه السّلام) التي هي من علامات الظهور الحتميّة الواقعة في نفس سنة الظهور ، وهي : ( أَلاَ إنّ الحقّ في عليّ وشيعته ، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار : أَلاَ إنّ الحقّ في عثمان وشيعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ) ، كما جاء في الروايات عنهم (عليهم السّلام)(6) ، وفي بعضها أنّ النداء هو في شهر رمضان ، وفي بعض الروايات(7) أنّه في رجب ، والظاهر أنّها نداءات متعدّدة بمضامين متعدّدة .

ومقتضى دلالة هذا التوقيع الشريف هو نفي النيابة الخاصّة والسفارة إلى حدّ سماع الصيحة من السماء في سنة الظهور ، وأيّ مدّعٍ للنيابة والاتّصال والارتباط مع الحجّة (عجّل الله فرجه) قبل الصيحة فهو كذّاب ومفترٍ ، أيّاً كان هذا المدّعي ، ولو تقمّص بأيّ اسم وعنوان ، سواء ادّعى أنّه سيظهر من اليمن أو من خراسان أو من غيرهما .

وكذلك وقّت الحدّ والأمد ، مضافاً إلى الصيحة إلى خروج السفياني ، والمراد من خروجه ليس مجرّد وجوده ، بل قيام السفياني بتأسيس دولته في الشام ، وخوضه في الحروب لتوسعة دولته .

* الدليل الثاني :

الروايات المتواترة التي رواها الصدوق في إكمال الدين ، والطوسي في الغيبة ، والنعماني في الغيبة ، والكليني في الكافي ، والتي مفادها وقوع غيبتَين للإمام (عجّل الله فرجه) ، وهذه الروايات قد رُويت عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وعن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وعن بقيّة الأئمّة (عليهم السّلام) ؛ فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السّلام) ـ في حديث ـ : ( أَمَا أنّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ فِيْهِ غَيْبَتَيْنِ : واحدة قصيرة ، والأُخرى طويلة )(8) .

وروى النعماني في الغيبة بسنده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) ، قال : ( إنّ لِصاحبِ هذا الأمرِ غيبتَين : إحداهما تَطولُ حتّى يقول بعضهم : مَاتَ ، وبعضهم يقول : قُتِلَ ، وبعضهم يقولُ : ذَهَبَ ، فلا يبقى على أَمْرِهِ مِنْ أَصحابِهِ إِلاّ نَفَرٌ يَسِيْرٌ ، لا يطلع على مَوْضِعِهِ أحدٌ مِن وليّ ولا غَيْرِهِ إِلاّ المَوْلَى الذي يلي أَمْرَهُ )(9) .

وتقريب دلالة هذه الطائفة على انقطاع السفارة هو ما ذكره النعماني ، قال : ( هذه الأحاديث التي يُذكر فيها أنّ للقائم (عليه السّلام) غيبتَين أحاديثٌ قد صحّتْ عندنا ـ بحمد الله ـ , وأوضح الله قول الأئمّة (عليهم السّلام) ، وأظهر برهان صدقهم فيها .

فأمّا الغيبة الأُولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام (عليه السّلام) وبين الخلق ، قياماً منصوبين ظاهرين , موجودي الأشخاص والأعيان ، يخرج على أيديهم غوامض العلم ، وعويص الحكم ، والأجوبة عن كلّ ما كان يُسأل عنه من المعضلات والمشكلات ، وهي الغيبة القصيرة التي انقضتْ أيّامها ، وتصرّمتْ مدّتها .

والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط ؛ للأمر الذي يريده الله تعالى ، والتدبير الذي يمضيه في الخَلْق ، ولوقوع التمحيص والامتحان , والبليّة والغربلة والتصفية على مَن يدّعي هذا الأمر ، كما قال الله عزّ وجلّ : ( ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ )(10) .

وهذا زمان ذلك قد حضر ، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحقّ ، وممّن لا يخرج في غربال الفتنة ، فهذا معنى قولنا : ( له غيبتان ) ، ونحن في الأخيرة نسأل الله أنْ يقرّب فرج أوليائه منها )(11) .

ودلالة تثنية الغيبة على اختلاف الغيبتَين القصيرة عن الطويلة بيّنة واضحة ، وإلاّ لكانت معاً غيبة واحدة لا غيبتان ، واختلاف الغيبتَين ليس إلاّ بوجود السفراء والنوّاب الأربعة في الأولى دون الثانية .

ومن هذا القبيل ما في صحيح عبد الله بن سنان ، قال : دخلتُ أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السّلام) ، فقال : ( كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يُرى ، فلا ينجو من تلك الحيرة إلاّ مَن دعا بدعاء الغريق ؟ ) . فقال أبي : هذا والله البلاء ، فكيف نصنع ـ جعلتُ فداك ـ حينئذٍ ؟ قال : ( إذا كان ذلك ـ ولنْ تدركه ـ فتمسّكوا بما في أيديكم حتّى يتّضح لكم الأمر )(12) .

وقال النعماني في ذيل الفصل الذي أورد الحديث فيه ( وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل ـ حديث عبد الله بن سنان ـ : ( كيف أنتم إذا صرتم في حال لا تَرَونَ فيها إمامَ هدىً ولا عَلَمَاً يُرَى ) دلالة على ما جرى ، وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام (عليه السّلام) وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم ، وانقطاع نظامهم ؛ لأنّ السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم ، فلمّا تمّتْ المحنة على الخلق ارتفعتْ الأعلام ، ولا تُرى حتّى يظهر صاحب الحقّ (عليه السّلام) ، ووقعتْ الحيرة التي ذكرتْ , وآذننا بها أولياء الله ، وصحّ أمر الغيبة الثانية ... )(13) .

* الدليل الثالث :

الروايات المستفيضة الآمرة بالانتظار وبالصبر والمرابطة ، وعدم الانزلاق مع كلّ منادٍ لشعار إقامة الحقّ والعدل ، وكذلك بروايات التمحيص والامتحان ، ومقتضاها انقطاع السفارة والاتّصال كما سنبيّن .

 مثل : ما رواه النعماني في كتابه ( الغيبة ) بسنده عن عبد الرحمان بن كثير ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السّلام) يوماً وعنده مهزم الأسدي , فقال : جعلني الله فداك ! متى هذا الأمر الذي تنتظرونه ، فقد طال علينا ؟ فقال : ( يا مهزم ، كذّب المتمنّون ، وهلك المستعجلون ، ونجا المسلِّمون ، وإلينا يصيرون )(14) .

وروى عن أبي المرهف أيضاً قال : قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : ( هلكت المحاضير ) . قال : قلتُ : وما المحاضير ؟ قال : ( المستعجلون ، ونجا المقرّون )(15) . ومفادها ظاهراً وقوع المستعجلين لأمر ظهوره (عليه السّلام) في الهلكة والضلال ، وكذلك الذين يعيشون عالم التمنّي لتوقيت ظهوره ، ممّا يحدو بهم إلى العفويّة في الانسياق وراء كلّ ناعق .

وهذه الحيرة والاضطراب ليست إلاّ للانقطاع وفَقْد الاتّصال ، وهو مقتضى الصبر والانتظار والترقّب ؛ لأنّه في مورد فَقْد الاتّصال وانقطاع الخبر وعدم وسيلة للارتباط . وكذلك مفاد روايات التمحيص والامتحان بسبب شدّة المحنة في غيبته بفَقْد واسطة الارتباط ، فتزداد الريبة بوجوده حتّى يرجع أكثر القائلين بإمامته عن هذا الاعتقاد ، لا سيّما مع كثرة الفتن والمحن والبلاء .

فقد روى النعماني بسنده عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام) : ( إنّما مثل شيعتنا مثل أندر ـ يعني : بيدراً ـ فيه طعام فأصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقّي ، ثمّ أصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقِّي حتّى بقي منه ما لا يضرّه الآكِل ، وكذلك شيعتنا يميزون ويمحّصون حتّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة )(16) .

وفي رواية أُخرى عن منصور الصيقل ، قال : دخلتُ على أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) وعنده جماعة ، فبينا نحن نتحدّث وهو على بعض أصحابه مقبل ؛ إذ التفتَ إلينا وقال : ( في أيّ شيء أنتم ، هيهاتَ هيهاتَ ! لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُمحّصوا . هيهاتَ ! ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُميّزوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُغَرْبَلوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يَشقى مَن شقي ، ويَسعد من سعد )(17) . ويستفاد منها الحذر من الخفّة والانجرار وراء كلّ مدّعي ؛ وذلك بسبب قلّة الصبر والضعف عن الثبات في الفتن لقلّة البصيرة .

* الدليل الرابع :

قيام الضرورة لدى الطائفة الإماميّة وتسالمهم على انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة ، فهو من ضرورة المذهب ، حتّى إنّ علماء الطائفة حكموا بضلال المدّعين للسفارة ولَعْنهم والتبرّي منهم ، والطرد لهم عن الطائفة ، وهذا الموقف تبعاً لِمَا صدر من التوقيعات من الناحية المقدّسة حول بعضهم . وإليك بعض أقوالهم :

الأوّل :

قال الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي ـ وقد كان معاصراً للإمام العسكري (عليه السّلام) ، وكان شيخ الطائفة وفقيهها ـ في كتابه المقالات والفِرق ، بعد أنّ بيّن لزوم الاعتقاد بغيبة الإمام (عجّل الله فرجه) ، وانقطاع الارتباط به : ( فهذه سبيل الإمامة ، وهذا المنهج الواضح ، والغرض الواجب اللازم ، الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإماميّة المهتدية (رحمة الله عليها) ، وعلى ذلك إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن عليّ رضوان الله عليه )(18) .

وقريب من هذه العبارة ذكر متكلّم الطائفة وفيلسوفها الحسن بن موسى النوبختي(19) .

الثاني :

وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ أبي القاسم بن محمّد بن قولويه ـ صاحب كتاب كامل الزيارات ، وهو أُستاذ الشيخ المفيد ، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى ـ قال : ( إنّ عندنا أنّ كلّ مَن ادّعى الأمر بعد السمري ـ وهو النائب الرابع ـ فهو كافر منمّس ، ضالّ مضلّ )(20) .

الثالث :

الشيخ الصدوق في كتابه ( إكمال الدين ) في الباب الثاني والأربعين ـ ما روي في ميلاد القائم (عجّل الله تعالى فرجه) ـ وبعد ما ذكر نوّابه الأربعة ، قال : ( فالغيبة التامّة هي التي وقعتْ بعد مضيّ السمري رضي الله عنه )(21) .

ثمّ روى في الباب اللاحق توقيع الناحية بانقطاع السفارة والنيابة الخاصّة . وقد صرّح في أوّل كتابه أنّ الذي دعاه إلى تأليف الكتاب هو حيرة بعض الشيعة بسبب الغيبة ، ووَجَدَهُم قد عدلوا عن طريق التسليم والتمسّك بالأخبار الواردة إلى الآراء والمقاييس .

وقد صرّح الشيخ النعماني صاحب كتاب الغيبة ـ وهو معاصر للصدوق وتلميذ الكليني ـ في عدّة مواضع منه بانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى ، وقد تقدّم نبذة من كلماته واستدلاله بالروايات )(22) .

الرابع :

وقال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد في باب ذكر القائم (عجّل الله فرجه) : ( وله قبل قيامه غيبتان : إحداهما أطول من الأخرى كما جاءتْ بذلك الأخبار ؛ فأمّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته , وعدم السفراء بالوفاة . وأمّا الطولى فهي بعد الأُولى ، وفي آخرها يقوم بالسيف )(23) . ونظير هذا التعبير صرّح به الطوسي في الغيبة(24) .

وقد تضافرت كلمات علماء الإماميّة في كتبهم ممّا يجدها المتتبّع في مظانّها .

بل إنّ علماء سنة الخلافة وجماعة السلطان قد اشتهر بينهم عن الإماميّة ذلك ، وأخذوا يصيغون الإشكالات ـ بانعدام الإمام (عجّل الله فرجه) مع انقطاعه عن شيعته ـ في أكثر كتبهم الكلاميّة والمؤلّفة في الملل والمذاهب .

وهذه الضرورة القائمة عند الطائفة الإماميّة توالت عليها أجيالها قرناً بعد قرن ، ودأبتْ الطائفة في إقصاء وطرد جماعات الانحراف أدعياء السفارة كلّما ظهر لهم راية .

هذا ومقتضى الأدلّة السابقة هو بطلان مدّعي النيابة الخاصّة وأدعياء السفارة ، ومَن يزعم أيّ صفة رسميّة خاصّة للتمثيل عن الإمام المنتظر (عليه السّلام) إلى سماع النداء والصيحة من السماء ، واستيلاء السفياني على الشام .

ـــــــــــــــــ

* اقتباس وتنسيق قسم المقالات في شبكة الإمامين الحسنَين (عليهما السّلام) للتراث والفكر الإسلامي ، من دراسة للمؤلّف : الشيخ محمّد السند ، نُشرت ضمن سلسلة : شخصيّات عصر الظهور ، من قِبل مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السّلام) .

(1) إكمال الدين : الصدوق : 2 ، 516 .

(2) الغيبة : الطوسي : 395 .

(3) لم نجده فيه .

(4) الاحتجاج : 2 ، 478 . إعلام الورى : الطبرسي : 445 .

(5) الخرائج والجرائح : 3 ، 128 و129 .

(6) الغيبة : الطوسي : 435 ، ح 425 . وبحار الأنوار : 52 ، 290 .

(7) الغيبة : النعماني : 181 ، ح 28 .

(8) الغيبة : الطوسي : 162 ، ح 123 .

(9) الغيبة : النعماني : 171 و 172 ، الباب العاشر : ح 5 .

(10) سورة آل عمران : الآية : 188 .

(11) الغيبة : النعماني : 173 و174 ، ح 9 .

(12) الغيبة : النعماني : 159 : ح 4 .

(13) الغيبة : النعماني : 161 .

(14) الغيبة : النعماني : 198 ، باب 11 ، ح 8 .

(15) المصدر المتقدّم : 196 ، باب 11 ، ح 5 .

(16) الغيبة : النعماني : 211 ، باب 11 ، ح 18 .

(17) الغيبة : النعماني : 208 ، باب 11 ، ح 16 .

(18) المقالات والفرق : الأشعري .

(19) كتاب فِرق الشيعة : 109 .

(20) الغيبة : الطوسي : 412 ، ح 385 .

(21) كمال الدين : الصدوق : 423 – 433 .

(22) الغيبة : النعماني : 158 – 161 .

(23) الإرشاد : المفيد : ج 2 ، 340 .

(24) الغيبة : الطوسي : 61 ، ح 60 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الملامح الشخصية للامام المهدي عليه السلام
عظمة الإمام المهدي (عج) عند الأئمة (ع) والصالحين
امام مہدی علیہ السلام اولادعلی (ع)سے ہیں
انعقاد مؤتمرالقضية المهدوية في مدينة قم
الإمام المهدي عجّل الله فَرَجه والعلم الحديث
المدينة الفاضلة
ماذا خسر المسلمون من إبعاد أهل البيت (عليهم ...
الإمام المهدي (عج) والخلاص العالمي
أسانید علامات الظهور
الأسس التربوية والأخلاقية في حكومة المهدي ...

 
user comment