عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

الإمام علي بن محمد الهادي (عليهما السلام)

الإمام علي بن محمد الهادي (عليهما السلام)



الإمام علي بن محمد الهادي (عليهما السلام)

(عقيل الحلواجي)

نسبه الشريف :

هو الإمام العاشر من أئمة الشيعة الأثنى عشرية ، ذو المكارم والأيادي ، والمعجزات والفضائل المشهورة بين الخاص والعام والحاضر والبادي ، المعصوم العاشر والنور الباهر ، المعصوم الثاني عشر مولانا ومولى الجن والممكنات والبشر ، مبدأ الفضل والأيادي الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

وهو(عليه السلام) رابع العليين الأربعة في الأئمة الأطهار بعد العليين الثلاثة ، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام زين العابدين (عليه السلام) ، والإمام الرضا (عليه السلام) .

فنسبه (عليه السلام) من نسب أبيه ، تلك الذرية الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا ، واصطفاها على البرية جميعا ، وزكاها على خلقه ، وجعلهم أئمة يهدون بأمره تعالى .

وأما أمه ، فكانت جارية اشتراها الإمام الجواد (عليه السلام) بسبعين دينار وكانت تسمى سمانة المغربية ( ويقال ) متفرشة) ، ويقال أنها معروفة بالسيدة أم الفضل ، وهي من القانتات الصالحات ، وكان الإمام الهادي (عليه السلام) يقول على ما روي : (( أمي عارفة بحقي وهي من أهل الجنة ، ما يقربها شيطان مريد ، ولا ينالها كيد جبار عنيد ، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام ، ولا تختلف عن أمهات الصديقين والصالحين)) .

مولده عليه السلام :

ولد (عليه السلام) في قرية صربا بالقرب من المدينة المنورة ، يوم الثلاثاء في الثاني من شهر رجب الأصب من سنة اثنتي عشرة ومئتين للهجرة النبوية الشريفة ، وربما يؤيد ذلك ما ذكرناه في ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) من الدعاء في أول رجب ( اللهم إني أسألك بالمولدين في رجب محمد بن علي الثاني وأبنه علي بن محمد المنتجب ) وهذا يؤيد ويرجح ذلك ، بل يعينه ويحدده وإن كانت هناك روايات غير ذلك .

كنيته وألقابه عليه السلام :

يكنى (عليه السلام) بأبي الحسن ، ويقال له تمييزاً ( أبو الحسن الثالث ) بعد أبي الحسن الأول أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبي الحسن الثاني جده الرضا (عليه السلام)

وأما ألقابه فكثيرة منها : الهادي وهو أشهرها ، والعسكري ، والفقيه ، والمؤتمن ، والنقي ، والعالم ، والمرتضى ، والناصح ، والأمين ، والمتقي والطيب ، والنجيب ، والفتاح ، والمتوكل وغيرها .

وقد كان (عليه السلام) يخفي اللقب الأخير - أي المتوكل - و يأمر أصحابه بأن يعرضوا تلقيبه به ، لكونه يومئذٍ لقباً للخليفة العباسي المعاصر ، وهو جعفر المتوكل المعاصر للإمام الهادي (عليه السلام) .

وأما لقب العسكري ، فسببه أ ن جعفر المتوكل أشخصه من المدينة المنورة إلى بغداد إلى سر من رأى ، وكان يعسكر فيها الجيش ، ولذا سميت عسكراً ، وقد أقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر ، فلذلك قيل للإمام وولده (عليه السلام) العسكري نسبةً لها ، وإن غلب هذا اللقب على ولده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

النص على إمامته عليه السلام :

كان الإمام الهادي (عليه السلام) مهيئاً للإمامة والخلافة ، فقد كان (عليه السلام) أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة ، وكان شكلاً أحسنهم وأملحهم ، وكانت أوصافه كلها تجعله المبرَّز والمقدم لإمامة البشر كيف لا وهو من بيت الرسالة والإمامة ، ومقر الوصية والخلافة ؟! كيف لا وهو شعبه من روح النبوة منتضاه ومرتضاه ، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناه ومجتباه .

ومن تلك الأخبار المروية عن أبيه الجواد (عليه السلام) عن ابائه (عليه السلام) :

روى عن إسماعيل بن مهزيار أنه قال : لما خرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة المنورة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خروجه قلت له : جعلت فداك إني خائف عليك من هذه الوجه فإلى من الأمر بعدك ؟ فكرّ بوجهه (عليه السلام) إلي ضاحكاً وقال : ((ليس الأمر حيث ضننت في هذه السنة فلما استدعى به المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك ها أنت خارج فإلى من الأمر من بعدك ، فبكى (عليه السلام) حتى اخضلت لحيته بالدموع ، ثم التفت إلي فقال : عند هذه يخاف علي ، فالأمر من بعدي إلى ابني علي ، فإن أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمامة بعده في ابنه الحسن)) .

سنوات عمره عليه السلام :

انتقل أمر الإمامة والخلافة إليه (عليه السلام) وهو في مدينة جده الرسول (ص) عن شهادة أبيه الجواد (عليه السلام) في بغداد . وله (عليه السلام) يومئذٍ من العمر ثمان سنوات وأربعة أشهر قريباً من قدر سني عمر أبيه الجواد (عليه السلام) عند انتقال الأمر والخلافة إليه بعد أبيه الرضا (عليه السلام) ، وبقي سلام الله تعالى عليه في المدينة بعد شهادة أبيه الجواد (عليه السلام) بقية ملك المعتصم ما يقرب من سنتين ، حتى أنتقل الأمر للمتوكل ( لع) حيث أشخص الإمام (عليه السلام) من المدينة المنورة إلى ( سر من رأى ) التي تبعد عن بغداد مسيرة ثلاثة أيام ، وبعد هلاك المتوكل في الرابع من شهر شوال سنة سبع وأربعين ومأتين ، بويع ابنه محمد بن جعفر الملقب بالمنتصر إلى أن وصل الأمر في النهاية للمعتز بن المتوكل وأسمه الزبير وكان ذلك في السنة الثانية والثلاثين من إمامة أبي الحسن الهادي (عليه السلام) ثم كانت شهادة الإمام (عليه السلام) في السنة الرابعة والثلاثين من إمامته .

وقد بقى (عليه السلام) في سامراء عشرين سنة وكانت مدة إمامته (عليه السلام) بعد أبيه الجواد (عليه السلام) أربعاً وثلاثين سنة ويوماً واحداً ، وقد تقدم انه (عليه السلام) أقام مع أبيه ما يقرب من ثمانية سنوات فيكون مجموع عمره الشريف (عليه السلام) نحو اثنين واربعين سنة.

أولاده عليه السلام :

خلف الإمام الهادي (عليه السلام) خمسة أولاد ، أربعة ذكور وأنثى واحدة مسماة (عالية) والذكور هم : الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الإمام بعده، والذي سنتعرض لسيرته تالياً ، إن شاء الله تعالى ، ومحمد صاحب الكرامات الباهرة والآيات الواضحة ، وهو المعروف بالسيد محمد ، والمدفون قريباً من سامراء على مسيرة ثمان ساعات ، وله قبة عالية ومزار مقصود في كل سنة ، وإن هذا السيد الجليل ، لكثرة ورعه ووفور علمه ، كان يظن انتقال الإمامة والخلافة إليه . ومن أولاد الإمام (عليه السلام) كذلك الحسين وأخيراً جعفر ، وهو المعروف بجعفر الكذاب والذي سبقت الإشارة إليه في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) حول الحديث المروي عن الإمام السجاد (عليه السلام) ، وهذا كان عكس أخيه السيد محمد فقد ادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام الهادي (عليه السلام) كذباً وافتراءً على الله ورسوله (ص) ، وإجتراء على الدين ، وقد سعى في إذاء أخيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وبعده في إذاء إمام العصر الحجة المنتظر (عليه السلام) ، وكان يلقب بزق خمر ، لكثرة شربه للخمر ولعبه بآلات اللهو والقمار ، وقد ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) في حقه أن سبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام) ، وكان أبوه الهادي (عليه السلام) يقول فيه على ماروي (( تجنبوا ابني جعفر فإنه مني بمنزلة كنعان بن نوح النبي (عليه السلام) إذ قال (عليه السلام) : (رَبّ إِنّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) فرد الله عليه بقوله تعالى : (يَانُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) .

وكان أبو محمد الحسن العسكري يقول على ماروي : ((الله الله أن يظهر لكم أخي على سر، فوالله ما مَثلي ومَثلهُ إلا مَثل هابيل وقابيل ابني ادم (عليه السلام) ، حين حسد قابيلُ هابيل على ما اعطاه الله تعالى ، ولو تهيأ لجعفر قتلي لفعل ولكن الله غالبٌ على أمره)) .

وقد أمعن الشيعة بعد أبي محمد (عليه السلام) وزادوا في هجره حتى تركوا السلام عليه ، ولكنه بعد استشهاد أخيه الإمام العسكري (عليه السلام) وبعد مماته ورد النهي من مولانا الحجة (عليه السلام) عن سب عمه جعفر ، ونهى شيعته عن لعنه ، وذكر (عليه السلام) لهم أن حاله حال أولاد يعقوب (عليه السلام) بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد وفقه في آخر عمره للتوبة والرجوع للحق . والله بصير بالعباد .

علمه ومحاججاته عليه السلام :

عاش الإمام الهادي (عليه السلام) في عصر كانت فيه المناقشات الفقهية والمجادلات الكلامية والمذاهب الفلسفية شاملة وعنيفة ، وكان على شبابه وصغر سنه بالنسبة إلى شيوخ الكلام ، وأساطين الفلسفة يرجع إليه ، ويُسأل عن رأيه ، فكان الذروة في المعارف الدقيقة والأحكام الصائبة وكان قوله الفصل وحجته المفحمة .

وقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرّف في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية . إذ لم يكن هناك أحد يضارعه في ثرواته العلمية المذهلة التي شملت جميع أنواع العلوم من الحديث والفقه والفلسفة وعلم الكلام ، وغيرها من سائر العلوم .

ومن الغريب أن المتوكل على الشيطان العباسي الذي كان من ألدِّ أعداء الإمام (عليه السلام) قدم رأي الإمام الهادي (عليه السلام) على أراء علماء عصره في المسائل التي اختلف فيها .

وأثرت عن الإمام (عليه السلام) روايات عن النبي (ص) وعن أمير المؤمنين والباقر والصادق والرضا (عليه السلام) ، وكذلك محاججاته المبهرة عن امتناع رؤية الله عز وجل دنيا وأخره ، واستحالة التجسيم واستحالة وصفه ، وحقيقة التوحيد ، وإبطال الجبر والتفويض وأثرت عنه (عليه السلام) الأدعية والمناجات والزيارات أيضاً ومن أشهر زيارات الإمام الهادي (عليه السلام) لآبائه الأئمة الطاهرين الزيارة الجامعة .

وتعتبر الزيارة الجامعة من أشهر زيارات الأئمة (عليه السلام) وأعلاها شاناً ، وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً ، فقد أقبل أتباع أهل البيت (عليه السلام) وشيعتهم على حفظها وزيارة الأئمة (عليه السلام) بها خصوصاً في يوم الجمعة .

وسنتحدث عن سند الزيارة الجامعة وبلاغتها وشروحها باختصار وإيجاز شديدين للغاية :

أما سندها ، فقد حاز درجة القطع من الصحة ، فقد رواها شيخ الطائفة الطوسي في التهذيب ، ورئيس المحدثين في ( من لا يحضره الفقيه) ، و(العيون) وغيرهما ، قال المجلسي : إن هذه الزيارة من أصح الزيارات سنداً ، وأعمقها مورداً ، وأفصحها لفظاً ، وأبلغها معنى ، وأعلاها شأناً .

وعن بلاغتها فتفيض هذه الزيارة بالأدب الرائع ، فقد رصعت بأرق الألفاظ - كما تحلت بجواهر الفصاحة والبلاغة ، وبداعة الديباجة ، وجمال التعبير ، ودقة المعاني . الأمر الذي يدل على صدورها عن الإمام الهادي (عليه السلام) .

فقد اعتبر أن آية الخبر الصحيح هو ما إذا كان في أرقى مراتب البلاغة ، فإن الأئمة الطاهرين هم معدن البلاغة والفصاحة ، وهم الذين أسسوا قواعد الكلم البليغ ، فكان كلامه في أعلى مراتب الكلام الفصيح ، فكلامهم (عليه السلام) دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين .

واما عن شروحها فقد اهتم بها العلماء اهتماماً بالغاً ، لما فيها من المطالب العالية ، والأسرار المنيعة ، والأمور البديعة ، ومن اهم شروحها :

1 - شرح الزيارة الجامعة الكبيرة للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي

2 - شرح الزيارة الجامعة للشيخ محمد تقي بن مقصود المجلسي .

3 - الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة للسيد حسين بن السيد محمد تقي الهمداني .

4 - شرح الزيارة الجامعة للسيد عبدالله شبر وأسماه الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة .

5 - - - - - - - - - - - - - للسيد علي نقي الحائري .

6 - - - -- - - - - - - - - للشيخ محمد علي الرشتي النجفي .

7 - - - - - - - - - - -- -- للسيد محمد بن محمد بن باقر الحسيني .

8 - - - - - - - - - - -- - - للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي .

9 - الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة للشيخ جواد بن عباس الكربلائي ويقع هذا الشرح في خمسة أجزاء .

مـلـوك عـصـره :

عاصر صلوات الله وسلامه عليه وعلى ابائه وابنائه الطاهرين سبعاً من خلفاء بني العباس : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، الذي ملك خمس سنين وسبعة أشهر ، وبعده ملك المتوكل أربع عشرة سنة ، ثم المنتصر الذي كان ملكه ستة أشهر ، ثم أحمد بن محمد المستعين ، الذي كان في أكثر أيامه مشتغلاً بالحرب والمنازعة مع المعتزلة ، وكانت مدة ملكه أربع سنين وشهراً ، ثم خُلع بعدها ، وبويع المعتز بن المتوكل الذي استشهد الإمام (عليه السلام) في عهده .

حياته بشكل عام وروابطه مع ملوك عصره :

في عهد المعتصم سنة 220 هـ عندما استشهد أبوه (عليه السلام) في بغداد بواسطة السم الذي دس إليه ، كان الإمام العاشر (عليه السلام) في المدينة المنورة كما اسلفنا ، نال منصب الإمامة بامر من الله تعالى ووصية اجداده ، فقام بنشر التعاليم الإسلامية حتى زمن المتوكل .

لقد كان جميع الملوك الذين عاصرهم الإمام الهادي (عليه السلام) يهابونه ويحذرونه ويخافونه ويكرهونه - كما لأسلافهم مع أبائه - لفرط ما كان له ولهم من محبة وإجلال في نفوس الناس .

وكان أشد هؤلاء الملوك كرهاً لآل البيت ولعلي بن ابي طالب (عليه السلام) خاصة ، المتوكل ، بل لعله أشد ملوك بني العباس قاطبة ، كرهاً للإمام علي وابنائه (عليه السلام) ، وكان يعلن عداءه وتنفره لعلي (عليه السلام) فضلاً عن الكلام البذي الذي كان يتفوه به أحياناً ، وكان قد عين شخصاً يقلد أعمال الإمام علي (عليه السلام) في مجالسه ومحافله ، ويستهزئ وينال من تلك الشخصية العظيمة .

وأمر بتخريب قبة الإمام الحسين (عليه السلام) وضريحه والكثير من الدور المجاورة له ، وأمر بفتح المياه على حرم الإمام الحسين (عليه السلام) وقبره ، وابذل أرضها إلى أرض زراعية كي يقضي على جميع معالم هذا المرقد الشريف.

وفي زمن المتوكل اصبحت حالة السادة العلويين في الحجاز متدهورة ويرثى لها ، كانت نساؤهم تفتقر إلى ما يسترها ، والأغلبية منها كانت تحتفظ بعباءة بالية ، يتبادلها في أوقات الصلاة لأجل إقامتها ، وكان الوضع عن هذا في مصر بالنسبة إلى السادة العلويين .

ومن الإهانات التي وجهها المتوكل لأهل البيت (عليه السلام) . أنه استجعى الإمام الهادي (عليه السلام) في السنة العاشرة من خلافته واشخصه من المدينة إلى سر من رأى ، وكان سبب ذلك تهمة افتراها عليها بعض اعدائه ، فوجه المتوكل يحيي بن هرثمه ومعه ثلاثمائة رجل للمدينة المنورة ، ومعهم رسالة إلى الإمام (عليه السلام) يدعوه فيها إلى موافاته في سامراء ، واوصى يحيى بتفتيش دار الإمام (عليه السلام) ليضبطوا ما فيها من أسلحة وأدوات وعدة حرب ، كما أوصاه بنقل الإمام في غاية الإجلال والتبجيل والإحترام خوفاً من الشيعة والرأي العام .

فلما وصل ( يحيى ) إلى الإمام (عليه السلام) وجده جالساً يقرأ القرآن ، ولم يجند الجند في بيته (عليه السلام) سوى مصاحف وكتب أدعية ، فأكبره القوم وأحترموه ، ولما سلمه يحيي كتاب المتوكل استجاب الإمام (عليه السلام) واستمهل ثلاثة أيام استعداداً للخروج .

ولما علم الناس في المدينة المنورة بغرض يحيى من زيارة الإمام (عليه السلام) هاجوا عليه هياجاً عظيماً ، فجعل يحيى يسكنهم ويسكن روعهم ، وخرج الإمام (عليه السلام) معه ، وظهرت منه في الطريق معاجز كثيرة ، حتى دخل (عليه السلام) سامراء سنة ثلاث وثلاثين ومأتين من الهجرة المباركة .

فلما دخل الإمام (عليه السلام) سامراء احتجب المتوكل عنه ، ولم يعين داراً لنزوله (عليه السلام) حتى اضطر الإمام (عليه السلام) إلى النزول في (خان الصعاليك ) وهو محل نزول الفقراء من الغرباء ، فدخل عليه صالح بن سعد وقال للإمام (عليه السلام) : جعلت فداك : في كل الأمور ارادوا إطفاء نورك والتقصير بك ، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع ؟ فأوما الإمام (عليه السلام) بيده فإذا بروضات أنقات وأنهار جاريات ، وجنات فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، فحار بصر صالح ، وكثر عجبه فقال الإمام (عليه السلام) له : ((هذا لنا يا بن سعد لسنا في خان الصعاليك)) .

ثم افرد المتوكل بعدئذٍ داراً للإمام (عليه السلام) فانتقل إليها ، وجعل اللعين ليلاً ونهاراً يسعى في إيذاء الإمام (عليه السلام) والعمل على تحقيره وتصغيره بين الناس ولكن دون جدوى ، حتى جعل يعمل التدابير والحيل لقتله (عليه السلام) إلا أنه لم يتيسر له ذلك ، وهكذا ظل دأبه مدة اربع سنين إلى أن كثرت وقاحته وزاد كفره ، وإظهار نصبه وعداوته علناً ، حتى دعا عليه الإمام الهادي (عليه السلام) فقتل في اليوم الثالث من دعائه (عليه السلام) ليلة الأربعاء لأربع خلون من شهر شوال سنة سبع وأربعين ومائتين للهجرة الشريفة علي يدي باغر التركي بمعاونة المنتصر ووصيف التركي ، وقتلا هو وخادمه الفتح بن خاقان اللذين كانا سكرانين ثملين ، وانتقل إلى مقره من جهنم وبئس المصير ، وكان ذلك في السنة السابعة والعشرين من إمامته (عليه السلام) .

وهكذا كان حال الملوك الذين تولوا الملك بعد المتوكل ، وقد نسب إلى كل الخلفاء الثلاثة الذين تولوا الملك بعده أنهم دسوا االسم للإمام (عليه السلام) ليتخلصوا منه ، وليس ذلك ببعيد عنهم .

ولكنهم كانوا أخف وطأة على الإمام وشيعته بسبب منازعاتهم الفقهية والفلسفية والكلامية مع المعتزلة وسواهم .

قصص من حياته(عليه السلام):

( حد الزاني النصراني )

قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحد. فأسلم. فقال يحيى بن أكثم : قد هدم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم: يفعل به كذا وكذا .

فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، وسؤاله عن ذلك .

فلمّا قرأ الكتاب كتب (عليه السلام): ((يضرب حتّى يموت)) .

فأنكر يحيى وأنكر فقهاء العسكر ذلك، فقالوا: ياأمير المؤمنين! سله عن ذلك، فانّه شيء لم ينطق به كتاب، ولم يجئ به سنة .

فكتب إليه: إن الفقهاء قد أنكروا هذا، وقالوا: لم يجئ به سنة ولم ينطق به كتاب، فبيّن لنا لِمَ أوجبت عليه الضرب حتّى يموت؟

فكتب (عليه السلام):بِسم الله الرَحمن الرَّحيم : (فَلّما رَأوا بَأسَنا قالُوا آمَنّا بِالله وَحدَهُ وَكَفَرنا بِما كُنّا بِهِ مُشرِكِينَ فَلَم يَكُ يَنفَعَهُم إيما نُهُم لَمّا رَأوا بَأسَنا).

فأمر به المتوكل فضرب حتّى مات .

ما حد المال الكثير؟

لما سُمَّ المتوكل، نذر لله إن رزقه الله العافية أن يتصدّق بمال كثير، فلمّا سلم وعوفي سأل الفقهاء عن حد (المال الكثير) كم يكون؟ فاختلفوا عليه. فقال بعضهم: (ألف درهم)، وقال بعضهم: (عشرة آلاف) درهم، وقال بعضهم: (مائة ألف) درهم فاشتبه عليه هذا.

فقال له الحسن حاجبه: إن أتيتك يا أميرالمؤمنين من الخلق برجل يخبرك الصّواب فمالي عندك؟

فقال المتوكّل: إن أتيت بالحقّ فلك عشرة آلاف درهم، وإلا أضربك مائة مقرعة.

قال الحاجب : قد رضيت، فأتى الإمام علي الهادي (عليه السلام) فسأله عن ذلك.

فقال له الإمام (عليه السلام): قل له: ((يتصدّق بثمانين درهما((ً. فرجع الحاجب إلى المتوكّل فأخبره

فقال المتوكل: سله ما العلّة في ذلك؟

فأتى الحاجب الإمام (عليه السلام) فسأله.

فقال الإمام(عليه اليسلام): إنّ الله عزّوجل قال لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلّم)): ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ) فعددنا مواطن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فبلغت ثمانين موطناً.

فرجع الحاجب الى المتوكل فأخبره، ففرح، وأعطاه عشرة آلاف درهم.

بشارة الامام علي الهادي(عليه السلام) للنصراني:

روى هبة الله بن أبي منصور الموصلي أنّه كان بديار ربيعة كاتب نصرانيّ وكان من اهل كفر توثا ـ قرية كبيرة من أعمال الجزيرة ـ يسمي يوسف بن يعقوب وكان بينه وبين والدي صداقة، قال: فوافى، فنزل عند والدي، فقال له: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: دعيت إلى حضرة المتوكل ولا أدري ما يراد منـّي إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، وقد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) معي، فقال له والدي: قد وفقت في هذا .

قال: وخرج الى حضرة المتوكل وانصرف الينا بعد أيامٍ قلائل فرحاً مستبشراً، فقال له والدي حدّ ثني حديثك، قال: صرت الى (سرّمن رأى) وما دخلتها قط، فنزلت في دارٍ وقلت أحبّ أن أوصل المائة الى ابن الرضا (عليه السلام) قبل مصيري الى باب المتوكل وقبل ان يعرف أحد قدومي، قال: فعرفت أنّ المتوكل قد منعه من الركوب وأنه ملازم لداره فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصرانيّ يسأل عن دار ابن الرضا لا آمن ان يبدر بي فيكون ذلك زيادة فيما احاذره.

قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد ولا أمنعه من حيث يذهب لعلّي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل احداً، قال: فجعلت الدنانير في قرطاسٍ وجعلتها في كمّي وركبت، فكان الحمار يتخرّق الشوارع والاسواق يمرّ حيث يشاء الى أن صرت الى باب دارٍ فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام:سل لمن هذه الدّارَ، فقيل: هذه دار إبن الرضا! فقلت: الله اكبر دلالة والله مقنعه.

قال: وإذا خادم أسود قد خرج، فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: إنزل. فنزلت، فاقعدني في الدّهليز. فدخل فقلت في نفسي : هذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الغلام اسمي وليس في هذا البلد من يعرفني ولادخلته قط .

قال : فخرج الخادم فقال: مائة دينار التي في كمّك في القرطاس هاتها! فناولته إيّاها، قلت: وهذه ثالثة. ثّم رجع إليّ وقال: أدخل. فدخلت اليه وهو في مجلسه وحده، فقال: ((يايوسف ما بان لك؟ فقـلـت يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى، فقال: هيهات انك لاتسلم ولكن سيسلم ولدك فلان، وهو من شيعتنا، يايوسف إنّ أقوامًا يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالكم، كذبوا والله إنها لتنفع امثالك! إمضِ فيما وافيت له فإنك سترى ما تحب))، قال: فمضيت الى باب المتوكّل فقلت كلّ ما أردت فانصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا ـ يعني بعد موت والده ـ والله وهو مسلم حسن التشيّع، فاخبرني أنّ أباه مات على النصرانيّة وأنـّه أسلم بعد موت أبيه، وكان يقول: أنا بشارة مولاي(عليه السلام).

شهادته عليه السلام :

استشهد الإمام الهادي (عليه السلام) في مدينة سر من رأى ، التي نقله إليها المتوكل - كما اسلفنا - والتي ابقاه هو وسلاطين بني العباس من بعده فيها عشرين سنة ليكون قريباً منهم ، خاضعاً لمراقبتهم ، بعيداً عن كل ما يحتمل أن يتحرك لطلب الخلافة له . ورغم ان الإمام (عليه السلام) كان في الواقع رهينة عندهم ، فإنهم لم يتوانوا عن العمل للتخلص منه نهائياً ، وينسب المورخون السبب استشاد الإمام الهادي (عليه السلام) إلى السم الذي دسه له المعتز الذي استشهد الإمام (عليه السلام) في السنة الثانية من عهده ( وينسب البعض إلى المستعين الذي كان قبل المعتز ، دس السم للإمام (عليه السلام) أيضاً ) بل إن البعض ينسب دس السم إلى المعتمد العباسي الذي تولى الخلافة بعد استشاد الإمام الإمام (عليه السلام) . أي أن المعتمد عمد إلى محاولة قتل الإمام (عليه السلام) قبل أن يصبح خليفة ، والمشهور أن المعتز هو الذي قتل الإمام (عليه السلام)

وقد كانت شهادته (عليه السلام) في الثالث من شهر رجب المرجب في السنة الرابعة والخمسين بعد المائتين من الهجرة النبوية المباركة ، ودفن (عليه السلام) في بيته ويقع على بعد 120كم شمال بغداد ، وله مزار عظيم تعلوه قبة ذهبية كبيرة

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أساليب القرآن للحث علی التکافل
دعاء ابی حمزة الثمالی
يا ليتَنا كنّا مَعكم
أولويات التغيير والمنظور الاسلامي
مقتل الحسين ( ع )
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
زيارة أم البنين عليها السلام
دعاء ادریس
الخصائص الحسنيّة (3)
أهمية التربية في الإسلام

 
user comment