في نزول القرآن
قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله إن القرآن نزل في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور ثم أنزل من البيت المعمور في مدت عشرين سنة إلى آخره. قال الشيخ المفيد رحمه الله الذي ذهب إليه أبو جعفر في هذا الباب أصله حديث واحد لا يوجب علما و لا عملا و نزول القرآن على الأسباب الحادثة حالا بحال يدل على خلاف ما تضمنه الحديث و ذلك أنه قد تضمن حكم ما حدث و ذكر ما جرى على وجهه و ذلك لا يكون على الحقيقة إلا
تصحيح الاعتقاد ص : 124
لحدوثه عند السبب أ لا ترى إلى قوله تعالى وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ و قوله وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ و هذا خبر عن ماض و لا يجوز أن يتقدم مخبره فيكون حينئذ جزاء عن ماض و هو لم يقع بل هو في المستقبل و أمثال ذلك في القرآن كثيرة. و قد جاء الخبر بذكر الظهار و سببه و أنها لما جادلت النبي ص في ذكر الظهار أنزل الله تعالى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها و هذه قصة كانت بالمدينة فكيف ينزل الله تعالى الوحي بها بمكة قبل الهجرة فيخبر بها أنها قد كانت و لم تكن و لو تتبعنا قصص القرآن لجاء مما ذكرناه كثير لا يتسع به المقال و فيما ذكرناه منه كفاية لذوي الألباب و ما أشبهه ما جاء به الحديث بمذهب المشبهة الذين زعموا أن الله سبحانه و تعالى لم يزل متكلما بالقرآن و مخبرا عما يكون بلفظ كان و قد رد عليهم أهل التوحيد بنحو ما ذكرناه. و قد يجوز في الخبر الوارد في نزول القرآن جملة في ليلة القدر بأن المراد أنه نزل جملة منه في ليلة القدر ثم تلاه ما نزل منه إلى وفاة النبي ص فأما أن يكون نزل بأسره و جميعه في ليلة القدر فهو بعيد مما يقتضيه ظاهر القرآن و المتواتر من الأخبار و إجماع العلماء على اختلافهم في الآراء
تصحيح الاعتقاد ص : 125
فصل
فأما قوله تعالى وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ففيه وجهان غير ما ذكره أبو جعفر و عول فيه على حديث شاذ. أحدهما أن الله تعالى نهاه عن التسرع إلى تأويل القرآن قبل الوحي إليه به و إن كان في الإمكان من جهة اللغة ما قالوه على مذهب أهل اللسان. و الوجه الآخر أن جبرئيل ع كان يوحي إليه بالقرآن فيتلوه معه
تصحيح الاعتقاد ص : 126
حرفا بحرف فأمره الله تعالى أن لا يفعل ذلك و يصغى إلى ما يأتيه به جبرئيل أو ينزله الله تعالى عليه بغير واسطة حتى يحصل الفراغ منه فإذا تم الوحي به تلاه و نطق به و قرأه. فأما ما ذكره المعول على الحديث من التأويل فبعيد لأنه لا وجه لنهي الله
تصحيح الاعتقاد ص : 127
تعالى له عن العجلة بالقرآن الذي هو في السماء الرابعة حتى يقضى إليه وحيه لأنه لم يكن محيطا علما بما في السماء الرابعة قبل الوحي به إليه فلا معنى لنهيه عما ليس في إمكانه اللهم إلا أن يقول قائل ذلك إنه كان محيطا علما بالقرآن المودع في السماء الرابعة فينتقض كلامه و مذهبه لأنه كان في السماء الرابعة لأن ما في صدر رسول الله ص و حفظه في الأرض فلا معنى لاختصاصه بالسماء و لو كان ما في حفظ رسول الله يوصف بأنه في السماء الرابعة خاصة لكان ما في حفظ غيره موصوفا بذلك و لا وجه يكون حينئذ لإضافته إلى السماء الرابعة و لا إلى السماء الأولى فضلا عن السماء الرابعة و من تأمل ما ذكرناه علم أن تأويل الآية على ما ذكره المتعلق بالحديث بعيد عن الصواب
تصحيح الاعتقاد ص : 128
source : دار العرفان/ تصحيح الاعتقاد