عربي
Tuesday 23rd of April 2024
0
نفر 0

في النفوس و الأرواح

في النفوس و الأرواح

في النفوس و الأرواح

قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله اعتقادنا في النفوس أنها هي الأرواح و أنها الخلق الأول و أنها خلقت للبقاء و أنها في الأرض غريبة و في الأبدان مسجونة. قال الشيخ أبو عبد الله كلام أبي جعفر في النفس و الروح على مذهب الحدس دون التحقيق و لو اقتصر على الأخبار و لم يتعاط ذكر معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه. قال الشيخ أبو عبد الله النفس عبارة عن معان أحدها ذات الشي‌ء و الثاني الدم السائل و الثالث النفس الذي هو الهواء و الرابع الهوى و ميل الطبع. فأما شاهد المعنى الأول فهو قولهم هذا نفس الشي‌ء أي ذاته و عينه‌ تصحيح‌ الاعتقاد ص : 80 و شاهد الثاني قولهم كلما كانت له نفس سائلة فحكمه كذا و كذا و شاهد الثالث قولهم فلان هلكت نفسه إذا انقطع نفسه و لم يبق في جسمه هواء يخرج من جوانبه و شاهد الرابع قول الله تعالى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ يعني الهوى داع إلى القبيح و قد يعبر بالنفس عن النقم قال الله تعالى وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ يريد به نقمه و عقابه فصل قال الشيخ المفيد و أما الروح فعبارة عن معان أحدها الحياة و الثاني القرآن و الثالث ملك من ملائكة الله تعالى و الرابع جبرئيل ع. فشاهد الأول قولهم كل ذي روح فحكمه كذا و كذا يريدون كل ذي حياة و قولهم في من مات قد خرجت منه الروح يعنون به الحياة و قولهم في الجنين صورة لم تلجه الروح يريدون لم تلجه الحياة. و شاهد الثاني قوله تعالى وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا يعني به القرآن. و شاهد الثالث قوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ الآية. و شاهد الرابع قوله تعالى قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ يعني جبرئيل ع. فأما ما ذكره الشيخ أبو جعفر و رواه أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد بألفي‌ تصحيح‌الاعتقاد ص : 81 عام فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف فهو حديث من أحاديث الآحاد و خبر من طرق الأفراد و له وجه غير ما ظنه من لا علم له بحقائق الأشياء و هو أن الله تعالى خلق الملائكة قبل البشر بألفي عام فما تعارف منها قبل خلق البشر ائتلف عند خلق البشر و ما لم يتعارف منها إذ ذاك اختلف بعد خلق البشر و ليس الأمر كما ظنه أصحاب التناسخ و دخلت الشبهة فيه على حشوية تصحيح ‌الاعتقاد ص : 82 الشيعة فتوهموا أن الذوات الفعالة المأمورة و المنهية كانت مخلوقة في الذر تصحيح ‌الاعتقاد ص : 83 تتعارف و تعقل و تفهم و تنطق ثم خلق الله لها أجسادا من بعد ذلك‌ تصحيح‌ الاعتقاد ص : 84 فركبها فيها و لو كان ذلك كذلك لكنا نعرف نحن ما كنا عليه و إذا تصحيح ‌الاعتقاد ص : 85 ذكرنا به ذكرناه و لا يخفى علينا الحال فيه أ لا ترى أن من نشأ ببلد من البلاد تصحيح‌ الاعتقاد ص : 86 فأقام فيه حولا ثم انتقل إلى غيره لم يذهب عنه علم ذلك و إن خفي عليه لسهوه عنه فذكر به ذكره و لو لا أن الأمر كذلك لجاز أن يولد إنسان منا ببغداد و ينشأ بها و يقيم عشرين سنة فيها ثم ينتقل إلى مصر آخر فينسى حاله ببغداد و لا يذكر منها شيئا و إن ذكر به و عدد عليه علامات حاله و مكانه و نشوئه أنكرها و هذا ما لا يذهب إليه عاقل و كذا ما كان ينبغي لمن لا معرفة له بحقائق الأمور تصحيح ‌الاعتقاد ص : 87 أن يتكلم فيها على خبط عشواء و الذي صرح به أبو جعفر رحمه الله في معنى الروح و النفس هو قول التناسخية بعينه من غير أن يعلم أنه قولهم فالجناية بذلك على نفسه و على غيره عظيمة. فأما ما ذكره من أن الأنفس باقية فعبارة مذمومة و لفظ يضاد ألفاظ القرآن. قال الله تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى‌ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ و الذي حكاه من ذلك و توهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أن الأنفس لا يلحقها الكون و الفساد و أنها باقية و إنما تفنى و تفسد الأجسام المركبة و إلى هذا ذهب بعض أصحاب التناسخ‌ تصحيح‌ لاعتقاد ص : 88 و زعموا أن الأنفس لم تزل تتكرر في الصور و الهياكل لم تحدث و لم تفن و لن تعدم و أنها باقية غير فانية و هذا من أخبث قول و أبعده من الصواب و بما دونه في الشناعة و الفساد شنع به الناصبة على الشيعة و نسبوهم إلى الزندقة و لو عرف مثبته ما فيه لما تعرض له لكن أصحابنا المتعلقين بالأخبار أصحاب سلامة و بعد ذهن و قلة فطنة يمرون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث و لا ينظرون في سندها و لا يفرقون بين حقها و باطلها و لا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها و لا يحصلون معاني ما يطلقونه منها. و الذي ثبت من الحديث في هذا الباب أن الأرواح بعد موت الأجساد على ضربين منها ما ينقل إلى الثواب و العقاب و منها ما يبطل فلا يشعر بثواب و لا عقاب. و قد روي عن الصادق ع ما ذكرناه في هذا المعنى و بيناه فسئل عمن مات في هذه الدار أين تكون روحه فقال ع من‌ تصحيح ‌الاعتقاد ص : 89 مات و هو ماحض للإيمان محضا أو ماحض للكفر محضا نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة و جوزي بأعماله إلى يوم القيامة فإذا بعث الله من في القبور أنشأ جسمه و رد روحه إلى جسده و حشره ليوفيه أعماله فالمؤمن تنتقل روحه من جسده إلى مثل جسده في الصورة فيجعل في جنة من جنان الله يتنعم فيها إلى يوم المآب و الكافر تنتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه فتجعل في نار فيعذب بها إلى يوم القيامة و شاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي و شاهد ما ذكرناه في الكافر قوله تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ فأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعد موته و قد أدخل الجنة يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ و أخبر أن كافرا يعذب بعد موته غدوا و عشيا و يوم تقوم الساعة يخلد في النار. و الضرب الآخر من يلهى عنه و تعدم نفسه عند فساد جسمه فلا يشعر بشي‌ء حتى يبعث و هو من لم يمحض الإيمان محضا و لا الكفر محضا. و قد بين الله تعالى ذلك عند قوله إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً فبين أن قوما عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتى يظن‌ تصحيح ‌الاعتقاد ص : 90 بعضهم أن ذلك كان عشرا و يظن بعضهم أن ذلك كان يوما و ليس يجوز أن يكون ذلك عن وصف من عذب إلى بعثه أو نعم إلى بعثه لأن من لم يزل منعما أو معذبا لا يجهل عليه حاله فيما عومل به و لا يلتبس عليه الأمر في بقائه بعد وفاته. و قد روي عن أبي عبد الله ع أنه قال إنما يسأل في قبره من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا فأما ما سوى هذين فإنه يلهى عنه و قال في الرجعة إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا فأما ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب تصحيح‌ الاعتقاد ص : 91 و قد اختلف أصحابنا رضي الله عنهم فيمن ينعم و يعذب بعد موته فقال بعضهم المعذب و المنعم هو الروح التي توجه إليها الأمر و النهي و التكليف و سموها جوهرا و قال آخرون بل الروح الحياة جعلت في جسد كجسده في دار الدنيا و كلا الأمرين يجوزان في العقل و الأظهر عندي قول من قال إنها الجوهر المخاطب و هو الذي يسميه الفلاسفة البسيط. و قد جاء في الحديث أن الأنبياء ص خاصة و الأئمة ع من بعدهم ينقلون بأجسادهم و أرواحهم من الأرض إلى السماء فيتنعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا و هذا خاص بحجج الله تعالى دون من سواهم من الناس. و قد روي عن النبي ص أنه قال من صلى علي عند قبري سمعته و من صلى علي من بعيد بلغته و قال ص من صلى علي مرة صليت عليه عشرا و من صلى علي عشرا صليت عليه مائة فليكثر امرؤ منكم الصلاة علي أو فليقل فبين أنه ص بعد خروجه من الدنيا يسمع الصلاة عليه و لا يكون كذلك إلا و هو حي عند الله تعالى و كذلك أئمة الهدى ع يسمعون سلام المسلم عليهم من قرب و يبلغهم سلامه من بعد و بذلك جاءت الآثار الصادقة عنهم ع. و قد قال الله تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ الآية و روي عن النبي ص أنه وقف على قليب بدر فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذ و قد ألقوا في القليب لقد كنتم جيران سوء لرسول الله أخرجتموه من منزله و طردتموه ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه فقد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقال له عمر يا رسول الله ما خطابك لهام قد صديت فقال له مه يا ابن الخطاب فو الله ما أنت بأسمع منهم و ما بينهم و بين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد إلا أن أعرض بوجهي هكذا عنهم تصحيح ‌الاعتقاد ص : 93 و عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع أنه ركب بعد انفصال الأمر من حرب البصرة فصار يتخلل بين الصفوف حتى مر على كعب بن سورة و كان هذا قاضي البصرة ولاه إياها عمر بن الخطاب فأقام بها قاضيا بين أهلها زمن عمر و عثمان فلما وقعت الفتنة بالبصرة علق في عنقه مصحفا و خرج بأهله و ولده يقاتل أمير المؤمنين فقتلوا بأجمعهم فوقف عليه أمير المؤمنين ع و هو صريع بين القتلى فقال أجلسوا كعب بن سورة فأجلس بين نفسين و قال له يا كعب بن سورة قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ثم قال أضجعوا كعبا و سار قليلا فمر بطلحة بن عبد الله صريعا فقال أجلسوا طلحة فأجلسوه فقال يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ثم قال أضجعوا طلحة فقال له رجل من أصحابه يا أمير المؤمنين ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك فقال مه يا رجل فو الله لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله ص و هذا من الأخبار الدالة على أن بعض من يموت ترد إليه روحه لتنعيمه أو لتعذيبه و ليس ذلك بعام في كل من يموت بل هو على ما بيناه تصحيح‌ الاعتقاد ص : 94 في المساءلة في القبر قال أبو جعفر اعتقادنا في المساءلة في القبر أنها حق. تصحيح ‌الاعتقاد ص : 99 قال أبو عبد الله الشيخ المفيد رضي الله عنه الذي ذكره أبو جعفر غير مفيد لما تصدق الحاجة إليه في المساءلة و الغرض منها و الذي يجب أن يذكر في هذا المعنى ما أنا مثبته إن شاء الله تعالى. جاءت الآثار الصحيحة عن النبي ص أن الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم عن أديانهم و ألفاظ الأخبار بذلك متقاربة فمنها أن ملكين لله تعالى يقال لهما ناكر و نكير ينزلان على الميت فيسألانه عن ربه و نبيه و دينه و إمامه فإن أجاب بالحق سلموه إلى ملائكة النعيم و إن ارتج عليه سلموه إلى ملائكة العذاب. و قيل في بعض الأخبار إن اسمي الملكين اللذين ينزلان على الكافر ناكر و نكير و اسمي الملكين اللذين ينزلان على المؤمن مبشر و بشير و قيل إنه إنما سمي ملكا الكافر ناكرا و نكيرا لأنه ينكر الحق و ينكر ما يأتيانه به و يكرهه و سمي ملكا المؤمن مبشرا و بشيرا لأنهما يبشرانه بالنعيم و يبشرانه من الله تعالى بالرضا و الثواب المقيم و أن هذين الاسمين ليسا بلقب لهما تصحيح ‌الاعتقاد ص : 100 و إنهما عبارة عن فعلهما. و هذه أمور يتقارب بعضها من بعض و لا تستحيل معانيها و الله سبحانه أعلم بحقيقة الأمر فيها و قد قلنا فيما سلف إنه إنما ينزل الملكان على من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا و من سوى هذين فيلهى عنه و بينا أن الخبر جاء بذلك فمن جهته قلنا فيه ما ذكرناه فصل و ليس ينزل الملكان إلا على حي و لا يسألان إلا من يفهم المساءلة و يعرف معناها و هذا يدل على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمساءلة و يديم حياته لنعيم إن كان يستحقه أو لعذاب إن كان يستحقه نعوذ بالله من سخطه و نسأله التوفيق لما يرضيه برحمته. و الغرض من نزول الملكين و مساءلتهما العبد أن الله تعالى يوكل بالعبد بعد موته ملائكة النعيم أو ملائكة العذاب و ليس للملائكة طريق إلى علم ما يستحقه العبد إلا بإعلام الله تعالى ذلك لهم فالملكان اللذان ينزلان على العبد أحدهما من ملائكة النعيم و الآخر من ملائكة العذاب فإذا هبطا لما وكلا به‌ تصحيح ‌الاعتقاد ص : 101 استفهما حال العبد بالمساءلة فإن أجاب بما يستحق به النعيم قام بذلك ملك النعيم و عرج عنه ملك العذاب و إن ظهرت فيه علامة استحقاقه العذاب وكل به ملك العذاب و عرج عنه ملك النعيم. و قد قيل إن الملائكة الموكلين بالنعيم و العذاب غير الملكين الموكلين بالمساءلة و إنما يعرف ملائكة النعيم و ملائكة العذاب ما يستحقه العبد من جهة ملكي المساءلة فإذا سألا العبد و ظهر منه ما يستحق به الجزاء تولى منه ذلك ملائكة الجزاء و عرج ملكا المساءلة إلى مكانهما من السماء و هذا كله جائز و لسنا نقطع بأحد دون صاحبه إذ الأخبار فيه متكافئة و العبارة لنا في معنى ما ذكرناه الوقف و التجويز فصل و إنما وكل الله تعالى ملائكة المساءلة و ملائكة العذاب و النعيم بالخلق تعبدا لهم بذلك كما وكل الكتبة من الملائكة بحفظ أعمال الخلق و كتبها و نسخها و رفعها تعبدا لهم بذلك و كما تعبد طائفة من الملائكة بحفظ بني آدم و طائفة منهم بإهلاك الأمم و طائفة بحمل العرش و طائفة بالطواف حول‌ تصحيح‌ الاعتقاد ص : 102 البيت المعمور و طائفة بالتسبيح و طائفة بالاستغفار للمؤمنين و طائفة بتنعيم أهل الجنة و طائفة بتعذيب أهل النار و تعبدهم بذلك ليثيبهم عليها و لم يتعبد الله الملائكة بذلك عبثا كما لم يتعبد البشر و الجن بما تبعدهم به لعبا بل تعبد الكل للجزاء و ما تقتضيه الحكمة من تعريفهم نفسه تعالى و التزامهم شكر النعمة عليهم. و قد كان الله تعالى قادرا على أن يفعل العذاب بمستحقه من غير واسطة و ينعم المطيع من غير واسطة لكنه سبحانه علق ذلك على الوسائط لما ذكرناه و بينا وجه الحكمة فيه و وصفناه و طريق مساءلة الملكين الأموات بعد خروجهم من الدنيا بالوفاة هو السمع و طريق العلم برد الحياة إليهم عند المساءلة هو العقل إذ لا يصح مساءلة الأموات و استخبار الجماد. و إنما يحسن الكلام للحي العاقل لما يكلم به و تقريره و إلزامه بما يقدر عليه مع أنه قد جاء في الخبر أن كل مسائل ترد إليه الحياة عند مساءلته ليفهم ما يقال له فالخبر بذلك يؤكد ما في العقل و لو لم يرد بذلك خبر لكفى حجة العقل فيه على ما بيناه تصحيح ‌الاعتقاد ص : 103 فصل فيما ذكر الشيخ أبو جعفر في العدل قال أبو جعفر باب الاعتقاد في العدل إلى آخره. قال الشيخ المفيد أبو عبد الله رحمه الله العدل هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه و الظلم هو منع الحقوق و الله تعالى عدل كريم جواد متفضل رحيم قد ضمن الجزاء على الأعمال و العوض على المبتدئ من الآلام و وعد التفضل بعد ذلك بزيادة من عنده. فقال تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‌ وَ زِيادَةٌ الآية فخبر أن للمحسنين الثواب المستحق و زيادة من عنده و قال مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى‌ إِلَّا مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ يريد أنه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه ثم ضمن بعد ذلك العفو و وعد بالغفران. تصحيح ‌الاعتقاد ص : 104 فقال سبحانه وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى‌ ظُلْمِهِمْ و قال سبحانه إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. و قال سبحانه قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا و الحق الذي للعبد هو ما جعله الله تعالى حقا له و اقتضاه جود الله و كرمه و إن كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النعم التي أسلفها حق لأنه تعالى ابتدأ خلقه بالنعم و أوجب عليهم بها الشكر و ليس أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى عليه بعمل و لا يشكره أحد إلا و هو مقصر بالشكر عن حق النعمة. و قد أجمع أهل القبلة على أن من قال إني وفيت جميع ما لله تعالى علي و كافأت نعمه بالشكر فهو ضال و أجمعوا على أنهم مقصرون عن حق الشكر و أن لله عليهم حقوقا لو مد في أعمارهم إلى آخر مدى الزمان لما وفوا لله سبحانه بما تصحيح‌ الاعتقاد ص : 105 له عليهم فدل ذلك على أن ما جعله حقا لهم فإنما جعله بفضله و جوده و كرمه. و لأن حال العامل الشاكر بخلاف حال من لا عمل له في العقول و ذلك أن الشاكر يستحق في العقول الحمد و من لا عمل له فليس في العقول له حمد و إذا ثبت الفضل بين العامل و من لا عمل له كان ما يجب في العقول من حمده هو الذي يحكم عليه بحقه و يشار إليه بذلك و إذا أوجبت العقول له مزية على من لا عمل له كان العدل من الله تعالى معاملته بما جعله في العقول له حقا. و قد أمر الله تعالى بالعدل و نهى عن الجور فقال تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ تصحيح ‌الاعتقاد ص : 106


source : دار العرفان/ تصحيح ‏الاعتقاد
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مدة حكم المهدي المنتظر
العمل الصالح
معالم " نهضة العلماء "
قصة استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه ...
زيارة السيد عبد العظيم الحسني علیه السلام
التوسل بأُم البنين عليها‌السلام
الحب بعد الأربعين
الامام محمد الباقر علیه السلام
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
آفّات التفسير الروائي

 
user comment