عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

نشأة نظام الاسلام السياسي

نشأة نظام الاسلام السياسي

1 - مميزات النظام السياسي الإسلامي
لا يختلف اثنان بأن نظام دولة النبي هو النظام السياسي الإسلامي الأمثل والمثال، وما يميزه عن غيره من الأنظمة هو:
اولا - أن رئيس الدولة معين من الله تعالى، وأنه هو وحده المخول ببيان المنظومة الحقوقية، بيانا قائما على الجزم واليقين.
ثانيا - أن التشريع في هذه الدولة اختصاص إلهي، بمعنى أن كافة القوانين النافذة في الدولة هي من صنع الله.
ثالثا - أن مهمة النبي ومن آمن معه هي إقناع الناس بقبول القيادة المعينة من الله، وبقبول القوانين التي سنها الله، والتعاون لتطبيق شرع الله تعالى، بدون زيادة ولا نقصان.
2 - النجاح الساحق
نجح النبي بتكوين شعب الدولة، وبإقناعه بقبول الشرع الإلهي والقيادة الإلهية للدولة، وتم نزول الشرع كله، وأعلن الله تعالى كمال الدين وتمام النعمة الإلهية، وتكونت الدولة الإسلامية المثلى، وقادها النبي عشر سنين، وألقت بسلطانها على كامل شبه الجزيرة العربية، ووحدتها ولأول مرة في تاريخ العرب وبلادهم.
وبعد ذلك أعلن النبي أنه ميت لا حالة، وأن حجته هي حجة الوداع، وأنه سيمرض، وسيموت في مرضه، وبنفس المقام أعلن أمام ماءة ألف حاج أو يزيدون أنه مولى وولي كل مؤمن، وصدقته الجموع الإسلامية على أنه المولى والولي والأولى من كل مؤمن بنفسه. بعد هذا التصديق أعلن بأمر من ربه (من كنت مولاه فهذا علي بن أبي طالب مولاه، فهو ولي المؤمنين من بعدي، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة من بعدي، وهو وليكم من بعدي).
وتزاحم الحاضرون بعد هذا الإعلان، وقدموا التهاني لعلي بن أبي طالب، وكان على رأس المهنئيين عمر بن الخطاب، وأبو بكر رضي الله عنهما، حيث قدموا له التهنئة بولايته على المؤمنين من بعد النبي، عندئذ نزل قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي).
ومن قبل هذا الموقف المشهود سماه النبي خليفة، وأعلنه خليفة من بعده، وسماه أمير المؤمنين وأعلنه أمير المؤمنين، وسماه سيد العرب وأعلنه سيدا للعرب، وسماه إماما وأعلنه إماما للمجتمع المؤمن.
3 - الترتيبات الإلهية
إعلان خلافة علي، وإمارته للمؤمنين، وإمامته للمسلمين، وولايته عليهم، وسيادته على العرب، لم تكن رأيا شخصيا من النبي، إنما هي ترتيبات إلهية لقيادة موكب الإيمان بعد موت النبي. فعلي بما وهبه الله من ملكات خاصة، وبما زقه النبي من علم خاص، هو المؤهل الوحيد لبيان المنظومة الحقوقية بيانا قائما على الجزم واليقين، فقد تربى في كنف النبي، وعاش وإياه تحت سقف واحد طوال حياة النبي، وصاحبه قبل النبوة وبعدها، وتزوج البتول الطاهرة ورزق منها الحسن والحسين وهما ذرية النبي، وهو ابن عبد مناف المكنى بأبي طالب، الذي حمى النبي وحمى دعوته، وربى النبي واحتضن دينه الحنيف، وهو فوق كل ذلك فارس الإسلام الأوحد، فكل شجاعة دون شجاعته، وكل قوة دون قوته، وكل دفاع دون دفاعه، وكل بلاء دون بلائه، وموقعه من النبي كموقع هارون من موسى إلا أن عليا ليس نبيا.
كل هذه الإمكانيات ما هي إلا من قبيل الإعدادات الإلهية لمرحلة ما بعد النبوة.
وقد وثقت كل ذلك في باب القيادة السياسية من كتابنا نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام، فليرجع إليها من أراد الوقوف على الأدلة.
4 - الإجمال والتفصيل
بنفس الموقف وبنفس المكان دل رسول الله الأمة على: ما إن تمسكت به لن تضل، كتاب الله وعترته أهل بيته، وبين للحاضرين أن العزيز الحميد أنبأه: بأنهما لن يفترقا ، فالهداية لا تدرك إلا بالاثنين معا، والضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بالاثنين معا، وبالإجماع فإن علي بن أبي طالب هو عميد أهل البيت، ولا خلاف بين أحد من أهل الملة بأن هذا الحديث الذي يسمى حديث الثقلين، من أصح الآثار، وأثبت السنن المحمدية، وأنه ضارب الجذور بمعناه بنفوس المسلمين، فالصلاة لا تصح دون أن تصلي على النبي وآله، ويتكرر التذكير بذلك خمس أوقات في اليوم فرضا مقضيا.
5 - البساطة والأحكام
الأمة مقتنعة بصواب الترتيبات الإلهية، فعندما ينتقل النبي إلى الرفيق الأعلى تشيعه الأمة مجتمعة بما يليق بجنابه المقدس، ثم تلتفت إلى إمام أهل البيت، فتقدم له التعزية، وتبايعه خليفة للنبي، وإماما للمسلمين، وأميرا للمؤمنين، ومبينا للدين، فتستقيم الأمور ولا يختلف اثنان عليه، فهو عميد أهل البيت، وابن عم النبي وزوج ابنته وهو الفارس الأوحد، وهو رباني هذه الأمة.
وهو بما أوتي من علم، قادر أن يتابع مسيرتي الدعوة والدولة من بعد النبي، فيحل ركن مقام ركن، ويحل الهادي محل النبي، ويقود الأمة إلى شاطئ الأمان، ويفتح أمام الجنس البشري أبواب الأمل والعدالة، ويستقر النظام، ويأخذ طابعا مؤسسيا يمكن الدفاع عنه وفق كل المعايير الشرعية والعقلية.
6 - ترك الترتيبات الإلهية وإيجاد ترتيبات وضعية
لم ترق الترتيبات الإلهية لبطون قريش، وكيفتها على أنها ترتيبات مجحفة، لم تأخذ بعين الاعتبار حقوق بطون قريش، وتؤدي بالنتيجة إلى الإجحاف. والسبب بهذا التكييف أن تلك البطون مسكونة بالصيغة السياسية الجاهلية التي سادت مكة المكرمة قبل شروق شمس الإسلام، تلك الصيغة القائمة أصلا على اقتسام مناصب الشرف السياسية، بحيث يختص كل بطن بمنصب من هذه المناصب، وبالكيفية التي تم الاتفاق عليها في حينه، وهي كيفية لا غالب فيها ولا مغلوب. ومع الأيام استقرت هذه الكيفية في الأذهان والقلوب، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من المعتقدات السياسية الجاهلية، بل إنها تحولت إلى قناعة مطلقة مستقرة تماما في العقل الباطني لبطون قريش، ومن هنا فلا ينبغي أن تعجب إذا قلنا أن هذه القناعة هي التي تفسر عناد بطون قريش بمقاومتها للدعوة المحمدية طوال 13 سنة، وهي وحدها التي تقف وراء حروب بطون قريش العدوانية ضد الإسلام ونبي الإسلام، ولم تستسلم تلك البطون إلا بعد 21 عاما من المقاومة الضارية لدعوة الإسلام ولدولة الإسلام، وبعد أن استفرغت جهدها بالكيد، وأحيط بها، وحوصرت في جزيرة من الشرك، وأغلقت بوجهها كل الأبواب، ولم يبق أمام هذه البطون إلا بابان: باب الدخول بالإسلام، أو باب الموت، فاختارت الدخول في الإسلام.
7 - تعليل موقف رواد الترتيبات الوضعية
منذ اللحظة الأولى التي بزغت فيها شمس الهداية الإلهية، وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد ضد نبوة ورسالة محمد بن عبد الله، لا حبا بالأصنام، فليس في الأصنام ما يحب، ولا كراهية بتعاليم الإسلام، لأنه ليس في هذه التعاليم ما تنفر منه الفطرة البشرية، أو يعافه العقل السليم، ولكنها كرهت كرها شديدا أن تكون النبوة في بني هاشم، فليس مقبولا أن يكون النبي من بني هاشم، لأن هذا ترجيح للهاشميين على بقية البطون، ونسف للصيغة السياسية الجاهلية، تلك الصيغة التي أشاعت الأمن والاستقرار بين البطون، وأكسبت كل البطون احترام العرب، وعندما فوجئت تلك البطون بإعلان نبوة محمد الهاشمي صعقت وجن جنونها، لأن هذا الإعلان هو نسف للصيغة، أو تعديل لصالح الهاشميين بدون موافقة البطون المشتركة بهذه الصيغة.
8 - المطلب الأساسي، ورفضه، وعاقبة الرفض
اجتمعت بطون قريش وطلبت من الهاشميين أن يسلموها محمدا لتقتله، أو يخلوا بين هذه البطون وبين محمد حتى تقتله، لأن ما يقوله محمد يمس مصالح هذه البطون الحيوية، كان هذا مطلب قريش عندما فشلت وسائلها الأخرى، وعندما أدركت تصميم النبي على مواصلة الدعوة الإسلامية!
ولأن الهاشميين تاج العرب، وخير بطن بالنص الشرعي، رفضوا بإباء وكبرياء هذا المطلب، وأعلنوا أنهم مع محمد، ولن يسمحوا لأحد من هذه البطون أن يمس شعرة واحدة منه.
عندئذ أجمعت البطون على حصر الهاشميين في شعب أبي طالب، وحاصرتهم ثلاث سنين، وضاقت الدنيا بما رحبت على الهاشميين، حتى اضطروا أن يأكلوا ورق الشجر من الجوع، واضطر أطفالهم أن يمصوا الرمال من العطش، ولكنهم لم يستسلموا!
وفشل الحصار، واستمرت الدعوة رغم مقاومة هذه البطون الضارية، ثم أجمعت تلك البطون على أن تشترك بقتل النبي، وأن يرميه رجالها بقوس واحدة، حتى لا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه، فيضيع بين تلك البطون!
وعندما حزمت أمرها ترك النبي مكة وهاجر إلى المدينة، ونجاه الله من شر تلك البطون ومكرها.
9 - الهاشميون تجاوزوا الحدود بميزان البطون
عندما استقر النبي في يثرب ورتب أموره بدأت الحرب المسلحة بين بطون قريش من جهة، وبين محمد والهاشميين ومن والاهم من جهة أخرى، وتألق نجم علي بن أبي طالب كفارس النبي الأوحد، وتألق نجم حمزة عم النبي، وخلال المعارك التي نشبت بين الطرفين قتل علي بن أبي طالب سادات هذه البطون، ونسب قتل هؤلاء السادات للهاشميين، فنمت بذور الحقد على بني هاشم، لأنهم قتلوا الأحباب، ومن قبل نمت وترعرعت بذور الحسد على بني هاشم، لأنهم اختصوا بالنبوة، وتفوقوا على تلك البطون بالأمجاد، فأجمعت البطون على الحسد لبني هاشم وأضمرت الحقد لهم.
10 - موقف البطون بعد انتصار النبوة
كل الأبواب قد أغلقت أمام بطون قريش إلا باب الإسلام، وكل وسائلها بالكيد والحرب قد تحطمت، ولم يبق إلا الموت أو الدخول في دين الله، فاختارت الدخول في دين الله، ولكن وهي مسكونة بقناعة الصيغة السياسية الجاهلية، ومقتنعة بأن اختيار النبي من بني هاشم وحدهم فيه إجحاف على البطون الأخرى، ولكن لا حيلة لهذه البطون بمقاومة النبوة الهاشمية أو إلغائها، كأن هذه النبوة قدر، فسلمت تلك البطون بنبوة محمد ورسالته، وأقبلت لتتفهم الدين الجديد وهي تحمل حسدا لبني هاشم، وحقدا عليهم، لأنهم قتلوا الأحبة، وعلى الأخص علي بن أبي طالب! وما فعلته هند بحمزة دليل قاطع على عمق هذا الحقد!!
وقد انصب هدف هذه البطون بالدرجة الأولى على تحجيم الدور الهاشمي، وإيجاد صيغة جديدة للتعايش مع الهاشميين في ظلال الدين الجديد.
هذا تفكير الأغلبية الساحقة من منتسبي بطون قريش.
وباختصار، فالذين أسلموا من بطون قريش أسلموا ونفوسهم مسكونة بهذه القناعة، ولئن استطاع الإسلام أن يوهن أركانها في نفوسهم، إلا أنهم لم يمكنوه من أن يجتث جذورها! ومع شيوع نبأ النبوة وصعودها واستقرارها نبتت فكرة الحسد لبني هاشم في نفوس تلك البطون، ونشأت كراهية تفضيل الله تعالى لهم على كل البطون، وتصورت البطون القريشية أنه ليس لهذا التفضيل ما يبرره.
لقد كانت هذه التصورات تنمو في قلوب بعض المسلمين في الخفاء، وتتربص الفرص للتعبير العلني والتواجد الواقعي كتوجه سياسي.
11 - خطة بطون قريش لمواجهة عصر ما بعد النبوة
اولا - بطون قريش تحلل الواقع في أواخر عهد النبوة، وتكتشف أن الإسلام قد انتشر انتشارا واسعا، وأن العرب قد توحدوا في ظلال دولة لأول مرة في التاريخ، وأن الجزيرة العربية قد دانت تماما لدولة النبي، وأن النبي قد بدأ يعد العدة ليواجه المسلمون عصر ما بعد النبوة، وكل الدلائل تشير بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) سيسلم قيادة هذا العصر لابن عمه، وزوج ابنته، وفارس الإسلام الأعظم، علي بن أبي طالب، فها هو يعلنه وليا للمؤمنين مجتمعين في غدير خم، ويعلنه وليا لكل مؤمن ومؤمنة، وها هو النبي يعلنه أميرا للمؤمنين، وخليفة من بعده، ويتوجه بتاج الولاية والإمامة والخلافة أمام جمع يزيد على ماءة ألف، ولم يكتف النبي بذلك بل أعلن ابنه الحسن إماما، وأعلن ابنه الحسين إماما، وأعلن أنهما ابناه، وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتاه من هذه الأمة، وأن الله جعل نسل كل نبي من صلبه وجعل نسل وذرية محمد من صلب علي.
ومن المثير للانتباه حسب تحليل هذه البطون أن آية المباهلة الواردة في القرآن الكريم، وتطبيقها العملي أمام الصحابة، حصرت الأبناء والنساء والأنفس بمحمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين فقط، وتلك إشارة ضوء صارخة تعكس نوايا النبي، وتعكس توجه الترتيبات الإلهية.
والأخطر من ذلك إعلان النبي أن من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله!
ليس هذا فحسب، بل إن النبي يعلن بأن البطن الهاشمي هو خير بطون الأرض، وأن بيت عبد المطلب هو خير بيوت بني البشر، ثم يضع الكساء على الأبناء والنساء والأنفس، ويتلو قول الله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ثم يعلن النبي بعد ذلك أن هؤلاء هم أهل بيته.
والأشد خطورة من الجميع أن النبي قد أعلن بأن الصدقات لا تجوز على آل محمد، وأن لهم حقا معلوما في موارد الدولة، وهو خمس الخمس.
ثم إن القرآن طلب من النبي أن يعلن بأنه لا يسأل الناس أجرا على هدايته لهم وإنقاذهم، إلا المودة في القربى... إلخ.
والأنكى من الجميع أن الصلاة عليهم جزء من الصلاة المفروضة!
أدركت بطون قريش ما يرمي له محمد، وفهمت توجه الترتيبات الإلهية، وأنه صار بحكم المؤكد أن قيادة عصر ما بعد النبوة ستكون في بني هاشم، وبالتحديد في علي الذي قتل الأحبة والسادات، ومن بعد علي ستكون في بنيه، فمن يتقدم عليهم وهم أبناء الرسول، ومن يحاربهم وهم ناصية بني هاشم، ومن يرفض الانقياد لهم وهم أبناء النبي، وإذا تحققت هذه النوايا والتوجهات، فمعنى ذلك أن الهاشميين قد أخذوا النبوة، وأخذوا الخلافة معا، أو جمعوا ما بين النبوة والخلافة، وبين الدين والملك معا، وهذا يعني أنهم قد أخذوا الشرف كله،واختصوا بالفخر كله، وحرموا منهما بطون قريش، وتلك والله كارثة برأيهم، الموت خير من مواجهتها أو العيش في ظلالها!!!!
13 - وسائل مواجهة الكارثة
أي مواجهة بين بطون قريش وبين محمد مكتوب عليها الفشل الذريع، فقد هزمها على صعيد الدولة مجتمعة، واستقطب حوله العرب، ودانت له الجزيرة، فالمواجهة بين البطون وبين محمد بهذه المرحلة كارثة محققة للبطون، فمحمد هو حبيب الجماهير، وهو بطلها، وهو نبيها، وهو حاكمها، وهو الرجل المدعوم بالعناية الإلهية، ورجالات البطون يستمدون فخرهم وشرفهم من موالاته، فتركوا فكرة المواجهة لأنها فاشلة في هذه المرحلة، وأن طريق المجد والملك الحقيقي هي في موالاة محمد وليس في معاداته.
وإذا كانت معاداة محمد قدرا، فلتكن معاداة منظمة لا تثير حفيظة الجموع الموالية لمحمد، والتي تراه بطلها الأوحد.
14 - الخطة المثلى لمواجهة عصر ما بعد النبوة
تفتقت عقلية بطون قريش عن خطة قبلية سياسية مثلى، تجمع بين الصيغة السياسية الجاهلية وبين نظام الإسلام السياسي، وتقوم على خلط الأوراق، وإعادة ترتيبها من جديد تحت إشراف رجالات البطون المسكونة أنفسهم بمرض الصيغة السياسية الجاهلية، لذلك وضعوا مجموعة من الأوراق لمواجهة الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة والالتفاف عليها.
15 - الورقة الأولى الخلاف العائلي
توصلت رجالات قريش إلى معادلة واقعية مفادها: أن كل البطون القريشية بما فيها البطن الهاشمي ينتمون لقريش، وبما أن محمدا من بني هاشم، وبما أن بني هاشم من قريش فمعنى ذلك أن محمدا من قريش، وأن قبيلة قريش هي عشيرته الوحيدة، والخلاف بين بطون قريش هو خلاف عائلي تماما.
فالهاشميون أولا وأخيرا هم بطن قريشي، وطالما أن محمدا من قريش، وطالما أن قريشا هم أهله وعشيرته، فهم أولى بميراثه وبسلطانه (الله أكبر من ينازعنا سلطان محمد ونحن أهله وعشيرته، إن العرب تأبى أن تولي الخلافة إلا من كانت النبوة فيهم) هذه هي عين الجملة التي استعملها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في سقيفة بني ساعدة. ومن هنا نشأت قاعدة أن الأئمة من قريش، لأن قريش عشيرة النبي، وتوطدت هذه القاعدة حتى نقلتها الأمة بالإجماع.
16 - الورقة الثانية حل الخلاف العائلي
الخلاف بين بطون قريش وبين بني هاشم هو خلاف عائلي، فالرسول محمد (منا ومنكم) على حد تعبير أبي بكر (رضي الله عنه) للعباس بن عبد المطلب، فالرسول من قريش والبطون كلها قريشية، والهاشميون هم أعدل الناس، وأكثرهم بعدا عن الظلم، فيجب حل الخلاف العائلي بين بني هاشم والبطون حلا عادلا. فالهاشميون اختصوا بالنبوة من دون بطون قريش، وبالنتيجة فالبطون لا تعترض إطلاقا على النبوة الهاشمية ولا تطالب بها، وتبارك بالإجماع لبني هاشم هذه النبوة، ولا ترغب تلك البطون بالإجماع بأي مشاركة في نبوة بني هاشم، وهذا حق وعدل. لكن أن البطون مثل بني هاشم ينتمون لقريش عشيرة النبي، فيجب أن ينالهم نصيب من تركة النبي، وتركة النبي تتلخص بكلمتين: النبوة والخلافة.
وحيث إن الهاشميين قد أخذوا النبوة وحدهم فيجب أن تتوزع بقية التركة وهي الخلافة على البطون، تتداولها في ما بينها وحدها، بدون مشاركة أي هاشمي.
بمعنى أن النبوة لبني هاشم على وجه التفرد والاختصاص، لا يشاركهم فيها أحد من البطون. وهي خالصة لهم. وأن الخلافة لبطون قريش تتداولها على وجه التفرد والاختصاص، لا يشاركهم فيها أحد من بني هاشم، وهي خالصة لهم.
17 - محاسن حل الخلاف العائلي
حل الخلاف بهذه الطريقة هو الحل الأمثل، لتجنب إجحاف بني هاشم، لأن جمع الهاشميين للخلافة مع النبوة يؤدي للإجحاف كما أكد ذلك عمر بن الخطاب وهذه القسمة هي الهدى والصواب، كما أكد ذلك عمر بن الخطاب أما الترتيبات الإلهية التي تعطي الهاشميين النبوة والخلافة فقد كرهتها قريش، وهي تؤدي لفرقة بطون قريش، كما أكد ذلك عمر بن الخطاب .
18 - الورقة الثالث عصب دم البطون
أرواح سادات بطون قريش التي أزهقت أثناء حرب النبي مع البطون، والتي سببت أكبر المعاناة لذوي القتلى، وتركت في قلوبهم جراحا لا تندمل، وأحقادا لا تزول، هي أرواح لم يقتلها النبي، إنما يتحمل مسؤوليتها علي بن أبي طالب، فهو الذي قتلهم فعلا بوصفه حامل رايات الرسول في كل المواقع، وبوصفه أقوى فرسان الإسلام على الإطلاق، فقد حصد سادات قريش حصدا، ومن ينسى حمزة ومن ينسى عبيد الله بن الحارث فقد قصم الثلاثة معا ظهر بني أمية، وهؤلاء الثلاثة هم من بني هاشم!
فإذا قبلت بطون قريش بزعامة بني هاشم، عندئذ يصبح الخصم وقاتل الأهل والأحبة هو الحكم والحاكم، وفي ذلك إثارة للأحقاد!
والحل الأمثل هو إبعاد الهاشميين عن مسرح الحدث السياسي، وعزلهم عزلا كاملا لغايات عصب دم البطون التي أريقت في الحروب الإيمانية، ولغايات فتح صفحة جديدة. برأي هذه البطون!!
19 - الورقة الرابعة اختراق المنظومة الحقوقية الإلهية
المشكلة الحقيقية أن مكانة أهل البيت الكرام، وقيادتهم للأمة، ومرجعيتهم موثقة وثابتة بالمنظومة الحقوقية الإلهية - القرآن الكريم والسنة، وإلغاء قيادة أهل البيت من بعد النبي ومكانتهم ومرجعيتهم ليس ميسورا، وهذا يستدعي تعديل نصوص المنظومة الحقوقية الإلهية، وهذا خارج عن طاقة البطون، خاصة القرآن الكريم!
والحل الأمثل بالنسبة لهذه البطون هو اختراق المنظومة الحقوقية الإلهية اختراقا لا يثير حفيظة!!!!
20 - اختراق القرآن الكريم
إذا كانت النصوص الشرعية التي تؤكد قيادة ومرجعية ومكانة أهل البيت الكرام واردة في القرآن الكريم، فلا يمكن اختراقها بالتبديل أو التغيير، لكن اختراق النصوص يتم عن طريق التأويل والتفسير، وحمل النص على عدة معان، وتضييع المقصود الشرعي من خلال التأويل والتفسير والحمل، ويمكن اعتبار هذه النصوص من قبيل المدح الذي لا يكسب الممدوح حقا، ولا يرتب له على الأمة التزاما.
وعند اللزوم يمكن التشكيك بمقاصد النصوص الشرعية، أو تصور عدة مقاصد لها!
فإذا ذكر ذاكر أن الله تعالى قد أذهب الرجس عن أهل البيت وطهرهم تطهيرا، جاءك الجواب سريعا، إن أهل البيت هم نساء النبي وحدهن، ومنهم من يتبرع بالمباهلة إذا كان أهل البيت غير نساء النبي!
وإذا قيل إن النبي لا يسأل أجرا إلا المودة في القربى، قيل: كل قريش قرابة النبي، بل كل العالم أقارب النبي، وهو جد التقي ولو كان عبدا حبشيا!
وإذا قيل: هم أهل الذكر، قيل لك: إن العلماء هم أهل الذكر، وهم ورثة الأنبياء!
وباختصار فلا تجد نصا في القرآن الكريم يتعلق بأهل البيت الكرام أو ببني هاشم، إلا وقد حضرت له البطون ومن والاها عشرات التفسيرات والتأويلات لإخراجه عن معناه الخاص بأهل البيت الكرام، ولا تجد فضلا اختص به أهل البيت الكرام إلا وقد أوجدت بطون قريش لرجالاتها فضلا يعادله عن طريق التفسير والتأويل!
ومع سيطرة البطون وإشرافها على وسائل الإعلام، وهيمنتها على الدولة الإسلامية خلطت كافة الأوراق حتى إذا أخرجت يدك لم تكد تراها.
ولكن الله الذي حفظ كتابه وتعهد بحفظه، جعل برزخا بين تأويلاتهم وبين النص، فالنص القرآني محتفظ بخصوصيته المطلقة، وهو يحفز بصورة مستمرة العقل البشري للعمل والتفكير.
21 - اختراق السنة
القرآن الكريم لا يمكن فهمه فهما قائما على الجزم واليقين إلا بواسطة مبين، فعدد الصلوات وكيفيتها مثلا بينها النبي، ومن هنا فإن قول النبي وفعله وتقريره نصوص لا بد منها لفهم القرآن وبيانه بيانا قائما على الجزم واليقين، ولا غنى إطلاقا للمسلمين عن سنة النبي بفروعها الثلاثة: القول والفعل والتقرير.
ولكن حتى يتم اختراق السنة النبوية والالتفاف على النصوص الشرعية المتعلقة بقيادة الدولة ومرجعية الأمة، وحتى تستقيم أمور الحاكم وتتوطد مرجعيته الواقعية على الأمة، رفع شعار (حسبنا كتاب الله) بمعنى أن القرآن وحده يكفي، ولا حاجة حتى لسنة النبي!!!!
والجدير بالذكر أن هذا الشعار رفع بمواجهة النبي نفسه عندما أراد أن يكتب وصيته للأمة، والذي رفع هذا في وجه النبي هو عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)!
وعندما توج أبو بكر رفع هذا الشعار رسميا، وتم حصر ما يمكن حصره من الأحاديث النبوية المكتوبة، وأمر أبو بكر بإحراقها! كما ذكر المتقي الهندي في كنز العمال ، وابن كثير في البداية والنهاية، والذهبي في تذكرة الحفاظ ، ومنعت رسميا رواية السنة أو كتابتها، لأن كتاب الله وحده يكفي!!(1)
ولم يختلف الأمر عندما تولى الخلافة عمر (رضي الله عنه)، فقد خطب يوما، وطلب من الناس أن يأتوه بالكتب التي فيها أحاديث رسول الله، ولما جاء الناس بهذه الكتب أمر بإحراقها، كما ذكر ابن سعد في مجلد 5 صفحة 188 من طبقاته، والخطيب في باب تقييد العلم!
وكتب إلى الأمصار يأمرهم بمحو أي شئ من أحاديث النبي! كما ذكر ابن عبد البر في جامع بيان العلم.
وأمر بإتلاف كتب الفرس ومحوها، ومحو كتب مكتبة الإسكندرية الشهيرة. راجع تاريخ ابن خلدون ، وكشف الظنون ، وفهرست ابن النديم ، لأن هدف الخلفاء نجاح شعار (حسبنا كتاب الله) نجاحا تاما.(2)
وقد فصلنا هذه الناحية تفصيلا كاملا، ووثقناها توثيقا مقبولا في الفصل الرابع من هذا الباب، فليرجع إليه من أراد التفصيل.
أما ما خرج عن دائرة المنع من السنة النبوية فيمكن تأويله رسميا تأويلا يخدم توجهات رجالات بطون قريش، فإذا روى راو قول رسول الله: تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، روى راو آخر: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي، وإذا قيل: إن عليا مولى كل مؤمن ومؤمنة. قيل: إن هذا من قبيل المدح، والله تعالى مولى الجميع.
وباختصار فمن الناحية الرسمية خرجت سنة النبي عمليا من دائرة الحكم والتأثير والنبي على فراش الموت، عندما رفعوا بوجهه وبمواجهته شعار (حسبنا كتاب الله) وهذه المواجهة من الثبوت بحيث لا يجادل فيها أحد، وقد رواها أصحاب الصحاح، وتناقلتها جموع من المسلمين يمتنع عقلا اجتماعهم على الكذب، ولم ينكرها أحد.
وهذا دليل قاطع على نجاح البطون باختراق السنة النبوية بفروعها الثلاثة، وتحييد هذه السنة، وقصر الصراع على البطون من جهة، وعلى الهاشميين من جهة أخرى.
22 - الورقة الخامسة: تدمير القاعدة الاقتصادية لبني هاشم وتتبيعهم للدولة
لقد حرم الله الصدقة على أهل البيت، وخصص لهم جزءا ثابتا من موارد الدولة، وهو خمس الخمس ليضمن لهم الاستقلال الاقتصادي وعدم التبعية الاقتصادية لأحد، لأنهم قيادة الأمة، وفرض هذا الحق في آية محكمة، ولما آلت الأمور إلى بطون قريش ألغوا هذا الحق تماما، وصار أهل البيت يسألون الحاكم عطاءه كما يسأله عامة الناس، ولم تكتف البطون بذلك، إنما أوجدت قاعدة (الأنبياء لا يورثون) فحرموا أهل البيت من تركة النبي، حتى أن العطاءات والمنح التي أعطاها النبي للمسلمين أو أقطعها لغير أهل البيت بقيت على حالها، أما المنح والعطاءات التي أعطاها النبي لأهل البيت، فقد صادرتها البطون! وقصة الزهراء وفدك، خير دليل على ذلك.
وهكذا تحطم الهاشميون من الناحية الاقتصادية، وتركوا عالة على الدولة، ورهناء من الناحية الاقتصادية بمشيئة الحاكم، إن شاء وصلهم، وإن شاء قطعهم.
23 - الورقة السادسة: الغالب له صلاحيات النبي
الفائز من البطون والقابض على مقاليد الأمور، أو الحاكم الغالب هو خليفة النبي، يتمتع عرفيا بكامل الصلاحيات التي يتمتع بها النبي، يعطي ويمنع، يخصص ويعمم، يرفع ويضع، تدين له الأمة بالطاعة، والخارج على طاعته خارج على الأمة وعلى شريعتها الإلهية، وله خصوصيات لم يتمتع بها النبي، فهو الذي يعين ولي عهده، مع أن النبي بإشاعة البطون لم يفعل ذلك! ويوصي أثناء مرضه، والنبي لم تتح له هذه الفرصة!
وسيرة الخليفة ملزمة لخلفه يمكنه أن يجتهد بأي أمر حتى ولو كان عكس سنة النبي! فإذا ساوى النبي بالعطاء يمكن للخليفة أن يفرق بالعطاء، وإذا أعطى النبي المؤلفة قلوبهم، يمكن للخليفة أن يعطي المؤلفة قلوبهم، أو يمنعهم سهمهم، مع أن هذا السهم ورد في آية محكمة!
لذلك لا ينبغي أن نتعجب إذا وجدنا من شيعة البطون من يقول: إن الخليفة أعظم من النبي، علنا وعلى مسمع من كل المسلمين!!
هذه الورقات الست هي وجوه لخطة محكمة، ساعدت على نجاح قسمة البطون القرشية، بحيث اختصت وحدها بالخلافة تتداولها في ما بينها لا يشاركها فيها هاشمي، واختص الهاشميون وبالتحديد أهل البيت بالنبوة لا يشاركهم فيها أحد من البطون، وأقامت نظاما سياسيا فريدا من نوعه أسقط الدولتين الأعظم، وكون أمة إسلامية كبيرة متميزة.
24 - الإمام علي يحلف بالله
حلف الإمام علي قائلا (والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلهم في حيزنا فكانوا كما قال الأول:
أدمت لعمري شربك المحض صابحا * وأكلك بالزبد المقشرة البجرا
ونحن وهبناك العلى ولم تكن * عليا وحطنا حولك الجرد والسمرا (3)
25 - نماذج من تفكير منظري البطون
قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في حديث طويل دار بينه وبين ابن عباس: يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد؟ قال ابن عباس: فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدري، فقال عمر:
كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.
قال ابن عباس: فقلت: إن تأذن في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت. قال عمر:
تكلم، فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها من حيث اختار الله لها، لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود. وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة فقال (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم).
إلى أن قال عمر لابن عباس: بلغني أنك تقول حرفوها عنا (أي الخلافة) حسدا وبغيا وظلما؟ قال ابن عباس: فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسدا، فإن آدم حسد ونحن ولده المحسودون. فقال عمر : هيهات، هيهات، أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول.
قال ابن عباس: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا! (4)
26 - نموذج آخر على طريقة منظري البطون
روى المسعودي في كتابه مروج الذهب حديثا جرى بين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وبين ابن عباس، فقال: ذكر عبد الله بن عباس أن عمر أرسل إليه فقال: يا بن عباس إن عامل حمص قد هلك وكان من أهل الخير، وأهل الخير قليل، وقد رجوت أن تكون منهم وفي قلبي منك شئ، وأعياني ذلك فما رأيك في العمل؟ قال ابن عباس: لن أعمل حتى تخبرني بالذي في نفسك. قال عمر: وما تريد إلا ذلك؟ قال ابن عباس: أريده فإن يك شيئا أخاف منه على نفسي خشيت منه عليها الذي خشيت، وإن كنت بريئا من مثله علمت أني لست من أهله فقبلت عملك هنالك، فإني قلما رأيتك طلبت شيئا إلا عاجلته.
فقال عمر: يا ابن عباس إني خشيت أن يأتي علي الذي هو (يعني موته) وأنت في عملك، فتقول هلم إلينا ولا هلم إليكم دون غيركم. إني رأيت رسول الله استعمل الناس وترككم!
قال ابن عباس: والله قد رأيت من ذلك فلم تراه فعل ذلك؟ قال عمر: والله ما أدري أخلى بكم عن العمل فأهل ذلك أنتم، أو خشي أن تبايعوا بمنزلتكم منه!...
ولا بد من عتاب وقد فرغت لك من ذلك فما رأيك؟
قال ابن عباس: أرى أن لا أعمل لك. قال ولم لا؟ قلت: إن عملت لك وفي نفسك ما فيها، لم أبرح قذى في عينك. قال: فأشر علي. قلت: إني أرى أن تستعمل صحيحا منك صحيحا لك.
فأنت ترى أنه من فرط حب عمر لمصلحة المسلمين، ومن فرط كراهيته أن يجمع الهاشميون النبوة مع الخلافة، يريد حتى بعد موته أن يتأكد بأن أحدا لن يدعو لبني هاشم، وبالتالي أنهم لن يحكموا أمة محمد!!!
27 - البطون لم تكن غافلة عن غاياتها أثناء حياة النبي
جاء في سنن الدارمي وفي سنن أبي داود ، وفي مسند أحمد وفي مستدرك الحاكم ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله قول عبد الله بن عمرو بن العاص:
كنت أكتب كل شئ سمعته من رسول الله فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شئ سمعته من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله، فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال (أكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق).
فمن هي قريش التي تنهى عبد الله بن عمرو عن كتابة أحاديث رسول الله؟!(5)
فقريش تتألف من 25 بطنا كما ذكر المسعودي في مروجه مجلد 2 صفحة 291 فهل يعقل أن أفراد البطون القريشية ال‍ 25 هم الذين نهوا عبد الله بن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول؟
إن الذين نهوا عبد الله بن عمرو عن كتابة أحاديث رسول الله هم قادة البطون الذين آمنوا بقسمة (النبوة لبني هاشم والخلافة للبطون) وهم أنفسهم الذين منعوا رواية وكتابة أحاديث رسول الله بعد موته، ولم يكتفوا بذلك، إنما حرقوا ما كان مكتوبا من تلك الأحاديث عندما تولوا قيادة الأمة، وذلك بحجة ظاهرية مفادها أن الرسول بشر، مفطور على التكلم بالغضب والرضا، ويريد قادة البطون أن يضعوا كلام الرسول تحت مجهرهم الخاص، فما قدروا أنه مقبول فلا بأس من كتابته، وما قدروا أنه غير مقبول، فلا يجوز أن يكتب! وهم أنفسهم الحكام على تقييم صحة وعدم صحة ما يقوله الرسول؟!!
28 - التشكيك بشخصية الرسول وقوله
ذكر البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات - باب قول النبي من آذيته، ومسلم في صحيحه كتاب - البر والصلة - باب من لعنه النبي وليس له أهلا، ما يلي وبالحرف (إن رسول الله كان يغضب فيلعن ويسب ويؤذي من لا يستحقها، ودعا الله أن يجعلها لمن بدرت منه إليه زكاة وطهورا)!!
بهذه البساطة يحاول قادة البطون ومن شايعهم أن يجردوا رسول الله من أعظم صفاته وهي الخلق العظيم، تلك الصفة الثابتة بآيات محكمات، وبنفس الوقت يحاول قادة البطون أن يجردوا رسول الله من أعظم لوازم رسالته، وهو أنه رسول الله لا يتقول، ولا ينطق عن الهوى!!
فأي إنسان عادي يترفع عن سب وشتم وإيذاء الناس بدون حق، فكيف بنبي!!
29 - ما هو القصد من هذه الإشاعة؟
الثابت أن رسول الله لعن مروان بن الحكم بن العاص، ولعن ما في صلبه، لمعصيتهم لله ورسوله، ومروان هذا وما في صلبه هم الذين قادوا دولة الإسلام ردحا طويلا من الزمن لأنهم غلبوا!
كيف يتقبل المسلم العادي أن يكون إمامه ملعونا من نبيه؟ وأن يسمع ويطيع لملعون؟ لذلك حملوا مسؤولية اللعن لرسول الله وأنه قد ارتكب بذلك معصية! فقد سب ولعن وآذى مروان بن الحكم وأبا سفيان ومعاوية وهم لا يستحقون ذلك!!
لذلك كفر النبي عن ذنبه وألحق هؤلاء الأبرار بدعوة خاصة، ليجعل الله لعنه لهم وسبه إياهم زكاة وطهورا لهم، وخيل للسذج أن الله قد استجاب هذه الدعوة، فزكى الله مروان وذريته وطهرهم، وزكى أبا سفيان ومعاوية وذريتهما وطهرهم! والثابت أيضا أن النبي قد لعن من تخلف عن بعث أسامة، وأبو بكر وعمر تخلفا!
30 - امتياز
وهكذا وبقدرة قادر انقلب الذين لعنهم رسول الله بمعصيتهم إلى أناس مزكين مطهرين، ورفعوا فوق منزلة أهل البيت الكرام، فأهل البيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، بينما مروان وذريته وأبا سفيان ومعاوية وذريتهما زكاهم الله وطهرهم تطهيرا، فامتازوا بالتزكية فوق الطهر!!
31 - وحتى لا يكون في صدر العامة حرج
فقد روى البخاري في كتاب بدء الخلق - باب صفة إبليس وجنوده وكتاب الطب - باب هل يستخرج السحر، وباب السحر وكتاب الأدب - باب إن الله يأمر بالعدل، وكتاب الدعوات - باب تكرير الدعاء، وروى مسلم في صحيحه باب السحر ما يلي وبالحرف (إن بعض اليهود سحروا رسول الله حتى يخيل إليه أنه يفعل الشئ وما يفعله)!!
وروى البخاري في صحيحه - باب قول الله (وصل عليهم) وكتاب الشهادات - باب شهادة الأعمى ونكاحه، وروى مسلم في صحيحه - كتاب فضائل القرآن الكريم - باب الأمر بتعهد القرآن عن عائشة، ما يلي وبالحرف (إن النبي سمع رجلا يقرأ في المسجد فقال: رحمه الله أذكرني كذا وكذا، آية أسقطتها من سورة كذا)!!
وروى البخاري في صحيحه ، وأحمد في مسنده ما يلي وبالحرف (إن رسول الله قبل أن ينزل عليه الوحي قدم إلى زيد بن عمرو بن نفيل - ابن عم عمر بن الخطاب - سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد للنبي: أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه.(6)
وروى مسلم في صحيحه كتاب الفضائل - باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره من معايش الناس، وروى ابن ماجة في باب تلقيح النخل ما يلي وبالحرف (أن رسول الله مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تلقحوها لصلح، فتركوا تلقيحها فخرج سيصا، فقال: أنتم أعلم بشؤون دنياكم!!
لاحظ منهجية صحيح مسلم في إخراج هذا الحديث إذ ذكره تحت عنوان (وجوب امتثال ما قاله الرسول شرعا، دون ما ذكره من معايش الناس) أي ما يتعلق بشؤون الدنيا لا يتوجب الامتثال به!!
فرسول الله كأنه ترك أمر الناس للناس، لأن أحكامه بها ليست صحيحة! كما أشاعوا لذلك أنه خلى على الناس أمرهم!
وهكذا صوروا الرسول الكريم بمثل هذه الصور المؤذية، وشككوا به وبكل ما قاله، لغاية في نفس يعقوب، وسترى بعد قليل كما رأيت من قبل أنهم تصوروا أن الرسول لا يؤمن حتى على كتابة وصيته!!
من أجل هذا منعوا رواية وكتابة أحاديثه 95 سنة كما أثبتناه، وبعد مضي 95 سنة أباحوا الرواية والكتابة! ولولا أئمة أهل البيت الكرام لاندثرت السنة الطاهرة.
المصادر :
1- كنز العمال مجلد 5 صفحة 237 والذهبي في تذكرة الحفاظ مجلد 1 صفحة 5
2- تاريخ ابن خلدون مجلد 1 صفحة 32، وكشف الظنون مجلد 1 صفحة 446، وفهرست ابن النديم في صفحة 334
3- المجلد الأول شرح النهج صفحة 404 - تحقيق: حسن تميم.
4- الكامل في التاريخ لابن الأثير مجلد 3 صفحة 24 / شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد مجلد 2.
5- سنن الدارمي مجلد 1 صفحة 125 وفي سنن أبي داود - باب كتابة العلم مجلد 2 صفحة 126، وفي مسند أحمد مجلد 2 صفحة 162 و 207 و 216، وفي مستدرك الحاكم مجلد 1 صفحة 105 - 106، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله مجلد 1 صفحة 85 .
6- البخاري في صحيحه مجلد 3 صفحة 207، وأحمد في مسنده مجلد 2 صفحة 69 و 86.

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

صلاة ألف ركعة
العلاقة بين المصحف العلوي والقرآن المتداول اليوم
في رحاب نهج البلاغة – الأول
حد الفقر الذی یجوز معه اخذ الزکاة
ومن وصيّة له لولده الحسن (عليهما السلام): [يذكر ...
شبهات حول المهدي
الدفن في البقيع
ليلة القدر خصائصها وأسرارها
آداب الزوجین
مفاتيح الجنان(600_700)

 
user comment