عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

الکمالات في القرآن

الکمالات في القرآن

التقرب الی الله سبحانه وتعالی هو معیار العمل والسعي للوصول الی الکمال و التقوى معيار الكمال وحصن المؤمن حيث انه في القرآن الكريم هناك أساس هو معيار الكمال ، وتوزن سائر الكمالات في ضوء ذلك الاساس وهو ، التقرب إلى الله ، الذي ذكر بعنوان التقوى .
الإنسان المتقي لديه وقاية ، الإنسان المتقي مسلح بدرع ، التقوى التي تعطي الإنسان رؤية عرفانية ، الإنسان المتقي لا يذنب ، والرؤية الكونية للإنسان المتقي تحفظ هذا الدرع كاملاً في المحل المناسب في اتجاهه الخاص ، فإذا رآى خيراً في العالم يوجه الدرع فوراً لنفسه لكي لا يسند الخير إليه بل يرتبط بالله مباشرة ، حتى يتضح أن هذا العمل ، هو عمل الله ، وإذا ظهر شر وآفة وضرر في العالم هذا يوجه الدرع مباشرة نحو الله لئلا يسند هذا الشر والسوء والقبح والضرر والآفة إلى الله .
فرق الخير والشر في الانتساب إلى الله :
سورة النساء تبين أمر المتقين :
( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً * ، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلتك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً ) (1) .
أي : رغم ان الخيرات والشرور كلها من عند الله ، وجذورها التكوينية من الله ، ولكن فرق الخير والشر هو أن الخير ( من عند الله ) وكذلك ( من الله ) ، أما المصيبة والشر فهي ( من عند الله ) ولكن ليست ( من الله ) .
إذا كان الشخص متقياً يعطيه بيده وقاية ودرع نظرة كونية جيدة مثل بستاني ماهر يسعى ويجهد من أجل تنمية الورود وفي يده حاجز حديدي كلما وجد ماء عذباً ومناسباً لا يسمح للأوساخ ان تذهب ويسد الطريق حتى يسقي الورد هذا الماء العذب والشفاف والزلال ، وكلما جاء ماء مالح ومر ومضر يضع الحاجز الحديدي باتجاه الورود ولا يسمح بأن يصل الماء المالح أو الماء الملوث والطيني إلى بستانه ، المتقون لهم في رعاية مزارعهم نفس هذا العمل الذي للبستاني الماهر في رعاية الورود ، أي أن البستاني المتقي في يده قفل الماء ، وعندما يصله ماء حلال هو سهمه يحفظه من التوسخ والتلوث ، ولا يسمح أن يصرف الماء الحلال والمباح بلا فائدة ويضع الحاجز حتى لا يذهب إلى محل آخر ويصب في مزرعته ومرتعه فقط ، وإذا وصله ماء هو سهم الآخرين وليس مباحاً وحلالاً له ، يضع قفل الماء هذا حاجزاً ولا يسمح بان يجري في بستانه ، ويسعى ان يذهب هذا الماء الذي هو سهم الآخرين إلى مزارعهم .
الإنسان ، سواء في تغذية الورود ـ في المسائل الطبيعية ـ أو في تغذية مزرعته ؛ في مسائل الحلال والحرام ـ في يده قفل ماء وهذا القفل هو الوقاية الذي هو درعه ، والإنسان صاحب الرؤية الكونية مسلح بهذا الدرع التوحيدي ، وعندما يرى خيراً . فضيلة ، بركة ، رحمة ، نعمة ، ونجاحاً يجعل هذا الدرع فوراً حائلاً ؛ لئلا تعتبر هذه الخيرات والبركات ناجمة من نفسه ولئلا يصبح مغروراً ويقول إنني أصبحت مصدر حدوث هذه الخيرات والبركات ، أو أنني الذي صمت في شهر رمضان وقمت بالعبادات في النهار والأدعية في الليل وأمثال ذلك ؛ لأنه ( ما أصابك من حسنة فمن الله ) .
وإذا تعرض إلى ضرر ، آفة ، معصية ، فشل ، حرمان وأمثال ذلك يوجه هذا الدرع فوراً نحو الله لئلا تسند هذه المصيبة والآفة إلى الله ، بل ينسبها إلى نفسه ويقول : أنا الذي لم أكن أهلاً للنجاح . وهذه تسمى التقوى ، التقوى ليست في أن لا يذنب الإنسان ، لا يكذب ، هذه أعمال ابتدائية ويقال للمسلم في الصف الأول والثاني : لا تنظر إلى غير المحرم ، لا تكذب لا تغتب ، والتي هي من المسائل الابتدائية والأولية في الدين ، ويجب أن لا يقال للشخص الذي ارتفع سنه وتعرف على هذه المسائل الإسلامية عدة سنوات ، لا تكذب ، لا تغتب لا تنظر إلى غير المحرم وأمثال ذلك .
إن هذه صغيرة للشخص الذي هو من أهل الطريق ، يجب أن يصل إلى حد يصبح فيه من أهل التقوى أي أن يمتلك وقاية ودرعاً في اليد ، وتكون رؤيته الكونية رؤية كونية واعية ، وهذا المعنى تعلمه للناس الأدعية وخاصة أدعية شهر رمضان المبارك وفي هذا التدرع الذي هو رؤية كونية عرفانية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، بل إن المناجاة والدموع والأنين التي هي رأسمال وسلاح هذا الطريق لدى النساء أقوى من الرجال .
سلاح المؤمن في الجهاد الأكبر :
اتضح في بحوث أخرى ان الشخص إذا أراد ان يحارب عدواً خارجياً يجب أن يستفيد من الحديد ، من الدبابة ، ولكن إذا أراد ان يحارب العدو الداخلي يجب ان يستفيد من ( الآه ) وليس من الحديد . يجب الاستفادة من ( الآه ) في مكافحة الهوى ؛ لأن الحديد لا يستطيع ان يعمل في ذلك المكان . الإنسان الذي يجلس على دبابة أو مقاتلة أخرى حديدية الهيكل لا يستطيع ان يحارب الهوى ، بل إن الشخص الذي يعيش إلى جانب الدعاء والمناجاة ، هو مسلح حيث ورد في دعاء كميل :
« وسلاحة البكاء » (2) .
أي ان أسلحة الإنسان في محاربة العدو الداخلي ، في جبهة الجهاد الأكبر هي الآه وليس الحديد ، البكاء وليس السيف ، والسلاح الحاد والمفيد في الجهاد الأكبر هو تهذيب النفس والأنين ، وهذه الأسلحة لدى النساء أكثر من الرجال .
في طريق تهذيب النفس سلح الله سبحانه النساء أكثر من الرجال ، لأن البكاء له مبادىء ، الأنين و البكاء ليس في كل شخص ، كثير يجلسون في مجالس عزاء سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام ، ولكن ليس لديهم ذلك الفن والإدراك في أن يبكوا ، وعلى فرض ان لديهم إدراكاً ، فان رقة القلب ليست فيهم ، حيث أن تحصيل رقة القلب ، ليس عمل كل شخص وليست الفضيلة التي يحظى بها كل شخص ، على هذا فرأسمال الجهاد الأكبر هو البكاء . ( وسلاحه البكاء ) وهذا السلاح المفيد أعطاه الله تعالى للجميع ، ولكن النساء اكثر تسلحاً من الرجال ، الشخص الذي ينكسر قلبه بسرعة ويبكي ، لماذا لا يئن في طريق تهذيب النفس .
في دعاء ابي حمزة الثمالي الذي هو من أكثر أدعية شهر رمضان المبارك تفضيلاً ، يدعو الإمام السجاد عليه السلام الله تعالى ( وأعني بالبكاء على نفسي ) (3) .
أعني أن أفهم أفضل وأئن أفضل ، أعني أذا انتهت دموعي بأن تخرج الدموع مرة ثانية ؛ لأن الأنين هو السلاح الوحيد في الجهاد الأكبر ، وهذا الأنين لدى النساء أفضل من الرجال ، في أية آية قرآنية وفي أية رواية جاء أن الرئاسة أو قيادة القوات المسلحة وأمثال ذلك يؤدي إلى الدخول إلى الجنة ، هذه هي أعمال تنفيذية هي وظيفة ، هي أمانة وليست طعمة ، فإذا لم تكن المرأة متواجدة في الأقسام المختلفة للأعمال التنفيذية أو مسائل الجبهة والجهاد والأقسام العسكرية ، لم يدل ذل على أن يكون سهماً أقل من الرجل في التقرب إلى الله .
بناء على هذا يجب أن تكون النساء عارفات بالحق ؛ لأن الله أعطى هذا السلاح لهن أكثر من الرجال ، كل ما في الأمر أنه يجب عليهن صرف هذا في محله .
البكاء في محلة :
أحياناً يحمل شخص سيفاً في يده ولكنه يضرب به صخرة ، في حين أن هذا السيف الحاد يجب أن يضرب به العدو ، أحياناً أيضاً يبكي شخص ، ولكنه يبكي من أجل الدنيا ، قلبه رقيق ومن أهل الأنين والبكاء ، ولكنه يئن في غير محله ، التعاليم الدينية من أجل أن يستعمل الإنسان هذا السلاح في محله .
يقول للرجال : هيئوا أسلحة واستعملوا الأسلحة في محلها ، ويقول للنساء : إن الله اعطاكن أسلحة ، غاية ما في الأمر استعملنها في محلها . يجب أن يتحمل الرجال مشقتين والمرأة مشقة واحدة ، مثل بلد غير مسلح في الحرب ويقال له اكتفي وهيّىء أسلحة ، ثم استعلمها في محلها ، ولكن لا يقال للبلدان التي وصلت حد الاكتفاء الذاتي في انتاج السلاح أن تتسلح ، بل يقال لديك سلاح ولكن استعمليه في محله .
من هنا يقول الإمام السجاد عليه السلام : ( فما لي لا أبكي ، أبكي لخروج نفسي ، أبكي لظلمة قبري ، أبكي لضيق لحدي » (4) .
فيتضح ان الإنسان ما لم يبك لا ينجو ، وهذا البكاء هو سلاح الإنسان أيضاً ، وهذا السلاح اعطاه الله للجميع ، ولكن اعطاه النساء أكثر من الرجال ، وقال لهن ان يستعملن هذا السلاح في محله .
فنحن عندما نلاحظ ان الإمام السجاد عليه السلام يسأل من الله توفيق البكاء ويدعو الله أن يعينه بالبكاء على نفسه ، فسر ذلك هو أننا نواجه عدواً أقوى ، عدواً في نفس الدار ، وهو الهوى ، ومن أجل أن يتضح هل ننتصر في هذه الحرب أم نخسر ، يجب أن يكون كل كلام يقوله الناطق باسمنا معياراً لنا ، الفم هو ناطق باسمنا ، إذا قال شخص انني اعمل ما أريد ، وأقول كل ما أريد ، يتضح أنه فشل وأسر ، كيف يكون الإنسان عبد الله ، ثم يقول : انني اعمل ما أريد ، وأقول ما أريد ، هذا الذي يتكلم هو الشيطان وهو ناطق باسم الشيطان .
ولكن الإنسان إذا وصل إلى درجة بحيث يقول : كل ما أراده الله ، أقوله ، واطيع كل ما أراد الله . يجب أن يكون شاكراً ؛ لأنه ناطق باسم الملائكة والأنين لازم من أجل الانتصار في جبهة الجهاد الأكبر ، القوة لا تفيد شخصاً ، فهي خارج حدود القلب والحرب ، هي في داخل القلب ، والقبضة القوية والأموال والمقام ليست لها علاقة بميدان القلب والنفس ، في مكان تقع حرب ، وهو لديه مقام في مكان آخر ، هذا ليس قابلاً للطرح أساساً ، الحرب في القلب يلزمها سلاح واحد وهو انكسار القلب في محضر الله ، وفي هذا السلاح ، النساء أنجح من الرجال ؛ يجب أن تجرب النساء عدة أيام ويقطعن هذا الطريق حتى ترى ان بأمكانهن ان يكن أسوة للمجتمع .
وفي البحوث السابقة اتضح أيضاً ان منطق القرآن هو ان المرأة الجيدة هي نموذج للناس الجيدين وليس فقط نموذجاً للنساء .
التقرب إلى الله أساس سائر الكمالات :
كل كمال يذكره الله تعالى في القرآن ، يعتبره فرع تقرب إلى الله . حتى العلم ، حتى الفقه والأصول ، التفسير ، الفلسفة والعرفان التي هي من أفضل العلوم الإسلامية ، يعتبرها فرع تقرب إلى الله .
هل العلم نفسه هو كمال وهل القرآن الكريم الذي يعتبر العالم أفضل من الجاهل ويقول : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (5) .
يبين أصلاً من أصول دستور الدين أم هو ملحق لأصل لآخر ؟ في الجواب يجب القول : إن هذا ليس أصلاً ، بل هو ملحق ، الفرق بين الأصل والملحق هو أن الأصل مستقل والملحق يكتب في آخر الأصل .
في إحدى آيات سورة الزمر هناك أصل وملحق الأصل هو الأنين والضجة والتقوى والبكاء والعبودية في محضر الله تعالى ، وذيل هذا الأصل ، هي مسألة العلم .
( أمنّ هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) (6) .
والقرآن يطرح أولاً أصلاً ويقول : هل إن الذين يعبدون في الليل يستوون مع الآخرين ؟ هل أن الذين هم من أهل الركوع والقنوت والخشوع والتواضع والعبودية في ساحة الله تعالى . يستوون مع الآخرين ؟ الذين يرجون رحمة الله ويقلقون على مستقبلهم هل يستوون مع الآخرين ؟ ثم يقول في آخر هذا الأصل بعنوان ملحق : هل يستوي العالم وغير العالم ؟
يتضح أن المقصود هو العلم الذي يكون ملحق ذلك الأصل ، أي القنوت والخضوع والعبودية في ساحة الله ، والأنين ليلاً ، رجاء رحمة الله وخشية عقابه . هذا أولاّ ، ثم مسألة العلم ثانياً ، ولو لم يكن ذلك الأصل فهذا العلم ليس أكثر من وبال .
( ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه )(7).
أمير المؤمنين عليه السلام يبين أنه رب عالم قد قتله جهله ، عالم ولكنه ليس عاقلاً ، ولأنه ليس عاقلاً ، فهو جاهل ـ أي الجهل مقابل العقل وليس الجهل في مقابل العلم ـ فرغم انه عالم ، لكنه خسر في جبهة جهاد الداخل وهلك . ( ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه ) العلم ليس بتلك الاستطاعة ، بل العقل والعقل يظهر بالأنين .
فإذا اعتبر القرآن ، العلم بوصفه ميزة وفضيلة ، يعتبر هذا ملحق ذلك الأصل .
يمكن ان يكون هناك فرق بين المرأة والرجل في المسائل العلمية ، ولكن في مسألة الأنين والبكاء ، إن لم تكن المرأة اكثر نجاحاً ، فهي ليست أكثر حرماناً ، ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) . ثم ( قل هل يستوي الذين يعلمون ) هذه الآية الكريمة تشخص التقوى وتعطي للإنسان العارف درعاً ، لم يقل : إن الذي يعبد آناء الليل يخاف من الله ، بل ينسب الرجاء إلى الله والخوف إلى عاقبة عمله لم يقل : ( يحذر ربه ويرجو رحمة ربه ) ؛ لأن الله كمال محض والكمال المحض ليس لديه خوف .
ورد في دعاء السحر :
( اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه ) (8) .
كل هذا الدعاء هو جمال ، وبما أن الله تعالى كله جمال ، فلا محل للخوف حتى يخاف شخص من الله ، لذا تعطي الآية درعاً بيد الإنسان وتقول : إذا رأيت جمالاً وجه هذا الدرع نحوك حتى لا يسند الجمال إليك . ويصل مباشرة إلى الله ، وإذا رأيت خوفاً أو سمعت كلاماً عن جهنم وجه هذا الدرع فوراً نحو الله ينسب الخوف إلى الله ، الإنسان يخاف من عاقبة عمله وإلا فالله هو جمال محض ( كل جمالك جميل ) (9) .
المصادر:
1- سورة النساء ، الآيتين : 78 ـ 79 .
2- مفاتيح الجنان ، دعاء كميل .
3- مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .
4- مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .
5- سورة الزمر ، الآية : 9 .
6- سورة الزمر ، الآية : 9 .
7- نهج البلاغة ، الفيض ، الحكمة 104 .
8- مفاتيح الجنان ، دعاء السحر .
9- مفاتيح الجنان ، دعاء السحر .

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مفاتيح الجنان(300_400)
حبيب بن مظاهرو حبه لأهل البيت
حديثٌ حول مصحف فاطمة (ع)
قال الحكيم و المراد بعترته هنا العلماء العاملون ...
الوصايا
تشبيه لطيف من صديق حقيقي‏
خلق الأئمة ( ع ) وشيعتهم من علِّيِّين :
فضل شهر رمضان المبارك
الإقطاع في الإسلام
الخوارق و تأثير النفوس

 
user comment