عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

ألفاظ وظواهر القرآن

ألفاظ وظواهر القرآن

الخطوة الأولى، التعرّف على ألفاظ وظواهر القرآن, إلّا أنّها خطوة لازمة. وإذا لم يخطُ الباحثون الدينيّون والقرآنيّون هذه الخطوة، أصبحت الخطوات اللاحقة صعبة وغير ممكنة. تشاهدون اليوم بعض الأشخاص يتحدّثون هنا وهناك حول الإسلام، ويدّعون أمورًا لا علاقة لها بالإسلام, لماذا؟ لأنّهم غير عارفين بمعارف نصوص القرآن والسنة.
ينبغي على الإنسان أن يتعرّف على نصوص القرآن والسنّة - أي الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم وحديث الأئمة عليهم السلام - ليتمكّن من فهم المعارف الدينيّة, وخاصّةً إذا أراد الغور في أعماقه. إذًا، هذه الخطوة، هي الخطوة الأولى والضروريّة في الوقت عينه.
طبعًا ينبغي بعد ذلك، التفكير، جمع معطيات واسعة، والاستفادة من تلك المعلومات لإدراك معارف القرآن والحديث. فكلّما ازدادت معلومات الإنسان، اتّضح فهمه للقرآن والحديث. والتجارب هكذا أيضًا. فكلّما كانت تجربة الإنسان في الحياة أكبر، ازدادت معرفته بالقرآن وتصبح مسائل القرآن أكثر وضوحًا بالنسبة إليه .
عندما يدخل القرآن إلى المجتمع، يتمّ تذوّق عذوبته. للقرآن اليوم (نحو) سيادة في بلدنا، الخطوة الأولى، تعلّم نصّ القرآن, وهذا يجب أن يزداد يومًا بعد يوم. إذا أردنا جميعنا تعلّمَ القرآن، يجب أن يكون هناك مجموعة في الصدارة - كما في باقي الأمور الأخرى ـ وهكذا إذا أردتم أن تصبح الرياضة عامّة، يجب أن يكون هناك مجموعة من الأبطال ماثلة أمام أعين الناس.
إذا أردتم أن يروّج القرآن في البيوت، وبين الأطفال، والكبار والنساء والرجال، يجب أن تحترموا الأبطال القرآنيّين. لهذا نحن نحترمهم (أي قارئي القرآن). هؤلاء حاملو القرآن، هؤلاء أعزّاء، لسانهم عزيز، قلوبهم وأفئدتهم عزيزة, لأنّهم استأنسوا بالقرآن. أرواحنا فداءً للقرآن! .
لو كان بيانُ القرآن غير فنيّ، فمن غير الممكن أن يتضمّن كافّة هذه الحقائق والمفاهيم العالية. وعليه، لن يكون بإمكان أيِّ تفسير أو ترجمة قرآنيّة إفهام (تعليم) الحقائق القرآنيّة. يجب أن يكون الإنسان عارفًا باللغة وبكافّة الدقائق الفنيّة، وأن يتمكّن من العيش في الفضاء المعنوي للقرآن ليفهم ماذا يقول. لذلك يشير القرآن الكريم نفسه: ﴿يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ . يقرأ البعض القرآن فيهتدي, والبعض الأخر يَضِلُّ من خلال قراءته، بسبب عدم الإدراك والفهم الصحيحَين. فهؤلاء - لأنّهم لم يستطيعوا إحكام علاقة ورابطة بالقرآن- لم يتّصلوا به حتّى يصبحَ لديهم القدرة على إدراك المفاهيم. طبعًا بيان القرآن، وافٍ, إلّا أنّه يتطلّب شروطًا خاصّة ليكونَ الإنسان مخاطَبًا من القرآن بالمعنى الحقيقي للكلمة. والغرض أنّ سِعة البيان الفنيّ وقابليّته هي فقط القادرة على بيان الكثير من المفاهيم، ومنها المفاهيم الدينيّة المتعالية. وبواسطة الفنّ فقط يمكن درك هذه المفاهيم .
وإنّ التدبّر، في الأساس، ليس لأجل التفسير, بل هو لأجل فهم المراد. ويمكن للإنسان أن يمتلك نوعين من الفهم والتلقّي لأيّ كلام حكيم: الأوّل سطحي وبسيط، والثاني دقيق وعميق. هذا لا يصل في الأساس إلى مرحلة التفسير والتعبير. التدبّر المطلوب في القرآن، هو الابتعاد عن الرؤية السطحية فيه, وهذا يعني أنّه عندما تقرؤون كلّ آية قرآنيّة،
فيجب أن يكون بتأمّل وتعمّق وتتبّع للفهم. هذا هو التدبّر، وسترون أنّه ومن دون حاجة لأن (يعرض) الإنسان سلائقه على القرآن - أي التفسير بالرأي - أنّه سيفتح أبوابًا من المعرفة حسب مضمون الآية، مهما كان مضمونها.
يقول القرآن الكريم: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ . القرآن صادر من المقام الأعلى, من قمة معرفة عالم الوجود. لهذا، يجب على الإنسان أن يتأمّل, وحيث إنّ عمق هذه الآيات والمفاهيم كبير جدًا، فكلّ من يتأمّل، سيستفيد منه, ومن جملتهم الرسول. وإذا تأمّل النبيّ - طبعًا الرسول والأئمّة كانوا يقرؤون القرآن دائمًا بتأمّل وتدبّر - فسيستفيد من القرآن .
كأنّ بعض الآيات الإلهيّة الكريمة وطوال قرون متمادية، إمّا أنّها لم تُفَسّر بالمعنى الواقعي أو أنّها لم تفهم من قِبَلنا ومن قِبَل الأجيال البشريّة العاديّة. لقد أصبح لهذه الآيات معنىً في مرحلة ثورتنا وطوال عشرة أو إحدى عشرة سنة مليئة بالأحداث والوقائع, وهذا هو الحقّ. فالأحداث والظروف الخاصّة هي التي يمكنها أن تقدّم معنىً صحيحًا للحقائق الإلهيّة التي هي في قالب الألفاظ. فعلى سبيل المثال، لا يمكن فهم الآيات التي نزلت في حرب أُحد، بشكل صحيح، في ظلّ حياة مرفّهة ملؤها الراحة. والآيات التي نزلت في غربة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأصحاب ذاك العظيم في شُعَب أبي طالب أو في طريق مكة، لا يمكن إدراكها في ظلّ الظروف الحياتيّة الحاليّة، في المنزل والسوق وفي البيئة العائليّة التي يبرز فيها الأُنس, بل يحتاج ذلك إلى شيء آخر. يلزم وجود ظروف خاصّة بحيث يمكنها تقديم معنىً للكثير من الآيات, وإذا أردنا تقديم رؤية صحيحة، يجب أن نقول إنّ مجموعة الآيات الإلهيّة مع تفاسير (روايات) الأئمّة المعصومين عليهم السلام التي نزلت في أجواء الثورة ومرحلة البعثة والهجرة والجهاد والشهادة, التي هي مرحلة العمل والسعي والحركة، حيث يمكن فهمها أكثر من أيّ مرحلة تاريخيّة، أو أنّها قابلة للفهم .

الصيانة من التحريف:

من الامتيازات الكبيرة لدين الإسلام المقدّس، أنّ الوحي الإلهي موجود إلى اليوم والى الأبد بين أيدي الراغبين بالتعلّم والهداية، وسيكون كذلك بالحروف والكلمات نفسها التي نزلت على القلب المقدّس للرسول العظيم الشأن, وهذا هو إنجاز الوعد الإلهي الذي جاء فيه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ .
المعراج:
في سورة "النجم" بحثٌ دقيق وظريف وجميل... ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ . هذا له علاقة بمسألة المعراج, كما في أكثر التفاسير. صحيح أنّ السورة تشير إلى التحوّل الداخلي للرسول وحالة تلقّي الوحي، إلّا أنّ مناسبة سورة النجم هي ما كان يوضّحه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حول قصّة سفره المعراجي الليلي، إذ كانوا لا يستمعون إليه. الآية في مقام بيان ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ ... ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ . لم يخطئ الرسول في مشاهداته القلبية, لقد شاهد حقًّا ولم يخطئ, ﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ .
التصدّي للحكومة الإلهيّة والولاية المطلقة
مما لا شكّ فيه، إنّ ذلك اليوم الذي استنار فيه الكون المظلم في زمان ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, من خلال النّور الإلهي، يجب أن يكون بداية تاريخ جديد للبشريّة. وقد أوضح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في أحاديثه أنّ نورَ السعادة قد فُقِد من المجتمعات البشريّة على أثر حاكميّة القوانين والسلطات الظالمة,
"والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور" . لقد أظهر نور وجود الرسول ومنذ البداية، علامات حاكميّة الحقّ وأدلّة حضور البراهين الإلهيّة بين الناس .
المظلوميّة
عندما بدأت حركة الإسلام من مكّة، وفعل ذاك النشاط الإسلاميّ فعله المترافق مع مظلوميّة وثبات المؤمنين، كانت المدينة - يثرب في ذاك الوقت - المكان الأوّل الذي وصل الشعاع إليه. إنّ جهاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في مكّة، هو جهاد المظلوم وبشكل كبير. كانوا يذكرون اسم الله ويدعون إلى التوحيد والتعقّل، ويواجَهون بالضرب والتعذيب والقتل. تعرّضوا لأنواع وأشكال من الضغوطات. وفي النهاية حصلت قضيّة شعب أبي طالب، التي كانت من أصعب الضغوطات على الرسول والمسلمين, هذه أمور ليست خافية. طبعًا، لم يكن في تلك الأيام إمكانيّات إعلاميّة كاليوم, إلّا أنّ مكّة كانت المكان الذي تتوافد إليه القبائل العربيّة على اختلافها. كانوا يأتون إلى مكّة في أيّامٍ خاصّة من الطائف ومن يثرب ومن البلاد الأخرى, وكانوا يَطّلعون على أحوال مكّة ويتعرّفون على حقيقة الإسلام. كان الكلام الحقّ يفعل فعله خاصّةً إذا ترافق مع المظلوميّة,
حيث سيكون له وقعه في القلوب المستعدّة في النهاية, خاصّةً عندما كان مصادرًا ومتّبعًا من قبل أهل الحق، وهذا ما حدث. كان الرسول كالعمود المحكَم الذي يقف في الوسط والذي كان المسلمون يتّكئون عليه. كان المسلمون يتعرّضون للضرب والتعذيب، والخوف والاضطراب والحرمان والإخراج من المنزل, وكان الحرمان من الإرث لصالح أبناء الأعيان والغلمان والإماء يتعرّضون للضرب بأيدي الأرباب, ولكن كلّما تعرّض أحدهم للضغط، كانوا يلوذون بالنبيّ الذي كان وبتلك الاستقامة المعنويّة والروح الإلهيّة يمدّهم بالقوّة من ذاك النبع الفيّاض الذي استطاع أن يفيض على كافّة الخلق بالقوّة, كان هؤلاء الأشخاص القليلون - المسلمون الذين اتّبعوا الرسول- يستعينون بذلك، لذلك كانوا صامدين.
لقد فعل هذا الصمود فعله، وكان أوّل ظهورٍ لهذا الأثَر في (أهل) يثرب وانتهى الأمر بدعوتهم الرسول (للقدوم). قالوا أقدِم إلى مدينتنا يثرب، لأنّ أهل مكّة رفضوكم, وقد وافق الرسول. طبعًا، وقّع معهم عهدًا وقال حيث إنّني قدمتُ إليكم، ينبغي عليكم الدفاع عنّي، ومؤازرتي - إذ كان يتوقّع الحرب - فأعلنوا عن استعدادهم لذلك. إذا أتيتَ يثربًا، فستكون أرواحنا فداءً لروحك, وعائلاتنا فداءً لك، وأموالنا فداء لك. كانوا في الغالب شبابًا. لقد أظهر جمعٌ من شباب يثرب، إيمانًا عميقًا وراسخًا, وكذلك فعل بعض كبارهم - أمثال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ – حيث دعوا الرسول وأخذوه إلى المدينة، وغيّروا اسمَ يثرب وحوّلوه إلى "مدينة النبيّ".
انتبهوا جيدًا، إنّ هذه المظلوميّة، والكلام الجديد، والوجوه النيّرة والحادثة الجديدة، قد أثّرت على الجميع وعلى حركتهم حتّى إنّ بعض اليهود ومن كان في المدينة تأثّروا بذلك مع العلم أنّ اليهود أصبحوا فيما بعد من أشدّ المعاندين - في البداية تأثّروا به يعني أنّ مجرّد مجيء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الحالة- حتّى إنّ قريش لم تترك المسلمين عند الرحيل بل كانت توجّه الضربات إليهم وتتعقّبهم وتحاصر البعض منهم و... وقد ساعد ذلك غالبًا في مقبوليّة دخول الرسول إلى المدينة .

استجماع الصفات العالية

إنّ نبيّ الإسلام المكرَّم، إنسانٌ فوق المألوف (استثنائي) بلحاظ الشخصيّة الإنسانيّة والبشريّة، وهو من الطراز الأوّل الذي لا نظير له, جَمَعَ الخصال الأخلاقيّة الرفيعة في شخصيّة إنسانيّة عزيزة، مظهرًا الكثير من الصبر والتحمّل وتقبّل الآلام والمصاعب, لقد اجتمعت فيه كافّة الخصوصيّات الإيجابيّة للإنسان العظيم .
خاتميّة النبوّة
إنّ يوم المبعث هو عيدٌ للجميع وليس للمسلمين فقط. إنّ ولادة كلّ نبيّ وظهور كلّ بعثة، عيدٌ لجميع البشريّة. عندما كان يأتي أنبياء الله تعالى، كان كلّ واحدٍ منهم يسوق قوافل البشريّة نحو الكمال والعلم والأخلاق
والعدل وكانوا يقرّبونهم خطوة نحو مراحل الكمال الإنساني. إن ّكافّة أشكال التعقّل البشري طوال التاريخ، يعود إلى تعاليم الأنبياء. إنّ الخلق الإنساني (الأخلاق الإنسانيّة) الذي يؤمّن القدرة على الاستمرار بالحياة للبشر والفضائل الأخلاقيّة، جميعها من تعاليم الأنبياء. لقد هيّأ الأنبياء للبشر الحياة وقادوهم نحو ساحة التطوّر والتكامل, وإنّ نبيّ الإسلام المكرّم، هو خاتم الأنبياء الذي جاء للبشريّة بالكلام النهائيّ الذي لا ينتهي .

آثار وبركات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

تزلزل أعلام الشرك وعبادة الأصنام
إنّ ما جاء في الآثار والتواريخ حول تصدّع شرفات بلاط (قباب) كسرى وتزلزل أعلام عبادة الأصنام والشرك في كافّة أنحاء الدنيا - فيما إذا كانت هذه الآثار قطعية - لعلّه يكون ظهورًا للقدرة الإلهيّة، للإعلان الرمزي عن حضور هذه القوّة التي ستقضي على جذور الظلم والفساد وتطهّر العلم من الخرافة وتخلّص الحضارة من الفساد . لقد أرسل الله تعالى إلى عالم الوجود الذخيرة الإلهيّة الكبرى أي الوجود المقدّس للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, فكان منطلقًا إلى مرحلة حسّاسة بداية مرحلة أساسيّة في مصير البشريّة. ولقد جاء في شأن آيات (علامات) ولادة الرسول أنّه عندما ولد ذاك العظيم، تهدّمت شرفات إيوان كسرى، وانطفأت نيران معبد آذركشسب الذي بقي مشتعلًا مدة قرون وجَفّت بحيرة ساوة التي كان يعتبرها بعض الناس في ذاك الزمان مقدّسة، وهُدِّمت الأصنام التي كانت معلّقة حول الكعبة .
إنّ هذه الإشارات الرمزيّة والظاهريّة بالكامل، تشير إلى اتّجاه الإرادة والسنّة الإلهيّتين في إسباغ خلعة الوجود على هذا الموجود العظيم، وهذه الشخصيّة الرفيعة والفريدة. معنى هذه الأحداث الرمزيّة هو أنّه مع هذا القدوم المبارك، هو حتميّة طيّ بساط الذلّ عن البشريّة، سواء كان ذلك (الذلّ) من خلال حاكميّة الجبّارين والحكّام المستبدّين - من قبيل ما كان يجري آنذاك في إيران وروما القديمة - أو كان وليد عبادة غير الله. وعلى يدي هذا المولود المبارك، لا بدّ أن تتحرّر البشريّة من قيود الظلم الذي فرضه حكّام الجور على المظلومين من البشر طوال التاريخ, ومن قيود الخرافات والعقائد الباطلة والمذلّة التي جعلت الإنسان خاضعًا ذليلًا أمام الموجودات الأدنى منه أو في مقابل أفراد البشر الآخرين. لذلك جاء في الآية القرآنيّة في باب بعثة النبيّ الأكرم, قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ .
إنّ عبارة ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ ليست خاضعة لحدّ (لتحديد) زماني, بل تشير إلى الوُجهة. يجب أن تتحرّك البشريّة بعد هذه الحادثة نحو الحريّة المعنوية والاجتماعيّة والحقيقيّة والعقلانيّة. لقد بدأ هذا العمل، وإنّ استمراره يكون بأيدينا نحن البشر. وهذه سُنّة أخرى في عالم الخلق .
نزول الرحمة الإلهيّة على البشر
إنّ هذه الولادة العظيمة، هي ولادة أرقى نماذج الرحمة الإلهيّة للبشريّة, لأنّ وجود ذاك العظيم وإرسال هذا النبيّ الكبير، هو رحمة الحقّ تعالى على العباد. وينبغي على البشريّة إدراك أنّ هذه الرحمة، هي رحمة غير منقطعة, بل هي رحمة مستمرّة .
حركة المسلمين نحو التكامل
ليس بمقدور أيّ إنسان بيان أبعاد شخصيّة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بنحو ٍكامل وتقديم صورة قريبة من الواقع عن شخصيّة ذاك العظيم... إنّ ما نعرفه ونعلمه عن من اختاره واصطفاه إلهُ العالم وطليعة الأنبياء على امتداد التاريخ، هو ظلٌّ وشبحٌ للوجود المعنوي والباطني والحقيقي لذاك العظيم, إلّا أنّ هذا المقدار من المعرفة يكفي المسلمين لضمان استمرار حركتهم نحو الكمال ولصيرورة قمّة الإنسانيّة وأوجّ التكامل البشري أمامهم ويشجّعهم على التحرّك نحو الوحدة الإسلاميّة والاجتماع حول ذاك المحور. بناءً على ما تقدّم، نوصي كافّة المسلمين في العالم، بزيادة العمل حول أبعاد شخصيّة الرسول وحياته وسيرته وأخلاقه والتعاليم المأثورة والمنصوصة عن ذاك العظيم .
الميل إلى الإسلام
... هناك الكثير من البشر في العالم، ممّن إذا ما عرفوا رسول الإسلام بالقدر الذي عرفه المسلمون، أو حتّى أقلّ من ذلك - أي إذا ما تجلّى من تلك الشخصيّة النورانيّة في قلوبهم - فسيكون ذلك ضامنًا لعقيدتهم والتزامهم بالإسلام. يجب أن نعمل على هذه المسألة .
وحدة المسلمين
لقد كان وجود نبيّ الإسلام الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, أكبر عامل للوحدة في كافّة العصور الإسلاميّة واليوم يمكنه أن يكون كذلك, لأنّ عقيدة آحاد المسلمين بذاك الوجود الأقدس العظيم، توأم للعاطفة والعشق، لذلك كان ذاك العظيم، مركز ومحور العواطف والعقائد عند كافّة المسلمين. وهذه المحوريّة، من إحدى موجبات استئناس قلوب المسلمين وتقريب الفرق الإسلاميّة بعضها من بعض .

أخلاق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته

يمكننا باختصار تقسيم أخلاق الرسول إلى "الأخلاق الشخصيّة" و"الأخلاق الحكوميّة": أي أخلاقه باعتباره إنسانًا وخصوصيّاته وأخلاقه وسلوكه باعتباره حاكمًا. طبعًا، هذه الأمور هي جزءٌ يسير ممّا هو موجود في شخصيّة ذاك العظيم, حيث إنّ وجوده يضمّ أضعاف هذه الخصوصيّات البارزة والجميلة التي سأشير إلى بعضها. كان ذاك العظيم أمينًا، وصادقًا، وصبورًا، ومتواضعًا وشهمًا ومدافعًا عن المظلومين في كافّة الحالات. كان سلوكه سليمًا.
وكان تعامله مع النّاس يقوم على أساس الصدق والصفاء والصحّة. كان حَسَنَ الكلام، ولم يكن حديثه مؤذيًا. كان طاهرًا. كان في مرحلة شبابه معروفًا بالعفّة والحياء والطهارة في تلك البيئة الفاسدة أخلاقيًّا في الجزيرة العربيّة قبل الإسلام وكان الجميع يقبلونه ولم يكن متلوّثًا بأيّ شيء. كان من أصحاب النظافة: كان لباسه نظيفًا، كان وجهه نظيفًا، وكان سلوكه سلوكًا ممزوجًا بالنظافة. كان شجاعًا ولم تتمكّن أيّ جبهة من الأعداء مهما كانت عظيمة أن تفتّ من عضده أو تخيفه. كان صريحًا، يوضّح كلامه انطلاقًا من الصراحة والصدق. كان في حياته حكيمًا وزاهدًا كما كان رؤوفًا متسامحًا كريمًا. وكان يعطي المال ولا ينتقم، كان سموحًا وعَفُوَّا.
... كان كثير الحنان والتسامح والتواضع وكان من أصحاب العبادة. وكانت هذه الخصوصيّات موجودة في شخصيّته العظيمة في كافّة جوانب حياته، منذ مرحلة الشباب إلى الوفاة طيلة ثلاث وستّين سنة .
المصادر :
من کتاب الشخصية القياديّة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم / سلسلة في رحاب الولي الخامنئي دام ظلّه

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
تربية أطفالنا في ظلّ الإسلام
الإيمان بالإمام المهدي (عج)
حديث الغدير في مصادر أهل السنة
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
خصال الإمام
أدعية الإمام الرضا ( عليه السلام )
ما هو اسم الحسين عليه السلام
سورة الناس
نقد الذات

 
user comment