عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

البدعة فی الدین

البدعة فی الدین

هناک أصل له الأهمیة الخاصة وهو حرمة البدعة والتدخّل فیما یرجع إلى الشریعة الإلهیة ، وذلک لأجل حصر التشریع فی الله سبحانه، وانّه لیس لأحد الدخول فی تلک الحظیرة، أعنی: حظیرة التشریع، وأنّه ممّا یختص به سبحانه، فمن نازعه فی التشریع وأدخل فی شریعته ما لیس منه، فهو مبطل مبتدع، وفی الذکر الحکیم آیات کثیرة تُحْصِر التشریع فی الله سبحانه وتسلب ذلک الحق عن غیره، نشیر إلى بعضها: قال سبحانه: ( إن الحکم إلاّ لله أمر ألاّ تبعدوا إلاّ إیّاه ذلک الدِّین القیّم ولکنّ أکثر الناس لا یعلمون ) (1) والمراد من الحکم، هو التشریع والتقنین، بقرینة قوله: { أمر ألاّ تبعدوا إلاّ إیّاه }.
ویقول سبحانه: ( وکیف یحکّمونک وعندهم التَّوراة فیها حکم الله ثم یتولّون من بعد ذلک وما أُولئک بالمؤمنین ) (2).
ترى أنّه سبحانه یذمُّ الیهودَ فی إعراضهم عن التوراة وفیها حکم الله وتحکیم النبی الأکرم، وما هذا إلاّ لأنّ التشریع خاص بالله تعالى ولیس لأحد فی التشریع أیّ حقّ.
یقول سبحانه فی ذمّ الیهود وأحبارهم حیث کانوا یعدلون عن حکم الله إلى حکم آخر طمعاً فی الدنیا إذ ینددهم بقوله: ( ومن لم یحکم بما أنزل الله فأُولئک هم الکافرون ) (3).
وقال: ( ومن لم یحکم بما أنزل الله فأُولئک هم الظّالمون ) (4).
وقال: ( ومن لم یحکم بما أنزل الله فأُولئک هم الفاسقون ) (5).
فهذه الآیات ونظائرها، دلیل على أنّه لیس لأحد الحکم إلاّ وفق ما شرّع الله، ومن خرج فی حکمه عن إطار التشریع الإلهی فهو کافر وظالم وفاسق.
وهناک کلمة قیّمة عن أحد أئمة أهل البیت محمد الباقر (علیه السلام) إذ یقول: " الحکم حکمان: حکم الله، وحکم أهل الجاهلیة فمن أخطأ حکمَ الله حکم بحکم أهل الجاهلیة "(6).
إنّ الآیات الدالّة على ذم التشریع والتدخل فی شؤون الله تعالى کثیرة تجمعها البدعة فی الدین، من غیر فرق بین الإفتاء بما خالف الکتاب والسنّة أو إدخال ما لم یرد فیها ورمیه بالله، فالمعنى الجامع للبدعة هو الافتراء على الله ورسوله ونشر المفترى بین الأُمة باسم الدین، یقول سبحانه: ( ومن أظلم ممّن افترى على الله کذباً أو کذّب بآیاته إنّه لا یفلح الظالمون ) (7).
ترى أنّه سبحانه یُلقِّن النبیَّ الأکرم أن یجیب المشرکین الذین اقترحوا علیه أن یأتی بغیر هذا القرآن أو یبدّله فیقول: ( قل ما یکون لی أن أُبدّله من تلقاء نفسی إن أتّبع إلاّ ما یوحى إلیَّ إنّی أخاف إن عصیت ربّی عذاب یوم عظیم ) (8).
وقال الرسول: " إنّ أصدقَ الحدیث کتاب الله، وإنّ أفضل الهدى هدى محمد، وشر الأُمور محدثاتها، وکل محدثة بدعة، وکل بدعة ضلالة، وکل ضلالة فی النار "(9).
یقول ابن حجر فی تفسیر قوله: { وشرّ الأُمور محدثاتها }: " المحدثات جمع محدثة، المراد ما أحدث ولیس له أصل فی الشرع، ویسمّى فی عرف الشرع بدعة، وما کان له أصل یدل علیه الشرع فلیس ببدعة ".
فهذان الأصلان اللّذان أشرنا إلیهما على وجه الإیجاز، ممّا اتّفقت علیها الأُمة الإسلامیة جمعاء على اختلاف مذاهبهم فی الأُصول والفروع، ولا تجد حکیماً أو متکلماً أو فقیهاً ینبس ببنت شفة على خلاف ذلک، فکیف لا وشعار المسلمین فی جمیع العصور على أن لا معبود إلاّ إیّاه، ولا حاکم ومشرّع إلاّ هو.
فالمسلم یتلو کل یوم قوله: ( إیّاک نعبد وإیّاک نستعین ) (10).
وقوله سبحانه: ( وما کان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن یکون لهم الخیرة ومن یعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبیناً ) (11).
وقوله سبحانه: (إنّ هذا صراطی مستقیماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بکم عن سبیله ذلکم وصّاکم به لعلّکم تتقون ) (12).
فالمُبْتدع هو المشرّع المعرِضُ عن سبیل الله، التابعُ لغیر سبیله، المفرِّق جماعة المسلمین عن سبیله سبحانه، لا بل هو المفتری الکذّاب الذی یفتری على الله سبحانه ویقترف أفضح المعاصی فمصیره إلى النار.
المصادر :
1- یوسف/40
2- المائدة/43
3- المائدة/44
4- المائدة/45
5- المائدة/47
6- الوسائل: 12، الباب 5 من أبواب صفات القاضی، الحدیث 6.
7- الأنعام/21
8- یونس/15
9- العسقلانی: فتح الباری فی شرح البخاری: 13/153
10- الحمد/5
11- الأحزاب/36
12- الأنعام/153

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفطرة والعادة
الموت ليس إبطالاً للشخصية
أدلّة جمع القرآن القرآن في زمان الرسول ...
التجسيم عند ابن تيمية وأتباعه ق (2)
أصل فى بيان الغرض من ايجاد الخلق
بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...
مساءلة منكر ونكير
أصحاب الخمس هم أصحاب الفيء
اسلوب التفسير بالرأي
الشهادة الثالثة وجوب ام استحباب

 
user comment