عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

السنة التاریخیة القرآنیة

السنة التاریخیة القرآنیة

آن الاوان لکی نتعرف على الصیغ المتنوعة التی تتخذها السنة التاریخیة القرآنیة . کیف یتم التعبیر موضوعیا عن القانون التاریخی فی القرآن الکریم ؟ ما هی الاشکال التی تتخذها سنن التاریخ فی مفهوم القرآن الکریم ؟
هناک ثلاثة أشکال تتخذها السنة التاریخیة فی القرآن الکریم ، لا بد من استعراضها ومقارنتها والتدقیق فی أوجه الفرق بینها .
الشکل الاول للسنة التاریخیة هو شکل القضیة الشرطیة ، فی هذا الشکل تتمثل السنة التاریخیة فی قضیة شرطیة تربط بین حادثتین أو مجموعتین من الحوادث على الساحة التاریخیة وتؤکد العلاقة الموضوعیة بین الشرط والجزاء ، وانه متى ما تحقق
الشرط تحقق الجزاء وهذه صیاغة نجدها فی کثیر من القوانین والسنن الطبیعیة والکونیة فی مختلف الساحات الاخرى .
فمثلا : حینما نتحدث عن قانون طبیعی لغلیان الماء ، نتحدث بلغة القضیة الشرطیة ، نقول بأن الماء اذا تعرض الى الحرارة وبلغت الحرارة درجة معینة مائة مثلا فی مستوى معین من الضغط ، حینئذ سوف یحدث الغلیان هذا قانون طبیعی یربط بین الشرط والجزاء ویؤکد ان حالة التعرض الى الحرارة ، ضمن مواصفات معینة تذکر فی طرف الشرط تستتبع حادثة طبیعیة معینة ، وهی غلیان هذا الماء « تحول هذا الماء من سائل الى غاز » هذا القانون مصاغ على نهج القضیة الشرطیة ومن الواضح ان هذا القانون الطبیعی لا ینبئنا شیئاً عن تحقق الشرط وعدم تحققه ، لا ینبئنا هذا القانون الطبیعی عن ان الماء سوف یتعرض للحرارة او لا یتعرض للحرارة هل ان درجة حرارة الماء ترتفع الى الدرجة المطلوبة ضمن هذا القانون او لا ترتفع ؟ هذا القانون لا یتعرض الى مدى وجود الشرط وعدم وجوده ، ولا ینبئنا بشیء عن تحقق الشرط ایجابا او سلبا ، وانما ینبئنا عن ان الجزاء لا ینفک عن الشرط ، فمتى ما وجد الشرط وجد الجزاء ، فالغلیان نتیجة مرتبطة موضوعیا بالشرط هذا هو تمام ما ینبئنا عنه هذا القانون المصاغ بلغة القضیة الشرطیة ، ومثل هذه القوانین تقدم خدمة کبیرة للانسان فی حیاته الاعتیادیة وتلعب دورا عظیما فی توجیه الانسان ، لان الانسان ضمن تعرفه على هذه القوانین یصبح بامکانه ان یتصرف بالنسبة الى الجزاء ففی کل حالة یرى انه بحاجة الى الجزاء یعمل هذا القانون لیوفر شروط هذا القانون ، ففی کل حالة یکون الجزاء متعارضا مع مصالحه ومشاعره یحاول الحیلولة دون توفر شروط هذا القانون . متى ما کان غلیان الماء مقصودا للانسان یطبق شروط هذا القانون ومتى لم یکن مقصودا للانسان یحاول ان لا تتطبق شروط هذا القانون . اذن القانون الموضوعی بنهج القضیة الشرطیة موجه عملی للانسان فی حیاته ومن هنا تتجلى حکمة الله سبحانه وتعالى فی صیاغة نظام الکون على مستوى القوانین وعلى مستوى الروابط المضطردة والسنن الثابتة لان صیاغة الکون ضمن روابط مضطردة وعلاقات ثابتة هو الذی یجعل الانسان یتعرف على موضع قدمیه وعلى الوسائل التی یجب ان یسلکها فی سبیل تکییف بیئته وحیاته والوصول الى اشباع حاجته لو ان الغلیان فی الماء کان یحدث صدفة ومن دون رابطة قانونیة مضطردة مع حادثة اخرى کالحرارة ، اذن لما استطاع الانسان ان یتحکم فی هذه الظاهرة ، ان یخلق هذه الظاهرة متى ما کانت حیاته بحاجة الیها وان یتفاداها متى ما کانت حیاته بحاجة الى تفادیها ، انما کان له هذه القدرة باعتبار ان هذه الظاهرة وضعت فی موضع ثابت من سنن الکون وطرح على الانسان القانون الطبیعی من لغة القضیة الشرطیة فأصبح ینظر فی نور لا فی ظلام ویستطیع فی ضوء هذا القانون الطبیعی ان یتصرف ، نفس الشیء نجده فی الشکل الاول من السنن التاریخیة القرآنیة فان عددا کبیرا من السنن التاریخیة فی القرآن قد نمت صیاغته على شکل القضیة الشرطیة التی تربط ما بین حادثتین اجتماعیتین او تاریخیتین فهی لا تتحدث عن الحادثة الاولى « انها متى توجد ، ومتى لا توجد » لکن تتحدث عن الحادثة الثانیة بأنه متى ما وجدت الحادثة الاولى ، وجدت الحادثة الثانیة .
قرأنا فی ما سبق استعراضا للآیات الکریمة التی تدل على سنن التاریخ فی القرآن جملة من تلک الآیات الکریمة مفادها هو السنة التاریخیة بلغة القضیة الشرطیة ، « ان الله لا یغیر ما بقوم حتى یغیروا ما بأنفسهم » (1) . هذه السنة التاریخیة للقرآن والتی تقدم الکلام عنها ویأتی انشاء الله الحدیث عن شرح محتواها ، هذه السنة التاریخیة للقرآن بینت بلغة القضیة الشرطیة لان مرجع هذا المفاد القرآنی الى ان هناک علاقة بین تغییرین ، بین تغییر المحتوى الداخلی للانسان وتغییر الوضع الظاهری للبشریة والانسانیة ، مفاد هذه العلاقة قضیة شرطیة ، انه متى ما وجد ذاک التغییر فی انفس القوم وجد هذا التغییر فی بناء القوم وکیان القوم ، هذه القضیة قضیة شرطیة بین القانون فیها بلغة القضیة الشرطیة . « والو استقاموا على الطریقة لاسقیناهم ماءا غدقا » (2)
قلنا فی ما سبق ان هذه الآیة الکریمة تتحدث عن سنة من سنن التاریخ ، عن سنة تربط وفرة الانتاج بعدالة التوزیع هذه السنة ایضا هی بلغة القضیة الشرطیة کما هو الواضح من صیاغتها النحویة ایضا . « واذا أردنا ان نهلک قریة أمرنا مترفیها ففسقوا فیها فحق علیها القول فدمرناها تدمیر » (3) ایضا سنة تاریخیة بینت بلغة القضیة الشرطیة ربطت بین امرین ، بین تأمیر الفساق والمترفین فی المجتمع وبین دمار ذلک المجتمع وانحلاله ، هذا القانون التاریخی ایضا مبین على نهج القضیة الشرطیة ، فهو لا یبین انه متى وجد الشرط ، لکن یبین متى ما وجد هذا الشرط یوجد الجزاء ، هذا هو الشکل الاول من اشکال السنة التاریخیة فی القرآن .
الشکل الثانی الذی تتخذه السنن التاریخیة شکل القضیة الفعلیة الناجزة الوجودیة المحققة وهذا الشکل ایضا نجد له امثلة وشواهد فی القوانین الطبیعیة والکونیة . مثلاً : العالم الفلکی حینما یصدر حکما علمیا على ضوء قوانین مسارات الفلک بأن الشمس سوف تنکسف فی الیوم الفلانی ، أو أن القمر سوف ینخسف فی الیوم الفلانی هذا قانون علمی وقضیة علمیة ، الا أنها قضیة وجودیة ناجزة ، ولیست قضیة شرطیة ، لا یملک الانسان اتجاه هذه القضیة أن یغیر من ظروفها وأن یعدل من شروطها ، لانها لم تبین کلغة قضیة شرطیة ، وانما بینت على مستوى القضیة الفعلیة الوجودیة ، الشمس سوف تنکسف ، القمر سوف ینخسف ، هذه قضیة فعلیة تنظر الى الزمان الآتی وتخبر عن وقوع هذه الحادثة على أی حال ، وکذلک القرارات العلمیة التی تصدر عن الانواء الجویة ، المطر ینهمر على المنطقة الفلانیة ، هذا أیضا یعبر عن قضیة فعلیة وجودیة لم تصغ بلغة القضیة الشرطیة وانما صیغت بلغة التنجیز والتحقیق بلحاظ زمان معین
ومکان معین ، هذا هو الشکل الثانی من السنن التاریخیة وسوف اذکر فیما بعد انشاء الله عند تحلیل عناصر المجتمع الى أمثلة هذا الشکل من القرآن الکریم .
هذا الشکل من السنن التاریخیة هو الذی أوحى فی الفکر الاوروبی بتوهم التعارض بین فکرة سنن التاریخ وفکرة اختیار الانسان وارادته ، نشأ هذا التوهم الخاطیء الذی یقول بأن فکرة سنن التاریخ لا یمکن أن تجتمع الى جانب فکرة اختیار الانسان لان سنن التاریخ هی التی تنظم مسار الانسان وحیاة الانسان اذن ماذا یبقى لارادة الانسان ؟ هذا التوهم أدى الى أن بعض المفکرین یذهب الى ان الانسان له دور سلبی فقط حفاظا على سنن التاریخ وعلى موضوعیة هذه السنن ، ضحى باختیار الانسان من أجل الحفاظ على سنن التاریخ فقال بأن الانسان دوره دور سلبی ولیس دورا ایجابیا ، یتحرک کما تتحرک الالة وفقا لظروفها الموضوعیة ، ولعله یأتی بعض التفصیل أیضا عن هذه الفکرة ، وذهب بعض آخر فی مقام التوفیق ما بین هاتین الفکرتین ولو ظاهریا الى أن اختیار الانسان نفسه هو ایضا یخضع لسنن التاریخ ولقوانین التاریخ ، لا نضحی باختیار الانسان ، لکن نقول بان اختیار الانسان لنفسه حادثة تاریخیة ایضا ، اذن هو بدوره یخضع للسنن هذه تضحیة باختیار الانسان لکن بصورة مبطنة ، بصورة غیر مکشوفة ، وذهب بعض آخر الى التضحیة بسنن التاریخ لحساب اختیار الانسان فذهب جملة من المفکرین الاوروبیین الى أنه ما دام الانسان مختارا فلابدّ من أن تستثنى الساحة التاریخیة من الساحات الکونیة فی مقام التقنین الموضوعی ، لا بد وان یقال بأنه لا سنن موضوعیة للساحة التاریخیة حفاظا على ارادة الانسان وعلى اختیار الانسان وهذه المواقف کلها خاطئة لانها جمیعا تقوم على ذلک الوهم الخاطئ ، وهم الاعتقاد بوجود تناقض أساسی بین مقولة السنة التاریخیة ومقولة الاختیار ، وهذا التوهم نشأ من قصر النظر على الشکل الثانی من اشکال السنة التاریخیة أی قصر النظر على السنة التاریخیة المصاغة بلغة القضیة الفعلیة الوجودیة الناجزة . لو کنا نقصر النظر على هذا الشکل من سنن التاریخ ولو کنا نقول بأن هذا الشکل هو الذی یستوعب کل الساحة التاریخیة لا یبقی فراغا لذی فراغ لکان هذا التوهم واردا ، ولکنا یمکننا ابطال هذا التوهم عن طریق الالتفات الى الشکل الاول من اشکال السنة التاریخیة الذی تصاغ فیه السنة التاریخیة بوصفها قضیة شرطیة ، وکثیرا ما تکون هذه القضیة الشرطیة فی شروطها معبرة عن ارادة الانسان واختیار الانسان ، یعنی ان اختیار الانسان یمثل محور القضیة الشرطیة « شرط القضیة الشرطیة » اذن فالقضیة الشرطیة کامثلة التی ذکرناها من القرآن الکریم تتحدث عن علاقة بین الشرط والجزاء ، لکن ما هو الشرط ؟
الشرط : هو فعل الانسان ، هو ارادة الانسان « ان الله لا یغیر ما بقوم حتى یغیروا ما بأنفسهم » (4) ، التغییر هنا أسند الیهم فهو فعلهم ، ابداعهم وارادتهم . اذن السنة التاریخیة حینما تصاغ بلغة القضیة الشرطیة وحینما یمثل ابداع الانسان واختیاره موضوع الشرط فی هذه القضیة الشرطیة ، فی مثل هذه الحالة تصبح هذه السنة متلائمة تماما مع اختیار الانسان بل أن السنة حینئذ تقضی اختیار الانسان ، تزیده اختیارا وقدرة وتمکنا من التصرف فی موقفه ، کیف أن ذلک القانون الطبیعی للغلیان کان یزید من قدرة الانسان لانه یستطیع حینئذ ان یتحکم فی الغلیان بعد أن عرف شروطه وظروفه ، کذلک السنن التاریخیة ذات الصیغ الشرطیة ، هی فی الحقیقة لیست على حساب ارادة الانسان ولیست نقیضا لاختیار الانسان بل هی مؤکدة لاختیار الانسان وتوضح للانسان نتائج ، لکی یستطیع أن یقتبس ما یریده من هذه النتائج ، لکی یستطیع ان یتعرف على الطریق الذی یسلک به الى هذه النتیجة او الى تلک النتیجة فیسیر على ضوء وکتاب منیر هذا هو الشکل الثانی للسنة التاریخیة .
الشکل الثالث للسنة التاریخیة وهو شکل اهتم به القرآن الکریم اهتماما کبیرا ، هو السنة التاریخیة المصاغة على صورة اتجاه طبیعی فی حرکة التاریخ لا على صورة قانون صارم حدی وفرق بین الاتجاه والقانون ولکی تتضح الفکرة فی ذلک لابد وان نطرح الفکرة الاعتیادیة التی نعیشها فی اذهاننا عن القانون ، القانون العلمی کما نتصوره عادة عبارة عن تلک السنة التی لا تقبل التحدی من قبل الانسان ، لانها قانون من قوانین الکون والطبیعة فلا یمکن للانسان ان یتحداها ، أن ینقضها ، أن یخرج عن طاعتها ، یمکنه ان لا یصلی لان وجوب الصلاة حکم تشریعی ولیس قانونا تکوینیا ، یمکنه أن یشرب الخمر لان حرمة الخمر قانون تشریعی ولیس قانونا تکوینیا ، لکنه لا یمکنه ان یتحدى القوانین الکونیة والسنن الموضوعیة ، مثلا لا یمکنه أن یجعل الماء لا یغلی اذا توفرت شروط الغلیان ، لا یمکنه ان یتحدى الغلیان وان یؤخر الغلیان لحظة عن موعده المعین لان هذا قانون والقانون صارم والصرامة تأبى التحدی . هذه هی الفکرة التی نتصورها عادة عن القوانین وهی فکرة صحیحة الى حد ما ، لکن لیس من الضروری ان تکون کل سنة طبیعیة موضوعیة على هذا الشکل بحیث تأبى التحدی ولا یمکن تحدیها من قبل الانسان بهذه الطریقة بل هناک اتجاهات موضوعیة فی حرکة التاریخ وفی مسار الانسان الا ان هذه الاتجاهات لها شیء من المرونة بحیث انها تقبل التحدی ولو على شوط قصیر ، وان لم تقبل التحدی على شوط طویل ، لکن على الشوط القصیر تقبل التحدی أنت لا تستطیع أن تؤخر موعد غلیان الماء لحظة ، لکن تستطیع أن تجمد هذه الاتجاهات لحظات من عمر التاریخ لکن هذا لا یعنی أنها لیست اتجاهات تمثل واقعا موضوعیا فی حرکة التاریخ ، هی اتجاهات ولکنها مرنة تقبل التحدی لکنها تحطم المتحدی تحطمه بسنن التاریخ نفسها ، ومن هنا کانت اتجاهات : هناک اشیاء یمکن تحدیها دون ان یتحطم المتحدی ، لکن هناک اشیاء یمکن تتحدى على شوط قصیر ولکن المتحدی یتحطم على سنن التاریخ نفسها ، هذه هی طبیعة الاتجاهات الموضوعیة فی حرکة التاریخ . لکی أقرب الفکرة الیکم نستطیع أن نقول بأن هناک اتجاها فی ترکیب الانسان وفی تکوین الانسان اتجاها موضوعیا لا تشریعیا الى اقامة العلاقات المعینة بین الذکر والانثى فی مجتمع الانسان ضمن اطار من أطر النکاح والاتصال ، هذا الاتجاه لیس تشریعیا لیس تقنینا اعتباریا وانما هو اتجاه موضوعی اعملت العنایة فی سبیل تکوینه فی مسار حرکة الانسان ، لا نستطیع أن نقول أن هذا مجرد قانون تشریعی ، مجرد حکم شرعی ، لا وانما هذا اتجاه رکب فی طبیعة الانسان وفی ترکیب الانسان وهو الاتجاه الى الاتصال بین الذکر والانثى وادامة النوع عن طریق هذا الاتصال ضمن اطار من أطر النکاح الاجتماعی . هذه سنة لکنها سنة على مستوى الاتجاه ، لا على مستوى القانون .. لماذا ؟ لان التحدی لهذه السنة لحظة او لحظات ممکن ، أمکن لقوم لوط أن یتحدوا هذه السنة فترة من الزمن بینما لم یکن بامکانهم ان یتحدوا سنة الغلیان بشکل من الاشکال ، الا ان تحدی هذه السنة یؤدی الى أن یتحطم الانسان ، المجتمع الذی یتحدى هذه السنة یکتب بنفسه فناء نفسه لانه یتحدى ذلک عن طریق الوان اخرى من الشذوذ تؤدی الى فناء المجتمع والى خراب المجتمع ومن هنا کان هذا اتجاها موضوعیا یقبل التحدی على شوط قصیر ، لکن لا یقبل التحدی على شوط طویل لانه سوف یحطم المتحدی بنفسه . الاتجاه الى توزیع المیادین بین المرأة والرجل هذا الاتجاه اتجاه موضوعی ولیس اتجاها ناشئا من قرار تشریعی ، اتجاه رکب فی طبیعة الرجل والمرأة ، ولکن هذا الاتجاه یمکن ان یتحدى ، یمکن استصدار تشریع یفرض على الرجل بأن یبقى فی البیت لیتولى دور الحضانة والتربیة وان تخرج المرأة الى الخارج لکی تتولى مشاق العمل والجهد ، هذا بالامکان ان یتحقق عن طریق تشریع معین وبهذا یحصل التحدی لهذا الاتجاه لکن هذا التحدی سوف لن یستمر لان سنن التاریخ سوف تجیب على هذا التحدی لاننا بهذا سوف نخسر ونجمد کل تلک القابلیات التی زودت بها المرأة من قبل هذا الاتجاه لممارسة دور الحضانة والامومة وسوف نخسر کل تلک القابلیات التی زود بها الرجل من اجل ممارسة دور یتوقف على الجلد والصبر والثبات وطول النفس کما أن من قبیل ان تسلم بنایة تسلم نجاریاتها الى حداد وحدادیاتها الى نجار یمکن ان تصنع هکذا ویمکن ان تنشأ البنایة أیضا لکن هذه البنایة سوف تنهار ، سوف لن یستمر هذا التحدی على شوط طویل سوف یتقطع فی شوط قصیر کل اتجاه من هذا القبیل هو فی الحقیقة سنة موضوعیة من سنن التاریخ ومن سنن حرکة الانسان ولکنها سنة مرنة تقبل التحدی على الشوط القصیر ولکنها تجیب على هذا التحدی واهم مصداق یعرضه القرآن الکریم لهذا الشکل من السنن هو الدین ، القرآن الکریم یرى أن الدین نفسه سنة من سنن التاریخ ، سنة موضوعیة من سنن التاریخ لیس الدین فقط تشریعا وانما هو سنة من سنن التاریخ ولهذا یعرض الدین على شکلین تارة یعرضه بوصفه تشریعا کما یقول علم الاصول ، بوصفه ارادة تشریعیة مثلا یقول « شرع لکم من الدین ما وصى به نوحا والذی اوحینا الیک وما وصینا به ابراهیم وموسى وعیسى أن اقیموا الدین ولا تتفرقوا فیه کبر على المشرکین ما تدعوهم الیه » (5)
هنا یبین الدین کتشریع ، کقرار ، کأمر من الله سبحانه وتعالى لکن فی مجال آخر یبینه سنة من سنن التاریخ وقانون داخل فی صمیم ترکیب الانسان وفطرة الانسان قال سبحانه وتعالى « فأقم وجهک للدین حنیفا فطرة الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ذلک الدین القیم ولکن اکثر الناس لا یعلمون » (6)
هنا الدین لم یعد مجرد قرار وتشریع من أعلى وانما الدین هنا فطرة للناس ، فطرة الله التی فطر علیها الناس ولا تبدیل لخلق الله . هذا الکلام کلام موضوعی خبری لا تشریعی انشائی ، لا تبدیل لخلق الله ، وهکذا انک لا یمکنک ان تنتزع من الانسان أی جزء من اجزاءه التی تقومه ، کذلک لا یمکنک ان تنتزع من الانسان دینه ، الدین لیس مقولة حضاریة مکتسبة على مر التاریخ یمکن اعطاؤها ویمکن الاستغناء عنها لانها فی حالة من هذا القبیل لا تکون فطرة الله التی فطر الناس علیها ولا تکون خلق الله الذی لا تبدیل له ، بل تکون من المکاسب التی حصل علیها الانسان من خلال تطوراته المدنیة والحضاریة على مر التاریخ . القرآن یرید ان یقول بأن الدین لیس مقولة من هذه المقولات بالامکان اخذها وبالامکان عطاؤها ، الدین خلق الله ، فطرة الله التی فطر الناس علیها ولا تبدیل لخلق الله فی هذا الکلام « لا » لیست ناهیة بل نافیة یعنی هذا الدین لا یمکن أن ینفک عن خلق الله ما دام الانسان انسانا فالدین یعتبر سنة لهذا الانسان . هذه سنة ولکنها لیست سنة صارمة على مستوى الغلیان ، سنة تقبل التحدی على الشوط القصیر کما کان بامکان تحدی سنة النکاح اللقاء الطبیعی والتزواج الطبیعی ، کما کان بالامکان تحدی ذلک عن طریق الشذوذ الجنسی ، لکن على شوط قصیر کذلک یمکننا تحدی هذه السنة على شوط قصیر عن طریق الالحاد وغمض العین عن هذه الحقیقة الکبرى بأمکان الانسان ان لا یرى الشمس ، أن یغمض عینه عن الشمس ویلحد ولا یرى هذه الحقیقة ولکن هذا التحدی لا یکون الا على شوط قصیر لان العقاب سوف ینزل بالملحدین ، العقاب هنا لیس بمعنى العقاب الذی ینزل على من یرتکب مخالفة شرعیة على ید ملائکة العذاب فی السماء فی یوم القیامة لیس هو ذاک العقاب الذی ینزل على من یخالف القانون على ید الشرطی ، یضربه بالعصا على رأسه ، وانما العقاب هنا ینزل من سنن التاریخ نفسها تفرض العقاب على کل أمة ترید أن تبدل خلق الله سبحانه وتعالى ، ولا تبدیل لخلق الله « ویستعجلونک بالعذاب ولن یخلف الله وعده وان یوما عند ربک کألف سنة مما تعدون » (7)
نحن نقول بأن السنن التاریخیة من الشکل الثالث اذا تحداها الانسان فسوف یأخذ العقاب من السنن التاریخیة ، سرعان ما ینزل علیه العقاب من السنن التاریخیة نفسها « کلمة سرعان هنا یجب أن تؤخذ بمعنى السرعة التاریخیة لا السرعة التی نفهمها فی حیاتنا الاعتیادیة » وهذا ما أرادت أن تبینه هذه الآیة فی المقام تتحدث عن العذاب واقعه فی سیاق العذاب الجماعی الذی نزل بالقرى السابقة الظالمة ثم بعد ذلک یتحدث عن استعجال الناس فی ایام رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الناس یستعجلون الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) ویقولون له أین هذا العقاب ، این هذا العذاب ؟ لماذا لا ینزل بنا نحن الان کفرنا تحدیناک لم نؤمن بک ، صممنا آذاننا عن قرآنک لماذا لا ینزل بنا هذا العذاب ؟ هنا القرآن یتحدث عن السرعة التاریخیة التی تختلف عن السرعة الاعتیادیة یقول « ویستعجلونک بالعذاب ولن یخلف الله وعده » ، لانها سنة ، والسنة التاریخیة ثابتة ، لکن « وان یوما عند ربک کألف سنة مما تعدون » . الیوم الواحد فی سنن التاریخ عند ربک باعتبار أن سنن التاریخ هی کلمات الله کما قرأنا فی ما سبق ، کلمات الله سنن التاریخ . اذن فی کلمات الله . فی سنن الله ، الیوم الواحد « المهلة القصیرة » هی ألف سنة . طبعا فی آیة أخرى عبر بخمسین ألف سنة ، لکن ارید بذلک أیام القیامة لا یوم الدنیا وهذا هو وجه الجمع بین الآیتین ، الکلمتین . فی آیة أخرى قیل « تعرج الملائکة والروح الیه فی یوم کان مقداره خمسین ألف سنة فاصبر صبرا جمیلا انهم یرونه بعیدا ونراه قریبا یوم تکون السماء کالمهل » (8)
هذا ناظر الى یوم القیامة ، الى یوم تکون السماء کالمهل فیوم القیامة قدر بخمسین ألف سنة أما هنا یتکلم عن یوم توقیت نزول العذاب الجماعی وفقا لسنن التاریخ یقول وان یوما عند ربک کألف سنة مما تعدون اذن فهذا شکل ثالث من السنن التاریخیة ، هذا الشکل هو عبارة عن اتجاهات موضوعیة من مسار التاریخ وفی حرکة الانسان وفی ترکیب الانسان ، یمکن ان یتحدى على الشوط القصیر ولکن سنن التاریخ لا تقبل التحدی على الشوط الطویل الا أن الشوط القصیر والطویل هنا لیس بحسب طموحاتنا ، بحسب حیاتنا الاعتیادیة یوم أو یومین لان الیوم الواحد فی کلمات الله وفی سنن الله کألف سنة مما نحسب ، هذا هو الشکل الثالث ، الدین هو المثال الرئیسی للشکل الثالث من أجل ان نعرف ان الدین لیس سنة من سنن التاریخ .. ما هو دوره ؟ ما هو موقعه ؟ لماذا أصبحت سنة من سنن التاریخ لیس مجرد تشریع وانما هو سنة ، یعنی حاجة اساسیة موضوعیة حاله حال قانون الزوجیة بین الذکر والانثى هو سنة موضوعیة لماذا صار هکذا ؟ وکیف صار هکذا ؟ وما هو دوره کسنة تاریخیة من سنن التاریخ ؟
لکی نعرف ذلک یجب أن نأخذ المجتمع ونحلل عناصر المجتمع على ضوء القرآن الکریم لنصل الى مغزى قولنا ان الدین سنة من سنن التاریخ .
کیف نحلل المجتمع ؟ نحلل عناصر المجتمع على ضوء هذه الآیة الکریمة « واذ قال ربک للملائکة انی جاعل فی الارض خلیفة ، قالوا أتجعل فیها من یفسد فیها ویسفک الدماء ونحن نسبح بحمدک ونقدس لک ، قال انی اعلم ما لا تعلمون »(9)
تعطینا هذه الآیة أروع وادق وأعمق صیغة لتحلیل عناصر المجتمع .
المصادر :
1- سورة الرعد : الآیة /11
2- سورة الجن : الآیة /16
3- سورة الاسراء : الآیة /16
4- سورة الرعد : الآیة /11
5- سورة الشورى : الآیة /13
6- سورة النون : الآیة /30
7- سورة الحج : الآیة /47
8- سورة المعارج : الآیة /4 ـ 8
9- سورة البقرة : الآیة /30

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي
في أن الاستقامة إنما هي على الولاية
صُبت علـَـيَ مصـــائبٌ لـ فاطمه زهراعليها ...
التقیة لغز لا نفهمه
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
وصول الامام الحسین(ع) الى کربلاء
دعاء الامام الصادق عليه السلام
الصلوات الكبيرة المروية مفصلا
الشفاعة فعل الله
أخلاق أمير المؤمنين

 
user comment