عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

للرجعة احکام

للرجعة احکام
 

يستفاد من مجموع الأخبار المستفيضة من طرق الإمامية أنَّ الراجعين صنفان من المؤمنين والكافرين ، فقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « إنَّ الرجعة ليست بعامة ، وهي خاصة ، لا يرجع إلاّ من محض الإيمان محضاً أو محض الشرك محضاً » (1) أما سوىٰ هذين الصنفين فلا رجوع لهم إلىٰ يوم المآب.

من هم الراجعون ؟

من حصيلة مجموع الروايات الواردة في هذا الباب نلاحظ أنّها تنصّ علىٰ رجعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله‌ وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام والإمام الحسين عليه‌السلام وكذلك باقي الأئمة والأنبياء عليهم‌السلام.وتنصّ كذلك علىٰ رجعة عدد من أنصار الإمام المهدي عليه‌السلام ووزرائه ، وبعض أصحاب الأئمة وشيعتهم ، ورجعة الشهداء والمؤمنين ، ومن جانب آخر تنصّ علىٰ رجعة الظالمين وأعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم‌السلام ، وخصوم الأنبياء والمؤمنين ، ومحاربي الحق والمنافقين (2) ، وجميع هؤلاء لا يخرجون من الصنفين المذكورين في الحديث المتقدم.

هل ثمة رجعة بعد عصر الظهور ؟

استفاضت الأخبار من عدة طرق بحديث الرجعة في عصر الإمام المهدي عليه‌السلام وعدّها الشيخ المفيد قدس‌سره من علامات الظهور ، حيثُ قال في باب ذكر علامات القائم عليه‌السلام من كتاب ( الارشاد ) : قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه‌السلام وحوادث تكون أمام قيامه وآيات ودلالات ، فمنها خروج السفياني.. إلىٰ أن قال : وأموات ينشرون من
القبور حتىٰ يرجعوا إلىٰ الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.. إلىٰ أن قال :
فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة ، فيتوجهون نحوه لنصرته.وقد روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «‎ أيام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم ، ويوم الكرة ، ويوم القيامة ». وهو يدلُّ علىٰ أنَّ هناك كرة بعد عصر الإمام صاحب الزمان عليه‌السلام ، ويستفاد من روايات الرجعة أنّ لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام كرات عدة، وأنّ الإمام الحسين عليه‌السلام يكرُّ بعد عصر الظهور (3).
وفي هذا السياق يقول السيد عبدالله شبر : يجب الإيمان بأصل الرجعة إجمالاً ، وأنَّ بعض المؤمنين وبعض الكفّار يرجعون إلىٰ الدنيا ، وإيكال تفاصيلها إليهم عليهم‌السلام والأحاديث في رجعة أمير المؤمنين والحسين عليهما‌السلام متواترة معنىً ، وفي باقي الأئمة قريبة من التواتر ، وكيفية رجوعهم هل هو علىٰ الترتيب أو غيره ، فكل علمه إلىٰ الله سبحانه وإلى أوليائه.

حكم الرجعة :

هل الرجعة من أصول الدين ؟ وهل الإسلام منوط بالاعتقاد بها ؟
وما هي الأحكام التي أصدرها علماء الإمامية بشأن متأولي الرجعة ؟
الرجعة وأُصول الإسلام :
تعتقد الشيعة الإمامية بالرجعة من بين الفرق الإسلامية طبقاً لما ورد وصح من الأحاديث المروية عن أهل بيت الرسالة عليهم‌السلام ، وليس هذا بمعنىٰ أنّ عقيدة الرجعة تعدُّ واحدة من أُصول الدين ، ولا هي في مرتبة الاعتقاد بالله وتوحيده أو بدرجة النبوة والمعاد ، بل هي من ضروريات المذهب كما تقدم.
ولا يترتب علىٰ الاعتقاد بالرجعة إنكار لأي حكم ضروري من أحكام الإسلام ، وليس ثمة تضاد بين هذا الاعتقاد وبين أُصول الإسلام.
يقول الشيخ المظفر : إنّ الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد ، ولا في عقيدة النبوة ، بل يؤكد صحة العقيدتين ، إنّ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالىٰ كالبعث والنشور ، وهي من الاُمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا محمد وآل بيته عليهم‌السلام ، وهي عيناً معجزة إحياء الموتىٰ التي كانت للمسيح عليه‌السلام بل أبلغ هنا لأنّها بعد أن يصبح الأموات رميماً ( قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ).
ويقول أيضاً : والرجعة ليست من الاُصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها ، وإنّما اعتقادنا بها كان تبعا للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت عليهم‌السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب ، وهي من الاُمور الغيبية التي أخبروا عنها ، ولا يمتنع وقوعها.

الاختلاف في معنىٰ الرجعة :

رغم أنّ الأخبار قد تضافرت عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام بوقوع الرجعة إلىٰ الدنيا بعد الموت ، والإمامية بأجمعها علىٰ ذلك أخذاً بالروايات الصريحة الواردة في هذا الباب ، لكن البعض من المتقدمين تأول ما ورد في الرجعة بأنَّ معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلىٰ آل البيت عليهم‌السلام بظهور الإمام المنتظر عليه‌السلام من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتىٰ ، وإلىٰ هؤلاء المتأوّلين يشير الشيخ المفيد قدس‌سره بقوله : اتفقت الإمامية علىٰ رجعة كثير من الأموات إلىٰ الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنىٰ الرجعة اختلاف.
وأشار إلىٰ هذا الاختلاف العلاّمة الطبرسي في تفسيره الآية 83 من سورة النمل حيث قال : استدلّ بهذه الآية علىٰ صحة الرجعة من ذهب إلىٰ ذلك من الإمامية (4).
وقد ذكر هذا الاختلاف الشيخ أبو زهرة حيثُ قال : ويظهر أنّ فكرة الرجعة علىٰ هذا الوضع ليست أمراً متّفقا عليه عند إخواننا الاثنىٰ عشرية ، بل فريق لم يعتقده.
إذن هناك متأولون للرجعة من بين الشيعة الإمامية ، فهؤلاء ينكرون الرجعة بالمعنىٰ الذي ذهبت إليه أكثر الشيعة الإمامية أخذاً بالأخبار والروايات الواردة فيها ، ولم يصرّح أحد بكفر هؤلاء أو خروجهم من الإسلام ، لأنّهم لم ينكروا أصل الاعتقاد بالرجعة والروايات المتكاثرة الواردة فيها.
علىٰ أنَّ المحققين من أعلام الطائفة قد أجابوا هؤلاء عن قولهم بما لا مزيد عليه ، قال السيد المرتضى علم الهدىٰ مجيباً علىٰ سؤال بهذا الخصوص ، وهو من جملة المسائل التي وردت عليه من الري : فأمّا من تأول الرجعة من أصحابنا علىٰ أنّ معناها رجوع الدولة من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات ، فانّ قوماً من الشيعة لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة وبيان جوازها وأنها تنافي التكليف عوّلوا علىٰ هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة ، وهو منهم غير صحيح ، لأنَّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فتتطرق التأويلات عليها ، وكيف يثبت ما هو مقطوع علىٰ صحته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم ، وإنما المعول في إثبات الرجعة علىٰ إجماع الإمامية علىٰ معناها ، بأنَّ الله يحيي أمواتاً عند قيام القائم عليه‌السلام من أوليائه وأعدائه علىٰ ما بيناه ، فكيف يتطرق التأويل على ما هو معلوم ، فالمعنىٰ غير محتمل.

حكم متأولي الرجعة :

علىٰ ضوء ما تقدّم ، تبين لنا أن الرجعة من ضروريات المذهب عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، وان كان هناك في السابقين منهم قول بتأويل رواياتها ، لكن القائل بالتأويل لا ينكرها ، لالتفاته إلىٰ أنَّ الانكار مع العلم بالروايات وتواترها تكذيبٌ لأهل العصمة المخبرين بها ، والعياذ بالله.
وبالجملة : فإنَّ حال الاعتقاد بالرجعة حال سائر الاُمور الضرورية في المذهب ، فإنَّه ـ بعد ثبوت كونه من الضروريات ـ يجب الاعتقاد به ، لكن الاعتقاد بالتفاصيل والجزئيات غير واجب.
وأمّا تفاصيل الأحكام المترتبة علىٰ انكار الضروري من المذهب أو الدين ، فليرجع فيها إلىٰ الكتب الاعتقادية والفقهية.

الهدف من الرجعة :

إنَّ أحداث آخر الزمان لا تزال في ظهر الغيب ، إلاّ أننا نستطيع أن نقرأ الحكم عليها أيضاً ، لأنّ العدل الإلهي مطلق لا يحدّه زمان ولا مكان ، والحكم بالعدل أصيل علىٰ أحداث الماضي والحاضر والمستقبل ، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله تعالىٰ ذلك اليوم حتىٰ يأتي بالخير المخبوء المتمثّل بمهدي آخر الزمان عليه‌السلام ورجاله ليجتثَّ مؤسسات الباطل وأجهزة الظلم والجور ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً
وجوراً قال تعالىٰ : ( وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ).
إنَّ تطبيق العدالة السماوية في الأرض قبل يوم المحشر وقيام الناس للحساب الأكبر يشمل ثلّة من الماضين كما يشمل الذين هم في زمان
ظهور الإمام عليه‌السلام ، والماضون هم أُولئك الذين حكم عليهم بالعودة إلىٰ الحياة مرة أُخرىٰ ، ويشكّلون لفيفاً متميزاً من المؤمنين والظالمين ، يعودون لينال المجرمون الذين محضوا الكفر محضا جزاء ما اقترفته أيديهم الآثمة من الظلم والفساد ومحاربة أولياء الله وعباده المخلصين ، وما يستحقونه من حدود الله تعالىٰ التي عطّلوها وأسقطوها من حسابهم ، واستبدلوها بالكفر والطغيان ، ليذوقوا العذاب في دار الدنيا ولعذاب الآخرة أشدَّ وأخزىٰ.
وعودة المؤمنين تعني انتصار أولياء الله الذين محضوا الإيمان محضاً بعد أن ذاقوا الويل والعذاب لدهور طويلة من قبل أولئك المتسلطين والمتجبرين ، وهذا المعنىٰ يمكن أن نستشعره في قوله تعالىٰ : ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) فهو يعني أنَّ الذين ذاقوا العذاب في هذه الدنيا علىٰ كفرهم وطغيانهم لا يرجعون إليها ، وإنما يرجعون في القيامة ليذوقوا العذاب في نارها ، والعودة إلىٰ الدنيا إنَّما تختصُّ بغيرهم من الكافرين والظالمين المفسدين في الأرض الذين لم يذوقوا ألم القصاص فيها ، ولا يصحّ أن يكون المراد بالآية أنّهم لا يرجعون في القيامة لوضوح بطلانه.
ويمكن من خلال دراسة الأحاديث الواردة في هذا المجال وأقوال الأعلام تحديد ثلاثة أهداف ينطوي عليها هذا الأمر الخارق :
1 ـ القتال علىٰ الدين ، فقد روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «‎ كنت مريضا بمنىٰ وأبي عليه‌السلام عندي ، فجاءه الغلام فقال : هاهنا رهط من العراقيين يسألون الأذن عليك. فقال أبي عليه‌السلام : أدخلهم الفسطاط ، وقام إليهم ودخل عليهم ، فما لبثت أن سمعتُ ضحك أبي عليه‌السلام قد ارتفع ، فأنكرت ذلك ووجدت في نفسي من ضحكه وأنا في تلك الحال.
ثم عاد إليَّ فقال : يا أبا جعفر ، عساك وجدت في نفسك من ضحكي ؟
فقلتُ : وما الذي غلبك منه الضحك ، جعلت فداك ؟
فقال : إنَّ هؤلاء العراقيين سألوني عن أمرٍ كان مَن مضىٰ مِن آبائك وسلفك يؤمنون به ويقرون ، فغلبني الضحك سروراً أنَّ في الخلق من يؤمن به ويقرُّ.
فقلت : وما هو ، جعلت فداك ؟
قال : سألوني عن الأموات متىٰ يبعثون فيقاتلون الأحياء علىٰ الدين (5) ».
2 ـ مقاتلة أعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال : «‎ العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب » فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه ؟ فقال : ‎« وأيّ عجب أعجب من أموات يضربون كلّ عدو لله ولرسوله ولأهل بيته ، وذلك تأويل هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) ».
3 ـ إقامة القصاص والعدل ، فقد روي عن الإمام موسىٰ بن جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «‎ لترجعنَّ نفوس ذهبت ، وليقتصنَّ يوم يقوم ، ومن عُذّب يقتصّ بعذابه ومن أُغيظ أغاظ بغيظه ، ومن قُتِل اقتصّ بقتله ، ويردّ لهم أعداؤهم معهم حتىٰ يأخذوا بثأرهم ، ثم يعمّرون بعدهم ثلاثين شهراً ، ثم يموتون في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم ، وشفوا أنفسهم ، ويصير عدوّهم إلىٰ أشد النار عذاباً ، ثم يوقفون بين يدي الجبّار عزَّ وجل فيؤخذ لهم بحقوقهم » (6).
وفي هذا المجال يقول الشيخ المفيد : إنَّ الله تعالىٰ يردّ قوماً من الأموات إلىٰ الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزُّ منهم فريقاً ، ويذلُّ فريقا ، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه‌السلام ، وإنَّ الراجعين إلىٰ الدنيا فريقان :
أحدهما من علت درجته في الإيمان ، وكثرت أعماله الصالحات وخرج من الدنيا علىٰ اجتناب الكبائر الموبقات ، فيريه الله عزَّ وجلَّ دولة الحق ويعزّه بها ، ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه ، والآخر من بلغ الغاية في الفساد ، وانتهىٰ في خلاف المحقين إلىٰ أقصىٰ الغايات ، وكثر ظلمه لأولياء الله ، واقترافه السيئات ، فينتصر الله تعالىٰ لمن تعدىٰ عليه قبل الممات ، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات ، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلىٰ الموت ، ومن بعده إلىٰ النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب ، وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار ، والامامية بأجمعها عليه إلاّ شذاذا منهم تأوّلوا ما ورد فيه علىٰ وجه يخالف ما وصفناه .

الرجعة عند العامّة

ليس للرجعة في كتب العامّة أثر يذكر سيّما بالمعنىٰ الذي جاء في روايات أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، إلاّ علىٰ سبيل بيان آراء الشيعة أو التشنيع عليهم ، ولكنهم نقلوا روايات في رجوع الأموات إلىٰ الحياة الدنيا ولم يستنكروها بل عدوها من المعاجز أو الكرامات.وقد ألف ابن أبي الدنيا أبو بكر عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان الأموي القرشي المتوفى سنة ( 281 ه‍ ) كتاباً في ذلك عنوانه ( من عاش بعد الموت ) وصدر هذا الكتاب محققاً عن دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1987 م.
وأفرد أبو نعيم الأصفهاني في « الدلائل » ، والسيوطي في « الخصائص » باباً في معجزات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إحياء الموتىٰ ، وروىٰ الماوردي والقاضي عياض بعض معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إحياء الموتىٰ ، وذكر السيوطي كرامات في إحياء الموتىٰ لغير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
ورووا أنَّ زيد بن حارثة والربيع بن خراش ورجلاً من الأنصار قد تكلموا بعد الموت ، وأنَّ ربعي بن حراش الغطفاني تبسّم بعد الموت ، وأن أبا القاسم الطلحي إسماعيل بن محمد الحافظ قد ستر سوأته بعد موته ، وأن شيبان النخعي ـ وقيل : نباتة بن يزيد ـ أحيا حماره ، وأنَّ أبا المعالي سراج الدين الرفاعي المتوفى سنة ( 885 ه‍ ) أحيا شاةً ، وأمات رجلاً ، وأنَّ الماجشون مات وحيي (7). وغيرها مما يفوق حدّ الاحصاء.
ونقل محيي الدين عبدالقادر بن شيخ العيدروسي في النور السافر حوادث سنة ( 914 ه‍ ) كرامات كثيرة للشيخ أبي بكر بن عبدالله باعلوي المتوفىٰ سنة 914 ه‍ ، منها أنّه لمّا رجع من الحجّ دخل زيلع ، وكان الحاكم بها يومئذٍ محمد بن عتيق ، فاتّفق أنّه ماتت أُمّ ولد للحاكم المذكور ، وكان مشغوفاً بها ، فكاد عقله يذهب لموتها ، قال : فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدة الجزع ، ليعزيه ويأمره بالصبر والرضا بالقضاء ، وهي مسجّاة بين يدي الحاكم بثوب ، فعزّاه وصبّره ، فلم يفد فيه ذلك ، وأكبّ علىٰ قدم سيدي الشيخ يقبّلها ، وقال : يا سيدي ، إن لم يحيي الله هذه متُّ أنا أيضاً ، ولم تبق لي عقيدة في أحد !
فكشف سيدي وجهها ، وناداها باسمها فأجابته : لبيك ، وردَّ الله روحها ، وخرج الحاضرون ، ولم يخرج سيدي الشيخ حتىٰ أكلت مع سيدها الهريسة ، وعاشت مدّة طويلة (8).
ومن يروي مثل هذه الروايات مخبتا إليها دون أي غمزٍ فيها ، لماذا يستحيل القول بالرجعة ، وهل الرجعة إلاّ رجوع الحياة للميت بعد زهوق نفسه ، والأخبار التي ذكرناها ما هي إلاّ من مصاديقها وتدلّ علىٰ جوهرية إمكانها وجوازها عقلاً.
وفي هذا السياق يقول الاستاذ مروان خليفات : وقد قال الحافظ جلال الدين السيوطي بالرجعة ، لكن بمعنىٰ مختلف عن الذي تقول به الإمامية ، فقد ادعىٰ إمكانية رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليقظة ، وألّف رسالة في ذلك هي ( إمكان رؤية النبي والملك في اليقظة) وادعىٰ السيوطي رؤيته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضعاً وسبعين مرة كلها في اليقظة.
واعتقاد السيوطي هذا شبيه باعتقاد الشيعة بالرجعة ، وقوله برجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليقظة لا يختلف عن قول الشيعة برجوع بعض الأموات إلىٰ الحياة ، فلماذا يشنّع علىٰ الشيعة لاعتقادهم الرجعة ، ولا يشنع علىٰ السيوطي ؟! بل إنّه ما زال محل احترام وتقدير من جميع المذاهب ، فكلَّ من يطعن بعقيدة الشيعة في الرجعة ، فهو طاعن بالسيوطي الملقب بشيخ الإسلام.
وحين تكلم محمد بن علي الصبّان في « اسعاف الراغبين ص161 » ـ وهو من العامّة ـ عن طرق معرفة عيسى الأحكام الإسلامية بعد نزوله ، قال :
ومنها ـ أي الطرق ـ أنّ عيسىٰ إذا نزل يجتمع به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا مانع من أن يأخذ عنه ما يحتاج إليه من أحكام شريعته ، واعتقاد الاجتماع برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعني رجوعه إلىٰ الدنيا في زمان الظهور.

موقف العامّة من الرجعة :

القول بالرجعة يعدُّ عند العامّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها ، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها ، وكان علماء الجرح والتعديل ولا يزالون إذا ذكروا بعض العظماء من رواة الشيعة ومحدثيهم ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه لوثاقته وورعه وأمانته ، نبذوه بأنّه يقول بالرجعة ، فكأنّهم يقولون يعبد صنماً أو يجعل لله شريكاً ، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تُنبز به الشيعة الإمامية ويُشنّع به عليهم.
ولنأخذ مثالاً علىٰ ذلك جابر بن يزيد الجعفي ، فالثابت عند أغلب أهل الجرح والتعديل من العامّة أنّ جابراً كان ثقة صدوقاً في الحديث.
قال سفيان : كان جابر ورعاً في الحديث ، ما رأيت أورع في الحديث منه .
وقال إسماعيل بن عُلية : سمعتُ شعبة يقول : جابر الجعفي صدوق في الحديث .
وقال شعبة : لا تنظروا إلىٰ هؤلاء المجانين الذي يقعون في جابر الجعفي ، هل جاءكم عن أحدٍ بشيءٍ لم يقله .
وقال وكيع : مهما شككتم في شيءٍ ، فلا تشكّوا في أنَّ جابراً ثقة ، حدثنا عنه مسعر ، وسفيان ، وشعبة ، وحسن بن صالح .
وقال محمد بن عبدالله بن عبدالحكم : سمعت الشافعي يقول : قال سفيان الثوري لشعبة : لئن تكلّمت في جابر الجعفي لأتكلمنّ فيك (9).
وقال معلّىٰ بن منصور الرازي : قال لي أبو معاوية : كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي ، وكنت أدخل عليه فأقول : من كان عندك ؟
فيقول : شعبة وسفيان.
وكان جابر أحد الذين أُخذ عنهم العلم ، فقد وصفه الذهبي بأنه أحد أوعية العلم .
وقال عبدالرحمن بن شريك : كان عند أبي عن جابر الجعفي عشرة آلاف مسألة .
وعن الجراح بن مليح ، قال : سمعتُ جابراً يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تركوها كلّها .
وعن سلام بن أبي مطيع ، قال : سمعتُ جابراً الجعفي يقول : إنَّ عندي خمسين ألف حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حدّثت بها أحداً .
وروي نحو ذلك عن زهير بن معاوية.إذن فلماذا ترك بعضهم حديث جابر ، واتهموه بالكذب في الحديث
تارة ، وبالرفض أُخرىٰ ، وضعفوه ، ونهوا عن كتابة حديثه (10) ؟
والجواب كما تجده عند أقطابهم لا يعدو أكثر من نقطتين :
الاُولىٰ : اعتقاده الجازم بأولوية أهل البيت عليهم‌السلام بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع
الخلق وكونهم أوصياءه وحملة علمه.فلقد عابوا عليه أن يقول : حدثني وصيّ الأوصياء. ، يريد بذلك الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام.
وذكر شهاب أنّه سمع ابن عيينة يقول : تركت جابراً الجعفي وما سمعتُ منه قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً فعلمه مما تعلم ، ثم دعا علي الحسن فعلمه مما تعلم ، ثم دعا الحسن الحسين فعلمه مما تعلم ، ثم دعا ولده... حتىٰ بلغ جعفر بن محمد.
قال سفيان : فتركته لذلك .
وسمعه يقول أيضاً : انتقل العلم الذي كان في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ علي ، ثم انتقل من علي إلىٰ الحسن ، ثم لم يزل حتىٰ بلغ جعفراً .
وكأنهم لم يسمعوا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم ، وعليٌّ بابها » ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «‎ أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها ».
الثانية : قوله بالرجعة ، وعليه إجماعهم.قال أبو أحمد بن عدي : عامّة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة (11).
ونخلص من كلِّ ما تقدم أنّ جابراً كان قد أخذ هذه العقيدة من عترة المصطفىٰ عليهم‌السلام الذين أُمرنا بالتمسك بهم بدليل حديث الثقلين ، ولو كانت هذه العقيدة غير ثابتة عنهم عليهم‌السلام لوردَ ولو حديث واحد يدل علىٰ منع جابر من القول بالرجعة ، علىٰ أنّه قد أظهر القول بها في حياة الصادقين عليهما‌السلام ، لأنّه مات في حياة الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام كما تقدم ، وقد كان خلال ذلك متوفّراً علىٰ خدمتهم والأخذ عنهم عليهم‌السلام.
إذن فالطعن في جابر لقوله بالرجعة هو طعن في عقائد أهل البيت عليهم‌السلام ومدرسة الإسلام الأصيل المتمثلة بالإمامين محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما‌السلام.
قال السيد ابن طاووس في كتاب ( الطرائف ) : روىٰ مسلم في صحيحه في أوائل الجزء الأول باسناده إلىٰ الجراح بن مليح ، قال : سمعتُ جابراً يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر محمد الباقر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تركوها كلها ، ثم ذكر مسلم في صحيحه باسناده إلىٰ محمد بن عمر الرازي ، قال : سمعتُ حريزاً يقول : لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه لأنّه كان يؤمن بالرجعة.
ثم قال : انظر رحمك الله كيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برواية أبي جعفر عليه‌السلام الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم ، ثم إنّ أكثر المسلمين أو كلّهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا وحديث إحياء الله تعالىٰ الأموات في القبور للمساءلة ، ورواياتهم عن أصحاب الكهف ، وهذا كتابهم يتضمن ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) والسبعون الذين أصابتهم الصاعقة مع موسىٰ عليه‌السلام ، وحديث العزير ، ومن أحياه عيسىٰ بن مريم عليه‌السلام ، وحديث جريج الذي أجمع علىٰ صحته أيضاً. فأيّ فرق بين هؤلاء وبين ما رواه أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم من الرجعة ، وأي ذنبٍ كان لجابر في ذلك حتىٰ يسقط حديثه ؟
ولا ريب أنّ هذا من نوع التهويلات التي تتخذها الطوائف الإسلامية ذريعة لطعن بعضها في بعض والدعاية ضده ، ولا نرىٰ في الواقع ما يبرر هذا التهويل ضد أمرٍ لا يحيطون به علماً.
روىٰ حماد عن زرارة ، أنّه قال : سألت أبا عبدالله الصادق عليه‌السلام عن هذه الاُمور العظام من الرجعة وأشباهها. فقال عليه‌السلام : ‎« إنّ هذا الذي تسألون عنه لم يجيء أوانه ، وقد قال الله عزَّ وجل : ( بَل كذّبُوا بِما لم يُحيطُوا بعلمِهِ ولمَا يأتِهِم تأويلُهُ ) » (12).
يقول الشيخ محمد جواد مغنية : أما الأخبار المروية في الرجعة عن أهل البيت عليهم‌السلام فهي كالأحاديث في الدجال التي رواها مسلم في صحيحه القسم الثاني من 2 : 1316 طبعة سنة 1348 ه‍ ، ورواها أيضاً أبو داود في سننه 2 : 542 طبعة سنة 1952 م وكالأحاديث التي رويت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنَّ أعمال الأحياء تعرض علىٰ أقاربهم الأموات في كتاب مجمع الزوائد للهيثمي 1 : 228 طبعة سنة 1352 ه‍.إنَّ هذه الأحاديث التي رواها العامّة في الدجال وعرض أعمال الأحياء علىٰ الأموات وما إلىٰ ذلك تماماً كالأخبار التي رواها الشيعة في الرجعة عن أهل البيت عليهم‌السلام !
وفي هذا الصدد ينبغي الالتفات إلىٰ أنَّ هناك بعض الخرافات التي تمتزج أحياناً في الحديث عن الرجعة فتشوّه وجهها في نظر البعض حتىٰ من الشيعة الإمامية ، يقول الحرّ العاملي قدس‌سره في مقدمة كتابه ( الايقاظ من الهجعة ) : قد جمع بعض السادات المعاصرين رسالة ( اثبات الرجعة ) التي وعد الله بها المؤمنين والنبي والأئمة الطاهرين عليهم‌السلام وفيها أشياء غريبة مستبعدة لم يعلم من أين نقلها ، ليظهر أنّها من الكتب المعتمدة ، فكان ذلك سببا لتوقف بعض الشيعة عن قبولها حتىٰ انتهىٰ إلىٰ إنكار أصل الرجعة وحاول إبطال برهانها ودليلها ، وربما مال إلىٰ صرفها عن ظاهرها وتأويلها ، مع أنَّ الأخبار بها متواترة ، والأدلة العقلية والنقلية علىٰ إمكانهاووقوعها كثيرة متظاهرة.(13)
إذن يجب أن نعوّل علىٰ الأحاديث الصحيحة في هذا الشأن ، وأن نتجنب الأحاديث المشكوكة أو المطعون فيها.
المصادر :
1- مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 34. وبحار الأنوار 53 : 39 / 1.
2- تفسير القمي 2 : 147. وغيبة النعماني : 234 / 22. و الكافي ، للكليني 8 : 206 / 250.و رجال الكشي : 217 / 391. ودلائل الإمامة ، للطبري : 247 و 248. تفسير العياشي 1 : 181 / 77 و 2 : 112 / 139.
3- الارشاد 2 : 368 ـ 370./الخصال ، للصدوق : 108 / 75. وبحار الأنوار 53 : 74 / 75 و 98 / 114 و 101 / 123. تفسير العياشي 2 : 326 / 24.
4- عقائد الإمامية : 109. والآيتان من سورة يس 36 : 78 ـ 79/ أوائل المقالات : 46
5- مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 20 و 24. وبحار الأنوار 53 : 67 / 62.
6- بحار الأنوار 53 : 60 / 48 والآية من سورة الممتحنة 60 : 13. مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 28. وبحار الأنوار 53 : 44 / 16. 
7- البداية والنهاية 6 : 156 و 158. وتاريخ ابن عساكر 5 : 298. وفيات الأعيان 2 : 461. ومرآة الجنان 1 : 351. وتهذيب التهذيب : 389. وشذرات الذهب 1 : 259.
8- الغدير 11 : 190. وشذرات الذهب 8 : 63.
9- تهذيب الكمال 4 : 467. وتاريخ الإسلام ، للذهبي ( وفيات سنة 121 ـ 140 ه‍ ) : 59. وميزان الاعتدال 1 : 379. وتهذيب التهذيب 2 : 47.
10- تهذيب الكمال 4 : 468. وتهذيب التهذيب 2 : 47. تاريخ الإسلام ، للذهبي ( وفيات سنة 121 ـ 140 ه‍ ) : 59 صحيح مسلم ـ المقدمة : 25. وميزان الاعتدال 1 : 383..
11- ميزان الاعتدال 1 : 383. وتهذيب التهذيب 3 : 49. وجامع الاُصول 9 : 473. سنن الترمذي 5 : 637. ومصابيح السُنّة 4 : 174.
12- بحار الأنوار 53 : 140. وحق اليقين ، لعبدالله شبر 2 : 35.
13- الذريعة ، للشيخ آقا بزرك 1 : 94. الايقاظ من الهجعة ، للعاملي : 3. 

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حد الفقر الذی یجوز معه اخذ الزکاة
ومن وصيّة له لولده الحسن (عليهما السلام): [يذكر ...
شبهات حول المهدي
الدفن في البقيع
ليلة القدر خصائصها وأسرارها
آداب الزوجین
مفاتيح الجنان(600_700)
ما هو الدليل على أحقية الامام علي(علیه السلام) ...
الموالي في عصر الأمويين
ما هي ليلة الجهني، و لماذا سُمِّيت بالجهني؟

 
user comment