عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

موقف السنة من العصمة

موقف السنة من العصمة

قبل الدخول بالموضوع ألفت النظر إلى قصة تُحکى ولها دلالتها فی موضوعنا وهی : أن شخصا مدینا جُلب إلى الحاکم فسأله الحاکم هل أنت مدین لهذا المدعی ؟ قال : نعم ، أنا مدین ولکنی منکر للدین ، إن هذه القصة تشبه تماما موقف من ینکر علینا القول بالعصمة وفی الوقت ذاته یقول بها .
على أننا إنما نشترط العصمة فی الإمام لضمان وصول أحکام وعقائد صحیحة ، ولضمان اجتناب المفارقات التی قد تنشأ من کون الإمام غیر معصوم ، ولا نرید من العصمة أن تکون وساما نضعه على صدور الأئمة فإن لهم من فضائلهم ما یکفیهم کما أننا لا نسبح فی بحر من الطوبائیة لأننا نعیش دنیا الواقع بکل مفارقاتها ، إننا من وراء القول بالعصمة نربأ بالإمام أن یکون من سنخ من نراهم من الناس ، لأنه لو کان من نفس السنخ والسلوکیة فما هی میزته حتى یحکم الناس وفی الناس من هو أکثر منه استقامة ومؤهلات وقابلیة ، تلک هی الأمور التی نریدها من وراء العصمة لا أن المعصوم من نوع آخر غیر نوع الإنسان کما قد یتصور البعض .
فالعصمة فی نظرنا ضابط یؤدی إلى حفظ شریعة الله تعالى نظریا وصیانتها من العبث تطبیقیا ، وأساطین السنة یذهبون لمثل ذلک ولکنهم فی الوقت نفسه ینکرون علینا القول بها وإلیک نماذج من أقوالهم لتعرف صحة ما نسبناه لهم :
1 - الرازی : یذهب الرازی فی معرض رده على عصمة الإمام عند الشیعة : إلى أن لا حاجة إلى إمام معصوم ، وذلک لأن الأمة حال إجماعها تکون معصومة لاستحالة اجتماع الأمة على خطأ ، بمقتضى حدیث رسول الله ( صلی الله علیه وآله وسلم) لا تجتمع أمتی على ضلالة ( 1 ) .
ومع غض النظر عن صحة وعدم صحة هذا الحدیث ، نسأل هل مثل هذا الإجماع ممکن بحیث یضم کل مسلم فی شرق الأرض وغربها ، قد یکون الجواب إن المسلمین یمثلون فی هذا الإجماع بأهل الحل والعقد ، وهنا نسأل : من هم وما عددهم ؟ وهل هم محصورون فی مکان معین ؟ وما الدلیل على ذلک ؟
ثم نسأل : هل المجموع إلا ضم فرد إلى فرد فإذا جاز الخطأ على الأفراد جاز على المجموع المکون من الأفراد ، إن الإمام ابن تیمیة یجیب على ذلک بأنه لا یلزم أن یخطأ المجموع إذا أخطأ الأفراد لأن للجمع خاصیة لا توجد فی الأفراد ، ومثلها مثل اللقمة الواحدة لا تشبع بینما مجموع اللقم یشبع ، والعصا الواحدة تکسر فی حین مجموع العصی لا یکسر ، إلى أن یقول قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : الشیطان مع الواحد وهو مع الاثنین أبعد ( 2 ) وما أدری ما هو وجه الشبه بین کون اللقم تشبع بعکس اللقمة الواحدة ، وبین کون المجموع یعصم والأفراد لا تعصم ، وذلک لأن اللقمة تحمل قابلیة الإشباع بنسبة معینة فإذا ضمت إلى مثلها اجتمعت هذه الأفراد من قابلیة الإشباع فکونت إشباعا کاملا ، وکذلک العصا تحمل نسبة من القوة فإذا ضمت لمثها کونت قوة کافیة ، وأین هذا من الفرد المخطئ فإنه لا یکون نسبة من الصحة إذا ضمت لغیرها کونت مجموعا صحیحا ، بل بالعکس فالفرد یمثل هنا نسبة من الخطأ إذا ضمت لمثلها تضاعف الخطأ وکون خطأ کبیرا ، إن هذا القیاس مع الفارق ، هذا من ناحیة ، ومن ناحیة أخرى فإن ابن تیمیة لم ینف فکرة العصمة وإنما نفى أن تکون لواحد لیس إلا فکأن العقدة أن تکون لواحد أما لو نسبت لجماعة فلا إشکال ومن ناحیة ثالثة إنه إنما اشترط العصمة للأمة من أجل الثقة وضمان سلامة الأحکام وهو عین الهدف الذی تذهب إلیه الشیعة وأنا أنقل لک رأیه مفصلا : رأی ابن تیمیة فی العصمة قال ابن تیمیة عند رده على الشیعة عند قولهم : إن وجود الإمام المعصوم لا بد منه بعد موت النبی وذلک لأن الأحکام تتجدد تبعا للموضوعات ، والأحوال تتغیر وللقضاء على الاختلاف فی تفاسیر القرآن وفی فهم الأحادیث وغیر ذلک . ولو کانت عصمة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) وکمال الدین کافیین لما حدث الاختلاف ، فثبت أنه لا بد من إمام معصوم یبین لنا معانی القرآن ویعین لنا مقاصد الشرع کما هو مراده إلى آخر ما ذکروه فی المقام : فقال ابن تیمیة : لا یسلم أهل السنة أن یکون الإمام حافظا للشرع بعد انقطاع الوحی لأن ذلک حاصل للمجموع ، والشرع إذا نقله أهل التواتر کان ذلک خیرا من نقل الواحد ، فالقراء معصومون فی حفظ القرآن وتبلیغه ، والمحدثون معصومون فی حفظ الأحادیث وتبلیغها ، والفقهاء معصومون فی الکلام والاستدلال ( 3 )
ویختلف هنا ابن تیمیة عن الرازی فإذا کانت العصمة عند الرازی لمجموع الأمة فهی عند ابن تیمیة لجماعة من الناس کالقراء والفقهاء والمحدثین ، وهنا یشترط ابن تیمیة العصمة لضمان حفظ مضمون الشریعة کما هو الحال عند الآخرین من الشیعة وغیرهم ، فما الذی أجازها لمجموعة ومنعها عن فرد ؟ إن عدد المعصومین عند الشیعة لا یتجاوز الأربعة عشر وهم مجموعة منتخبة خصها الله تعالى بکثیر من الفضائل بإجماع فرق المسلمین فلماذا نستکثر علیهم العصمة ونجیزها لغیرهم مجرد سؤال ؟ رأی جمهور السنة فی العصمة یمکن القول أن جمهور السنة یصححون الحدیث المروی عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو قوله (صلی الله علیه وآله وسلم ) : " أصحابی ، کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم " ( 4)
ولازم هذا الحدیث عصمة الصحابة کما سیرد به التصریح من بعضهم لأن صحة الاقتداء بأی منهم ومتابعته فی الظلم لو حصلت حال کونه مرتکبا للذنب وهو الحاصل من کونه غیر معصوم فمعناه الأمر من الله تعالى باتباع العاصی والظالم ولو لنفسه وإذا لم یتابع ویعمل بما أراده النبی فإن معناه ترک أمر القرآن لأنه قال : (وَمَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ) ( 5 ) والصحابی هنا ینقل أمر الرسول ، فإن قلت إن الله تعالى أمرنا بأن نأخذ الحدیث من العادل الثقة لقوله تعالى : (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِن جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَن تُصِیبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ)(6) ، التی دلت بمفهومها على حجیة خبر العادل ، ونحن لا نأخذ الأمر إلا من العادل منهم ، قلت : إن ذلک یدل بالمفهوم على أن فیهم غیر العادل حینئذ وهو المطلوب . وعلى العموم إن لازم الحدیث المذکور عصمة الصحابة ، وما سمعنا من ینکر على هؤلاء فلماذا إذا قال الشیعة بعصمة أئمتهم ینتقدون ؟ التفتازانی والعصمة یقول التفتازانی وهو من أجلاء علماء السنة فی کتابه شرح المقاصد : احتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة : بالإجماع على إمامة أبی بکر وعمر وعثمان مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم ، وإن کانوا معصومین بمعنى أنهم منذ آمنوا کان لهم ملکة اجتناب المعاصی مع التمکن منها ( 7 ) وفی هذا النص أمور :
1 - إن التفتازانی هنا یصرح بعصمة الخلفاء الثلاثة .
2 - یقول : إن عصمتهم غیر واجبة بمعنى أنهم لا یقسرون علیها وإلا فلا یتصور تعلق الأحکام بالأمور التکوینیة وإنما مجال الأحکام السلوک الاختیاری والاستعداد لقبول العصمة أمر مخلوق فیهم .
3 - مفاد کلامه أن العصمة ملکة تمنع صاحبها من مقارفة الذنب لا على نحو سلب الاختیار وهذا عین ما یقوله الشیعة فی أئمتهم ولیرجع من شاء إلى بحث العصمة فی کتب الکلام الشیعة ، وعلى هذا فلماذا هذه الجعجعة یا مسلمون ؟
شمس الدین الأصفهانی ونور محمد والعصمة یذهب الحافظ نور محمد وشمس الدین الأصفهانی الأول فی تاریخ مزار شریف ، والثانی کما نقله عنه الغدیر إلى أن الخلیفة عثمان معصوم وقد نقله عن کتابه مطالع الأنظار . والرجلان من علماء أهل السنة
الإیجی والعصمة یذهب عبد الرحمن الإیجی صاحب کتاب المواقف فی نفس الکتاب إلى عصمة الخلفاء وعلى النحو الذی قال به التفتازانی فیما ذکرناه عنه أی أنها ملکة فیهم لا توجب سلب الاختیار وهو من علماء السنة وقد کشفت لنا هذه الجولة أن الشیعة لا ینفردون بالقول بالعصمة بل علماء السنة یذهبون لذلک ، إذاً فما هو وجه نسبتها إلى عبد الله بن سبأ وما هو وجه نقد الشیعة على القول بها ؟ ( 8)
أنا لا أرید أن أحشد للقارئ نقد کتب السنة ومؤلفیهم حول موضوع العصمة فإن کتبهم طافحة بذلک .
المصدر :
من کتاب هویة التشیع - الدکتور الشیخ أحمد الوائلی رحمه الله
1- المستصفى مبحث أرکان الإجماع .
2- نظریة الإمامة 117
3- نظریة الإمامة 120
4- طبقات الفقهاء للشیرازی ص 3
5- سورة الحشر/ 7
6- الحجرات/6
7- شرح المقاصد بتوسط الغدیر للأمینی ج9 ص 375
8- الغدیر ج9 ص 375

 

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حديث الغدير في مصادر أهل السنة
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
خصال الإمام
أدعية الإمام الرضا ( عليه السلام )
ما هو اسم الحسين عليه السلام
سورة الناس
نقد الذات
صلاة ألف ركعة
جنة آدم عليه السلام
الإقتباسات القرآنية في أشعار المواكب الحسينية (1)

 
user comment