عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

الامويون و إيذائهم للرسول

الامويون و إيذائهم للرسول

عندما انبثق نور الاسلام في مكة وبدأ يغمر سائر مدن الحجاز سعى الأمويون لإطفائه بكل ما لديهم من سطوة وحول. فبدؤا يؤذون الرسول الكريم بمختلف الأساليب ـ بشكل فردي متفرق أحياناً ، وجماعي منظم أحياناً أخرى. وتفنن الأمويون ـ ومن هم على شاكلتهم من المشركين ـ في ابتداع الوسائل الدنيئة لإيذاء رسول الله.
فبعثوا النظر بن الحرث ، وعقبة بن ابي معيط إلى أحبار اليهود لتأليبهم على النبي وتسفيه رسالته.
وأرسلوا عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص إلى الحبشة لإقناع النجاشي بطرد المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة تخلصاً من إيذاء المشركين.
وعذبوا المستضعفين من المسلمين ـ كبلال بن رباح الحبشي مؤذن الرسول ، وعمار بن ياسر وأمه وأبيه ، وخباب بن الأرت ، وصهيب بن سنان الرومي ، وعامر بن فهير ، وابي فكيهة ، ولبيبة وقد أسرف عمر بن الخطاب ـ أثناء شركة ـ في تعذيبها وتعذيب زبيرة ، وتعذيب أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن نفيل بن عبد العزى ـ ابن عمه ـ وخباب بن الارت. وكان شديداً على الرسول كذلك جارية بني مؤمل بن حبيب بن عدي ابن كعب ، وزنيرة ، والنهدية « وأم عبيس ـ وآخرين ».
« خرج عمر يوما متوشجاً بسيفه يريد رسول الله ... فلقيه نعيم بن عبد الله فقال أين تريد يا عمر؟ فقال : أريد محمداً هذا الصابي الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فاقتله. فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك يا عمر. اترى بني عبد مناف غير تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت !! ... فجاء إلى رسول الله ... فقال حمزة : ائذن له. فإن جاء يريد خيراً بذلناه له ، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه » (1)
ذلك ما يتصل بإيذاء الأمويين للرسول عن طريق إيذائهم لأتباعه.
ولما رأى الأمويون أن تعذيب أولئك الاتباع لم يزدهم إلا تعلقاً بالإسلام ونبيه وأن رسول الله سائر في نهجه ـ على الرغم من مقاومتهم له واعتدائهم على اتباعه فكر رؤساؤهم بأسلوب جديد للحد من نشاطه. فقابل وفد منهم مكون من :
عتبة ـ أبي هند أم معاوية ـ وشيبة ابني ربيعة بن عبد شمس ، وأبي سفيان ابن حرب بن أمية أبا طالب ـ عم النبي ـ ورجوه أن يطلب إلى ابن أخيه أن يكف عن عيب آلهتهم.
غير أن أبا طالب لم يصغ إلى شكواهم فسند ابن أخيه وشجعه على المضي في رسالته. فلجأ الامويون إلى أسلوب جديد في إيذاء الرسول فوصفوه بالسحر ، والجنون عند من يقدم إلى مكة لصدهم عن الإيمان برسالته. فلم يجدهم ذلك نفعاً. فانتدبوا جماعة منهم لمجاهرته بالعداوة والإيذاء ـ وفي مقدمتهم :
عتبة وشيبة إبناً ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأبو سفيان ، والحكم بن أبي العاص ، والعاص بن وائل السهمي ـ أبو عمرو ـ وإبنا عمه نبيه ومنبه. فاستهزأ هؤلاء بالرسول وازدروا به واسمعوه الكلام القارص ، وأروه المعاملة الخشنة.
وكان الحكم بن أبي العاص ـ أبو مروان ـ من أكثرهم إيذاء للرسول واستهزاء به واعتداء عليه الأمر الذي اضطر النبي ـ بعد ذلك ـ إلى نفيه وأولاده إلى الطائف.
ولم يقتصر إيذاء الامويين للرسول على الرجال بل تعداه للنساء وفي مقدمتهن أم جميل حمالة الحطب. غير أن ذلك كل لم يجدهم نفعاً. فعمدوا إلى مقاطعة الهاشمين. فصمد الهاشميون بوجههم ثلاث سنين عجاف.
وأخيراً دبر الامويين ـ واتباعهم ـ مؤامرتهم الكبرى لاغتيال النبي. فأحبطها بهجرته إلى المدينة وتركه علياً في فراشه إيهاماً للمشركين.
ولما انتقل النبي الى المدينة استجمع الامويون قواهم ـ وألبوا مشركي قريش وحلفاءهم : اليهود ـ على مقاومة الدين الجديد في شخص رسوله الكريم.
وكان قائدهم عتبة بن ربيعة أبو هند أم معاوية ـ وصهره أبو سفيان وابن عمه الحكم بن ابي العاص ، فنشبت بدر وقتل من الامويين عتبة وابنه شيبة وعقبة بن ابي معيط واسر منهم أبو العاص بن الربيع ، وعمرو بن أبي سفيان. ونجا معاوية من القتل والأسر فهرب من المعركة.
وقد بلغ حقد أبي سفيان على النبي حدا يفوق الوصف لإنكسار بعض أوتاد خيمة الشرك التي يحتمي بظلها.
أما عتبة فقد استنهض قريش لحرب النبي فوقعت بدر وكان هو أحد ضحاياها.
فزرع حقده هذا في نفوس المشركين بمختلف الوسائل المتيسرة لديه.
ومنعهم من البكاء على قتلاهم كما منع الشعراء عن التحدث عنهم أو رثائهم. وطلب من شركائه في المصيبة أن يتذرعوا بالصبر والجلد.
وقد برهن أبو سفيان ـ بذلك ـ على براعته في النفاذ إلى مكامن نفوس المشركين. فاستثار نوازعهم النفسية حين خاطبهم بقوله « فأنتم إذا نحتم عليهم وبكيتموهم بالشعر أذهب ذلك غيظكم فأقعدكم عن عداوة محمد وأصحابه ، مع أنه إن بلغ محمداً وأصحابه شمتوا بكم. فيكون أعظم المصيبتين شماتتهم. ولعلكم تدركون ثأركم. فالدهن والنساء عليّ حرام حتى أغزوا محمداً ».(2)
ومن الطريف أن نذكر هنا أن الأسود بن المطلب أصيب له ثلاثة من ولده في بدر. وكان يحب أن يبكيهم ولكنه توقف عن ذلك خوفاً من أبي سفيان. فبينما هو كذلك إذ سمع إمرأة تجهش بالبكاء. فأراد أن يستحلي الأمر ليبكي هو على قتلاه. فأرسل غلامه وقال له : أذهب فاستفسر هل بكت قريش على قتلاها « لعلي أبكي فإن جوفي قد احترق » فذهب الغلام وعلم : أن الباكية إمرأة ضل بعيرها فهز الأسود رأسه وقال :
أتبكي أن يضل لها بعيـر / ويمنعهـا من النوم السهود
ولا نبكي على بدر ولكـن / على بدر تصاغرت الخدود
فكان ابو سفيان إذن شيخ المؤلبين على حرب رسول الله بعد بدر. فعل ذلك أثناء جمعه جموعهم ، وأثناء تأليبه أياهم ، وفي إخراجه النساء معهم إلى أحد .
وقد مروا الابواء في طريقهم إلى أحد ـ فاقترح عليهم أبو سفيان أن ينبشوا قبر آمنة بنت وهب أم الرسول « وكانت قد توفيت هناك وهي راجعة بالرسول ـ وعمره سنتان ـ إلى مكة بعد زيارتها لإخواتها من بني عدي بن النجار » وقال لهم : فإن يصب محمد من نسائكم أحداً قلتم : هذه رمة أمك.
فإن كان باراً ـ كما يزعم ـ فلعمري ليفادينكم برمة أمه.
وإن لم يظفر بإحدى نسائكم فلعمري فليفدين أمه بمال كثير. فاستشار أبو سفيان أهل الرأي من قريش في ذلك.
فقالوا : لا تذكر من هذا شيئاً » ولابي سفيان ـ وحلفائه المشركين ـ مواقف أخرى كثيرة من هذا النوع البشع. من ذلك مثلاً : التحدث مع المشركين حول أبنتي النبي زينب وأم كلثوم ـ وكان النبي قد زوج أولاهما من أبي العاص ابن الربيع بن عبد العزي والثانية من عتبة بن أبي لهب وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي. فلما نزل عليه الوحي آمنت بناته به وبقي أزاجهن. فمشى نفر من قريش « إلى أبي العاص بن الربيع فقالوا : فارق صاحبتك بنت محمد ونحن نزوجك أي أمرأة شئت من قريش. فقال لاها الله !! لا أفارق صاحبتي ... ثم مشوا إلى الفاسق عتبة بن أبي لهب فقالوا له طلق بنت محمد ونحن ننكحك اي أمرأة شئت من قريش. فقال إن انتم زوجتموني ابنه أبان بن سعيد بن العاص فارقتها. فزوجوه ابنة سعيد بن العاص ففارقا ». (3).
وقد ظهر أثر أبي سفيان في تأليب المشركين على حرب النبي ـ بالإضافة إلى ما ذكرنا ـ في تهيأته الجو لمعركة أحد ، وفي حرصه الشديد على وضع الجيش بشكل يساعده على دحر المسلمين ، وفي موقفه من بني عبد الدار في مسألة المحافظة على اللواء أثناء القتال.
فوضع على ميمنة المشركين خالد بن الوليد ، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل.
وجعل على الخيل عمرو بن العاص. وخاطب بني عبد الدار في مسألة حمل اللواء فقال (4) :
« يا بني عبد الدار نحن نعرف أنكم أحق باللواء منا. إنما أؤتينا ـ يوم بدر ـ من اللواء. وإنما يؤتى القوم من قبل لوائها. فالزموا لواءكم وحافظوا عليه. أو خلوا بيننا وبينه.
فغضب بنو عبد الدار وقالوا : نحن نسلم لواءنا؟ لا كان هذا أبداً.
ثم أسندوا اللواء بالرماح واحدقوا به ».
وكانت هند زوج أبي سفيان لا تقل تحمساً عن زوجها في تأليب المشركين. وهي التي أغرت وحشياً على قتل عم النبي (وكان وحشي عبدا لابنة الحارث بن عامر بن نوفل. وقد قتل أبوها يوم بدر فقالت لوحشي إنك حر إن قتلت محمداً او حمزة أو عليا لانها لم تر في المسلمين كفوءا لأبيها غيرهم.).
ذلك جانب من جوانب تعبير الأمويين عن مقتتهم للدين الحنيف. فقد شنوها ـ كما رأينا ـ حرباً شعواء لا هوداة فيها على النبي. ولم يثنهم اندحارهم في بدر عن مواصلة الكفاح المرير ضد الإسلام ومعتنقيه. فوقعت أحد ـ كما رأينا.
وكان الامويون وحلفاؤهم من المشركين أن يناولوا من الرسول فيها بعد أن قتلوا عمه الحمزة ومثلوا به على شكل من الوضاعة قل أن يحدث في التاريخ.
ومن الانصاف للتاريخ أن نشير هناك إلى أن الحمزة لم يقتل نتيجة لشجاعة وحشي بل لظروف استثائية غير متوقعة. فقد كان صائماً ، وكمن له وحشي فقصده الحمزة فاعترض سبيله سباع ابن أم نمار فصرعه حمزة وأقبل إلى وحشي فزلت قدمه فضربه وحشي فأرداه قتيلاً. فأقبلت هند فرحة فخلعت حليها وقدمتها لوحشي.
ثم بقرت بطن حمزة وأخرجت كبده فمضغتها وقطعت مذاكيره وأذنيه وجدعت أنفه. وكان ألم النبي على حمزة ممضا فوقف على جثته وقال : « ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلى من هذا ... أنني لن أصاب بمثلك أبداً » الواقدي : « مغازي رسول الله » ص ٢٢١ / ٢٢٢.
ولولا أنه خيل إليهم أن الرسول قد قتل لما رجعوا من ساحات القتال.
فلما بلغهم أن الرسول ما زال على قيد الحياة اجمعوا أمرهم على الرجوع إليه فصدهم عن ذلك معبد الخزاعي كما هو معروف. غير أن إخفاق أبي سفيان في مؤامرته المسلحة لوأد الإسلام ونبيه ـ في بدر وأحد ـ لم يثنه عن مواصلة الكفاح المرير لإثارة وقائع أخرى ضد المسلمين. فألب الأحزاب في حرب الخندق وما بعدها. ولم يعلن إسلامه ـ في الظاهر ـ كما سنرى إلا حين رأى أن ذلك أجدى من السيف في تحطيم الإسلام.
ويصدق الشيء نفسه على قادة الأمويين آنذاك من النساء والرجال.
ولما رأى الأمويون فشلهم المتواصل في مقاومة النبي والأسلام لجأوا إلى اتباع أسلوب جديد للإيقاع بالاسلام. وكان هذا الأسلوب ـ في واقعه ـ أكثر الأساليب إيجاعا للعقيدة الاسلامية. فتقمص قادتهم الاسلام والتزموا ببعض مظاهره ليتمكنوا من إعلانها حرباً شعواء على الدين من داخله ـ بعد أن أعياهم أمره في حربهم أياه من الخارج.
فأسلم ـ في الظاهر ـ قائدهم أبو سفيان يوم فتح مكة بعد أن لجأ إلى العباس عم النبي مضطراً ، والتمسه ان يأخذه إلى الرسول. فلما أتى به العباس.
قال له رسول الله « ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟
فقال : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك !!
والله لقد علمت لو كان معه إله غيره أغنى عنا. فقال : ويحك :
ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك !! أما هذه ففي النفس منها شيء.
فقال له العباس ويحك !! أسلم قبل أن يضرب عنقك »(5).
وقد حاول أبو سفيان أن يضبط أعصابه التي نشأت على الكفر وتشربت ببغض الاسلام فتظاهر بنبذ عبادة الاوثان والاعتراف بالدين الجديد. ولكن ذلك ـ مع هذا ـ لم يعصمه ـ في مناسبات كثيرة ـ من غمر الدين الحنيف. من ذلك مثلا ما ذكره ابن هشام (6) حينما خاطب الحرث بن هشام أبا سفيان بعد فتح مكة ـ على أثر سماعهما المؤذن يؤذن : « أما والله لو أعلم أن محمداً نبي لا تبعته !! فقال أبو سفيان لا أقول شيئاً. لو تكلمت لأخبرت عني الحصا ».
فلو كان أبو سفيان مسلماً لا نبرى لتنفيذ زعم ذلك المشرك البغيض.
أما إقراره لرأي الحث ـ ضمناً ـ كما يبدو من عبارته فدليل عن وثنيته.
اما السيدة هند ـ زوجة أبي سفيان ـ فقد بايعت الرسول مضطرة ـ بعد فتح مكة ـ فتقمصت رداء الاسلام. فلما تقدمت هند لمبايعة النبي « اشترط شروط الاسلام عليها. فأجابته بأجوبة قوية. فما قاله لها : تبايعنني على ان لا تقتلي اولادك !! فقالت هند :
أما نحن فقد ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً يوم بدر. فقال لها : وعلى أن لا تزنين !! فقالت هند وهل تزني الحرة؟ فالتفت رسول الله إلى العباس وتبسم (7).
وكان المسلمون في عهد الرسول يسمعون أبا سفيان ومن هم على شاكلته بالطلقاء.
المصادر :
1- ابن هشام : « سيرة النبي محمد » ١ / ٣٦٥ / ٣٦٨.
2- الواقدي : مغازي رسول الله ص ٩٠ ـ ٩٣.
3- الواقدي : مغازي رسول الله ص ١٥٨ ـ ١٦٠. راجع ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٣٥٠ الطبعة الأولى بمصر.
4- ١ ـ الواقدي : مغازي رسول الله ص ١٧٢.
5- ١ ـ ابن خلدون : « كتاب العبر » الخ .. ٢ / ٢٣٤.
6- ٢ ـ سيرة النبي محمد ٤ / ٢٣.
7- ٣ ـ ابن الطقطقي : « الفخري في الآداب السلطانية » ص ٧٦ ـ ٧٧.

 

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام
التميميّون من أصحاب الحسين (عليه السّلام)

 
user comment