عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة حسنة في كُلّ الأعصار



الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة حسنة في كُلّ الأعصار

السيد عادل الحكيم

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأسأل الله سبحانه أن يتقبل أعمالنا وأعمالكم في هذا الشهر الشريف، إن شاء الله.

أحبتي: أتسمت المرحلة السابقة من حياة أمتنا عموماً، والعراق خصوصاً، بسمة السطحية والميل إلى تفسير التاريخ على وفق ما تريده السلطة، حيث كانت الأصوات الحرة والأقلام النزيهة في أقصى مجاهل الانزواء، والإبعاد القسري عن التأثير في المجتمع ورفده بالقيم الأصيلة والمبادئ الإسلامية.

كما اتسمت هذه المرحلة أيضاً بسمات القشرية، وتبرير الوضع المتخلف والعجز الفكري للحزب الحاكم.

والسبب في كُلّ ذلك يعود إلى الوضع السياسي الذي كان حاكماً في تلك المرحلة، وهو وضع سياسي شاذ وموروث من عهود الاستعمار والتخلف، فقد أفرز هذا الوضع سيطرة أنظمة استبدادية، تشيع الكبت وخنق الحريات، وتخلق جوّاً من الإرهاب والشعور بالهزيمة، و تساعد على غلبة المواقف الشعورية العاطفية، وشيوع حالة من القشرية، والتقليد الأعمى للآخرين.

فتعيش الشعوب في دوامة الاضطراب النفسي والتقلبات العاطفية، والأحكام السطحية، وهذا الوضع أشبه ما تكون بحالة الطفل في جوّ عائلي يحكم فيه أب خشن الطبع، حادّ المزاج، وتسيطر على البيت أجواء الكبت والتشنج، ويخلو مناخه من نسمات الحرية والمرح، فكيف يا ترى يشب هذا الطفل وينمو في مثل هذا الجو الخانق المكبوت.

وهكذا نشأ جيلنا السابق في أجواء سياسية مكبوتة، وفي أوضاع نفسية وفكرية متدنية، تفرضها السلطة الجائرة، التي ترفع أزلامها على رقاب المجتمع، بما فيه من طاقات علمية وفكرية، وفوق كُلّ ذلك تحمّل الجمهور عبء أفكارها المنحرفة عبر أجهزة الإعلام المضلل، ووسائل التوجيه والتحريف الفكري.

وعندما خرج العراق من هذا النفق الحضاري المظلم اصطدم بأزمات من نوع جديد لم يعتد عليه، وخصوصاً قضية الاحتلال، تحديد شكل النظام المستقبلي.على العكس من الأزمات المزمنة التي كان يعاني منها في زمن الطاغية، حيث أنّها صارت مألوفة لديه وتعلم كيف يتعامل معها.

ومع ذلك تشكّل المرحلة الراهنة نقطة شروع وبداية جديدة، نأمل أن تحمل في طياتها الخير والسعادة لأمّة لم تعرف للسعادة معنى، ولم تذق على مدى عقود طعم الأمان والاستقرار.

ومن طبيعة الانفتاح السياسي والاجتماعي أن يحمل معه انفتاحاً فكرياً وثقافياً، يمكن أن يأخذ بيد الأمّة ليخرجها من مضائق التخلف الحضاري العام.

والخروج من مرحلة الطفولة الفكرية، والوصول إلى مرحلة البلوغ الحضاري والرشد الفكري.

ولكن علينا أن نطوي المرحلة المتوسطة، التي تشكل البرزخ بين مرحلة الطفولة، وبين مرحلة الشباب والرشد، أو ما يعبر عنها بفترة المراهقة في مسيرة الأمم.

وهي مثل مرحلة المراهقة في عمر الإنسان حيث، تتفتح في كيانه أنواع المشاعر وتتبرعم في نفسه ألوان المواهب، وتنفجر في داخله الطاقات الغريزية والنفسية والذهنية.

والإنسان هذه المرحلة بحاجة ماسة إلى الحذاقة وحسن استغلال الفرصة، وأن يعرف كيف يستثمر هذا الانفجار الشعوري، والانفتاح الذهني، والاستعدادات الذاتية، وهذا طبعاً بحاجة إلى وجود مرشد وموجه يوجه الإنسان إلى طريقه السليم، وبحاجة إلى هداية تأخذ بيده إلى اختيار برنامج حياتي صائب، ومنهج فكري وسلوكي ناجح لبناء شخصيته الإنسانية المتكاملة، وتنمية مواهبه واستثمار طاقاته.

وفي غير هذه الصورة فقد ينحرف الإنسان حيث يتعرض لمزالق الطريق، ويقترب من مواقع الخطر، ويشرف على السقوط، فتتبدد فرص النمو والاكتمال عنده، ولربما انقلبت عليه وتحولت ضده، وصارت سبباً لدماره وخسارة عمره ورأسماله.

وهذا المرشد هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا البرنامج هو رسالة الإسلام الخالد.

فلابد لأمتنا من الاهتداء بمنهج الرسالة المحمدية، التي هي بدورها زبدة كُلّ الرسالات السماوية، وحصيلة المسيرات الإلهية عبر التاريخ الإنساني، والاقتداء بسيرة خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبهذا سنعبر هذه المرحلة الصعبة وننجح في هذا المخاض التاريخي العسير، إن شاء الله تعالى.

فقد شاءت الحكمة الإلهية البالغة أن يكون الأنبياء وحملة الشرائع السماوية، من أرقى النماذج البشرية، وفي أعلى مراتب الكمال النفسي، والطهارة المعنوية، ثمّ انعكست هذه الكمالات النفسية على سلوكهم الخارجي، فجاء هذا السلوك نموذجا رائعاً لأسمى المعاني الأخلاقية، وتطبيقاً نموذجيا للقيم الدينية، والاجتماعية.

فالأنبياء، وأرباب الرسالات الإلهية، هم الجوهرة المستخلصة من مجموع البشرية، وهم اللؤلؤة المصطفاة من صدف المجتمعات عبر التاريخ.

وكلّ من أراد أن يتكامل أو يتزيّن بشيء من الحكمة، أو الأخلاق والسيرة الحسنة فعليه أن يتجه صوب هذه الشخصيات الربانية، فيستنير بنورها، ويهتدي بهداها، ويتزين ببعض بهاء سيرتها وسلوكها العملي، وكلما تزود من التأسي بهم ازداد قرباّ من الكمال الحقيقي ؛ لأنّه ينهل من المعين الصافي والنبع الإلهي الأنقى، والعين المباركة التي فجرها الله سبحانه وتعالى.

والرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يبرز في طليعة هذه الشخصيات الإلهية، ويتقدم كحالة علمية وأخلاقية فريدة تميزت عن سائر البشرية بمميزات جمة وخصوصيات متعددة حتى لا يطمع أحد رمق سمائها إلاّ وارتدّ إليه البصر وهو حسير.

حيث حاز (صلى الله عليه وآله وسلم) من مراتب العلم والعمل أشرفها، ومن درجات الكمال أعلاها، وكيف لا يكون كذلك وقد أدّبه ربّه فأحسن تأديبه.

وبعد أن صاغه من أصفى العناصر، واستخلصه من أطهر الأصلاب والأرحام امتدحه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

وبهذا استحقّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون القدوة والأسوة الحسنة، لا للمسلمين فحسب، بل لكلّ من يحب أن يتكامل علماً وعملاً، على اختلاف عقيدته ومعتقداته.

فالإنسان العاقل الذي يتعلم الكفاح من النملة، والنشاط من النحلة، والإقدام من الأسد كيف لا تجذبه شخصية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو كعبة الأخلاق المتجسدة، ومنار القيم النبيلة، وعَلَم السلوك السوي على جادة الصواب، بل هو جادة الصواب، وهو الصراط الأقوم، ولو كان للصواب والاستقامة فخر فإنما هو بالانتساب إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذا فمن الطبيعي أن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) مهوى القلوب العاشقة للكمال، ولا عجب، فهو صفوة الصفوة، ومعدن النبوة، ومخزن الوحي، ووارث النبيين، وخاتم النبيين والمرسلين.

فالحكمة ليست حكراً على جنس خاص من البشر، ولا على أصحاب عقيدة خاصة ومذهب معين، بل الإنسان العاقل يبحث عن الكلمة الطيبة أينما كانت وحيث وجدها حطّ رحاله، وهكذا كانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محطّ رحال العقلاء من البشر.

نسأل الله سبحانه أن يوفقنا للسير على هدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهدي آله الطيبين الطاهرين

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القرائن المفيدة لمعنى الحاكمية في حديث الغدير
حجّ الإمام عليّ(عليه السلام)
ادخال ما لیس من الدین فی الدین
مرقدها (زينب الکبري سلام الله عليها)
السعادة في النظام الاخلاقي الاسلامي
تنشيط نظام المناعة بالصيام
المقام العلمي للإمام الباقر عليه السلام
البرمجيات القرآنية المتعددة اللغات بإمكانها أن ...
طبیعة التشریع الإسلامی
الدلالات في القرآن، وفي العهد القديم (قصة يوسف)

 
user comment