عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

التشاؤم

التشاؤم

أ- في ظلال الحديث

لا بد في البداية من الوقوف عند معنى التطير ومعنى التكهّن.
في الحديث:"ليس منّا من تطيّر ولا من تطيّر له، أو تكهّن أو تكهّن له..."(1).
أما التطيّر: هو ما يتشاءم به من الفأل الردي‌ء، وأطيّرنا أي تشاءمنا(2).
قال تعالى: (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ...)(3) أي يتشاءمون بموسى ومن معه.
وأما التكهّن: يقال تكهّن الرجل تكهناً وتكهيناً أي قضى له بالغيب والكاهن هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدّعي معرفة الأسرار(4).
والذي يريد الحديث تحذيرنا منه ونهينا عنه هو أن نكون من أولئك الأربعة المقصودين بالنفي وهم:
الأول: المتطيّر وهو من يتشاءم بنفسه ولو عن طريق الغراب أو البوم.
الثاني: من يتشاءم له من قبل غيره من أي طريق كان.
الثالث: المتكهّن وهو من يخبر عن المستقبل ويرجم بالغيب.
الرابع: المتكهن له وهو من يذهب إلى الكاهن ليطلع على مستقبله منه ويتعرف على ما سيحدث معه أوله فيما بعد، وربما دفع أجرة على ذلك.

ب- الإسلام والتطيّر

لقد حارب رسول الله صلى الله عليه وآله ظاهرة التطير محاربة شديدة حتى قال: "الطيرة شرك"(5) و"من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك"(6) و"من خرج يريد سفراً فرجع من طير فقد كفر بما أنزل على محمد"(7).
وكان من عادة العرب أنهم إذا أرادوا المضيّ لأمر مهم مرّوا بالأماكن التي تحطّ فيها الطيور، وأثاروها ليستفيد من ذلك جواباً كي يمضوا إلى مهمتهم أو نهياً ليرجعوا من حيث أتوا حيث يطيّرون بها أي يتشاءمون ولا يكملون طريقهم فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك موضحاً أن هذا الأمر لا يتصل بالإسلام والإسلام لا يقرّه ولا يرتضيه.
إلا أنه وللأسف الشديد لا يزال في مجتمعنا الحاضر ذيول لتلك الظاهرة التي كانت قبل الإسلام، بل اتسع مصدر الشؤم ليتعدّى الطير إلى غيره.
فنجد اليوم أن بعض الناس يتشاءمون من البوم إذا حطت على نافذة منزلهم أو سمحت لنفسها بالتحليق في سماء حديقتهم وربما بادرت ربّة المنزل إلى ايقاف سفر زوجها أو ولدها معتبرة أن اليوم الذي زارتهم فيه البوم هو يوم أسود لا يجلب إلا التعاسة والشؤم، وإذا ما حدث أن توافق حلول أمر مكروه متزامناً مع زيارة البوم سارعت المرأة إلى إشراك البوم واعتبارها من المسبّبات لذلك الحادث إن لم تكن هي السبب بكامله دون شريك.
وهكذا ظاهرة التشاؤم من يوم الأربعاء، ورفّة العين اليمنى، حيث يقال بأنها تجلب الحزن، ووضع الحذاء مقلوباً فإنه يميت صاحب الدار، وإصابة باطن القدم بالحكاك فإنها تؤدي إلى المشي خلف الجنائز وما شابه هذه الأقاويل التي لا واقع لها أبداً ولا يمكن أن تكون أسباباً لا للسعادة ولا للتعاسة والشقاوة.
فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة، وكان يأمر من يرى شيئاً يكرهه ويتطيّر منه أن يقول: "اللهم لا يؤتي الخير إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك"(8).
وكان صلى الله عليه وآله يدعو دائماً إلى التوكل على الله تعالى الذي إن أرادنا بخير لا رادّ لفضله، ويعتبره كفارة للتشاؤم والتطيّر.
قال صلى الله عليه وآله: "كفارة الطيرة التوكّل"(9).
والمؤمن ينبغي أن يكون شعاره الدائم (تفاءلوا بالخير تجدوه).

ج- الإسلام والتكهّن

الكهانة عمل محرم والتكسب بها وأخذ الأجرة عليها من الكبائر والمال المأخوذ سحت كثمن الميتة والخمر.
وكذلك تصديق المتكهن في اخباره عن المغيبات وما سيحدث في المستقبل من نشوء حروب أو موت أشخاص معينين، أو افتقار جماعة من الناس بعد أن كانوا أغنياء، أو استغناء آخرين بعد أن كانوا فقراء، أو انتقال زمام الأمور ورئاسة البلاد من شخص إلى آخر، وما يشبه هذه الأمور مما يتحدث به بعض المتكهنين في كتبهم أو يسمونه تنبؤات للمستقبل.
فإن تصديقهم حرام وجاء التحذير منه والنهي عنه على لسان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله حيث قال: "من صدّق كاهناً، فقد كفر بما أنزل على محمد"(10).
وفي حديث آخر: "لا يدخل الجنة عاق... ولا كاهن، ومن مشى إلى كاهن فصدّقة بما يقول فقد برى‌ء مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله"(11).
وهنا تجدر الإشارة إلى مقولة نسمعها أنه إذا رؤي شهاب ينزل من السماء فإنه إما مات رجل عظيم أو ولد عظيم ذو شأن أو هما معاً في وقت واحد، والحال أن هذا القول كان في الجاهلية وكافحه النبي صلى الله عليه وآله يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات ليلة إذ رمي بنجم فاستنار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للقوم: ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا؟ قالوا: كنا نقول: مات عظيم وولد عظيم، قال: فإنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياة أحد، ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبّح حملة العرش وقالوا: قضى ربنا بكذا..."(12).
والذي يحسن لنا قوله في نهاية هذا الدرس أن من يتبع أصحاب النبوءات المدّعين معرفة الآتي والاطلاع عليه ويسعى خلفهم ويرتّب آثاراً على أقاويلهم وأماطيلهم هو غير مستقيم دينياً لأنه يخالف الشرع المبين ولا يملك عقلاً راجحاً بل تصديقه لهم دليل النقصان وعدم نفوذ البصيرة.

من فقه الإسلام

س: ما هو حكم تعليم وتعلم ومشاهدة الشعبذة والقيام بالألعاب التي تعتمد على خفة اليد؟
ج: يحرم تعليم وتعلم الشعبذة، وأما الألعاب التي تعتمد على سرعة الحركة وخفة اليد ولم تكن من أنواع الشعبذة فلا بأس فيها.
س: هل يجوز تعلم السحر والعمل به؟ وكذلك إحضار الأرواح والملائكة والجن؟
ج: علم السحر حرام شرعاً وكذا تعلمه إلاّ إذا كان لغرض عقلائي مشروع، وأمّا احضار الأرواح والملائكة والجن فعلى فرض صحّته وصدقه يختلف باختلاف الموارد والوسائل والأغراض.
س: هل يجوز الضرب بالرمل والتكسّب به شرعاً أم لا؟
ج: لا يجوز(13).

قال تعالى: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(14)
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "المنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر والكافر في النار"(15).

أيها الراكب أيّنا أشأم؟!

ركب أحد الملوك فرسه صباحاً قاصداً الصيد. وخرج من المدينة وقت طلوع الشمس. ولما وصل الصحراء وكان وقت زرع القمح شاهد زارعاً قبيح الوجه وقوي الجسم قد لف على رقبته قماشاً يوصله إلى رأسه. وهو مشغول بحراثة الأرض. وعندما سمع وقع حافر الفرس قام من مكانه. فهاج الفرس لرؤيته المفاجئة لهذا الرجل وعاد إلى الوراء وكاد الملك أن يقع على الأرض. وكان حراس الملك وخدّامه الذين يرافقون موكبه أحسوا أن الملك قد حصل له التشاؤم والكراهية من هذا المشهد، فجاؤوا بالرجل وطرحوه أرضاً في طريق الملك حتى إذا ما حصلت الإشارة من الملك يقومون بقتله. فلما رآه الملك قال له: أيها الرجل المشؤوم لقد شملني شؤمك وكاد الفرس أن يذهب بحياتي. وفي هذه اللحظة التفت الملك وإذا بالرجل تحدث مع نفسه بهدوء. فقال له الملك: أيها الرجل ماذا قلت؟ قال: قلت إلهي! فاجأني هذا الراكب فتعرضت للقتل وأهلي وأولادي لليتم، وفاجأته بلا مكروه سوى أن سوء منظري وقبح وجهي أهاج فرسه ولم يصبه مكروهاً، فانصف أيها الراكب أيّنا أشأم؟
المصادر:
1- ميزان الحكمة، حديث: 11339.
2- لسان العرب، ج‌8، ص‌240.
3- الأعراف:131.
4- لسان العرب، ج‌12، ص‌181-180.
5- ميزان الحكمة، حديث: 11336.
6- م.ن. حديث: 11337.
7- م.ن. حديث: 11338.
8- البحار، ج‌77، ص‌153.
9- الكافي، ج‌8، ص‌198.
10- مستدرك الوسائل، ج‌13، ص‌112، حديث 8 (تحقيق مؤسسة آل البيت) قم.
11- م.ن. حديث 7.
12- م.ن. ص‌110، حديث 4.
13- أجوبة الاستفتاءات، ج‌2، ص‌54.
14- يس:18.
15- نهج البلاغة، الخطبة 79.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فضل شهر رمضان المبارك
الإقطاع في الإسلام
الخوارق و تأثير النفوس
حول قرآن علي (عليه السلام)
عاشوراء في وعْيِ الجمهور ووَعْيِ النُخبة
مواقف في کربلاء
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا (علیه السلام)
الاجتماع في الدعاء و التأمين على دعاء الغير
أحداث سنة الظهور حسب التسلسل الزمني
شبهات حول المتشابه في القرآن، وتفنيدها

 
user comment