عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

خالد بن الوليد و الطوق في الجيد

خالد بن الوليد و الطوق في الجيد

عن جابر بن عبد الله الأنصاري و عبد الله بن العباس قالا كنا جلوسا عند أبي بكر في ولايته و قد أضحى النهار و إذا بخالد بن الوليد المخزومي قد وافانا في جيش قام غباره و كثر صواهل خيله و إذا بقطب رحى ملوي في عنقه قد فتل فتلا فأقبل حتى نزل عن فرسه بإزاء أبي بكر فرمقه الناس بأعينهم و هالهم منظره فقال اعدل يا ابن أبي قحافة حيث جعلك الناس في الموضع الذي ليس له أنت بأهل و ما ارتفعت إلى هذا المكان إلا كما يرتفع الطافي من السمك على الماء إنما يطفو حين لا حراك به ما لك و لسياسة الجيوش و تقديم العساكر و أنت بحيث أنت من أليم الحسب و منقوص النسب و ضعف القوى و قلة التحصيل لا تحمي ذمارا و لا تضرم نارا فلا جزى الله أخسأ ثقيف و ولد صهاك خيرا .
إني رجعت منكفئا من الطائف إلى جدة في طلب المرتدين فرأيت ابن أبي طالب و معه رهط عتاة من الذين شزرت حماليق أعينهم من حسدك و بدرت حقنا عليك و قرحت آماقهم لمكانك فيهم ابن ياسر و المقداد و ابن جنادة أخو غفار و ابن العوام و غلامان أعرف إحداهما بوجهه و غلام أسمر لعله من ولد عقيل أخيه فتبين لي المنكر في وجوههم و الحسد في احمرار أعينهم و قد توشح علي (عليه السلام)بدرع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و لبس رداءه السحاب و قد أسرج له دابته العقاب و قد نزل على عين ماء اسمها روبة فلما رآني اشمأز و بربر و أطرق موحشا يقبض على لحيته فبادرته بالسلام استكفاه شره و اتقاه وحشته و استغنمت سعة المناخ و سهولة المنزل فنزلت و من معي بحيث نزلوا اتقاء عن مراوغته فبدأني ابن ياسر بقبيح لفظه و محض عداوته فقرعني هزوا بما تقدمت به إلي بسوء رأيك .
فالتفت إلي الأصلع الرأس و قد ازدحم الكلام في حلقة كهمهمة الأسد و كقعقعة الرعد فقال لي بغضب منه أو كنت فاعلا يا أبا سليمان فقلت و ايم الله لو أقام على رأيه لضربت الذي فيه عيناك فأغضبه قولي إذ صدقت و أخرجه إلى طبعه الذي أعرفه له عند الغضب فقال يا ابن اللخناء مثلك من يقدر على مثلي أن يجسر أو يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة ويلك إني لست من قتلاك و لا قتلي أصحابك و لأني لأعرف بمنيتي منك بنفسك ثم ضرب بيده إلى ترقوتي فرسي فنكسني عن فرسي و جعل يسوقني فدعا إلى رحى للحارث بن كلدة الثقفي فعمد إلى القطب الغليظ فمد عنقي بكلتا يديه و أداره في عنقي ينفتل له كالعلك المسخن و أصحابي هؤلاء وقوف ما أغنوا عني سطوته و لا كفوني شره فلا جزاهم الله عني خيرا فإنهم لما نظروا إليه كأنهم قد نظروا إلى ملك موتهم فهو الذي رفع السماء بلا أعماد لقد اجتمع على فك هذا القطب مائة رجل أو يزيدون من أشد العرب فما قدروا على فكه فدلني عجز الناس عن فتحه أنه سحر منه أو قوة ملك ركبت فيه ففكه الآن عني إن كنت فاكه و خذ لي بحقي إن كنت آخذا و إلا لحقت بدار عزي و مستقر مكرمتي فقد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت ضحكة لأهل الديار .
فالتفت أبو بكر إلى عمر و قال أ لا ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل كأن ولايتي و الله ثقل على كاهله أو شجا في صدره فالتفت إليه عمر و قال فيه و الله دعابة لا تدعه حتى تورده فلا تصدره و جهل و حسد قد استحكما في صدره فجرى منه مجرى الدماء لا يدعانه حتى يهينا منزلته و يورطاه ورطة الهلكة .
ثم قال أبو بكر لمن حضر أدعو إلى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فليس لفك هذا القطب غيره قال و كان قيس طوله ثمانية عشر شبرا في عرض خمسة أشبار و كان أشد الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين فحضر قيس فقال له يا قيس إنك من شدة البدن بحيث أنت ففك هذا القطب عن أخيك خالد فقال قيس و لم لا يفك خالد عن عنقه قال لا يقدر عليه قال فإذا لم يقدر عليه أبو سليمان و هو نجم العسكر و سيفكم على عدوكم فكيف أنا أقدر عليه قال عمر دعنا من هزئك و هزلك و خذ فيما أحضرت له فقال أحضرت لمسألة تسألوننيها طوعا أو كرها تجبرونني عليه قال عمر فكه إن كان طوعا و إلا فكرها قال قيس يا ابن صهاك خذل الله من يكرهه مثلك إن بطنك لعظيم و إن كرشك لكبير فلو فعلت أنت ذلك ما كان منك عجب .
قال فخجل عمر من كلام قيس و جعل ينكث أسنانه بالأنملة فقال أبو بكر دع عنك ما بدا لك منه اقصد لما سئلت فقال قيس و الله لو أقدر على ذلك لما فعلت فدونكم و حدادي المدينة فإنهم أقدر على ذلك مني فأتوا بجماعة من الحدادين فقالوا لا تنفتح حتى نحميه بالنار فالتفت أبو بكر إلى قيس فقال و الله ما بك من ضعف عن فكه و لكنك لا تفعل لئلا يعيب عليك فيه إمامك و حبيبك أبو الحسن و ليس هذا بأعجب من أن أباك رام الخلافة ليبتغي الإسلام و الله عوجا فحصد الله شوكته و أذهب نخوته و أعز الإسلام بوليه و أقام دينه بأهل طاعته و أنت الآن في حال كيد و شقاق .
قال فاستشاط قيس غضبا و امتلأ غيظا فقال يا ابن أبي قحافة إن لك عندي جوابا حميا بلسان طلق و قلب جريء لو لا البيعة التي لك في عنقي لسمعته مني و الله لئن بايعتك يدي لم يبايعك قلبي و لا لساني و لا حجة لي في علي بعد يوم الغدير و لا كانت بيعتي لك إلا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا أقول قولي هذا غير هائب و لا خائف من معرتك و لو سمعت منك القول بدأت لما فتح لك مني صلاحا و إن كان أبي رام الخلافة فحقيق أن يرومها بعد أن ذكرته لأنه رجل لا يقعقع بالسنان و لا يلمز جانبه كغمز التينة خضم صنديد سمك منيف و عز باذخ أشوس فقام بخلافك أيها النعجة العرجاء و الويل النافش لا عز صميم و لا حسب كريم و ايم الله لئن عاودتني في أبي لألجمنك بلجام من القول يمج فوك منه دما فدعنا نخوض في عمايتك و نتردى في غوايتك على معرفة منا بترك الحق و اتباع الباطل .
و أما قولك إن عليا إمامي فو الله ما أنكر إمامته و لا أعدل عن ولايته و كيف أنقض و قد أعطيت الله عهدا بإمارته و ولايته يسألني عنه فأنا إن ألقى الله بنقض بيعتك أحب إلي من نقض عهده و عهد رسوله و عهد وصيه و خليله و ما أنت إلا أمير قومك إن شاءوا تركوك و إن شاءوا عزلوك فتب إلى الله ما اجترمته و تنصل إليه مما ارتكبته و سلم الأمر إلى من هو أولى منك بنفسك فقد ركبت عظيما بولايتك دونه و جلوسك في موضعه و تسميتك باسمه و كأنك بالقليل من دنياك و قد انقشع عنك كما ينقشع السحاب و تعلم أي الفريقين خير مكانا و أضعف جندا .
و أما تعييرك إياي بأنه مولاي فهو و الله مولاي و مولاك و مولى المؤمنين أجمعين آه آه أنى لي بثبات قدمه و تمكن وطأته حتى ألفظك لفظ المنجنيق الحجرة و لعل ذلك يكون قريبا و يكتفي بالعيان عن الخبر .
ثم قام و نفض ثوبه و مضى فندم أبو بكر عما أسرع إليه من القول إلى قيس و جعل خالد يدور في المدينة و الطوق في عنقه أياما ثم أتى آت إلى أبي بكر فقال له قد وافى علي بن أبي طالب الساعة من سفره و قد عرق جبينه و احمر وجهه فأنفذوا إليه الأقرع بن سراقة الباهلي و الأشوس بن أشج الثقفي يسألانه المضي إلى أبي بكر في مسجد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)فأتياه فقالا يا أبا الحسن إن أبا بكر يدعوك لأمر قد أحزنه و هو يسألك أن تصير إليه في مسجد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)فلم يجبهما فقالا يا أبا الحسن ما ترد علينا فيما جئناك به فقال بئس و الله الأدب أدبكم و ليس يجب على القادم أن يصير إلى الناس في حوائجهم إلا بعد دخوله في منزله فإن كان لكم حاجة فأطلعاني عليها في منزلي أقضها إن كانت ممكنة إن شاء الله تعالى .
فصارا إلى أبي بكر فأعلماه بذلك فقال أبو بكر بل قوموا بنا إليه فمضى الجميع بأسره إلى منزله فوجدوا الحسين (عليه السلام)قائما على الباب يقلب سيفا ليتابعه فقال له أبو بكر يا أبا عبد الله إن رأيت أن تستأذن لنا على أبيك فقال فاستأذن للجماعة فدخلوا و معهم خالد بن الوليد فبادر الجمع بالسلام فرد عليهم مثل ذلك فلما نظر إلى خالد قال نعمت صباحا يا أبا سليمان نعمت القلادة قلادتك فقال و الله يا علي لا نجوت مني إن ساعدني الأجل فقال له (عليه السلام)أف لك يا ابن دميمة إنك و الذي فلق الحبة و برأ النسمة عندي لأهون شيء و ما روحك في يدي لو أشاء إلا كذبابة وقعت في إدام حار فطفقت منه فاغن عن نفسك عناءها و دعنا حلماء و إلا ألحقتك بمن أنت أحق بالقتل منه و دع عنك يا أبا سليمان ما مضى و خذ فيما بقي و الله لا تجرعت من جرار المختمة إلا علقمها و الله لقد رأيت منيتي و منيتك و روحي و روحك فروحي في الجنة و روحك في النار قال و حجز الجمع بينهما و سألوه قطع الكلام .
قال أبو بكر لعلي (عليه السلام)إنا ما جئناك لما تناقض به أبا سليمان و إنما حضرنا لغيره و أنت لم تزل يا أبا الحسن مقيما على خلافي و الاجتراء على أصحابي فقد تركناك فاتركنا و لا تردنا فيردك منا ما يوحشك و يزيدك نبوة إلى نبوتك فقال له علي (عليه السلام)لقد أوحشني الله منك و من جمعك و آنس بي من كل مستوحش و أما ابن العابد الخاسر فإني أقص عليك نبأه إنه لما رأى تكاثف جنوده و كثرة جمعه زها في نفسه فأراد الوضع مني في موضع رفع و محفل ذي جمع ليصول بذلك عند أهل الجهل فوضعت منه عند ما خطر بباله و هم به و هو عارف بي حق معرفته و ما كان الله ليرضى بفعله فقال له أبو بكر فنضيف هذا إلى تقاعدك عن نصرة الإسلام و قلة رغبتك في الجهاد فبهذا أمرك الله و رسوله أم عن نفسك تفعل هذا .
فقال له علي (عليه السلام)يا أبا بكر و على مثلي يتفقه الجاهلون إن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أمركم ببيعتي و فرض عليكم طاعتي و جعلني فيكم كبيت الله الحرام يؤتى و لا يأتي .
فقال يا علي ستغدر بك أمتي من بعدي كما غدرت الأمم من بعد ما مضى الأنبياء بأوصيائها إلا قليل و سيكون لك و لهم بعدي هنات و هنات فاصبر أنت كبيت الله من دخله كان آمنا و من رغب عنه كان كافرا قال الله تعالى وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً و إني و أنت سواء إلا النبوة فإني خاتم النبيين و أنت خاتم الوصيين و أعلمني عن ربي سبحانه بأني لست أسل سيفا إلا في ثلاثة مواطن بعد وفاته فقال تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين و لن يقرب أوان ذلك بعد فقلت فما أفعل يا رسول الله بمن ينكث بيعتي منهم و يجحد حقي قال تصبر حتى تلقاني و تستسلم لمحنتك حتى تلقى ناصرا عليهم فقلت أ فتخاف علي منهم أن يقتلوني فقال و الله لا أخاف عليك منهم قتلا و لا جراحا و إني عارف بمنيتك و سببها و قد أعلمني ربي و لكني خشيت أن تفنيهم بسيفك فيبطل الدين و هو حديث فيرتد القوم على التوحيد و لو لا أن ذلك كذلك و قد سبق ما هو كائن لكان لي فيما أنت فيه شأن من الشأن و لرأيت أسيافا قد ظمئت إلى شرب الدماء و عند قراءتك صحيفتك نعرف ما احتملت من عروض و نعم الخصم محمد و الحكم لله .
قال فخرج عمر و أمير المؤمنين (عليه السلام)جالس بجنب المنبر فقال ما بالك يا علي قد تصديت هيهات هيهات دون الله ما تريد من علو هذا المنبر خرط القتاد فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام)حتى بدت نواجذه ثم قال ويلك منها و الله يا عمر إذا أفضت إليك و الويل للأمة من بلائك فقال عمر هذه بشرى يا ابن أبي طالب صدقت ظنونك و حق قولك و انصرف أمير المؤمنين إلى منزله و كان هذا من دلائله .
فقال أبو بكر يا أبا الحسن إنا لم نرد هذا كله و نحن نأمرك أن تفك الآن عن عنق خالد هذا الحديد فقد ألمه بثقله و أثر في حلقه بحمله و قد شفيت غليل صدرك .
فقال علي (عليه السلام)لو أردت أن أشفي غليل صدري لكان السيف أشفى للداء و أقرب للفناء و لو قتلته و الله ما قدته برجل ممن قتلتهم يوم فتح مكة و في كرته هذه و ما يخالجني الشك في أن خالدا ما احتوى قلبه من الإيمان على قدر جناح بعوضة أما الحديد الذي في عنقه فلعلي لا أقدر على فكه فيفكه خالد عن نفسه أو فكوه عنه فأنتم أولى به إن كان ما تدعونه صحيحا .
فقام إليه بريدة الأسلمي و عامر بن الأشجع فقالا يا أبا الحسن و الله لا يفكه من عنقه إلا من حمل باب خيبر بفرد يد و دحى به وراء ظهره و حمله فجعله جسرا تعبر الناس عليه و هو فوق يده فقام إليه عمار بن ياسر فخاطبه أيضا فيمن خاطبه فلم يجب أحدا إلى أن قال أبو بكر سألتك بالله بحق أخيك المصطفى رسول الله إلا ما رحمته و فككته من عنقه .
فلما سأله بذلك استحى و كان (عليه السلام)كثير الحياء فجذب خالدا إليه و جعل يجذب من الطوق قطعة قطعة و يفتتها في يده فينفتل كالشمع ثم ضرب بالأولى رأس خالد ثم الثانية فقال آه يا أمير المؤمنين فقال له قلتها على كره منك و لو لم تقلها لأخرجت الثالثة من أسفلك و لم يزل يقطع الحديد جميعه إلى أن أزاله من عنقه و جعل الجماعة يكبرون لذلك و يهللون و يتعجبون من القوة التي أعطاها الله سبحانه أمير المؤمنين (عليه السلام)و انصرفوا شاكرين لذلك .
المصدر :
ارشاد القلوب ج2ص379-384 / الشيخ أبي محمد الحسن بن محمد الديلمي

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في تقدم الشيعة في علم الصرف ، وفيه صحائف -2
تأملات وعبر من حياة أيوب (ع)
تاريخ الثورة -6
من مناظرات الامام الصادق(عليه السلام)
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...
الكعبة‌
صموئيل النبي (ع)
خطبة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الأولى يوم ...
حقيقة معنى الانتقال من الأمويين الى العباسيين
خالد بن الوليد و الطوق في الجيد

 
user comment