عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

الشعائر بنظرة رسالية دموع زين العابدين وحزن زينب

الشعائر بنظرة رسالية دموع زين العابدين وحزن زينب



 الشعائر بنظرة رساليَّة

دموع زين العابدين وحزن زينب

محمود الموسوي

موسم عاشوراء ، كذكرى سنوية متجدِّدة تمرّ على الإنسان ، تمثّل إحياءً للقيم الحسينية في قالب الشعائر والمظاهر المختلفة ؛ لتكوِّن صبغة عامة داخل المجتمع . فمطلوب من الإنسان الموالي أن يظهر الحزن ، بل أن يظهر الجزع بمختلف أنواعه ، وحسب ما يتعارف لديه في التعبير عن جزعه .

 ومطلوب من الإنسان الموالي أن يرفع ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) ، ويرفع مظلوميَّته ، ومظلومية مَن قُتل معه ، عالياً ؛ ليسمع كل العالم بما جرى على سبط رسول الله (صلَّى اله عليه وآله وسلَّم) . هذا ما قام به الإمام زين العابدين (عليه السلام) والسيدة زينب (عليها السلام) ؛ بأن نقلوا خبر عاشوراء لكل مكان يطؤونه ، وبكى الإمام زين العابدين (عليه السلام) طوال حياته ، آخذاً بتذكير الناس بما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام) من ظلم . وهكذا كانت مسيرة أئمة أهل البيت (عليه السلام) في إظهار الحزن ، وهذا ما ورد عن إمام العصر القائم  المهدي المنتظر ( عجّل الله فرجه) ، الذي يقول في الزيارة : (لأندبنّك صباحاً ومساء ، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً ) .

كما أنّ هنالك جانباً آخر يتمثَّل في إحياء هذه الذكرى ، وهو بُعد المضمون القيمي والفكري لهذه المناسبة . فالإمام الحسين (عليه السلام) قام من أجل إصلاح الوضع الفاسد الذي إنحرف عن القيم التي أسسّها الرسول الأعظم (ص) ، واستمرار هذا البُعد هو استمرار للعمل من أجل الدين ، ومن أجل تمكين قيم الدين في المجتمع ، ومواجهة الفساد بالإصلاح.

فهذا البُعد هو اللُّب ، والبُعد الأوَّل هو الإطار والشكل ، وكلاهما أساسيان ومهمَّان في إحياء الشعائر الحسينية ، فاللُّب والمحتوى يحتاج إلى إطار وحماية ، ولا إطار من دون لُبّ.

بهذا التصوير للشعائر الحسينية ، وبهذا الفهم ، قد تبرز نظرات تغلّب أهمية المحتوى والمضمون القيمي ، فتقوم بإلغاء ما دونه ، فتُلغي ـ على سبيل المثال ـ حالة البكاء والحزن ، وقد تكتفي بذكر الأبعاد القيمية من أجل التأسِّي بها !! ، وقد تبرز نظرة أخرى للشعائر ، وتقول : إنَّ المطلوب والأساس هو حالة الإشعار ؛ فتُلغي البُعد القيمي ولا تهتم له ، فيكون البكاء حسناً حتى لو كان لغير الله !!

إذاً كيف ننظر للشعائر الحسينية ؟

ينبغي النظر للشعائر الحسينية بنحو من الخصوصية ؛ باعتبار أنَّها قضية محورية في الدين . وهذه الخصوصية ينبغي أن لا تُقاس على غيرها ، بل هي مقياس بحدِّ ذاتها ، وما دمنا نمتلك رصيداً من الروايات الصادرة في هذا الشأن عن أهل بيت العصمة والطهارة ، فإنَّنا ينبغي أن ننظر لها بجدية ومن دون تبرّع في الفهم .

فإنّه كما ورد في البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) من فضل كبير ، لابد أن لا يتغافل عنه ، كما هو بيّن في الروايات الكثيرة ، ومنه قول الإمام الرضا (عليه السلام) لابن شبيب: ( يا بن شبيب ، إن بكيت الحسين حتى يصير دموعك على خديك ، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته ، صغيراً كان وكبيراً ، قليلاً وكثيراً ) . فإنّ رحمة الله الواسعة تَسِعُ مَن يبكي على الإمام الحسين (عليه السلام) لتغفر ذنوبه الشخصية بسبب ذلك البكاء ، هذه خصوصية واحدة ضمن خصوصيات عدّة تكتنف الرؤية للشعائر الحسينية .

ومن جانبٍ آخر لا ينبغي التساهل مع البُعد القيمي ؛ لأنّ قيام الإمام الحسين (عليه السلام) ما كان إلاّ إنقاذاً لهذا الدين ، وما كان إلاّ لكي يصلح الوضع الفاسد ؛ ولأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) هو قدوة الإنسان المسلم الذي ينتهج نهج المعصوم ، فلا بد أن نتمثّل تلك الأبعاد التي جاءت بها الثورة الحسينية . ومن أساسياتها : أن نكون حسينيين في أخلاقيَّاتنا وفي معاملاتنا مع الآخرين ، وأن نساهم في بناء المجتمع وتحمّل المسؤولية لرفع مستواه والمطالبة بحقوقه المنتهَكة .

لعلّ البعض يريد أن يدافع عن الإمام الحسين (عليه السلام) ولكن بأسلوب يضرّ بقيم الإمام الحسين(عليه السلام)،  التي من أجلها جاهد وأستشهد ، فيخلي كل الشعائر من القيم ويجرِّيدها من محتواها، وليس مهم عنده أن تُضرب القيم الحسينية والمبادئ الدينية ، بل ولا يتحمَّل أي مسؤولية في هذا الاتجاه .

كما أنّ البعض الآخر قد يتمسّك بالقيم ، إلاّ أنّه يناقضها بممارساته ، وأن لا يهتم في إشاعة المظاهر الحسينية ، كحالة إعلامية عالمية . وقد يلغي البعض ؛ عبر مظهر يتجلّى خصوصاً في يوم العاشر من محرم ، الذي ورد فيه عن أهل بيت العصمة (عليه السلام) أنه يوم حزن وبكاء وجزع ، بعضاً ممَّا تنطوي عليه الثورة الحسينية من قيم .

التوازن في الرؤية :

هو أن ننتهج نهج أهل البيت (عليه السلام) ومَن حذا حذوهم تجاه هذه المسيرة العظيمة ، فإنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) الذي بكى طوال حياته ، كفكف دموعه في المسجد الأموي عندما وقف أمام الطاغية ، وهو يؤنّب خطيبه قائلاً: (ويلك أيها الخاطب ! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوَّأ مقعدك من النار ) . وقال مشيراً إلى الطاغية يزيد ـ عندما أمر المؤذّن أن يقطع عليه خطابه بالأذان ـ : (محمد هذا جدّي أم جدّك يا يزيد؟ فإن زعمت أنّه جدّك ، فقد كذبت وكفرت ، وإن زعمت أنّه جدّي ، فلم قتلت عترته ) .

وكادت الدموع أن تكون وسيلة للهروب من المسئولية ، إلاّ أنّ زينب بنت علي (عليه السلام) خاطبت المجتمع آنذاك قائلة: ( أتبكون؟ فلا رقَّأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم . ألا وهل فيكم إلاّ الصلف النطف ، وملق الإماء وغمز الأعداء ، وكمرعى على دمنة ، وكف

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في رحاب العدالة العلويّة (1)
مختصر من حياة الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين ...
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
كيف تعامل أهل البيت (عليهم السلام) مع الناس
روى البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام) قول الله ...
ولاية علي شرط الايمان
تجدد النبوة والنبوة الخاتمة (2)
من أدعية أهل البيت (عليه السلام)
فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين
تقية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قريش

 
user comment