سماحة العلامة انصاریان : سیدنا الامام الجواد كان فريد عصره فى كل الخصال النبيلة فتجلت من خلاله أمجاد أهل البيت الطاهرين.

كان الأمام محمد الجواد (ع) ومع صغر سنة معجزة فى أخلاقة وسلوكه وكان معجزة فى شخصيته العلمية وكان فريد عصره فى كل الخصال النبيلة فتجلت من خلاله

أمجاد أهل البيت الطاهرين.

عن أحمد بن زكريا الصيدلانى، عن رجل من بنى حنيفة من أهل بست وسجستان قال: رافقت أبا جعفر فى السنة التى حج فيها فى أول خلافة المعتصم، فقلت له وأنا معه

على المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان: إن والينا جعلت فداك يتولاكم أهل البيت يحبكم وعلى فى ديوانه خراج، فأن رأيت جعلنى الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان

إلى، فقلت لا أعرفه، فقلت جعلت فداك إنه على ما قلت من محبيكم أهل البيت وكتابك ينفعنى عنده فأخذ القرطاس فكتب.

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فان موصل كتابى هذا ذكر عنك مذهبا جميلًا وإن ما لك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوتك واعلم أن الله عز وجل سائلك عن

مثاقيل الذر والخردل.

قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد الله النيسابورى وهو الوالى فاستقبلنى على فرسخين من المدينة فدفعت إليه الكتاب فقبله ووضعه على عينيه، وقال

لى: حاجتك؟ فقلت: خراج على فى ديوانك قال: فأمر بطرحه عنى وقال لا تؤدّ خراجاً ثم سألنى عن عيالى فأخبرته بمبلغهم فأمرلى ولهم بما يقوتنا وفضلًا، فما أديت فى

عمله خراجاً حياً ولا قطع عنى صلته حتى مات.

وقال محمد بن طلحة أن أبا جعفر محمد بن على لما توفى والده على الرضا (ع) وقدم الخليفة (المأمون) إلى بغداد بعد وفاته‌

                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 350

بسنة اتفق انه خرج الى الصيد فاجتاز بطرف البلد فى طريقه والصبيان يلعبون ومحمد (الجواد) واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشر سنة فما حولها.
فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين ووقف أبو جعفر محمد (ع) فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه وكان الله عز وعلا قد القى عليه مسحة من قبول،

فوقف الخليفة وقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟ فقال له محمد مسرعاً يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابى، ولم يكن لى

جريمة فأخشاها، وظنى بك حسن انك لا تضر من لا ذنب له فوقفت.

فأعجبه كلامه ووجهه فقال له: ما أسمك؟ قال محمد قال: ابن من أنت؟ قال: يا أمير المؤمنين أنا ابن على الرضا (ع) فترحم (المأمون) على أبيه وساق جواده الى

وجهته وكان معه بزاة (جمع بازى طيور للصيد)

وروى عن على بن جرير قال: كنت عند أبى جعفر أبن الرضا (ع) جالساً وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرونهم إليه ويقولون: أنتم سرقتم الشاة، فقال

أبو جعفر (ع) ويلكم خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم الشاة فى دار فلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره فخرجوا فوجدوها فى داره، واخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثيابه،

وهو يحلف أنه لم يسرق هذه الشاة إلى أن صاروا إلى أبى جعفر (ع) فقال: ويحكم ظلمتم الرجل فان الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها، فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق

من ثيابه وضربه.

قال: رجل من آل محمد (ص) له صلاح وورع، قلت له: ولا يجوز أن يدخل معه الحمام غيره؟ قال: نخلى له الحمام إذا جاء قال: فبينا أنا كذلك أقبل (ع) ومعه غلمان

له، وبين يديه غلام ومعه‌

                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 351

حصير حتى أدخله المسلخ، فبسطه ووافى وسلّم ودخل الحجرة على حماره، ودخل المسلخ، ونزل على الحصير.

فقلت للطلحى: هذا الذى وصفته بما وصفت من الصلاح والورع؟ فقال: يا هذا والله ما فعل هذا قط إلا فى هذا اليوم، فقلت فى نفسى: هذا من عملى أنا جنيته، ثم قلت: أنتظره حتى يخرج فلعلّى أنال ما أردت إذا خرج، فلما خرج وتلبس دعا بالحمار وأدخل ا لمسلخ، وركب من فوق الحصير وخرج (ع) فقلت فى نفسى: قد والله آذيته ولا

أعود أروم ما رمت منه أبدا وصح عزمى على ذلك. فلما كان وقت الزوال من ذلك اليوم أقبل على حماره حتى نزل فى الموضع الذى كان ينزل فيه فى الصحن، فدخل

فسلم على رسول الله (ص) وجاء إلى الموضع الذى كان يصلى فيه فى بيت فاطمة (عليهما السلام) وخلع نعليه وقام يصلى «1».

بيان: كان المراد بالصحن الفضاء عند باب المسجد قوله فوسوس إنما نسب ذلك إلى الشيطان لما علم بعد ذلك أنه (ع) لم يرض به إما للتقية أو لأنه ليس من المندوبات،

أو لإظهار حاله والأول أظهر ولا يجوز على المجرد أو التفعيل هذا الذى وصفته استفهام تعجبى وغرضه أن مجيئه راكبا الى الحصير من علامات التكبير وهو ينافيأنا

جنيته أى جررته إليه والضمير راجع إلى هذا فى القاموس جنى الذنب عليه جره إليه «2».

عن محمد بن الريان قال: احتال المأمون على أبى جعفر (ع) بكل حيلة فلم يمكنه فيه شى‌ء فلما (اعتل و) أراد أن يبنى عليه ابنته دفع إلى مائة وصيفة من أجمل ما يكن

إلى كل واحدة منهن جاماً فيه جوهر يستقبلون أبا جعفر (ع) إذا قعد فى موضع الأختان فلم يلتفت‌

__________________________________________________

 (1) أصول لكافى ج 1 ص 493 و 494.

 (2) القاموس ج 4 ص 313.

                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 352

إليهن وكان رجل يقال له مخارق صاحب صوت وعود ضرب؛ طويل اللحية فدعاه المأمون فقال: يا أمير المؤمنين إن كان لى شى‌ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره.

فقعد بين يدى أبى جعفر (ع) فشهق مخارق شهقة (للغناء) اجتمع إليه أهل الدار وجعل يضرب بعوده ويغنى، فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا يلتفت إليه ولا يميناً ولا

شمالًا ثم رفع رأسه إليه وقال (ع) اتق الله يا ذا العثنون (اللحية الطويلة).

قال (الراوى) فسأله المأمون عن حاله قال: لما صاح بى أبو جعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبداً.

                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 353