عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

اهل البيت عند الرسول

اهل البيت عند الرسول

القرآن الكريم وبيان النبي لهذا القرآن (السنة النبوية) وجهان لعملة واحدة أو لشئ واحد، فلا يعرف أحدهما إلا بالآخر، ولا يفهم أحدهما فهما يقينيا إلا بالآخر، ولا تستقيم الحياة إلا بالاثنين معا. لقد اقتضت حكمة الله وطبيعة الإسلام كآخر دين، وطبيعة رسالة النبي، كخاتم للنبيين أن يكون التكامل والترابط بين القرآن والبيان النبوي مطلقا، فالنبي خلال حياته المباركة هو المالك الشرعي واليقيني لمفتاح بيان القرآن، ومعرفة المقاصد الإلهية من كل نص من نصوصه، وحرف من حروفه يفيض على الناس من هذه المعارف بحجم تطورهم واستيعابهم. وقد أعده الله تعالى وأهله لهذه المهمة.
وأتم الله نعمته وأكمل دينه يوم أعد وأهل وخصص (طواقم) فنية مهمتها القيادة والبيان من بعد النبي، وهم الأئمة الكرام من أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأعلن الله تعالى في القرآن الكريم بأن القرآن كتاب كريم لا يمسه إلا المطهرون، أي لا يعرف معناه ولا يجيد بيانه إلا المطهرون وهم أهل بيت النبوة، وبين النبي معنى هذه الآية وحدد من هم آل بيت النبوة بكل وسائل التوضيح والبيان، وفي اجتماع عام للمسلمين أعلن الرسول أن حجته تلك هي حجة الوداع، وأنه لن يلقى المسلمين بعد هذا العام، وأنه وبمجرد عودته إلى المدينة سيمرض وسيموت في مرضه، وأنه أراد أن يلقي القول معذرة للمسلمين، وأنه قد ترك من بعده ثقلين أحدهما كتاب الله وهو الثقل الأكبر وثانيهما أهل بيت النبوة، وهم الثقل الأصغر، وأن الأمة لن تهتدي إلا إذا تمسكت بالثقلين معا، ولا يمكن أن تتجنب الضلالة إلا بتمسكها بالاثنين معا، ثم سأل النبي المسلمين المجتمعين في غدير خم قائلا: ألست وليكم ؟ ألست مولاكم ؟ فأجاب المسلمون بلسان واحد، بلى يا رسول الله أنت ولينا ومولانا! فقال الرسول: من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن كنت مولاه فهذا على مولاه. وفهم المسلمون المغزى، وجلس علي وتقدم المسلمون واحدا واحدا وبايعوه بالولاية وقدموا له التهاني، وعرفوا بأن عليا هو أول أئمة أهل بيت النبوة، وأن الإمام من بعده هو ابنه الحسن، وأن الإمام من بعد الحسن هو ابنه الحسين، وأن نظام الولاية والقيادة من بعد النبي قد انتظم، فالقائم من الأئمة يعهد بالإمامة لمن يليه وفقا لترتيب ألهي عهد الله به لنبيه وعهد النبي به لأول الأئمة. وقد وثقنا كل ذلك في كتابينا:
(المواجهة مع رسول الله وآله) ونظرية عدالة الصحابة، فارجع إليهما إن شئت للتيقن من إجماع أصحاب الحديث على كل ما ذكرناه.
الانقلاب والتنكر التام للرسول ولبيانه ولأهل بيته الكرام
بطون قريش التي قاومت النبي وعادته طوال ال‍ 15 سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة، وحاربته طوال مدة 8 سنوات بعد الهجرة، ثم اضطرت مكرهة للدخول في الإسلام شكلت وأعوانها الأكثرية في المجتمع المسلم. لم ترق هذه الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول لتلك البطون. وبنفس الوقت فإن البطون قد أدركت بأن النبوة قد تمخضت عن ملك عريض، لذلك طمعت البطون بهذا الملك، وخططت لغصبه من أهله وأخذت تتحين الفرص لتنفيذ مخططها. لقد أدركت البطون عمق التكامل والترابط بين الكتاب المنزل وبيان النبي المرسل، وتيقنت من استحالة تنفيذ مخططها هذا في حالة بقاء هذا التكامل والترابط بين كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب. لذلك كله قررت بطون قريش وصممت نهائيا على أن تفرق بين الله ورسوله، وبين كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب، لتجمد عمليا كافة النصوص الشرعية التي أعلنها النبي والمتعلقة بمنصب البيان والقيادة من بعد النبي، وأن تتجاهل بالكامل هذه النصوص الصادرة عن النبي، وتعتبرها كأنها غير موجودة، أو في أحسن الأحوال مجرد آراء شخصية لمحمد بن عبد الله الهاشمي، مثلما قررت بطون قريش أن تهمل بالكامل أهل بيت النبوة الذين اعتبرهم الدين أحد الثقلين، فاعتبرهم بطون قريش مجرد أفراد مسلمين لا ميزة لهم على أحد في مجتمع كل أفراده قد اعتنقوا الإسلام. وبدأت بطون قريش بتنفيذ قراراتها. بعد دقائق من انفضاض الاجتماع التاريخي في غدير خم. وفي كتابنا (المواجهة) أثبتنا أن بطون قريش قد مهدت لقراراتها قبل غدير خم بسنين.
مرض النبي واتهامه بالهجر وإعلان النوايا بوضوح
بعد أيام من عودة النبي إلى المدينة مرض كما أخبر الناس في غدير خم، وكان سكان المدينة على يقين بأن مرض النبي هو مرض الموت، وإنه سيموت في مرضه كما أخبرهم النبي بذلك. وقد جرت العادة عند كل زعماء العالم وحتى رؤساء القبائل وعلية القوم أن يلخص الزعيم أو شيخ القبيلة، أو السيد لاتباعه الموقف من بعد موته، وأن يعلن توجيهاته وتعليماته النهائية لاتباعه فضرب النبي موعدا للخلص من أصحابه ليكتب توجيهاته النهائية للأمة. علمت بطون قريش بما عزم عليه النبي، فجمعت جمعا كبيرا، وبالوقت المحدد لكتاب التوجيهات النهائية اقتحم هذا الجمع بيت النبي، ودخلوه دون استئذان، فوجئ الخلص من أصحاب النبي، ولم يكن بوسع النبي أن يتراجع ولا ينبغي له فقال لمن حوله قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، وما أن أتم النبي كلامه حتى قال جمع البطون بصوت واحد، إن النبي قد غلبه الوجع، ولا حاجة لنا بكتابه، إن النبي يهجر!!
استفهموه إنه يهجر! وكرروا هذه الكلمة النابية على مسامعه الشريفة متجاهلين بالكامل وجوده، وحدث نزاع بين الخلص الذين دعاهم النبي وهم قلة، وبين الجمع الكبير الذي حشدته بطون قريش وارتفعت الأصوات، وأطلت النسوة من وراء الستر فقلن لجمع بطون قريش: إلا تسمعون رسول الله يقول لكم قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده! فنهر عمر بن الخطاب النسوة لأن رأيه كان كرأي بطون قريش وقال لهن: (إنكن صويحبات يوسف...) هنا أتيحت الفرصة للنبي ليتكلم فقال: (إنهن خير منكم، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع، ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه). وأدرك النبي أنه لم يعد هنالك ما يبرر كتابة توجيهاته النهائية، فلو أصر النبي على كتابة توجيهاته النهائية، لأصر جمع بطون قريش على اتهامه بالهجر مع ما يستتبع ذلك من عواقب مدمرة على الدين نفسه، لذلك صرف النبي النظر عن كتابة هذه التوجيهات، وخرج جمع البطون وخرج الخلص من أصحاب النبي، ونجح جمع البطون بالحيلولة بين النبي وبين كتابة ما أراد، ونجحت بطون قريش عمليا، ولأول مرة بالتفريق بين الله ورسوله، وبين كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب، ورفعت بطون قريش شعار: (حسبنا كتاب الله) أي يكفينا القرآن، ولسنا بحاجة لبيان النبي أو لوصيته!! وهكذا أعلنت بطون قريش نواياها وبكل سفور، فعرفها النبي، وعرفها الخلص من أصحابه. وخرج الرسول عمليا من التأثير على مسرح الأحداث، وصار الذين آمنوا قلة كما كانوا دائما، وسط كثرة تدعي الإسلام!! ومن المدهش حقا أنه ما من خليفة قط إلا وكتب توجيهاته النهائية وهو على فراش الموت، وقد اشتد به الوجع أكثر مما اشتد برسول الله ومع هذا لم يقل أحد من المسلمين قط لأحد من الخلفاء قط (حسبنا كتاب الله، أو أن المرض قد اشتد بك، ولا حاجة لنا بكتابك، بل على العكس كانت توجيهات الخلفاء تنفذ كأنها وحي من الله جاء به الله والملائكة قبلا).
قد يقول قائل أن هذا غير معقول!! ولا يمكن أن يعامل الرسول بهذه القسوة، ولكن هذا ما حدث بالفعل فأصح الصحاح عند أهل السنة صحيحا البخاري ومسلم، وقد سلما بوقوع ذلك كله وفي كتابينا: (نظرية عدالة الصحابة والمواجهة) سقنا ووثقنا كافة الروايات التي ذكرها البخاري ومسلم في صحيحهما. فارجع إليهما إن كنت في شك من ذلك.
منع رواية وكتابة أحاديث رسول الله
قبضت بطون قريش على مقاليد الأمور حتى قبل أن يدفن رسول الله، وكانت أول المراسيم التي أصدرتها دولة الخلافة أن منعت رواية وكتابة أحاديث الرسول -.
لأن كتابة ورواية أحاديث الرسول - تسبب الخلاف والاختلاف بين الناس! هكذا ورد بالمرسوم الأول لدولة الخلافة، وجاء بالمرسوم أيضا: (فمن سألكم عن شئ فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله)! فلم يعد بوسع أهل بيت النبوة، ولا بوسع غيرهم أن يروي حديثا أو يحتج بحديث إلا إذا كان هذا الحديث مؤيد لدولة الخلافة أو لسلوكها أو لاتجاهاتها، أو لسياساتها عندئذ يصبح هذا الحديث، أو ذلك سندا شرعيا لوجود دولة الخلافة، أو لسلوكها أو اتجاهها أو سياستها. كذلك لم يعد بوسع مسلم أن يكتب أحاديث الرسول، بل شجعت الدولة على حرق المكتوب من أحاديث الرسول، وبدأ الخليفة الأول بنفسه حيث كان قد كتب خمسمائة حديث أثناء حياة الرسول، قالت أم المؤمنين عائشة فبات الخليفة يتقلب ولما أصبح الصباح أحرق الأحاديث التي كتبها فعلمت أم المؤمنين عائشة ابنته بأنه لن يعدل بكتاب الله شئ، ولما جاء الخليفة الثاني اشتد في هذه الناحية فناشد الناس أن يأتوه بكل ما كتبوا من أحاديث رسول الله، وظن الناس أنه يريد أن يدونها ويكتبها فجاءوه بها فلما وضعت بين يديه أمر بتحريقها، وكان يوصي جيوشه قبل توجهها للقتال بعدم التحديث عن رسول الله! حتى لا يصدوا الناس عن القرآن الكريم!
وكان يقرع بشدة الذين يحدثون عن رسول الله! وكان يحبس بعضهم بتهمة الإكثار من التحديث عن رسول الله، وأحيانا يضرب بعضهم، لأنه لا يريد إلا القرآن، ولأنه مقتنع بأن القرآن وحده يكفي!! وقد سبقت هذه الحملة الرسمية حملة سرية قادتها بطون قريش، حتى والرسول على قيد الحياة، ونهت أولياءها من أن يكتبوا أحاديث رسول الله بحجة أنه بشر يتكلم في الغضب والرضى!
والأخطر من ذلك أن سنة الرسول الثابتة في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية صارت مجرد اجتهادات شخصية، وكان بإمكان الخليفة وبكل أعصاب هادئة أن يخالفها تماما، فالرسول مجتهد والخليفة مجتهد، ولا حرج أن خالف المجتهد مجتهدا مثله! فعلى سبيل المثال كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية لأن حاجات البشر الأساسية متشابهة، وهكذا فعل الخليفة الأول، ولما آلت الخلافة إلى الخليفة الثاني رأى أن الأنسب والأصوب عدم المساواة بين الناس في العطاء، بل عطاء الناس حسب منازلهم، فاجتهد وعمل جدولا للمنازل .
ووزع العطاء حسب هذا الجدول! وحسب هذا الجدول لم يساو حتى بين زوجات النبي، وقد أدت عدم التسوية في العطاء إلى نشوء الطبقات فملك بعض الناس الملايين من الدنانير الذهبية بينما كان الآلاف من المسلمين لا يجدون رغيف العيش، ولما رأى الخليفة الثاني تلك الآثار المدمرة لعدم التسوية في العطاء قال وبكل بساطة: (لئن استقبلت من عامي ما استدبرت لأعملن بسنة النبي وصاحبه ولأسوين بين الناس بالعطاء)!
ولما آلت الخلافة للخليفة الثالث كانت أول مراسيمه الإعلان عن عدم السماح برواية أي حديث لم يسمع به في زمن الخليفتين الأول والثاني. واستمر المنع الشامل على كتابة ورواية أحاديث الرسول. خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول ترسخت مفاهيم معينة عن الحديث النبوي والسنة النبوية بشكل عام وارتبطت هذه المفاهيم بالسلطة الغالبة التي أرست حجر الأساس العملي للفترة التي تلت موت النبي. فإذا استعرضنا الأحاديث التي أذنت السلطة بشيوعها وانتشارها خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول نجدها منصبة بالدرجة الأولى والأخيرة على تمجيد قريش وإبراز مكانتها كعشيرة النبي، وعلى فضائل الخلفاء الثلاثة ومصاهرتهم للنبي، ومكانتهم عنده، ودورهم البارز في نصرة النبي.
والتركيز على أن الرئاسة أو الإمامة أو الخلافة أو القيادة حق خالص للمسلمين، فهم وحدهم أصحاب الاختصاص ببيعة من يريدون، أما الأحاديث والسنن المتعلقة بالأحكام والعبادات والمعاملات، فلا حرج من روايتها إن كانت لا تتعارض مع اجتهادات الخلفاء وعلومهم، واجتهادات وعلماء أولياء الخلفاء.
وهكذا خضعت كتابة ورواية الأحاديث لرقابة السلطة الصارمة، فمنع رواية الحديث وكتابته شامل وكامل، ولكن السلطة أذنت بل وشجعت على رواية وكتابة ما يخدم سياستها وتوجهاتها العامة، وما يرغم أنوف معارضيها ويكبتهم، وقربت رواة تلك الأحاديث، فكعب الأحبار الذي أسلم بعد وفاة النبي يصغى إليه، ويتكلم ويسأل، وتقرب مكانته، وأبو ذر، وحذيفة وعمار بن ياسر يجبرون على السكوت، ويطاردون في الأرض، ويضربون وينفون من الأرض.
وما يعنينا بأن الأحاديث المتعلقة بالإمامة أو الولاية من بعد النبي.
والأحاديث المتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة وفضائلهم كانت محظورة ومحصورة حصرا تاما، وحيل بين الناس وبين معرفتها، وتم تجاهل أهل بيت النبوة سياسيا تجاهلا تاما، وتم استبعادهم وأولياؤهم عن كافة مراكز التأثير والخطر فتأخروا وهم المتقدمون، وتقدم عليهم كافة المتأخرين، فمع وجود علي بن أبي طالب يتمنى عمر بن الخطاب لو أن سالم مولى أبي حذيفة حيا ليوليه الخلافة، وسالم هذا مولى لا يعرف له نسب في العرب، فعمر بن الخطاب يعتقد حسب اجتهاده وموازينه أن سالم مولى أبي حذيفة هو أولى بخلافة النبي من علي بن أبي طالب ابن عم النبي، وأول المؤمنين به، وزوج ابنته ووالد سبطيه، وفارس الإسلام والولي الرسمي لكل مؤمن ومؤمنة، وسيد العرب وسيد المسلمين وإمامهم بالنص الشرعي!!
وعندما تمنى عمر لو أن سالم أو خالد، أو أبا عبيدة، أو معاذ بن جبل أحياء لولى أحدهم الخلافة، ويوضح عمر الأسباب فيقول فلو سألني ربي عن ذلك لقلت سمعت نبيك يقول، ويروي حديثا سمعه عن النبي في كل واحد من أولئك الذين تمنى عمر حياتهم!! والمثير حقا أن عمر نفسه سمع النبي يقول: (من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه، وسمع النبي وهو يقول عن علي: (إنه وليكم من بعدي) وسمعه وهو يقول له أنت سيد العرب، وأنت سيد المسلمين وإمام المتقين، والاهم من ذلك أن عمر نفسه قد هنأ الإمام علي بالولاية في غدير خم...
لكنها سياسة لجم الحديث النبوي وإلزامه على السير بما يتلاءم مع توجهات السلطة وإرغام أنوف معارضيها.
لما آلت الخلافة لعلي بن أبي طالب، وبايعته الأكثرية الساحقة التي بايعت الخلفاء الثلاثة، وجد أن دائرة الحصار والخطر على كتابة أحاديث الرسول محكمة تماما وأنه ليس من اليسير اختراقها وبيان الحقائق الشرعية للناس، لأن مضامين هذه الدائرة قد استقرت بعد أن أصبحت منهاجا تربويا وتعليميا رسميا للناس خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول، فأوجد الإمام طريقة خاصة لاختراق تلك الدائرة وفتح نوافذ فيها، فكان يشهد ويحدث شخصيا بما سمعه من النبي، وكان يغتنم فرصة تجمع الصحابة في اجتماع عام ويناشد قائلا: (نشدت الله امرءا مسلما سمع رسول الله في المكان الفلاني قد قال كذا أن يقوم... فيقوم العشرة والعشرون، ليشهدوا على أن الرسول قد قال كذا بالفعل، وكان يصدف أن بعض شانئي أهل بيت النبوة الذين سمعوا رسول الله لا يقومون، وإمعانا بإقامة الحجة عليهم يسألهم الإمام عن سبب عدم قيامهم مع أنه يعرف أنهم قد سمعوا الرسول وهو يقول...
فيدعون النسيان، ويصدف أن يدعوا الإمام على بعضهم، ويستجيب الله لدعوة الإمام، ويحمل السامع المنكر علامة تشهد بكذبه كما حدث يوم الرجعة ولقد استطاع الإمام علي خلال مدة حكمه أن يكشف للناس ما جهدت السلطة بإخفائه، طوال السنين التي تلت موت النبي الأعظم خاصة الأحاديث المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي، وبمكانة أهل بيت النبوة، وفضائلهم. وجاء معاوية فسن ما يمكن أن نسميه بحرب الفضائل، فسخر كافة موارد الدولة وإمكانياتها للحط من مكانة أهل بيت النبوة، وللتشكيك بكل ما نشره علي بن أبي طالب وأولياءه عن منصب القيادة من بعد النبي، وللتنكر لكل الفضائل التي قالها رسول الله عن أهل بيته، ولخلط الأوراق خلطا عجيبا أمر معاوية كافة ولاته وعماله أن لا يدعوا فضيلة يرويها أحد من المسلمين في علي وأهل بيت النبوة إلا وجاءوا بمثلها لأحد من الصحابة، فسالت سيول الفضائل، وانفتحت الأرض عن عشرات الآلاف من الرواة، فرووا عشرات الألوف من الفضائل ونسبوها للرسول، ثم أمرت الدولة بتدريس هذه المرويات في المدارس والمعاهد والجامعات، وفرضت دراستها على العامة والخاصة، فنشأ جيل يعتقد بصحة هذه المرويات، ثم انتقلت هذه المرويات من جيل إلى جيل واقتصر اهتمام المسلمين عليها، وبقي الحظر والمنع على رواية وكتابة أحاديث الرسول ساريا على ما سواها، وإمعانا بإرغام أنوف أهل بيت النبوة ومن والاهم أمر معاوية كافة رعاياه أن يلعنوا عليا بن أبي طالب وأهل بيته كما تلعن الشياطين، وأن لا يجيزوا لأحد ممن يحبهم شهادة، وأن يقطعوا عطاءهم ويهدموا دور الذين يوالونهم. (1).
ولما تولى الخليفة الأموي الفاضل عمر بن عبد العزيز الخلافة أدرك خطورة.
منع كتابة ورواية أحاديث الرسول، وخشي أن يندرس هذا العلم ويموت ما تبقى من أهله، فكتب إلى واليه على المدينة وكلفه بكتابة أحاديث الرسول، ولأن الخليفة على علم بتوجهات المجتمع فقد علل قراره بخشيته من موت العلماء، واندراس علم الحديث.
فاحتج علماء عصره، وضج المجتمع الإسلامي الذي تربى على ثقافة معينة! وتساءل الناس متعجبين ؟ كيف يجرؤ عمر بن عبد العزيز على اقتراف ما نهى عنه الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان! وأهمل أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز عمليا ولم ينفذ، لأن التوجه العام للمجتمع لا يحتمل ذلك، فمن غير الممكن أن يسمح بكتابة ورواية أحاديث صدرت عن رسول الله، تتضمن فضائل علي بن أبي طالب، مثلا في الوقت الذي أمرت فيه الدولة كافة رعاياها بلعنه!!
والتبروء منه!! ولا يحتمل مجتمع دولة الخلافة إبراز فضائل ومكانة أهل بيت النبوة في الوقت الذي تعتبرهم الدولة أعداء الخليفة وأعداء المجتمع!! ولكن على الرغم من أن أمر الخليفة لم ينفذ عمليا إلا أنه كان ثغرة واسعة في جدار سميك، وإعداد علمي للمجتمع ليرقى من طور إلى طور!!
وبعد قرابة مائة عام على موت الرسول اقتنع مجتمع دولة الخلافة بضرورة كتابة ورواية أحاديث الرسول، ولم تر دولة الخلافة في ذلك ما يهدد وجودها أو يمس استقرارها، فإيديولوجيتها الواقعية قد رتبت عمليا واستقرت في أذهان العامة خلال مدة المائة العام التي منعت فيها رسميا كتابة ورواية أحاديث الرسول، لهذا كله أذنت دولة الخلافة برواية وكتابة أحاديث الرسول، أو على الأقل لم تعترض على هذا التوجه الجديد!!
المصادر:
1- كتاب الأحداث للمدائني، وقول ابن نفطويه في شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أربعينية الإمام الحسين عليه السلام
مقتل الحسين عند رهبان اليهود والنصارى وفي كتبهم ...
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
زيارة أم البنين عليها السلام
ما حدث في مولد الرسول الأعظم (ص)
في خصائص صفاته واخلاقه وعباداته يوم عاشوراء
الإمام الصادق (عليه السلام) يشهر سيف العلم!
قرّاء القرآن و كيفية قراءته
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم
مفاتيح الجنان(300_400)

 
user comment